يعتبر امتلاك سيارة أمراً شائعاً في دبي. ارتفاع أسعار النفط، الذي يواجهه السائقون في كافة أنحاء العالم، لا يعد مقلقاً بالنسبة للسائقين في دبي. إضافة إلى ذلك، فعدم وجود ضرائب يوضح سبب اعتبار السيارات الشخصية وسيلة المواصلات المفضلة في المدينة حالياً. إلا أن سكان دبي أصبحوا الآن يشعرون بالنواحي السلبية الناتجة عن وجود هذا العدد الضخم من السيارات في الطرقات.
أصبح الازدحام المروري جزءاً من الروتين اليومي للمدينة، وأصبحت طوابير السيارات التي تتجاوز في بعض الأحيان عدة كيلومترات طولاً منظراً مألوفاً في التقاطعات والطرق الرئيسية. وتقول إحدى ساكنات مشروع جرينز في دبي إن المسافة بين عملها وبيتها والتي تبلغ 30 كم أصبحت تحتاج الآن ضعف الوقت الذي كانت تحتاجه منذ سنة. وتضيف "الوضع يصبح أصعب فأصعب شهراً بعد شهر."
الاطلاع على الإحصائيات السكانية للمدينة يوضح أن الازدحام المروري سوف يبقى مشكلة يواجهها سكان المدينة خلال الفترة القادمة. هناك الآن 465.000 مركبة مسجلة في دبي، إضافة إلى 5000 سيارة أجرة. وهناك عدد كبير من سكان الإمارات المجاورة ممن يعملون في دبي. وهذا يعني أن هناك أكثر من مليون مركبة تجوب شوارع دبي، وتقوم بما معدله 3.1 مليون رحلة يومياً. والأهم من ذلك، أن عدد المركبات يتزايد باستمرار. فمعدل نمو المركبات في دبي حالياً هو 12 بالمائة، ومن المتوقع أن يستمر النمو على هذا النحو. كما أنه يتوقع أيضاً أن يزداد عدد سكان دبي ليصل إلى أربعة ملايين شخص عام 2022، وأن يزداد عدد الرحلات إلى 13.1 مليون رحلة يومياً.
من الواضح أن شبكة الطرق الحالية تحتاج إلى دعم، وهذا ما تخطط بلدية دبي لفعله. وفقاً للمهندس ناصر أحمد سعيد، مدير قسم الطرق ومنسق مشروع سكة قطارات دبي (LRT)، فإن ما مجموعه 4 مليارات درهم سوف يتم استثماره في نظام الطرق في دبي خلال العامين المقبلين. وهذا استثمار ضخم، خاصة بالنظر إلى أن قيمة شبكة الطرق الحالية في المدينة تساوي 9.1 مليار درهم.
تشمل المخططات تطويرات مكثفة لأحد أهم شرايين المدينة، شارع الشيخ زايد، وتضم معبراً رابعاً فوق الخور، قرب فيستيفال سيتي. وهذا سوف يساعد على تدفق السير بانسيابية أكبر بين ديرة وبقية المدينة، الأمر الذي يشكل حالياً أزمة كبرى.وسوف يصل المعبر الرابع إلى طريق جديد، موازٍ لشارع الشيخ زايد، يصل من حدود الشارقة إلى أبو ظبي. وهناك خبر سار للذين يقودون سياراتهم يومياً بين دبي والشارقة، هو إضافة مسارات جديدة لطريق الإمارات، بحيث يستطيع استيعاب عدد أكبر من المركبات. إضافة إلى ذلك، سيضاف معبر من طريق الإمارات إلى العاصمة، للاستخدام من قبل الشاحنات.
كما سوف تحمل شوارع دبي قريباً لوحات إعلانية ذات رسائل متغيرة، تبقي السائقين على علم بأحوال الطرق من ناحية الازدحام، بحيث تساعدهم على تجنب الاختناقات المرورية. وسيتم تنفيذ معظم المشاريع المذكورة قبل نهاية العام المقبل.
ورغم وجود مشاريع تطوير ضخمة قادمة، فليس من المتوقع أن تنتهي مشكلة السير تماماً. يقول سعيد: "في بعض الأحيان، لا يمكن حل المشاكل بواسطة حل هندسي، حيث أن عدد السيارات أكبر بكثير من استيعاب شبكة الطرق." ويضيف "من الخطأ أن نقول بأننا نستطيع دائماً حل مشكلات السير بإضافة طرق وجسور جديدة." فكثيراً ما يكون الحل، كما يرى سعيد، عن طريق إدارة شبكة الطرق الموجودة حالياً عوضاً عن توسيعها.
يؤكد سعيد على الحاجة لوضع المزيد من التحكم على الطرق، بحيث تتم السيطرة على تدفق السير بشكل أفضل. الإدارة الأفضل تشمل تقييد الساعات التي يمكن فيها للمركبات الثقيلة السير في الطرق، وجعل ساعات العمل للموظفين مختلفة قليلاً عن بعضهم البعض في القطاعات المختلفة، لمنع اكتظاظ الطريق بعدد هائل من السيارات في أوقات محددة. تحصيل رسوم على المرور بالطرق الأكثر ازدحاماً يعتبر خياراً آخر، تفكر البلدية في تطبيقه حالياً.
وأحد الحلول لأزمات السير الحالية هو تشجيع المزيد من الناس على استخدام نظام النقل الجماعي بالحافلات المتوفرة حالياً في المدينة. يقول سعيد "تطوير نظام النقل الجماعي هو أحد أهم أساليب التحكم بالسير." وحتى هذه اللحظة هناك 200 ألف راكب يستخدمون شبكة النقل كل يوم. ورغم عدم وجود إحصائيات حول الموضوع، يبدو أن مستخدمي الحافلات في دبي ينتمون إلى أقل الفئات دخلاً، بينما يعتبر المهنيون ذوي الدخول العالية أن امتلاك سيارة أمر ضروري لمظهرهم.
سعيد مصمم على تغيير هذا. يقول "إذا توفرت هناك خدمة جيدة من الباب إلى الباب، عندها لن يعود هناك داعٍ لامتلاك سيارة." وبالنسبة لسعيد، فإن الركاب يجب ألا يمشوا مسافة تزيد على 300 متر ليستطيعوا الاستفادة من خدمة الحافلة. يوجد حالياً 537 حافلة في دبي، تخدم 58 شارعاً. وتخطط البلدية لزيادة عدد الحافلات في محاولة لتقديم الخدمة إلى قسم أكبر من المدينة. هناك أيضاً مخططات جارية لتطوير المواقف الجانبية على جميع الطريق بحيث تجعل انتظار الحافلة أكثر سهولة.
من الحلول الأساسية لمشكلة السير مشروع قطار دبي، والذي يجري بحثه وتصميمه من قبل البلدية منذ عام 2022. يقول سعيد "سوف يشكل دبي مترو حلاً للعديد من المشاكل، لأن خطاً واحداً من خطوطه يعادل 60 مساراً على الطريق." وتشمل فوائد القطار تقليل عدد السيارات في شوارع دبي، تسهيل المرور، وزيادة السلامة على الطرقات. كما أن المشروع أكثر ملاءمة للبيئة من السيارات والحافلات، وسوف يساعد على تقليل التلوث في المدينة. وهذا المشروع الذي يخدم 50 ألف راكب في الساعة سوف يتمكن من تأمين المواصلات اللازمة حتى ما بعد عام 2022.
وهذا المشروع الذي تصل تكلفته إلى 12.5 مليار درهم هو حالياً في آخر مراحل مناقصته، حيث تم اختيار 5 شركات لتقديم العروض النهائية. ويقول سعيد "لقد أتممنا أخيراً الهندسة التفصيلية وتصميم المشروع، وقمنا بتسليم المستندات إلى خمس شركات متنافسة لتقديم عروضها".
أماعملية المناقصة فتتم على مرحلتين، أولهما تقديم العروض التقنية، بينما ينتظر تقديم العروض التجارية والأسعار النهائية بتاريخ 28 فبراير، 2022. ويتوقع من الشركات أن تقدم حلولاً تمويلية مع عروضها، تغطي 90% من تكلفة المشروع، مع برنامج لاستعادة التكاليف والمدفوعات خلال فترة زمنية تتراوح ما بين 12 و20 عاماً، معظمها من دخل العمليات السنوي.
وسوف تستثمر حكومة دبي 10% هي المبلغ المتبقي من التكلفة. ويتوقع أن يتم إرساء العقد بحلول مارس أو أبريل 2022، وبدء العمل في الموقع في مايو 2022.
تغطي المرحلة الأولى من المشروع 43 كيلومتراً، وسوف تمتد من الراشدية إلى جامعة دبي الأميركية. ويتوقع إنهاء المرحلة الأولى في مايو 2022. أما المرحلة الثانية فسوف تضيف 29 كيلومتراً إلى الشبكة، تغطي المسافة بين جامعة دبي الأميركية وميناء جبل علي. هناك خط آخر يصل بين المنطقة الحرة لمطار دبي، ومدينة دبي للخدمات الطبية، يبدأ العمل فيه بعد إكمال المرحلة الأولى، ويتوقع إكماله في 2022.
ويتضمن كلا الخطين أقساماً مرتفعة وأقسام تحت الأرض، مع محطتي تقاطع في مربع الاتحاد وبرجمان.
وسيكون حوالي 30% من المشروع تحت الأرض، بينما الباقي على سكك مرتفعة عن الأرض. وسيطبق النظام تحت الأرض في المناطق المركزية من دبي للحفاظ على الهيئة الجمالية للمدينة، بينما تقام السكك المرتفعة في الأجزاء الخارجية من الإمارة.
وستقام 55 محطة على امتداد الخطوط تفصل بينها مسافات تتراوح بين كيلومتر وثلاثة كيلومترات، وسوف يعمل على الخط 99 قطاراً يحتوي كلٌ منها على 5 مقصورات، تشمل الدرجة الأولى ومقصورة خاصة للنساء والأطفال. وستكون القطارات آلية، تعمل دون سائق، وهناك مخططات لاستخدام الشبكة في نقل البضائع ليلاً بحيث يكون المشروع أكثر جدوى اقتصادياً.
ويشير سعيد إلى أن المشروع سوف يدر دخلاً سنوياً يزيد عن 500 مليون درهم، إذا كان معدل سعر البطاقة 3 دراهم للشخص في الرحلة الواحدة، فيما يتوقع أن تصل تكاليف التشغيل والصيانة إلى 200 مليون درهم سنوياً.
وبقدر ما تبدو التغييرات شيقة، فما زال على السائقين أن يتعاملوا مع مشكلة الازدحام في المستقبل القريب. ولذا ينصح سعيد بتجنب ساعات الذروة قدر المستطاع، والقيادة بحذر حيث تسبب الحوادث تأخيراً لجميع من على الطريق.
الازدحام المروري حول العالم
تتوقع الأمم المتحدة أن يكون هناك 23 مدينة أو ضاحية كبرى يبلغ عدد سكانها أكثر من 10 ملايين نسمة حول العالم بحلول العام 2022. وبينما يزداد عدد السكان، تزداد أيضاً مشاكل الازدحام المروري.
كما وينتظر أن تصبح أدوات إدارة المرور أكثر شعبية عند مخططي المدن حول العالم. فقبل نحو سنتين، قامت لندن باستيفاء رسم 5 جنيهات يومياً باسم "رسم ازدحام لندن"، ويبدو أن العديد من المدن سوف تحذو حذوها.
واستناداً لجريدة الأوبزيرفر، فإن 26 من أصل 34 مدينة في 15 دولة أوروبية قد أظهرت دعماً كبيراً لفرض أحد أشكال الرسوم. وفي 11 دولة في أمريكا اللاتينية، أظهرت 47% من المدن دعماً كبيراً، وقالت 40% من المدن أنها تفكر في الأمر.