ومابي غير لو سمحتوااأ..
ومابي غير لو سمحتوااأ..
كان حب الشاعر و تولعه للكتب و الشعر منذ صغره حيث كان لا يزال في سن التاسعة من عمره ، و ظل محافظاً على القصيدة العمودية طوال سنين عمره في مختلف أنواع الشعر سواء كان في شعره النبطي(العامي) أو الفصيح .
في الخمسينات من القرن الماضي – الحادي و العشرين – تنقل الشاعر ما بين جزيرة " سقطرة" في بحر العرب ، و الكويت و السعودية و البحرين ، و ذلك من أجل العمل في تلك المناطق ، و في السبعينات من نفس القرن انتقل للعيش في إمارة دبي قس دولة الإمارات العربية المتحدة .
كان للشاعر حمد عدة اهتمامات من أهمها : اهتمامه بتوثيق التراث الإماراتي من الشعر الشعبي و كذلك تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة و الأنساب في المنطقة . و من ثم أشرف على إصدار عدد كبير من الدواوين الشعرية لشعراء النبط في الإمارات .
حصل الشاعر على عدة مناصب منها : تم تعيينه وزيراً مفوضاً بوزارة الداخلية ، و عضو في لجنة التراث و التاريخ ، و كما تسلم إدارة مكتب وزارة الإعلام في الإمارات الشمالية في الفترة ما بين ( 1972 – 1976) و في خلال إدارته أنشأ مكتبات عامة في تلك المناطق . و أيضاً يعد الشاعر الإماراتي حمد بن خليفة أبو شهاب أول من قدم برنامج الشعر الشعبي في التلفاز و ذلك عبر تلفزيون الكويت في عام 1971 و كما يعد أول من نشر الشعر الشعبي في الصحافة اليومية عبر إشرافه على صفحة الشعر الشعبي في صحيفة البيان ،
توفي الشاعر حمد بن خليفة أبو شهاب في يوم الاثنين بتاريخ 19/8/2017 في جنيف .
الموضوع
ولد الشاعر حمد بن خليفة أبو شهاب في عجمان في عام 1932 ، في منطقة تقع في وسط عجمان يقال لها "الفريج الوسطي" ، و هم من أصول فلاحية ، أما أمه فهي سويدية من قبيلة السودان . كانت حافظة الشاعر حمد بن خليفة أبو شهاب قوية منذ صغره و كان يجالس الشعراء من مثل : راشد سالم الخضر ، حمد بن سليمان ، ناصر بن محمد ، و المرحوم عبدا لله الشيبة ، فأخذ يحفظ ما يقولون و يكتبه و قد بدأ بالكتابة في سن التاسعة .
تعلم الشاعر حمد أبو شهاب في بداية تعلمه في الكتاتيب ، ثم دخلت عجمان نهضة علمية حيث فتح عبد الكريم مدرسة أسماها " المحمدية " و كانت شبه نظامية فدخل الشاعر حمد تلك المدرسة ، حيث اهتم بدراسة النحو و الفقه ، فأكثر من القراءة و داوم على الكتابة
أحب الشاعر حمد أبو شهاب الشعر مبكراً فحفظه و أتقنه و قرأه في المجالس و تغنى به ، و بعد ذلك بدأ يكتبه ، و ذهب الشاعر أبو شهاب مع والده إلى "سقطرة" حيث تعلم " الطواشة" – أي فنون بيع و شراء اللؤلؤ – عندما عاد لموطنه فتح لنفسه بقالة ، ثم ذهب للكويت حيث اشتغل هناك كاتباً للغواصين في السوق ، وواصل أبو شهاب رحلته إلى السعودية و عمل كاتباً عند أناس يعرفون بــ " الجلاهمة " في الدمام ، ثم توجه إلى البحرين و عمل هناك لفترة بسيطة و أخيرا عاد إلى أرض وطنه – دولة الإمارات العربية المتحدة – لينتقل من عجمان إلى دبي فعمل عند التاجر الكيتوب ضابطاً للحسابات و اختلط بشعراء و أدباء دبي .
كان الشاعر حمد أبو شهاب مثالاً للأب الصارم ن فقد ربى أبناؤه تربية متشددة ، و كان لا يتهاون في أمر الصلاة بالذات التي يجب تأديتها في المسجد ، و كان كثير التوجيه لأبنائه للالتزام بالعادات الإسلامية و العربية المتوارثة عن الأجداد ، و كان أكثر ما يهمه هو احترام الكبير ، خاصةً من الأصغر سناً و أيضاً كان اهتمامه شديداً بتحصيل أبنائه الدراسي حيث كان يتابع تطوراتهم و تدقيق درجاتهم التي يحصلون عليها ، حتى نال أبناؤه الستة – 3 أولاد و 3 بنات – على الشهادة الجامعية .
في مطلع السبعينات عندما قامت الدولة تولى مهمة إنشاء المكتبات العامة في مناطق مختلفة و ذلك عندما كان يعمل مديراً لمكتب وزارة الإعلام في الإمارات الشمالية ، ثم تم تعيينه عضواً في لجنة التراث و التاريخ .
كانت للشاعر حمد أبو شهاب علاقة قوبة مع صاحب السمو الشيخ زايد – رحمه الله – و الشيخ محمد بن راشد – نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي – ، و الكثير من غيرهم من الأدباء و الشعراء في دبي و أبو ظبي ، ووطد الشاعر حمد بن خليفة علاقته معهم و حرص أن ينهل منهم المعرفة و يتبادل معهم العلم .
و كان للمرحوم الشيخ زايد ذكراً طيباً في قصائده ..
للشاعر حمد بن خليفة أبو شهاب عدة مؤلفات و دواوين سأنتقي أهمها :
1- ديوان سلطان بن علي العويس عام 1978
2- ديوان تراثنا من الشعر الشعبي – الجزء الأول عام 1980 ، والجزء الثاني عام 1981
3- ديوان شاعرات من الإمارات- عام 1984
4- ديوان ربيع بن ياقوت، المجموعة الكاملة – عام 1988
5- ديوان صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – عام 1991
6- ديوان قصائد مهداة إلى صاحب السمو رئيس الدولة – عام 1995
7- وقفات مع تاريخ دولة الإمارات – عام 1997
ما بين البدايات ، والرحيل ، ثمة تاريخ حافل سجله الشاعر الإماراتي حمد بن خليفة أبو شهاب ليس بما يتصل بالذات و الشخصي فقط ، و إنما يتصل بالوطن و الإنسان و النتائج منذ وقوفه أمام صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله – و هون يقرأ قصيدته ، و حتى إسهاماته الجلية بخلق تاريخ شعري في الصحافة و الإذاعة و التلفاز .
و هكذا … ملامحه البدوية و سدادة رأيه و مواقفه و قوافيه وسيرته و عناوين أخرى كلها تدل على شخصية واضحة و جلية اسمها حمد بن خليفة أبو شهاب .
تأثر الشاعر كثيراً بالمتنبي و شغل في ذائقته حيزاً واسعاً لسنوات طوال ، و كان لذلك أثراُ ايجابياً في حياة الشاعر ، حيث أصبح سيد الحكمة في القصيدة و كما أنه ظل محافظاً على هذه الروح ، و قابضاً على جمرة الأصالة في الزمن الاستهلاكي .
لم يكن الشاعر حيادياً بل قضى حياته بين صلابة الرأي و رقة التعامل مع الآخرين ، بين قوةالكلمة و رقة القافية ، بين رقة المفاهيم و مرونة الطرح و المعالجة بين حمد أبو شهاب و الشاعر حمد أبو شهاب الصديق و الإنسان ، ثم بين فصاحة الكلمة في القصيدة العربية و بين عامية اللهجة في القصيدة النبطية . في كل هذه الأطراف دائماً هناك روحية شاعر لا يقبل بأقل من المحبة و الوضوح و الجرأة ، و لا يقبل بأقل من الانتماء المطلق لأهله و بلاده و أمته و دينه .
لم يكن الشاعر عابراً دون صوت ، لم يكن والداً دون أبناء الشعر ، ولا قدماً دونما اثر واضح .
إنه الشاعر الذي سكن في الطابع ، يتابع الأغلفة و يصحح الأخطاء من أجل غيره ، و لكن من أجل بلاده و القارئ في كل مكان .
ارتبط الشاعر حمد بن خليفة أبو شهاب ارتباطاً كبيراً بالقصيدة النبطية و في هذا المجال نعود للعام 1981 حين أسس الشاعر صفحات الشعر الشعبي في جريدة البيان فكانت نافذة مهمة يطل من خلالها الشعراء على تراثهم و جديدهم في آن واحد ، و هي نافذة اللهجة الأم بكل الحنين و كل الدفء في العلاقات الاجتماعية و الثقافية . تلك هي قصيدة النبط أو القصيدة المحلية الشائعة في الإمارات و منطقة الخليج و البلاد العربية .
كان الشاعر حمد أبو شهاب أول من قدم مجالس الشعراء في التلفاز عبر تلفزيون الكويت في دبي عام 1971 ، وأول من نشر الشعر الشعبي في الصحافة اليومية عبر جريدة البيان عام 1981 ، و أول شاعر إماراتي تغنى إحدى قصائده في مصر ، فقد لحن و عنى قصيدته " عيد الفرج" على مسرح البالون في القاهرة في منتصف السبعينات و يعد كتابه " تراثنا من الشعر الشعبي " درة الكتب التي أصدرها فقد كان هذا الكتاب حصيلة جهد 40 عاماً ، جمع خلالها قصائد شعراء متوفين منذ 350 سنة و أكثر ، وقد طاف البلاد ليكون دقيقاً في الجمع و التدقيق و التحري .
كان الشاعر محافظاً على صلة أرحامه و كما كان و فياً لأصحابه فقد كان لديه جدول يومي للزيارات ينتقل خلاله إلى 5 أو 6 أماكن بالإضافة إلى الزيارات الأسبوعية ، و قد كان يشكو أحياناً من عدم مبادلتهم للزيارة ، و بعد وفاته لام الكثير أنفسهم لتقصيرهم تجاهه .
تتلمذ على يد الراحل حمد أبو شهاب عدد من شعراء القصيدة النبطية ، وقد حرص تلاميذه على النهل منه للاستفادة من خبراته و توجيهاته . كان الشاعر حمد متشدداً عليهم و ذلك حتى يتقنوا الشعر و كما كان لا يجامل تلاميذه و كان صريحاً جداً معهم ، و أيضاً كان يطلب منهم دائماً أن يطوروا أنفسهم و يكثفوا قراءتهم حتى تكون كتاباتهم أفضل ، و كان الشاعر حمد أبو شهاب لا يثني على الشاعر في حضوره فقد كان يمتدحه أما الآخرين .
للشاعر حمد بن خليفة دور كبير في وسائل الإعلام ، فكانت له أساليبه الصحيحة للنقد ، لأن عند إشرافه على أية وسيلة يهتم بكونها مبدعة ، و ليس الإبداع وحده كان همه ، فقد كان صريحاً و غير متسرع في نشر ما يصل إليه ، بل كان يلقي عليه نظرة و يدققه ، و حرص أن لا تلمس القصيدة أي ركن من أركان الإسلام و لا تحمل عادة سيئة و لو بالتلميح ، مع كل هذا كان الشاعر رقيق القلب كالطفل ، و كان دائماً معتزاً بقصائده التي يتبادلها مع صاحب السمو الشيخ زايد – رحمه الله- و صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ..
كان الشاعر حمد بن خليفة حاد الطباع و قد اتفق الجميع على ذلك ، و كما أنه غير متسامح مع الخطأ في اللغة و الشعر بالذات فقد كان سريع الغضب و لكنه مع ذلك رجل ذو شخصية صادقة لا يقبل الكلام غير الموزون خاصة إذا كان قصيدة و لا يقبل الكلمة الناقصة و لا يجامل من يخطئ .
كثيراً من الناس ما خلطوا بين صراحته و حدة طبعه ، و هذا جلب له الكثير من المتاعب الصحية و خلق له عداوات مع الآخرين الذين لم يفهموا على أي أساس يبني مواقفه ، فهناك أمور لا داعي للمجاملة فيها ، و كان يعترف أنه سريع الغضب و هو أمر يزعجه جداً ..
في الساعة العاشرة صباحاً من يوم الثامن من أغسطس و صل الشاعر إلى قصر الشيخ زايد في جنيف ، و جلس يتبادل الحديث مع الشعراء ، فقد دار بينهم الحديث عن العملية التي أجراها قبل سنوات لتغيير 5 شرايين في قلبه ، حيث حدثهم عن نجاح تلك العملية و حمد الله تعالى أنه لا يشكو من شي الآن . ثم تمت دعوته إلى الحضور لمجلس الشيخ زايد ، فوقف الشاعر أمام الشيخ زايد – رحمه الله – فحدثه عن سيره الشيخ زايد منذ أن كان في العين ، و صفاته بأبيات من الشعر ، و كانت تلك من أفضل السير التي سردها أبو شهاب و دونها ، و قد قرأ حينها 3 صفحات بثبات ، و ثم فجأة سقط على الطاولة ، فأسرع الحاضرون باستدعاء سيارة الإسعاف لنقله إلى المستشفى ، و يقال أنه أصاب بنوبتين في طريقه للمستشفى ، وأصيب بالثالثة في المستشفى ، و بقي تقريباً أسبوع في غرفة الإنعاش من دون أن يتحدث خلالها إلى أحد حتى انتقلت روحه إلى باريها في 19 / 8 /2017
الخاتمة
هذا هو محمد بن خليفة أبو شهاب , تعجز السطر على حمل صفاته وسيرته,عشق الشعر واخلص له فقد كان أول من قدم برامج الشعر الشعبي في التلفزيون و أول من نشر الشعر الشعبي في الصحافة اليومية و أشرف على إصدار عدد كبير من الدواوين الشعرية لشعراء النبط في الإمارات, وتسلم مناصب عديدة في الدولة من مثل عين وزيراً مفوضاً بوزارة الخارجية ثم عضو لجنة التراث والتاريخ ومن ثم تسلم إدارة مكتب وزارة الإعلام في الإمارات الشمالية,رغم كل هذا لم يقصر في أداء واجبة كأب اتجاه أبنائه.
اممم بس لو تحطيين صووره او اشعاار من اشعاره
سووري ع المغثه
ب’ـآرك الله فيج ويزآج لله ألف خير . .
algulla’ ..
الميلاد 1889)
المحيدثة – المتن الشمالي
جبل لبنان – لبنان
الوفاة 1958
المهنة شاعر
اللقب شاعر الأمل والتفاؤل
الجنسية لبناني
إيليا أبو ماضي (1889[1] أو 1890[2] – 23 نوفمبر 1957) شاعر عربي لبناني يعتبر من أهم شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين.
ولد إيليا ضاهر أبي ماضي في المحيدثة في المتن الشمالي في جبل لبنان عام 1891 وهاجر إلى مصر سنة 1900م وسكن الإسكندرية وأولع بالأدب والشعر حفظاً ومطالعة ونظماً. أجبره الفقر أن يترك دراسته بعد الابتدائية، فغادر لبنان إلى مصر ليعمل في تجارة التبغ، وكانت مصر مركزاً للمفكرين اللبنانيين الهاربين من قمع الأتراك، نشر قصائد له في مجلاتٍ لبنانية صادرة في مصر، أهمها "العلم" و"الاكسبرس"، وهناك، تعرف إلى الأديب أمين تقي الدين، الذي تبنى المبدع الصغير ونشر أولى اعمال إيليا في مجلته "الزهور" توفي سنة 1957.
مسيرته الأدبية
في مصر، أصدر أبو ماضي أول دواوينه الشعرية عام 1911، بعنوان "تذكار الماضي"، وكان يبلغ من العمر 22 عاماً، شعره السياسي والوطني جعله عرضةً لمضايقات السلطة الرسمية، فهاجر عام 1912 إلى أمريكا الشمالية، وصل أولاً إلى مدينة سينسيناتي، وهناك عمل مع أخيه مراد في التجارة، وتنقل بعدها في الولايات المتحدة إلى ان استقر في مدينة نيويورك عام 1916 وهناك عمل نائباً لتحرير جريدة مرآة الغرب وتزوج من ابنة مالكها السيدة دورا نجيب دياب وأنجبت له اربعة أولاد.
تعرف إلى عظماء القلم في المهجر، فأسس مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة الرابطة القلمية، التي كانت أبرز مقومات الأدب العربي الحديث، وتعتبر هذه الرابطة أهم العوامل التي ساعدت أبي ماضي على نشر فلسفته الشعرية.
في 15 أبريل 1919، قام إيليا أبو ماضي بإصدار أهم مجلة عربية في المهجر، وهي"مجلة السمير" التي تبنت الأقلام المغتربة، وقدمت الشعر الحديث على صفحاتها، واشترك في إصدارها معظم شعراء المهجر لا سيما أدباء المهجر الأمريكي الشمالي، وقام بتحويلها عام 1936 إلى جريدة يومية. امتازت بنبضها العروبي. لم تتوقف "السمير" عن الصدور حتى فارق الشاعر الحياة بنوبة قلبية في 13 نوفمبر 1957.
أهم الأعمال
تفرغ إيليا أبو ماضي للأدب والصحافة، وأصدر عدة دواوين رسمت اتجاهه الفلسفي والفكري أهمها:
"تذكار الماضي" (الإسكندرية 1911): تناول موضوعات مختلفة أبرزها الظلم، عرض فيها بالشعر الظلم الذي يمارسه الحاكم على المحكوم، مهاجماً الطغيان العثماني ضد بلاده.
"إيليا أبو ماضي" (نيويورك 1918): كتب مقدمته جبران خليل جبران، جمع فيه إيليا الحب، والتأمل والفلسفة، وموضوعات اجتماعية وقضايا وطنية كل ذلك في إطار رومانسي حالم أحياناً وثائر عنيف أحياناً أخرى، يكرر شاعرنا فيه تغنيه بجمال الطبيعة.
"الجداول" (نيويورك 1927): كتب مقدمته ميخائيل نعيمة.
"الخمائل" (نيويورك 1940): من أكثر دواوين أبي ماضي شهرةً ونجاحاً، فيه اكتمال نضوج ايليا أدبياً، جعله شعر التناقضات، ففيه الجسد والروح، والثورة وطلب السلام، والاعتراف بالواقع ورسم الخيال.
"تبر وتراب"
"الغابة المفقودة"
" قصص الأغرش ومرأته الهبلة " "مغامرات احمص مع مجمع الهندى
بالتوفيق ولا تنسوني من الردود والتقييم
بالتوفيق
http://www.uae.ii5ii.com/showthread….367#post960367
بالتوفيق
يزاها ربي كل خير .
موفقين ,,
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على افضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم اما بعد
–فقد جاء في تقريري هذا عن (شاعر عمر أبو ريشة شخصية من التاريخ) ,والسبب الكامن وراء اختياري هذا الموضوع هو ما تركه شاعر عمر أبو ريشه من اشعار التاريخ
ومن الصعوبات التي واجهتني قلة ما كتب حول شخصية شاعر عمر أبو ريشة التاريخية وتشتت المعلومات بين لمجلات و الكتب.والانترنت .
وفي النهاية أتقدم بالشكر لكل من ساعدني في اتمام هذا البحث, وأرجو أن يكون بحثي هذا مفيدا لأبناء وطني واعتذر عن كل تقصير فيه ،حاولت الوصول الى درجة الاتقان لكن الكمال لله وحده
ونسال الله التوفيق والسداد.
………
سيرة الشاعر عمر أبو ريشة
ولد عمر أبو ريشة في منبج بلدة أبي فراس الحمداني في سوريا عام 1910 وتلقى تعليمه الابتدائي في حلب .أكمل دراسته الجامعية في بيروت في الجامعة الأمريكية حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم عام 1930م ثم أكمل دراسته في لندن في صناعة النسيج ، وهناك قام بدعوة واسعة للدين الإسلامي بلندن .
ثار على بعض الأوضاع السياسية في بلادة بعد الاستقلال وامن بوحدة الوطن العربي وانفعل بأحداث الأمة العربية بشدة
مناصبه :
• عضو المجمع العلمي العربي دمشق
• عضو الأكاديمية البرازيلية للآداب كاريوكا- ريودي جانيرو
• عضو المجمع الهندي للثقافة العالمية
• وزير سوريا المفوض في البرازيل 1949 م 1953 م
• وزير سوريا المفوض للأرجنتين والتشيلي 1953 م 1954 م
• سفير سوريا في الهند 1954 م 1958 م
• سفير الجمهورية العربية المتحدة للهند 1958م 1959 م
• سفير الجمهورية المتحدة للنمسا 1959 م 1961م
• سفير سوريا للولايات المتحدة 1961 م 1963م
• سفير سوريا للهند 1964 م 1970 م
• يحمل الوشاح البرازيلي والوشاح الأرجنتيني والوشاح النمساوي والوسام اللبناني
•
برتبة ضابط أكبر والوسام السوري من الدرجة الأولى وآخر وسام ناله وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى وقد منحه إياه الرئيس اللبناني إلياس الهراوي . شردته الكلمة اثنين وعشرين عاما في مشارق الأرض ومغاربها وهذا شأن كل صاحب كلمة .
وتُوفي رحمه الله في الرياض عام 1990 م .
نفسيته في شعره:
الشاعر عمر أبو ريشة شاعر أصيل متمكن في مجال الشعر له أسلوبه المميز والمنفرد ، وله طريقته في الشعر وسمته التي يتميز بها عن غيره من الشعراء فأنت تقرأ قصيدة من شعره تسير على نمط معين ولكنه يفاجئك في أخرها ببيت يختم به قصيدته تلك ويكون هذا البيت خلاف ما تتصور فيكون بيت مفاجأة أو إثارة بالإضافة إلى أن الشاعر يحشد كما هائلا من الصور والأخيلة في قصيدته حتى لكأنك وسط معمعة من المفاجآت والخيالات والظواهر التي لا تتخيلها في الموقف فمثلا في قصيدته اقرئيها تجد :
إنها حجرتي لقد صدئ النسيان** فيها وشاخ فيها السكوت
ادخلي بالشموع فهي من الظلمة** وكر في صدرها منحوت
وانقلي الخطو باتئاد فقد** يجفل منك الغبار والعنكبوت
عند كأسي المكسور حزمة أوراق** وعمر في دفتيها شتيت
**********
انظر كيف يقدم لنا الشاعر كما هائلا من الصور والأخيلة والأشباح
صدئ النسيان ، شاخ السكوت ، وكر ، في صدرها منحوت ، يجفل ، الغبار ، العنكبوت ، كاسي المكسور ، حزمة أوراق ، دفتيها ، شتيت…. كلمات تنهال على الخيال فتعيش القصيدة وكأنك تدخل وكرا فيه أشباح وأشياء مرعبة ثم تجده في مجالات أخرى يحلق بنا في الفضاء مع النجوم والشموس والكواكب وكأنما يشعرنا أنه يتطلع إلى الصعود لكن معوقات الواقع تقيده وله نظرة سامية عليا يعبر عنها كثيرا بالنجم والكوكب والشمس والفضاء اقرأ له في عدد من قصائده :
فكم جبل يغفو على النجم خده
وتهاديت كأني ساحب ** مئزري فوق جباه الأنجم
وثبت تستقرب النجم مجالا
جناحه بعدما طال المطال به ** مخضب من شظايا الشهب منكسر
لأظن جناحي محترقا ** محترقا من لمسة نجمة
وحمائم بيض في اليم ** مدت أجنحة للنجم
ما بعدك يا أفقي الأعلى ** دنياي توارت في العتمة
قدم تجرح أحشاء الثرى ** وفم يلثم خد الفرقد
وتناقلت آيات رحمتها شفاه الأنجم
************
كلمات كلها تتعلق بالسماء وكأنما تعبر لنا عن نفسية الشاعر الذي عاش يبحث عن الرقي والكمال والرفعة والعلو فهو صاحب همة عالية وارتقاء في الفكر والسلوك لا يرضى بالوضيع بل يحب ان يجلس عاليا رغم كل شيء وعلى الرغم مما عاناه هذا الشاعر من معوقات ومن متاعب جنتها عليه همته العالية إلا انه ظل كذلك إلى أن مات مرفوع الرأس اقرأ قوله:
عشت حرا بلغت جنة دنياي** وجفني بنورها اكتحلا
إنها نعمة أقطع فيها ** العمر مستغفرا ومبتهلا
اعف عني يارب بدل همومي** فلقد عشت مرة رجلا
*********
أيضا نجد في شعر الشاعر نبرة الفخر والاعتزاز بالنفس والثقة ولا نستغرب في رجل لم يفتأ يتجرع غصص المجد ليصل إلى مبتغاه ولو خذلته الدروب ولكنه بذل من أجلها الكثير فاستطاع أن يصل إلى الكثير مما تمناه ولو لم يستطع الإتمام إلا أنه لم يكن محابيا ولو حابى لاستطاع الوصول لكن طموحة أبى عليه وتألقه منعه من أن يصل بالتنازل عن مبادئه التي يؤمن بها فرضي أن يظل حسب ما أمكنه مع الاحتفاظ بكرامته التي يراها أعز ما لديه وما أغلى الكرامة ، بل ربما يرفض المجد إن كان بطريقة غير مشروعه يقول:
ما أرخص المجد إذا زارني ** ولم يكن لي معه موعد
وهي نظرة تخصه كما قال البارودي قبله :
أسير على نهج يرى الناس غيره ** لكل امرئ فيما يحاول مذهب
ولذا تجد تشابها بين الرجلين في نظرتهما للحياة ، ولمكاسبها ولذا كان البارودي وأبو ريشة يدفعان ثمن إبائهما غاليا لكنهما نفذا رغبتيهما بثمن باهض، وعاشا وهما يعانيان نتيجة الرفض والإباء ولكل ثمن ، يعبر عنه امرؤ القيس عندما بكى صاحبه وهما مسافران طلبا للملك :
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ** وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنما ** نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
إذن،أشعرُ أن أبا ريشة عاش غريبا ومات غريبا حفاظا على مبدإٍ اعتقاده
وهكذا مضى عمر وهو لا يمسك بشي إلا بكرامته ورفعة نفسه وإبائه وكفاه ذلك .
من اشعاره:
يا شعب
و
الترف العربي
صـاح يـا عبد فرف iiالطيب واستعر الكأس وضج المضجع
مـنتهى دنـياه نـهد iiشـرس وفـم سـمح وخـصر طـيع
بـدوي أورق الـصخر iiلـه وجـرى بـالسلسبيل iiالـبلقع
فـإذا الـنخوة والـكبر iiعلى تـرف الأيـام جـرح iiموجع
هـانت الـخيل على iiفرسانها وانـطوت تلك السيوف iiالقطع
والـخيام الـشم مالت iiوهوت وعـوت فـيها الرياح iiالأربع
…….
الخاتمة :
و الان بعد هذه الرحلة التي تناولنا فيها موضوع عمر ابو ريشة و جهوده الطيبة يبدو من المهم التذكير بأهم النقاط التي أثارها هذا التقرير المتواضع و هي :سيرة الشاعر عمر أبو ريشة ،مناصبه، نفسيته في الشعر .،من اشعاره .
وفي نهاية المطاف اتقدم بهاتة التوصية :
وهي طباعة كتيبات تعريفية دورية تعرف بشعرائنا الكبار و لاسيما عمر أبو ريشة حتى لا ننسى تاريخنا العلمي المجيد .
وفي الختام ارجو ان يكون هذا التقرير قد نجح في القاء بعض الضوء على هذا الشاعر العربي الكبير .
واخر داعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
المصادر والمراجع ::
1/http://www.sez.ae/vb/index.php?styleid=2
2/ عمر ابو ريشه ـ دار الكشاف ـ بيروت ـ 1947
3/ديوان عمر أبو ريشة، دار العودة، بيروت، 1971.
علي عبدالله خليفة
. مواليد مدينة المحرق بمملكة البحرين عام 1944 م
• رئيس مجلس إدارة الملتقى الثقافي الأهلي
• عضو مؤسس في أسرة الأدباء والكتاب بمملكة البحرين.
• عضو الهيئة التنفيذية للمنظمة العالمية للفن الشعبي ( iov ) التابعة لليونسكو.
• عضو مجلس كلية الآداب بجامعة البحرين منذ عام 1998 م.
• مدير إدارة البحوث الثقافية بالديوان الملكي بمملكة البحرين
• الأعمال الشعرية :
مجموعات شعرية
– أنين الصواري – مجوعة شعرية بالفصحى – دار العلم للملايين – بيروت 1969 م .
– عطش النخيل – مجموعة شعرية بالعامية – دار العلم للملايين – بيروت – 1970 م .
– إضاءة لذاكرة الوطن – مجموعة شعرية بالفصحى – دار الآداب – بيروت 1973 م .
– عصافير المسا – مجموعة شعرية بالعامية – دار الغد – البحرين 1983 م .
– في وداع السيدة الخضراء – مجموعة شعرية بالفصحى – دار الغد – البحرين 1992م .
– حورية العاشق – مجموعة شعرية بالفصحى – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 2022 م.
– يعشب الورق ـ مختارات شعرية ـ أسرة الأدباء والكتاب
البحرين 2022 م.
– لا يتشابه الشجر – مجموعة شعرية بالفصحى ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت 2022 م.
أوبريت غنائي
– صانع المجد (أوبريت غنائي ممسرح من ألحان الفنان جاسم الحربان) – وزارة التربية والتعليم – البحرين 1996م.
– انتظرناك طويلا ( أوبريت غنائي ممسرح من ألحان الفنان خالد الشيخ ) – المؤسسة العامة للشباب والرياضة – مملكة البحرين
– على قلب واحد (أوبريت غنائي ممسرح من ألحان الفنان خالد الشيخ) محافظة مدينة المحرق – مملكة البحرين
• الدراسات و الأبحاث :
– ديوان حسن الفرحان ( تحقيق وشرح وتقديم ) – 1980 م
– فنون الموال ( بحث ميداني لجمع وتحقيق وتوثيق نصوص الموال في الخليج العربي ) – 1971 م .
– خليج الأغاني ( بحث ميداني لتوثيق الأغاني والرقصات الشعبية في الخليج العربي ) – 1979 م .
– أشـكال ومـضامـيـن الـنـصوص الـشـعـرية في فن ( الفجري ) .
– الشعر العامي الحديث والتقنيات الجديدة –.
– استلهام التراث الشعبي في الأعمال الإبداعية – 2022 م
• الجهود والمواقع الثقافية :
– أسس في البحرين عام 1974 دار الغد للنشر والتوزيع .
– أسس في البحرين عام 1976 م المـجلـة الأدبـية الـفـصلية ( كتابات ) وتولى رئاسة تحريرها .
– تولى وضع وثائق تأسيس مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية عام 1982 وأشرف على تأسيسه وتولى إدارته لخمس سنوات .
– أسس بـدولة قـطـر عام 1984 المجلة العلـمـيـة المتخصصة ( المأثورات الشعبية ) وتولى رئاسة تحريرها لثلاث سنوات .
– تولى عام 1989 مهام تأسيس الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمملكة البحرين ومهام الأمين العام المساعد للمجلس للفترة من 1989 – 1997 م
– أســس فـي البحرين عام 1994 لإصدار مجلة ( البحرين الثقافية ) التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وتولى إدارة التحرير بها
– تولى مهام مدير إدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام
– تولى مهام تأسيس إدارة البحوث الثقافية بالديوان الملكي بمملكة
البحرين وتولى إدارتها للفترة – 2022 م.
• شارك في عدد من المؤتمرات والملتقيات الأدبية والفكرية داخل وخارج البلاد العربية.
• أحيا العديد من الأمسيات وشارك في عدد من المهرجانات الشعرية العربية
( مهرجان الشعر العربي ، المربد ، جرش ، ملتقى الشعر العالمي ).
• شارك في اجتماعات الخبراء غير الحكوميين لوضع الاتفاقية الدولية لحماية
حقوق المؤلف والحقوق المجاورة بباريس بتكليف من المنظمة العالمية للتربية
والثقافة والعلوم ( unisco ) – 1979 م.
• شارك في اجتماعات الخبراء غير الحكوميين لوضع اتفاقية عربية نموذجية
لحماية التراث الشعبي، بتكليف من المنظمة العالمية لحماية الملكية
الفكرية ( w i p o ) – 1983 م .
• شارك في وضع مشروع الخطة الشاملة
للثقافة العربية بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( alecso ) – 1984
• اختيرت نماذج من قصائده وأدرجت ضمن المقررات الدراسية على
طلبة الإعدادية والثانوية العامة بمدارس البحرين وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة .
• ترجمت مختارات من أشعاره إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والبولندية.
• منحته جامعة جوسيبي سيكلونا الدولية درجة الدكتوراه الفخرية
في الآداب عام 1987، تقديرا لجهوده الثقافية المتميزة.
• منحته مملكة البحرين وسام الكفاءة من الدرجة الأولى
• نال ( درع الإبداع ) في يوم الشعر العالمي 2022 م، من أسرة
الأدباء والكتاب بمملكة البحرين، عن مجمل نتاجه الشعري ودوره
الريادي في حركة الشعر البحريني الحديث بالبحرين.
• تولى تحرير وصياغة ( الاستراتيجية الوطنية للشباب بمملكة البحرين )
عن تقارير ثمانية خبراء وطنيين 2022 م.
أهم الدراسات والأبحاث التي تناولت أعماله الشعرية :
• صيادو اللؤلؤ في شعر علي عبدالله خليفة، رسالة ماجستير بالفرنسية – لجاكلين هوفر، مقدمة إلى قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة جنيف، بإشراف البروفيسور د . سايمون جارجي، جنيف – سويسرا، 1972 م.
• الشاعر علي عبدالله خليفة في ضوء اتجاهات الشعر العربي المعاصر (رسالة ماجستير) الدكتور عودة الله منيع القيسي بإشراف الدكتورة سهير القلماوي قدمت إلى معهد البحوث والدراسات العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بجامعة الدول العربية، نشرت في كتاب " دراسات في أدب البحرين ، الصادر عن المنظمة نفسها ) – القاهرة 1979
• علي عبدالله خليفة . . من أنين الصواري إلى إضاءة لذاكرة الوطن – الدكتور ماهر حسن فهمي ( فصل من كتاب " تطور الشعر العربي الحديث بمنطقة الخليج " 1981 ).
• قيثارة المعاصرة بين الذات والموضوع ـ الدكتور سليمان العطار، مجلة ( البحرين الثقافية ) العدد الخامس، يوليو 1995، ص 66، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – البحرين.
• أفكار في إبداعات الشاعر البحريني المعاصر علي عبدالله خليفة – المستشرقة البولندية البروفيسور دكتور بربارا ميخالاك بيكولسكا والدكتور يوسف شحادة – مجلة الدراسات العربية والإسلامية – العدد الثامن – جامعة ياجيللو نسكي – كراكوف – بولندا.
• زهرة اللوتس – دراسة بلاغية في شعر علي عبدالله خليفة – الدكتورة
وجدان عبد الإله الصائغ – الملتقى الثقافي الأهلي – البحرين 2022 م.
• ما قالته النخلة للبحر (رسالة ماجستير) –
الدكتور علوي الهاشمي.
• السكون المتحرك ( رسالة دكتوراه ) – الدكتور علوي الهاشمي
• قلق النص . . محارق الحداثة – غالية خوجة – المؤسسة العربية
للدراسات و النشر – بيروت ،2017 م.
• علي عبدالله خليفة وظاهرة البحر في شعره ـ رسالة ماجستير –
عائشة سلمان السياس، مقدمة إلى معهد الآداب الشرقية بكلية الآداب
والعلوم الانسانية بجامعة القديس يوسف، بإشراف
البروفيسور د. هنري العويط ،
بيروت ـ لبنان، 2022 م.
وبالتوفيق
=)
الله يعطيج العافية ..
فميزان حسناتج ..
تحياتي : نظرة عنااد ..
أحمد شوقي
في مجتمعنا العربي الاسلامي برز شعراء وأدباء كثيرون قد اشتهروا بكتاباتهم واشعارهم و
في تقريري هاذا ساتحدث عن احمد شوقي وتاريخ ميلاده وعن حياته الممتلئة بالاحداث
وكتاباته الشعريه …..
كان احمد شوقي رجلا بعيد الغور واسع الطموح متسع الافاق عظيم الحيله وافر الثقافه جميل الديباجه حسن التصرف رائق الخيال ملأ الدنيا وشغل الناس في حياته وبعد مماته فكان جليس الخديوي عباس حلمي الثاني وصديقه وشاعره ونديمه وقد كان معتزا بذلك كما قال :
شــاعر الامير وما ,,,,,,, بالقليل ذا اللــقب
وادرك شوقي اهميه المسرح الشعري فأرسل مسرحياته الشعريه لتكون مهوى اقلام النقاد بين مادح وقادح . فقد رماه خصومه بمداهنة الخديوي وبرود العاطفه وأنه جعل مسرحياته صورا غنائيه مفككه.
في مهد من مهاد الترف ولد شوقي سنة 1869 م لأب وأم ينحدران من اصول غير عربيه ,, اما ابوه فكان يجري فيه الدم الشركسي والكردي , واما امه التي توفيت حال منفاه الى الاندلس فتجري فيها دماء تركيه ويونانيه , فأمها يونانيه وابوها تركي .
تعهد علي شوقي ابنه منذ نعومه اظافره فادخله مكتب الشيخ صالح ما أن اتم الرابعه من عمره وألحقه ذلك الوالد المستنير بالمدرسه الثانويه فتخرج منها في السادسه عشره من عمره فادخله والده عام 1885 م مدرسه الحقوق ليدرس القانون . وهناك في المدرسه وصفه الدكتور احمد زكي الاديب الباحث الشهير وزميل المدرسه ( كان من جمله الوافدين سنه 1885 م فتى نحيف هزيل ضئيل القامه وسيم الطلعه فتى بعيون متألقه ولكنها متنقله فاذا نظر للارض دقيقه فللسماء منه دقائق متماديه ما كان يلابسنا فيما نأخذ فيه من اللهو والمزاح ولا يتهافت معنا على تلقف الكره بعد الفراغ من تناول الغداء)
وكان استاذه في المدرسه محمد البسيوني شاعرا فصيحا اعجب به احمد شوقي وجلس اليه مجلس التلميذ بين يدي الاستاذ وكان البسصيوني يدبج القصائد الطوال في مدح الخديوي توفيق كلما حل موسم او هل عيد . وكان البسيوني قبل ان يرسل قصائده لتنشر في صحيفه الوقائع المصريه وغيرها يعرضها على تلميذه احمد فما يزال يصلح له فيها فيمحو هذه اللفظه او تلك ويعدل هذا الشطر او ذاك ويسقط بعض الابيات واستاذه البسيوني مغتبط بذلك
وبعد ذلك …
لعلي اقف عند هذا الحد وللحديث بقيه مع علم من اعلام الادب العربي
اختلاف النهارِ والليلِ يُنسي
——————-اذكرا لي الصبا وأيام أُنسي
وصِفَا لي مُلاوة من شَباب
—————–صورت من تصوراتِ ومس
عصفت كالصبا اللعوب ومرت
————————سِنة حُلوة ولذة خلسِ
وسَلا مِصرَ , هل سَلا القلبُ عنها
————–أو أسا جُرحه الزمان ُ المُؤسي؟
تخرج الاستاذ احمد شوقي من المدرسه عام 1887 م وهو نفس العام الذي اهدى فيه مصطفى كامل مسرحيته (فتح الاندلس) للاستاذا علي شوقي والد احمد .
وأرسل الخديوي توفيق بن اسماعيل احمد شوقي على نفقته الى فرنسا لدراسة القانون والادب الفرنسي في اعوام اربعه وكتب الخديوي الى مدير البعثه المصريه في فرنسا طالبا الحفاوة بالشاعر الشاب .
فلما وصل شوقي الى مرسيليا وجد المدير في استقباله مبلغا الشاعر انه سيقضي عامين هناك وعامين في باريس.
فالتحق شوقي بمدرسه الحقوق في مونبيليا . وبعد مرور سنه رفض الخديوي توفيق ان يعود شوقي الى مصر لقضاء العطلة الصيفيه . مؤكدا ان عليه البقاء في باريس لينهل في فرنسا من الثقافة والادب .
فنهل شوقي من ادب هيجو وراسين ولامرتين. وبعيد انتهاء السنة الثانية صحبه مدير البعثة المصرية في فرنسا في رحلة الى انجلترا حيث قضيا زهاء الشهر .
وقد أصيب شوقي في سنته الثالثة بباريس بمرض شديد كان فيه بين الحياة والموت فلما تماثل للشفاء أشار عليه النطاسيون من الأطباء أن يقضي بضعة أيام تحت سماء إفريقيا فاختار الجزائر , ومكث بها أربعين يوما ثم قفل منها راجعا إلى باريس مستأنفا الدرس .
وقد استطاع أن يحصل على إجازته النهائية في آخر السنة الثالثة ثم ظل هناك ستة شهور يختلف فيها إلى مسارح باريس ثم رجع إلى وطنه .
وما إن عاد شوقي إلى مصر سنة 1893 م حتى علم أن الخديوي توفيق قد مات وجلس على سرير الملك من بعده ابنه الشاب الخديوي عباس حلمي الثاني الذي كان في الثامنة عشرة من عمره
ما إن وصل شوقي إلى مصر حتى قربه الملك إليه وعينه رئيسا للقسم الإفرنجي بالقصر .
وفي نفس السنة تعرف شوقي على مصطفى كامل ومحمد فريد وجرجي زيدان وإسماعيل صبري وحافظ إبراهيم وسعد زغلول والمطربين عبده الحامولي وعبد الحي حلمي , وأهم صداقتين كانت صداقته لمصطفى كامل وحافظ إبراهيم رغم التنافس بينهما , فقد عاش شوقي وحافظ يغمر كل منهما الآخر بحبه وتقديره ةقامت بينهما ممازحات سجلها بعض الأدباء .
وقد تأثر شوقي بقصيدة فيكتور هيجو أسطورة القرون فنظم سنة 1894 م على منوالها قصيده (كبار الحوادث في وادي النيل) التي ألقاها في المؤتمر الشرقي الدولي الذي انعقد في جنيف وكان شوقي مندوبا للحكومة المصرية فيه.
ويظهر فيها اطلاعه على تاريخ مصر وحدبه على تاريخ الفراعنة يقول في رمسيس وهو أهم فرعون حكم مصر :
من كرمسيس في الملوك حديثا ,,,,, ولرمسيس الملوك فداء
بايعته القلوب في صـلب سيتي ,,,,, يو أن شاقها إليه الرجاء
وسمـــــا للعـــلا فنــال مـكانــا ,,,,, لم ينله الأمثال والنظراء
وعلوم تحيي البــلاد وبنتـــــــا ,,,,, ؤر فخر البلاد والشعراء
وتزوج شوقي من سيدة ثرية طيبة سنة 1897 م حيث حضر الزواج الخديوي عباس الثاني ورياض باشا رئيس الوزراء ومصطفى كامل ومحمد فريد وقد أنجبت له زوجته ثلاثه من الذرية وهم علي وحسين وأمينه .
وبعد شهور من القران توفي والد شوقي فرثاه شوقي بقيدة لا يعدها النقاد من درر شعره منها :
مـــا أبي إلا أخ صــادقـته ,,,,, وده الصدق وود الناس مين
طالمـا قمنــا إلى مــائـــدة ,,,,, كانت الكسرة فيها كــسرتين
لا تخف بعدك حزنا اوبكا ,,,,, جمدت مني ومنك اليوم عين
لعلنا نقف هاهنا قبل أن نخوض في دواوين شوقي وحالته بعد فقد والده
واخرج شوقي الجزء الأول من ديوانه (الشوقيات) في سنة 1898 م وقدم له بمقدمه أبان فيها عن تصوره للشعر وعما ينبغي أن يكون عليه وحاول أن يجدد تحت تأثير ما قرأ في الأدب الفرنسي لفكتور هيجو ولا مرتين ولا فونتين فكان ذلك سببا لاصطدامه بالنقاد حينئذ, فهب محمد المويلحي في صحيفة مصباح الشرق يكتب مقالات متفرقه ينتقد الاتجاه إلى التجديد عند شوقي زاعما أن الشعر العربي ليس بحاجة إلى تجديد ومن بعثرات لغوية وجدها عند شوقي حاول أن يهدمه هدما .
وأصدر مصطفى كامل ومحمد فريد صحيفة اللواء سنة 1900 م فكان شوقي وحافظ من شعراء الصحفيين وزادت علاقتهما بمصطفى كامل ومحمد فريد وقد عاد الزعيم احمد عرابي من منفاه إلى مصر وكان أشد القادحين له مصطفى كامل عرابي كما هجا شوقي بثلاث قصائد وكلها ليست موجوده في ديوانه بيد أنها موجودة في صحيفة اللواء يقول في الأولى:
صغار في الذهاب وفي الإياب ,,,,, أهــذا كـــل شــأنك يـا عرابي
عفــا عــنك الأبــاعد والأداني ,,,,, فمن يعفو عن الوطن المصاب
وقال في الثانية :
أهلا وسهلا بحامــيها وفاديــها ,,,,, ومرحبـا وسلامــا يا عرابيهــا
وبالكرامة يا من راح يفضحها ,,,,, ومقدم الخير يامن جاء يخزيها
وقال في الثالثة :
عرابي كيف أوفيك الملاما ,,,,, جمعت على ملامتك المناما
فقف بالتل واستمع العظاما ,,,,, فإن لهــا كمــا لهمــو كلاما
وقد لام كثير من المؤرخين أو المفكرين شوقي على موقفه من عرابي , وكان أشدهم الأستاذ محمود الخفيفي في كتابه (احمد عرابي المفترى عليه) والذي صدر عام 1947 م
وقد فقد شوقي في عام 1902 م صديقه المطرب الشهير القدير عبده الحامولي فرثاه بقصيدة من جيد شعره يقول فيها
قال شوقي في رثاء الحامولي :
زفــرات كأنهــــا بــث قــــيس ,,,,, في معاني الهوى وفي أخباره
لا يجاريه في تفننه العــــــــود ,,,,, ولا يـشتكـــي إذا لــم يـجــاره
يسمع الليل منه في الفجرياليل ,,,,, فيصغي مستمهــــلا في فراره
وكان شوقي في هذه الفترة لسان حال الخديوي .
وقد كان رياض باشا مبغضا من الخديوي , وجاء الخديوي عباس حلمي في 22 مايو عام 1904 م لوضع الحجر الأساسي لمدرسة محمد علي الصناعية واعتذر اللواء كرومر , وألقى رياض باشا خطابا مدح فيه اللورد , وبإيعاز من الخديوي هجا شوقي رياض باشا فقال :
غمرت القوم إطراءا ومـدحـا ,,,,, وهم غمروك بالنعم الجســــام
رأوا بالأمس أنفك في الثـريـا ,,,,, فكيف اليوم أصبح في الرغام
أمــــا والله ماعـــلـمـــوك إلا ,,,,, صغيرا في ولائك والخصــام
خطبت فكنت خطبا لا خطيبا ,,,,, أضيف إلى مصائبنا العظــام
ووقعت حادثة دنشواي سنة 1906 م وأعدم الإنجليز أربعة من المصريين فأبلى مصطفى كامل بلاء عظيما في التنديد بإنجلتره , وكان من أثر حملته عزل كرومر .
أما شوقي فقد تأخر عاما كاملا عن رثاء شهداء دنشواي , وممن اعتذر له في التأخير الدكتور احمد محمد الحوفي إذ يقول :
الحق أن الصدمة كانت شديده وإن اشتراك بعض المصريين في الحكم على الضحايا في الدفاع لصالح الإنجليز أصاب الشاعر بخيبة أمل وذهول وأسى يقول فيها شوقي :
نيرون .. لو أدركت عهد كرومر ,,,,, لعرفت كيف تنفذ الأحكــام
نوحي .. حمائم دنشواي وروعي ,,,,, شعبا بوادي النيل ليس ينام
وهجا كرومر يوم عزله قائلا :
لما رحلت عن الــبلاد تشهدت ,,,,, فكأنك الداء العياء رحيــلا
في ملعب للمضــحكات مشيـد ,,,,, مثلث فيه المبكيات فصول
شهد الحسين عليه لعن أصوله ,,,,, وتصدر الأعمى به تطفيلا
لعلنا نرى في الابيات الأخيره من العدد السابق تحريض الخديوي واضح في البيت الثالث فالحسين هو حسين ابن عم الخديوي والأعمى الشيخ عبدالكريم سليمان .
وفجعت مصر عام 1908 م بوفاة مصطفى كامل رحمه الله فرثاه شوقي بقصيده مطوله , وقد عاش شوقي محبا لمصطفى كامل عارفا لذكراه , وكان مصطفى كامل يصف شعر شوقي بأنه الغدير الصافي في ألفاف الغاب وكان يخصص لقصائد شوقي أسمى مكان في جريدة اللواء يقول شوقي في رثاءه :
المشـــرقــــان علــيك ينتحــبان ,,,,, قاصـيهـما في مــأتم والـــداني
يتســـاءلون أبــالسلال قضيــت ,,,,, أم بالقلب أم هل مت بالسرطان
الله يشهــد أن موتــك بالحــــجا ,,,,, والجـــد والإقـــدام والعرفـــان
دقـــات قلــب المــرء قائــلة لـه ,,,,, إن الحيــــاة دقائـــق وثـــواني
لعل هذه الابيات تستوقف القارئ كثيرا
وبعد هذه الابيات يعرج على تأخره في نظم القصيدة فيقول:
ماذا دهــاني يوم بنــت فعـقني ,,,,, فيك القــريض وخانني إمكاني
وولي محمد فريد زعامه الحزب الوطني بعد مصطفى كامل واستمر الود بين شوقي وفريد حتى غادر الأخير مصير محزونا منكوبا عام 1912 م .
وأعلنت الحرب العالميه الأولى وكان الخديوي عباس حلمي غائبا في تركيا فمنعه الإنجليز من دخول مصر وأقاموا عليها السلطان حسين كامل وأخذوا يبعدون عن القصر من يستشعرون منه الولاء لعباس حلمي ,
لم يصمت شوقي بل نظم قصيده يهاجم فيها الحمايه مطلعها (إن الرواية لم تتم فصولا …) فنفاه الإنجليز إلى إسبانيا وعندما عاد وجد الأرض نخضبه بدماء الحركه الوطنية ولا ندري هل فكر في العودة إلى القصر الذي أصبح في يد الملك فؤاد ام لا , ولكن المؤكد أن فؤادا لم يفتح له قصره فظل بعيدا عن القصر قريبا من روح الشعب .
لعلنا نرى في الابيات الأخيره من العدد السابق تحريض الخديوي واضح في البيت الثالث فالحسين هو حسين ابن عم الخديوي والأعمى الشيخ عبدالكريم سليمان .
وفجعت مصر عام 1908 م بوفاة مصطفى كامل رحمه الله فرثاه شوقي بقصيده مطوله , وقد عاش شوقي محبا لمصطفى كامل عارفا لذكراه , وكان مصطفى كامل يصف شعر شوقي بأنه الغدير الصافي في ألفاف الغاب وكان يخصص لقصائد شوقي أسمى مكان في جريدة اللواء يقول شوقي في رثاءه :
المشـــرقــــان علــيك ينتحــبان ,,,,, قاصـيهـما في مــأتم والـــداني
يتســـاءلون أبــالسلال قضيــت ,,,,, أم بالقلب أم هل مت بالسرطان
الله يشهــد أن موتــك بالحــــجا ,,,,, والجـــد والإقـــدام والعرفـــان
دقـــات قلــب المــرء قائــلة لـه ,,,,, إن الحيــــاة دقائـــق وثـــواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرهـا ,,,,, فــالذكـــر للإنسان عمــر ثاني
ولقد نظرتك والردى بك محدق ,,,,, والــداء مــلء معالم الجثــمان
فهششت لي حتى كأنك عائـدي ,,,,, وأنـــا الــذي هد السقــام كياني
لعل هذه الابيات تستوقف القارئ كثيرا
وبعد هذه الابيات يعرج على تأخره في نظم القصيدة فيقول:
ماذا دهــاني يوم بنــت فعـقني ,,,,, فيك القــريض وخانني إمكاني
وولي محمد فريد زعامه الحزب الوطني بعد مصطفى كامل واستمر الود بين شوقي وفريد حتى غادر الأخير مصير محزونا منكوبا عام 1912 م .
مرحلة جديدة :
وأعلنت الحرب العالميه الأولى وكان الخديوي عباس حلمي غائبا في تركيا فمنعه الإنجليز من دخول مصر وأقاموا عليها السلطان حسين كامل وأخذوا يبعدون عن القصر من يستشعرون منه الولاء لعباس حلمي ,
لم يصمت شوقي بل نظم قصيده يهاجم فيها الحمايه مطلعها (إن الرواية لم تتم فصولا …) فنفاه الإنجليز إلى إسبانيا وعندما عاد وجد الأرض نخضبه بدماء الحركه الوطنية ولا ندري هل فكر في العودة إلى القصر الذي أصبح في يد الملك فؤاد ام لا , ولكن المؤكد أن فؤادا لم يفتح له قصره فظل بعيدا عن القصر قريبا من روح الشعب .
بدأت علاقة شوقي بمحمد عبدالوهاب عام 1924 م وقد سافر الأخير مع شوقي إلى باريس ثلاث مرات كما روى أحمد عبدالوهاب في كتابه (اثنى عشر عاما في صحبة أمير الشعراء 1920 – 1932 م ) واحمد عبدالوهاب هو كاتب شوقي في تلك الفترة وكتابه خير ما ألف عنها .
وقد أرسل شوقي المسرحية تلو الأخرى وطبقت شهرته الآفاق فزاره عام 1926 م شاعر الهند طاغور وأعلام السياسة والفكر واختير عام 1927 م عضوا في مجلس الشيوخ وقد تقرر عندما أصدر الطبعه الثانيه من الشوقيات عام 1927 م أن تقيم له الهيئات والأدباء حفلة تكريم كبيره وقد اشتركت فيها الدول العربية بمندوبيها فكان من الشام محمد كرد علي ومن لبنان شكيب أرسلان ومن فلسطين أيمن الحسيني ومن بلجيكا فندنبرج ومن مصر حافظ ابراهيم ومحمد حسين هيكل ولقبوه في الحفل بأمير الشعراء وقد أعلن ذلك بالنيابة عنهم صديقه حافظ ابراهيم الذي ألقى قصيدة منها :
أمير القوافي قدي أتيت مبايعا ,,,,, وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
وتتالت مسرحياته (عنترة بن شداد) و ( مصرع كيلوبتره) و ( قمبيز ) التي هاجمها العقاد في كتاب سماه ( قمبيز في الميزان) ويروي الأستاذ احمد عبدالوهاب أن شوقي في السنتين الأخيرتين كان يعكف على قراءة القرآن الكريم وكتب الحديث .
وفي الساعة الثانية من ليلة 14 اكتوبر عام 1932 م أحس شاعرنا بألم في صدره فتقاطر أهل منزله نحوه فلما أن وصلوا إليه حتى أسلم روحه إلى بارئها ..
وكان وقع وفاته فاجعا على نفوس عارفيه وعشاق فنه , وفقدت قيثارة الأدب بفقده الشاعر المبدع والناثر البليغ والمسرحي النابه والوطني العظيم .
واخيرا فان شوقي شاعر متميز بكتاباته الشعريه التي تدل على تميز كاتبها وها انا قد كتبت عن شاعر
قد ذكرت اشعاره وسيرته على كل لسان مثقف يحب التعرف على حيات احمد شوقي واشعاره …
((تم توثيق هاذا التقرير من :- من مراجع الدراسة:
_أحمد شوقي: الشوقيات – تحقيق علي عبد المنعم عبد الحميد – الشركة المصرية العالمية للنشر – القاهرة (2017م).
_شكيب أرسلان: شوقي أو صداقة أربعين سنة – مطبعة عيسى البابي الحلبي – القاهرة (1355 هـ = 1936م).
_شوقي ضيف: شوقي شاعر العصر الحديث – دار المعارف – القاهرة (1975م).
_عبد الرحمن الرافعي: شعراء الوطنية – مكتبة النهضة المصرية – القاهرة (1373هـ = 1954م).
ومن موقع :-IslamOnline.com
معهد الامارات التعليمي
www.uae.ii5ii.com
كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، خامل الحركة، كليل البصر . وشاء الله أن يكون "البارودي" هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشكل والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري. وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع بل عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب .
الموضـوع:
المولد والنشأة :
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في (20 من رجب 1287 هـ = 16 من أكتوبر 1870م)
لأب شركسي وأم من أصول يونانية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق سنة (1303هـ = 1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ "محمد البسيوني"، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه، وكان الشيخ بسيوني يُدّرس البلاغة في مدرسة الحقوق ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل ينشرها في جريدة الوقائع المصرية، وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي، وأفهمه أنه جدير بالرعاية، وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته.
السفر إلى فرنسا:
وبعد عامين من الدراسة تخرّج من المدرسة، والتحق بقصر الخديوي توفيق، الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا، فالتحق بجامعة "مونبلييه" لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته حتى حصل على إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م)، ثم مكث أربعة أشهر قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر.
العودة إلى مصر:
عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأى في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م)، وولّوا حسين كامل سلطنة مصر، وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد، فاختار النفي إلى برشلونة في إسبانيا، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط.
شعره في هذه الفترة:
ودار شعر شوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح؛ حيث غمر الخديوي عباس حلمي بمدائحه والدفاع عنه، وهجاء أعدائه، ولم يترك مناسبة إلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له، منذ أن جلس على عرش مصر حتى خُلع من الحكم، ويمتلئ الديوان بقصائد كثيرة من هذا الغرض.ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم، لا نقمة على المحتلين فحسب، بل رعاية ودفاعًا عن ولي نعمته كذلك، فهاجم رياض باشا رئيس النُظّار حين ألقى خطابًا أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهم على مصر، وقد هجاه شوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها:
غمرت القوم إطراءً وحمدًا وهم غمروك بالنعم الجسام
خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًا أضيف إلى مصائبنا العظام
لهجت بالاحتلال وما أتاه وجرحك منه لو أحسست دام
وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطه بالخديوي أنه ذمَّ أحمد عرابي وهجاه بقصيدة موجعة، ولم يرث صديقه مصطفى كامل إلا بعد فترة، وكانت قد انقطعت علاقته بالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحركة الوطنية بعد سياسة الوفاق بين الإنجليز والقصر الملكي؛ ولذلك تأخر رثاء شوقي بعد أن استوثق من عدم إغضاب الخديوي، وجاء رثاؤه لمصطفى كامل شديد اللوعة صادق الأحزان، قوي الرنين، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة مصطفى كامل وجهاده ضد المستعمر، ومطلع القصيدة:
المشرقان عليك ينتحبان قاصميهما في مأتم والدان
يا خادم الإسلام أجر مجاهد في الله من خلد ومن رضوان
كما اتجه شوقي إلى الحكاية على لسان الحيوان، وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا؛ ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه بمآسي الاستعمار ومكائده.
النفي إلى إسبانيا:
وفي الفترة التي قضاها شوقي في إسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة.وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته "دول العرب وعظماء الإسلام"، وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته.وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان "الرحلة إلى الأندلس"، وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس
العودة إلى الوطن:
عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير "حافظ إبراهيم"، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقي إلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال.
لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن، يصيح فيهم قائلاً:
إلام الخلف بينكم إلاما؟ وهذي الضجة الكبرى علاما؟
وفيم يكيد بعضكم لبعض وتبدون العداوة والخصـاما؟
ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ أمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح
وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في "نكبة دمشق" وفي "نكبة بيروت" وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في "نكبة دمشق" التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها:
بني سوريّة اطرحوا الأماني وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
إمارة الشعر:
أصبح شوقي بعد عودته شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات". وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً:
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي بشعر أمير الدولتين ورجِّعـــي
أعيدي على الأسماع ما غردت به براعة شوقي في ابتداء ومقطــع
أمير القوافي قد أتيـــت مبايعًا وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
مسرحيات شوقي:
بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا لكنه عدل عنه إلى فن القصيد وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة، استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهما هي أولى مسرحياته ظهورًا
وواحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"، ومثلها من التاريخ العربي القديم هي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي "علي بك الكبير"، وله مسرحيتان هزليتان، هما: "الست هدي"، و"البخيلة". ولأمر غير معلوم كتب مسرحية "أميرة الأندلس" نثرًا، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد.
وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعف الطابع الدرامي، وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث.
مكانة شوقي:
منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث.
وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.
وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة".
وفــاته:
ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر، وفاضت روحه الكريمة في (13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر 1932م.
الخاتمة :
في هذا التقرير تطرقت لبعض جوانب حياة احمد شوقي ومكانته . وكان شوقي ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.
رأي الخـــــــاص:
أن تكون بعض من قصائد الشاعر أحمد شوقي في الكتب الدراسية وليس شرط أن تكون منهج للدراسة ولكن يكون دراسة ذاتية ليتعرف الطالب عن الشعر االجميل لأمير الشعراء.
مراجع وتوثيـــق :
كتاب أحمد شوقي (منشورات المكتب التجاري – بيروت (1970م).. للمؤلف : محمد مندور )
كتاب أحمد شوقي( الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة (1985م). للمؤلف : ماهر حسن فهم)
كتاب (شعراء الوطنية – مكتبة النهضة المصرية – القاهرة (1373هـ = 1954م). للمؤلف : عبد الرحمن الرافعي)
كتاب (شوقي شاعر العصر الحديث – دار المعارف – القاهرة (1975م). للمؤلف : شوقي ضيف)
www.sh-mohammed.com/dros
http://www.rimsh.com/forum/showthread.php?p=6280
هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضُبيعة (… – 7 هـ = … – 628 م). من بني قيس بن ثعلبة، وصولاً إلى علي بن بكر بن وائل، وانتهاء إلى ربيعة بن نزار. يعرف بأعشى قيس، ويكنّى بأبي بصير، ويقال له أعشى بكر بن وائل، والأعشى الكبير. عاش عمراً طويلاً وأدرك الإسلام ولم يسلم، ولقب بالأعشى لضعف بصره، وعمي في أواخر عمره. مولده ووفاته في قرية منفوحة باليمامة، وفيها داره وبها قبره.
من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، كان كثير الوفود على الملوك من العرب، والفرس، فكثرت الألفاظ الفارسية في شعره. غزير الشعر، يسلك فيه كل مسلك، وليس أحد ممن عرف قبله أكثر شعراً منه. كان يغني بشعره فلقب بصنّاجة العرب، اعتبره أبو الفرج الأصفهاني، كما يقول التبريزي: أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم، وذهب إلى أنّه تقدّم على سائرهم، ثم استدرك ليقول: ليس ذلك بمُجْمَع عليه لا فيه ولا في غيره.
أما حرص المؤرخين على قولهم: أعشى بني قيس، فمردّه عدم اقتصار هذا اللقب عليه دون سواه من الجاهليين والإسلاميين، إذ أحاط هؤلاء الدارسون، وعلى رأسهم الآمدي في المؤتلف والمختلف، بعدد ملحوظ منهم، لقّبوا جميعاً بالأعشى، لعل أبرزهم بعد شاعرنا- أعشى باهلة، عامر ابن الحارث بن رباح، وأعشى بكر بن وائل، وأعشى بني ثعلبة، ربيعة بن يحيى، وأعشى بني ربيعة، عبد الله بن خارجة، وأعشى همدان، وأعشى بني سليم.
وأبوه قيس بن جندل هو الذي سمّي بقتيل الجوع، سمّاه بذلك الشاعر جهنّام في معرض التهاجي فقال:
أبوك قتيلُ الجوع قيس بن جندلٍ- وخالُك عبدٌ من خُماعة راضعُ
وتفسير ذلك أن قيساً لجأ إلى غار في يوم شديد الحرارة فوقعت صخرة كبيرة سدّت عليه مدخل ذلك الغار فمات جوعاً.
يفهم من قول ابن قتيبة: وكان ميمون بن قيس- أعمى، أن لقبه كما يرى- إنّما لحقه بسبب ذهاب بصره، ولعلّ الذين كنّوه بأبي بصير، فعلوا ذلك تفاؤلاً أو تلطفاً، أو إعجاباً ببصيرته القوية، ولذا ربطوا بين هذا الواقع الأليم وبين كنيته "أبي بصير" لكنّ آخرين لم يذهبوا هذا المذهب والعشى في نظرهم تبعاً لدلالته اللغوية ليس ذهاب البصر بل ضعفه، فلئن كان الأعشى لا يبصر ليلاً فلا شيء يحول دون أن يكون سليم البصر نهاراً. ومن هذه الزاوية اللغوية على الأرجح كنّي الأعشى بأبي بصير بباعث الثناء على توقّد بصيرته، وتعويضاً يبعث على الرضا في مقابل سوء بصر، ولعلّ ما جاء في شعر الأعشى حين طلبت إليه ابنته- كما قال في بعض قصائده- البقاء إلى جانبها لتجد بقربه الأمن والسلام ولتطمئن عليه بالكفّ عن الترحال وتحمل مصاعب السفر والتجوال- هو الأقرب إلى تصوير واقعه وحقيقة بصره، فهو يصف ما حلّ به في أواخر حياته من الضعف بعد أن ولّى شبابه وذهب بصره أو كاد وبات بحاجة إلى من يقوده ويريه طريقه، وإلى عصاه يتوكأ عليها، هكذا يصف نفسه فيقول:
رأتْ رجُلاً غائب الوافدي- ن مُخلِف الخَلْق أعشى ضَريراً
وأما تفسير لقب الأعشى الآخر- أي: "صنّاجة العرب"- فمختلف فيه هو الآخر، فقد سمّي- كذلك- لأنه أول من ذكر الصّنج في شعره، إذ قال:
ومُستجيبٍ لصوتِ الصَّنْج تَسَمعُهُ- إذا تُرَجِّع فيه القينةُ الفُضلُ
لكن أبا الفرج أورد تعليلاً مخالفاً حين نقل عن أبي عبيدة قوله: وكان الأعشى غنّى في شعره، فكانت العرب تسميه صنّاجة العرب. وإلى مثل هذا أشار حمّاد الرواية حين سأله أبو جعفر المنصور عن أشعر النّاس، فقال "نعم ذلك الأعشى صنّاجها".
وموطن الأعشى هو بلدة منفوحة في ديار القبائل البكرية التي تمتد من البحرين حتى حدود العراق. التي نشأ فيها أبو بصير شاعر بني قيس بن ثعلبة. وكانت دياره أرضاً طيبة موفورة الماء والمرعى بغلالها وثمار نخيلها. ولئن كان الأعشى قد رأى الحياة في بلدته منفوحة وأقام فيها فترة أولى هي فترة النشأة والفتوّة، فالراجح أنّه بعد أن تتلمذ لخاله الشاعر المسيّب بن علس، خرج إثر ذلك إلى محيطه القريب والبعيد فنال شهرة واكتسب منزلة عالية بفضل شاعريته الفذّة في المديح بخاصة والاعتداد بقومه البكريين بعامّة. فاتصل بكبار القوم، وكان من ممدوحيه عدد من ملوك الفرس وأمراء الغساسنة من آل جفنة وأشراف اليمن وسادة نجران واليمامة. ومن أبرز الذين تعدّدت فيهم قصائده قيس بن معد يكرب وسلامة ذي فائش وهوذة بن علي الحنفي.
ولقد بات الأعشى بحافز من مثله الأعلى في الّلذة التي تجسّدت في الخمرة والمرأة، في طليعة الشعراء الذين وظّفوا الشعر في انتجاع مواطن الكرم يتكسب المال بالمدح، ويستمطر عطاء النبلاء، والسادة بآيات التعظيم والإطراء حتى قيل عنه، كما أورد صاحب الأغاني: " الأعشى أوّل من سال بشعره" لكنّ هذا الحكم لا يخلو من تعريض تكمن وراءه أسباب شتّى من الحسد وسطحية الرأي وربما العصبيّة القبليّة. إن الأعشى نفسه لم ينكر سعيه إلى المال، ولكنّه كان دائماً حريصاً على تعليل هذا المسعى والدافع إليه، فلم يجد في جعل الثناء قنطرة إلى الرخاء والاستمتاع بالتكسّب عاراً فهوعنده جنى إعجابٍ وسيرورة شعر. وفي مثل هذا الاتجاه يقول لابنته مبرّراً مسعاه إلى الثروة، رافضاً الثّواء على الفقر والحرمان:
وقد طُفتُ للمالِ آفاقَهُ- عُمانَ فحِمص فأورى شِلمْ
أتيتُ النّجاشيَّ في أرضه- وأرضَ النَّبيط، وأرضَ العجمْ
فنجران، فالسَّروَ من حِمْيرٍ- فأيَّ مرامٍ له لم أَرُمْ
ومن بعدِ ذاك إلى حضرموت- ت، فأوفيت همّي وحينا أَهُمْ
ألمْ تري الحَضْرَ إذ أهلُه- بنَعُمى- وهل خالدٌ من نَعِمْ
كان الأعشى بحاجة دائمة إلى المال حتى ينهض بتبعات أسفاره الطويلة ويفي برغباته ومتطلباته فراح بلاد العرب قاصداً الملوك.. يمدحهم ويكسب عطاءهم. ولم يكن يجتمع إليه قدر من المال حتى يستنزفه في لذّته.. ثم يعاود الرحلة في سبيل الحصول على مال جديد، ينفقه في لذّة جديدة.
هذا هو الغرض من استدرار العطاء بعبارة الثناء، فكسبه النوال إنما كان لتلك الخصال التي عدّدنا، ولم يكن الأعشى في حياته إلا باذلاً للمال، سخيّاً على نفسه وذويه وصحبه من النّدامى ورفاقه في مجالس الشراب، فلا يجد غضاضة أن يحيط ممدوحه بسيرته هذه كقوله مادحاً قيس بن معد يكرب:
فجِئتُكَ مُرتاداً ما خبّروا- ولولا الذي خبّروا لم تَرَنْ
فلا تحرِمنّي نداكَ الجزيل- فإنّي أُمرؤ قَبْلكُمْ لم أُهَنْ
بحكم ما تقدّم من فعل النشأة وتكوين العرى الأولى في شخصيّة الأعشى تطالعنا في ثنايا ديوانه، وبالدرس والتحليل والاستنتاج جوانب غنيّة من عالم الشاعر نكتفي منها بلُمع نتلمس مصادرها في قصائده ومواقفه وردّات أفعاله وانفعالاته. وفي قمة ما يمور به عالمه النفسي والفكري اعتقادٌ أملاه الواقع بعبثية الحياة، وتداخل مهازلها بصلب طبيعتها التي لا تني في تشكيلها وتبدّلها بصور شتى لا تغيّر من جوهرها المرتكز على ظاهرة التلوّن وعدم الثبات والزوال. وقد ضمّن الأعشى شعره هذه التأمّلات وهو يصف الموت الذي يطوي الملوك والحصون والأمم والشعوب كمثل قوله في مطلع مدحه المحلّق:
أرقتُ وما هذا السُّهادُ المؤرّقُ- وما بي من سقم وما بي مَعْشَقُ
ولكن أراني لا أزالُ بحادثٍ- أُغادي بما لم يمسِ عندي وأطرقُ
فما أنتَ إنْ دامتْ عليك بخالدٍ- كما لم يُخلَّدْ قبل ساسا ومَوْرَقُ
وكِسرى شهِنْشاهُ الذي سار مُلكُهُ- له ما اشتهى راحٌ عتيقٌ وزنْبقُ
ولا عادياً لم يمنع الموتَ مالُه- وحصنٌ بتيماءَ اليهوديّ أبلقُ
والأعشى من كبار شعراء الجاهلية: جعله ابن سلاّم أحد الأربعة الأوائل، في عداد امرئ القيس والنّابغة وزهير فهو "بين أعلام" الجاهلية، وفحول شعرائها، وهو متقدّم كتقدّم من ذكرنا دونما إجماع عليه أو عليهم، ومع ذلك فليس هذا بالقليل:
أو ألم يُسأل حسّان بن ثابت … عن أشعر الناس كقبيلة لا كشاعر بعينه فقال: "الزّرق من بني قيس بن ثعلبة" ولا غرو أنّه عنى في المقام الأول الأعشى أبا بصير، وهو ما أكده الكلبي عن مروان بن أبي حفصة حين أشاد بالأعشى وأحلّه مرتبة الشاعر الشاعر لقوله:
كلا أبَويْكم كان فرعَ دِعامةٍ- ولكنّهم زادوا وأصبحت ناقصاً
وحدّث الرياشي نقلاً عن الشعبيّ ففضّل الأعشى في ثلاثة أبيات واعتبره من خلالها أغزل النّاس وأخنثهم وأشجعهم، وهي على التوالي:
غرّاء فرعاءُ مصقولُ عوارضُها- تمشي الهُوَيْنى كما يمْشي الوَجى الوَحِلُ
قالتْ هريرةُ لمّا جِئتُ زائرَها- ويلي عليكَ وويلي منك يا رجلُ
قالوا الطّرادُ فقلْنا تلكَ عادتُنا- أو تنزِلونَ فإنّا معْشرٌ نُزُلُ
كان الأعشى يعتبر الشرّ في الطبيعة البشرية قدراً ليس يدفع فهل غذّى فيه هذا الاعتقاد الكفاح في سبيل متع الوجود وجعله يرتضي بالتالي مصيره، وهو مصير الورى جميعاً أي حتمية الزوال.
وأوجز ما يقال في الأعشى شاعراً، أّنه صورة الرجل فيه: فقد كان جريئاً في غزله وخمرته وكانت جرأته واضحة المعالم في صدق مقالته حين يمدح أو يفتخر أو يهجو وهكذا اكتسب شعره سيرورة ونزل من القلوب منزلة رفيعة فكان أقدر الشعراء على وضع الرفيع، ورفع الوضيع، ويكفي برهاناً على الطرف الآخر خبره من المحلَّق الكلابي وهو الخبر الذي تناقلته كتب الأدب وجعلت منه مثالاً، لا لتأثير الشعر في نفوس العرب وحسب، بل ولسموّ الشاعر في صنيعه وهو ما أتاح له أن ينتزع إعجاب الأدباء والشرّاح من ناحية، وأن يتبوّأ بالتالي منزلة رفيعة في تاريخ الشعر الجاهلي، إن لم نقل في تاريخ العربي على مرّ العصور.
ولئن تعذر أن نمضي على هذا المنوال، في ثنايا شعر أبي بصير، المقدّم في نظر نفر صالح من النقّاد، على أكثر شعر الجاهليين كافة، ولا سيّما في غزله ومدائحه وملاهيه وأوصافه. ولئن كنّا نتجاوز المواقف المختلفة من سعي الأعشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومسألة إسلامه فنحن نقف عند واحد جامع من آراء الشرّاح القدامى، نرى فيه غاية ما نرمي إليه في هذا الموضع، قصدنا قول أبي زيد القرشي في جمهرته: "الأعشى أمدح الشعراء للملوك، وأوصفهم للخمر، وأغزرهم شعراً وأحسنهم قريضاً".
أما ديوان الأعشى فليس أقلّ من دواوين أصحاب المعلقات منزلة عند النقّاد والرواة. عني به بين الأقدمين أبو العباس ثعلب- كما ذكر صاحب الفهرست- ثمّ عكف الأدباء على ما جمعه ثعلب، ينتقون منه القصائد والشواهد، وفي طليعة هؤلاء التبريزي الذي جعل قصيدة الأعشى اللامية "ودّع هريرة" إحدى معلقات الجاهليين كذلك اعتبرت لامية الأعشى: "ما بكاءُ الكبير بالأطلال" .. من المعلقات العشر في شرح آخر لتلك القصائد. وبين المستشرقين الذين أكبوا على شعر أبي بصير جمعاً واستدراكاً وشرحاً سلفستر دي ساسي (1826م- 1242هـ)، ثوربكه (1875م- 1292هـ)، ورودلف جاير الذي أمضى نصف قرن في صحبة الأعشى وشعره، بحيث أصدر في (1928م- 1347هـ) ديوان الشاعر القيسي في طبعة بعنوان: "الصبح المنير في شعر أبي بصير"..
م/ن
في ذكرى شاعر العروبة و الإسلام
علي الجارم
في مثل هذا الشهر من كل عام تمر ذكرى رحيل أحد فحول شعراء العربية في العصر الحديث وتحديدا في الثامن من فبراير
1949م، إننا بصدد ذكرى الشاعر الكبير "علي الجارم"
وإن شئت قل الأديب اللامع فقد جمع الجارم بين
موهبة الشعر وموهبة النثر، فكان نثره لا يقل عن
شعره روعة وقوة وجمالاً وبيانًا، وكتب الأقصوصة
والقصة والرواية الطويلة ، يكمل الصورة حينما نذكر
ما نعته به الوسط الأدبي إذ لقبوه بشاعر العروبة
والإسلام لأنه كرس قلمه للدفاع عن الأمة العربية
وهذا الدين العظيم.
سنواته الأولى في مدينة رشيد
ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم سنة 1881م في
مدينة رشيد بمحافظة الجيزة بمصر ، وكان يحب
مدينته وكتب يقول فيها :
أولى قصائد الجارم كانت بعنوان "الوباء"
عام 1895م،
عندما اجتاحت جرثومة "الكوليرا" بلده رشيد
وحصدت الأرواح، وقد قال فيها مخاطبًا هذا المكروب اللعين:
العلم ميزان الحياة عند الشاعر
تعلم الجارم في الأزهر ودار العلوم وتخرج منها
سنة 1908، ثم بعث على انجلترا فأقام سنة
بمدينة توتنجهام درس اللغة الإنجليزية ، وكان
محبا للعلم بصورة كبيرة مرددا :
ومن النوادر أنه في عام 1910م شاهد الضباب
في إنجلترا يتكاثف، فإذا المبصرون أنفسهم يضلون
الطريق حائرين، وإذا العميان يقودونهم خلال هذا
الضباب، فكتب يقول :
التحق الجارم بالكلية الجامعة بـ اكستر ومكث
بها ثلاث سنوات درس خلالها علم النفس
وعلوم التربية والمنطق والأدب الإنجليزي،
حصل على إجازة في كل المواد وعاد إلى
مصر في أغسطس سنة 1912 ، ثم عين
مدرسا بمدرسة التجارة المتوسطة ثم نقل
منها بعد سنة على دار العلوم مدرسا لعلوم
التربية، في مايو سنة 1917 نقل مفتشا بوزارة
المعارف..ثم رقي إلى وظيفة كبير مفتشي
اللغة العربية وظل فيها حتي 1940 حين نقلا
وكيلا لدار العلوم وظل فيها إلى أن أحيل إلى
المعاش سنة 1942.
ابنه أحمد علي الجارم وهو طبيب وأستاذ الأمراض
الباطنة بكلية الطب جامعة القاهرة 1972 ،
أنشأ قسم الأمراض المتوطنة بكليات الطب
بجامعة القاهرة وطنطا والأزهر ، عضو مجمع
اللغة العربية 2022 ، أعاد طبع الأعمال
الشعرية والنثرية والأدبية واللغوية الكاملة
للمرحوم والده الشاعر الكبير.
تراث شعري ونثري فريد عن الجارم
كان أديبا موسوعيا متعدد المواهب، جمع
بين موهبة الشعر والنثر الأدبي.. فكان شاعرًا
وقاصًا وروائيًا وناقدا ولغويا ونحويًا وتربويًا،
عاصر كبار الشعراء والأدباء مثل شوقي وحافظ
وطه حسين ومطران، وأسهم بزاد وافر في مجال
الشعر والقصة والبلاغة والتاريخ الأدبي ،
تفرغ الجارم للأدب بعد إحالته على المعاش
وحينما انشأ ..مجمع اللغة العربية كان من
أعضائه المؤسسين، وكانت له جهود في التعريب
, إذ عرب كتاب
"قصة العرب في أسبانيا".
وأسهم في التأريخ للأدب العربي بتأليفه كتاب
"تاريخ الأدب العربي" مع آخرين، وفي مجال
اللغة ألف الكثير من الكتب منها "النحو الواضح"
و"البلاغة الواضحة", ترك الجارم تراثا نثريا يكاد
يزيد عن تراثه الشعري كما أن بعض معاصريه
اعتبروا رواياته التاريخية أهم من نثر أحمد شوقي
وكان أبرزها الأعمال النثرية الكاملة التي صدرت في
القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية وتقع في 1040
صفحة تضمها ثلاثة مجلدات.
وقال أحمد علي الجارم – نجل
الأديب الراحل- في مقدمة الجزء الأول
إن والده كتب عشر روايات، مشيرا إلى أن
ما اعتبره تأخرا في اهتمام الدارسين بتراث الجارم
يعود إلى عدم إتاحة أعماله لفترة زمنية طويلة،
حين منعت الرقابة العسكرية إبان حكم الرئيس
المصري الراحل جمال عبد الناصر إعادة طبع مؤلفات
الجارم بالإضافة إلى "مؤامرة الصمت" التي
حيكت حوله في هذا العهد.
وضم المجلد الأول روايات فارس بني حمدان التي كتبها
في العام 1945 والشاعر الطموح المتنبي وخاتمة
المطاف في نهاية المتنبي ، في حين ضم المجلدان
الثاني والثالث قصتي الفارس الملثم (1949) والسهم
المسموم التي نشرت عام 1950 بعد وفاته إضافة
إلى روايات مرح الوليد في سيرة يزيد الأموي ،
وسيدة القصور آخر أيام الفاطميين في
مصر(1944) وغادة رشيد التي كانت في
السنوات الماضية مقررة على طلاب
المدارس الثانوية في مصر وتتناول
كفاح الشعب ضد الاستعمار الفرنسي
(1798 – 1801)، رواية هاتف من الأندلس
(1949) وشاعر ملك قصة المعتمد بن
عباد إضافة إلى ترجمته عام 1944 لكتاب
المستشرق البريطاني أستانلي لين بول
وعنوانه "قصة العرب في إسبانيا".
كما ترك الجارم أعمالا مثل المعارضات في
الشعر العربي، شارك في تأليف كتب أدبية
منها المجمل في الأدب العربي، المفصل
في الأدب العربي، النحو الواضح في 6
أجزاء بالاشتراك مع زميله الأستاذ مصطفي
أمين إبراهيم، البلاغة الواضحة جزآن بالاشتراك
مع زميله الأستاذ مصطفي أمين إبراهيم أيضا،
علم النفس وآثاره في التربية والتعليم بالاشتراك
مع نفس الزميل وكان هذا الكتاب من أوائل الكتب
التي ألفت بالعربية في علم النفس .
أبيات تقطر حباً للإسلام
كان الإسلام محورًا لأغلب أعمال علي الجارم، إذ
استوحى في رواياته وقصصه وأشعاره العديد
من المعاني القرآنية، واستمد من السيرة
النبوية
المطهرة والتاريخ الإسلامي أروع إبداعاته،
مثل "هاتف من الأندلس" و"غادة رشيد"
و"الشاعر الطموح".
نقرأ له جزءا من قصيدة يشدو فيها حبا للإسلام
والنور الذي عم البشرية بسيد الخلق محمد – صلى ا
لله عليه وسلم – تقول :
ويقول :
الجارم ..عروبة حتى النخاع
لقد كان علي الجارم عاشقًا للغة القرآن
الكريم، احتفى بها في زمن سعى الاستعمار
فيه إلى الحد من قوتها عبر عمليات غسيل
مخ لأدمغة أناس، اعتقدوا أن لغتهم تحول دون التقدم،
فدعوا إلى إحلال الحروف اللاتينية محل حروفها،
وكان يرى أن اللغة العربية هي المدخل الطبيعي
لوحدة الأمة العربية، فهو القائل :
ولعل من أبرز قصائده قصيدة "العروبة" التي جاءت
من 77 بيتا، وألقاها في مؤتمر الثقافة العربي
الأول الذي أقامته الجامعة العربية في لبنان عام
1947م، وجاء فيها :
ويقول :
ويقول أيضا :
نستمع له في افتتاح دورة الانعقاد الثالث
لمجمع اللغة العربية يردد :
كان علي الجارم كما وصفه معاصروه شاعر العروبة
والإسلام، فقد عايش قضايا أمته وتفاعل معها، وجاءت
أروع النماذج الشعرية معبرة عن انتمائه الوطني والقومي
والإسلامي، فنجد قصيدته "فلسطين" التي بلغت
ثلاثة وسبعين بيتًا، منها :
ويقول :
ويستعرض الجارم في مقدمته حياة وآثار العرب
في الأندلس التي يراها عجيبة ومثيرة أيضا
حيث يشير إلى أن العرب عاشوا في الفتن
نحو 800 عاما قل أن تستطيع أمة سواهم
البقاء في مثلها وينفي الجارم على سبيل المثال
عن العرب تهمة الهدم وعدم التحضر مشددا
على أن الهدامين لآثارهم ومدنياتهم إنما هم
أعداؤهم من البربر والإفرنج والتتار.
شاعر إنسان
كتب الجارم أشعارا كثيرة في وصف الطبيعة
الغناء بربوع الوطن العربي وجمالها ولعلنا نختار
واحدة من أروع ما سطر يخاطب فيها طائر بقوله :
أما الموت فيقول عنه :
جوائز حصل عليها
قدر العالم العربي على الجارم حق قدره
فمنحته مصر وسام النيل 1919 والرتبة الثانية
سنة 1935 ، انعم عليه العراق بوسام الرافدين
سنة 1936 وانعم عليه لبنان بوسام الأرز من رتبة
كومندور سنة 1947 ، توفي بالقاهرة فجأة وهو
مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفل تأبين
محمود فهمي النقراشي وذلك عام 1949م .
م/ن
والسموحه تم تغير العنوان ليتناسب مع فحوى الموضوع ..
بالتوفيق
الشاعر الكبير علي الجارم رحلة الحياة والريادة (2)
بقلم: إبراهيم أمين الزرزموني
أسفاره :
سبق أن أشرنا إلى خوف المثقفين من أن تنتقل إمارة الشعر من مصر إلى إحدى الدول العربية بعد وفاة شوقى وحافظ ، ولكن العناية الإلهية شاءت أن تحفظ لمصر ريادتها وأوليتها المستحقة على يد الجارم وأمثاله.
فلقد كان للجارم قصب السبق فى كل الميادين التى خاضها، إذ كان الجارم يتصدرالميدان مع شوقى وحافظ ، فلما خلا الميدان من شاعر فحل متمكن من مدرسة الراحلين الكريمين ، لم يكن لها غير الصداح الغريد الجارم ليسد الفراغ باقتدار، وليكون – عن جدارة – ممثل مصر الرسمى فى المحافل العربية .
وقد أشرنا إلى سفره مبعوثاً إلى إنجلترا للدراسة من سنة 1908: 912ام . ونشير الآن إلى أسفاره العديدة الأخرى . فلقد سافر " إلى بغداد أربع مرات : فى رثاء الزهاوى فى فبراير 1937م ، وفى افتتاح المؤتمر الطبى العربى سنة 1938م ، وفى تأبين الملك غازى سنة 1939م ، كما أسهم فى الصلح بين قبيلتى " شمر" و "العبيد " فى نفس العام .
وسافر إلى لبنان أكثر من مرة : فى سنة 1934م ، وفى افتتاح ا لمؤتمر الطبى ببيروت سنة 1944م ، ومؤتمر الثقافة ببيروت سنة 947ام .
وسافر إلى السودان كثيراً للإشراف على امتحانات المدارس المصرية … ومن أشهر زياراته للسودان زيارته الأول سنة 1937م ، وزيارته فى سنة 1941م ( ).
ولنستعرض – فى عجالة – بعض ما قاله الجارم فى هذه الأمفار المتعددة ، والتى جعلت من اسمه مناراً يردده الوطن العربى بعد كل فتح – أعنى قصيدة – يعلى الجارم بناءه . ففى افتتاح المؤتمر الطبى العربى سنة 1938م ، يلقى الجارم قصيدة (بغداد)، وهى من أروع قصائد الشعر الحديث حيث تحول الجارم فيها ما بين تاريخ بغداد القديم والحديث ، وكلاهما – عنده – زاهر مشرق كما تطرق لعلاقة بغداد بالعروبة، واستنهض – كعادته – همم أبناء العروبة ليعيدوا المجد العربى التليد ومنها :
ومنارة المجد التليد! بغداد يا بلد الرشيد !
زهراء فى ثغر الخلود يا بسمة لما تزل
ومضرب المثل الشرود يا موطن الحب المقيم
خط فى لوح الوجود يا سطر مجد للعروبة
ـلام خفاق البنود( ) يا راية الإسلام ، والإســ
والقصيدة تقع فى تسعة وسبعين بيتاً من المعانى الصافية ، والموسيقى الخلابة (مجزوء الكامل ) والتنقل الرشيق بين أزهار المعانى المختلفة . هذا وقد ترجمت هذه القصيدة إلى اللغة الإنجليزية فى كتاب (الأدب العربى الحديث من 1800: 1970 ) بقلم الأستاذ جون أ. هايوود عام 1971م ( ). ويصف المؤلف الإنجليزي ، الجارم وقصيدته المذكورة قائلا : " إنه قدم شعرا من أجمل ما كتب فى العربية ، … وكانت قصيدته فى بغداد من أجمل ما كتب " ( ) .
وينقل الدكتور محمد رجب البيومى تعليقا لشاهد عيان على القصيدة السابقة ، ألا وهو الدكتور زكى مبارك (1890 – 1952م ) ، الذى كان يعمل مدرسا بالعراق وقت إلقاء الجارم لقصيدة (بغداد)، وعلى الرغم من وجود عداء من الدكتور زكى مبارك للجارم ، إلا أنه لا يملك – فى كتابه ليلى المريضة بالعراق ص 132- يملك ، إلا أن يقرر عظمة الجارم فى قصيدته وإلقائه فيقول : " وكنت مع الأسف ذهبت إلى الحفلة ، وأنا أضمر الشر للأستاذ على الجارم ، فقد كتب فى منهاج الاحتفال ( شاعر مصر) ، وأنا أبغض الألقاب الأدبية ، فلما وقف ليلقى قصيدته ، لم أصفق ، وأعديت من حولى بروح السخرية فلم يصفقوا، لكن الجارم قهرنى وقهر الحاضرين جميعاً على أن يدموا أكفهم من التصفيق ، وغاظنى أن تصفق ليلى (عشيقة زكى مبارك ) … فيا أيها العدو المحبوب الذى اسمه على الجارم ، تذكر أنك كنت – حقا وصدقاً – شاعر مصر فى المؤتمر الطبى العربى ، وستمر أجيال وأجيال ، ولا ينساك أهل العراق ، وهل تعرف مصر أنك رفعت رأسها فى العراق ، وأنك كنت خليفة شوقى فى المعانى، وخليفة حافظ فى الإلقاء…" ( ).
ويصف الأستاذ ثروت أباظة قصيدة ( بغداد ) للجارم بأنها " من أشهر القصائد العربية فى مصرنا قصيدة (بغداد) التى ألقاها هناك ، فإذا العراق كلها ترددها فى اليوم التالى … وهى – لا شك – من عيون الشعر العربى وليس بغريب عليها ما سمعناه من إعجاب العراق بها وترديده إياها "( ).
وفى زيارة الجارم للبنان فى صيف 1944 م ، كتب قصيدته الرائعة " لبنان " :
ورجعت أغسل بالدموع جراحى ألقيت للغيد الملاح سلاحى
ذبلت نضارته على الأقداح ولمحت ريحان الصبا فرأيته
وفيها يتغزل ، ويتحسر على أيام الشباب ، ويوجه تحيته للأطباء ، ولا ينسى – كعادته – الالتفات والتنبيه لمجد العروبة وضرورة التوحد :
حلت من الدنيا بأكرم ساح لبنان مذ حلت ذراك ركابنا
أخوان فى الأتراح والأفراح الأرز فيك ، ونخل مصر كلاهما
غمر الشطوط بدمعة النضاح( ) والنيل منك فلو بكيت لفادح
وفى زيارة الجارم للسودان كتب قصيدته (السودان ) وأنشدها فى جمع حافل بالخرطوم سنة 1941م ، ونلحظ فيها حسن الاستهلال ، وبراعته :
قفى نحيك أو عوجى فحيينا يا نسمة رنحت أعطاف وادينا
ومنها قوله :
مودة كصفاء الدر مكنونا إن جزت يوما إلى السودان فارع له
وعروة قد عقدناها بأيدينا عهد له قد رعيناه باعيننا
وسلسل النيل يرويهم ويروينا ( ) ظل العروبة والقرآن يجمعنا
والجارم – فى هذه القصيدة – يعارض نونية ( شوقى ) ، ونونية ( ابن زيدون ) ونونية ( ا لمرقش ا لأكبر)، كما صرح هو فى آ خر القصيدة بقوله :
وأنت بالجنبات الحمر تسقينا يا ساقى الحى جدد نشوة سلفت
تسرق السمع شوقى وابن زيدونا واصدح بنونية لما هتفت بها
إنا محيوك يا سلمى فحيينا ( ) وأحكم اللحن يا ساقى وغن لنا
وعن إبداع الجارم فى أسفاره ، وكونه رافعا راية الشعر فى مصر، يحدثنا الأستاذ كمال النجمى قائلا : " قد بلغ ( أى الجارم ) فى أيامه منزلة شاعر مصر الرسمى الذى تنتدبه الحكومة فى محافل البلاد العربية ، فيهز الأسماع بشعره ، ويذكرهم بشوقى، ويحيى عندهم أمل الوحدة العربية كما كانوا يتصورونها فى تلك ا لأيام ! … إن أحداً من شعراء ، مصر لم يتح له أن يمثل مصر رسمياً كما أتيح للجارم الذى انتزع قصب السبق فى جميع المحافل العربية بشهادة أصحابها … " ( ) .
ويقول الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومى : فلما مثل مصر بشاعريته الحافزة ، وديباجته العربية الناصعة ، جذب الأسماع لما يقول ، لقد كان الحفل الجهير يضم أفذاذ الشعر من كل وطن عربى، ولكل شاعر منزلته دون ريب ، ولكن الجارم يقف فى الطليعة بين شعراء كبار، فتكون قصيدته مجال التقدير والملاحظة ،ويعود إلى مصر، وكأنه عاد من فتح حربى بعد أن سجل بطوله الانتصار " ( ) .
ولقد كان الجارم صادقأ عندما افتخر بشعر الذى أجمعت الأمة العربية عليه ، فأصغى له وادى النيل ، وغنت باسمه بغداد، واهتزت الشام طرباً له . يقول ا لجارم مخاطبا بلدته ( رشيد ) :
ما كل ما تحوى الخيوط نظام هذ1 وليدك جاء ينشد شعره
بغداد ، واهتزت إليه الشام ( ) أمثغى له الوادى، وعثث امثمه
الجارم والشعر :
حاول الجارم ه فى مقدمة ديوانه – أن يعرف الشعر، إلا أنه – كغيره من الشعراء والنقاد ه لم يصلوا إلى شعر الشعر، وإنما اكتفوا بوصفه ، وبيان أثره فى الأرواح . يقول الجارم : " إنى لا أريد أن أسهب فى الكلام على معنى الشعر وخصائصه ، ومبعث الروحانية فيه ، ذالك لان هذا المبحث طرقه الباحثون كثيرا، فاخفقوا …" ( ) .
ثم يقرر الجارم أن سر الشجن فى الشعر مجهول ، والذى يبحث عنه ، يضيع وقته فى غير فائدة ، بل عليه أن يستمتع بالشعر دونما بحث ، وكد ، حيث يقول : " إنك تهتز للبحترى وتطرب له ، ولكنك لا تستطيع أن تفض خاتم سحره ، ولا أن تنقل إلى نفس غيرك صدى جرسه فى نفسك" ( ).
وهو يرى « أن سحر السحر يكمن فى "اختيار النظم ، وفى إبداع التصوير، وفى وضع الكلمة فى موضعها، وفى الجرس والئغم ، ولكن أين السبيل إلى إبانة ذلك؟"( ).
ثم يفصل الرأى السابق بقوله : " ولو أردنا أن نقول فى لطف جمال الشعر، وروحانيته . وعجز الألفاظ عن الإحاطة بسره ، واماطة اللثام عن مكنون سحره ، لطال حبل الكلام ، وجاد القلم من الجادة ، ولكنا نستطيع أن نتول فى جمل قصيرة : إن جمال الشعر فى نظمه ، وجرسه ، ورنينه وفى انتقاء ألفاظه ، وتجانسها، وفى ترتيب هذه ا لألفاظ ترتيبا يبرز المعنى فى أروع صورة ، وأبدعها وفى اختيار الأسلوب الذى يليق بالمعنى ويليق به ، فمرة يكون إخبارا ، ومرة يكون استفهاما، ومرة يكون استنكاراً ، ومرة يكون نفياً، ومرة يكون تعجبا، كل ذلك يكون مع المحافظة على الأسلوب العربى الصميم ، ثم فى المعانى وابتكارها، أو توليدها من القديم فى صورة جديدة رائعة ، ثم فى الخيال وحسن تصوير ، والتزام الذوق العربى فيه ، ثم فى إحكام القافية والتمهيد لها، ثم فى اختيار البحر الذى يلائم موضوع القصيدة ، ثم فى التنقل فى القصيدة بين فنون شتى من القول مع المحافظة على الوحدة الشعرية ، ثم فى روح الشاعر وخفة ظله ، وانسياقه مع الطبع ، وتعمده لمس مواطن الشعور"( ) .
ولسنا نريد الإطالة فى عرض آرائه النثرية فى الشعر فهذا مفصل فى مقدمة ديوانه ، لكننا نقف عند مفهوم الشعر فى قصائده ، وأول ما يطالعنا قوله :
لا ترى فيه سوى إحدى اثنتين إنما الشعر على كثرته
ليس فى الشعر كلام بين بين ( ) نفحة قدسية أو هذر
إذن فالشعر – عند الجارم – لا يحتمل الرسطية ، فإما أن يكون شعرا تهتز له الأعماق ، وتطرب له النفس ، وإما هذرا لا قيمة له .
ونراه يحاول أن يعرض وجهة نظره عن الشعر، وكيف أن الشعر عاطفة وفكرة ، وهو يلهب الأرواح – عندما يلامسها – ، والشعر مصباح لمن يريد نور الحياة وهو أنشودة مرسلة من قلب إلى قلب وهو همس الغصون ، ودموع الطل ، وجيش لا يهزم ، ولا تصد جولاته :
وفكرة تتجلى بين أفكار الشعر عاطفة تقتاد عاطفة
كما تقابل تيار بتيار الشعر إن لامس الأروح ألهبها
نور الحياة وزند الأمة الوارى الشعر مصباح أقوام إذا التمسوا
إلى القلوب فتحيا بعد إقفار الشعر أنشودة الفنان يرسلها
ودمعة الطل فى أجفان أزهار الشعر همس الغصون الدوح مائسة
جلاد مرهفة أو فتك بتار ( ) الشعر للملك جيش لا يصاوله
وهو يفصل فى بقية الأبيات أن الشعر يغزو، وينتصر فى معركة لا جراح فيها، ولا قتلى لأن الأعداء يفرون عند سماعه ، ولا يقفون للقتال ، ثم يبين أن حسان بن ثابت – t – كان جيشاً أشد من جيوش الزحف ، وأن ملك بنى أمية لم يزدهر إلا بالشعر، وكذلك ملك العباسيين فالخلود فى الشعر لا فى غيره حيث يحتوى على الحكمة التى هى حديث سائر على مرور الأيام " ( ).
وإذا ما حاولنا استقراء آراء الجارم عن الشعر فى قصائده ، وجدناه من أنصار الفن الذى يخدم المجتمع بكافة فئاته وطوائفه ، ولم يكن الجارم من أنصار الفن للفن ، لان الشعر- عنده – ذو رسالة سامية عليه أن يؤديها" ( ) .
فالجارم من الشعراء الملتزمين بغاية الفن التى تقوى روح المجتمع البناءة ، وتعدل السلوك الشائن ، وتدعو لمكارم الأخلاق . يقول الجارم :
ذخيرة وأعز بند الشعر للأملاك خير
ما شئت من خيل وجند ولرب قافية بها
ولا بعد ببعد تسرى فلا صعب بصعب
بين الواكب من مصد تثب الجبال ومالها
وعدة للمستعد الشعر زند للقوى
دان المهند بالفرند ( ) كم زان من ملك كما أن
والجارم يحب أن يسمى شعره (وحياً ) ، ويرفض أن يسمى ( قصيداً )
ورآه من لا يحس قصيدا ( ) قد رآه مثقف الحس وحيا
وإذا كان الجارم يعتبر شعره وحياً ، فإن هذا يقودنا إلى سؤال : كيف كان يؤلف الجارم شعره ؟ لقد حدثنا الجارم نفسه فى شعره من عملية الخلق ، وكيف كان الشعر يراوغه حيناً، ثم يواتيه فى النهاية سلساً طيعاً مغرداً ، حيث كانت عرائس خياله ذلولة ، لمليفة ، لينة ، سهلة القيادة.
يقول الجارم :
أحظى بها بالغائب المفقود وأعيش فى دنيا الخيال لأننى
والنجم يلحظنا بعين حسود كم ليلة سامرت شعرى لاهيا
فيلين بعد تنكر وجحود حينا يراوغني فانظر ضارعا
ويعافه سمع الحسان الخود( ). طهرته من كل ما تأبى النهى
فالأمر لا يعدو بالنسبة لشاعرنا مسامرة ، يحاول فيها القريض أن يتأبى، لكنه -بنظرة ضارعة حانية من الشاعر. يلين فيعطى القياد .
يقول الدكتور محمد عبد المنعم خاطر: " أما عملية الخلق فلقد تحدث عنها فى أكثر من موضع ، وحديثه لم يخرج من عملية الخلق تتم فى هدوء الليل حيث كان يجلس فى إحدى حجرا ت داره وفى يده قلم يخط به كلمات يثبتها حينا، ويشطب فوقها حيناً، ثم يقف مفكراً حينا وعيناه ذاهلتان فى السقف ، وفى أرجاء الحجرة كأنه يتلقف الهدوء على استهواء ، عرائس خياله المراوغة ، بالضراعة حيناً، وبالتغريد أحيانا، فتلين له ، وتنثنى عائدة إليه ، فيمسك بالقادمتين بعد أن تكون قد وقعت فى شراكه ( ).
والمتأمل لشعر الجارم يجزم بأنه من مدرسة أحمد شوقى أمير الشعراء، أقصد من مدرسته فى التأليف القائم على البديهة والارتجال ، لا الصنعة والتكلف ، إذ تحس أن شعر الجارم سلس متتابع فى يسر كأنه قطرات الماء تسير فى جدولها المتدفق ، ولا تحس بلفظة نافرة ، أو قلقة ، أونابية مما يؤكد لديك الشعور أن شعر قائم على البديهة بصفة عامة.
والذى يؤكد رأينا السابق ما يرويه الأستاذ طاهر الطناحى، من أنه سأل الأستاذ الجارم – رحمهما الله – عن سر إعجاب الناس بشعره . وإلقائه ، فقال الجارم : " اعتدت حين أنظم الشعر ألا أستعين عليه بالكتابة ، بل بالحفظ والترجيع ، فإذا خطرت لى الفكرة . وألهمت بيتاً ، أخذت أتغنى به حتى ارتحت إلى معناه ومبناه ، نظمت فير وتغنيت به إلى أن تتم القصيدة وقد حفظتها جيدا فأعيد إنشادها بينى وبين نفسى لأقف على مواضع قوتها وضعفها، فأهذب ما يحتاج إلى تهذيب وأعود إلى إنشادها مراراً . فإذا وقفت فى الحفل ألقيها على الحاضرين وقد تمكنت منها، وجدت من إقبالهم على الاستماع إلى شعرى ما يثير فى نفسى قوة كامنة لا أستطيع التعبير عنها، فأنطلق فى إلقائها بترجيع الموسيقى، والشعر- كما تعلم – مقيد بتوقيع بتوقيع الأوزان ، فينبغ أن يعطى حقه من النغم والألحان" ( ).
ولعل هدا يفسر لنا أيضاً – سر الموسيقى الرنانة المتعاظمة فى شعر الجارم ، حيث تشعر كلما تقدمت فى قراءة القصيدة – بارتفاع الموسيقى، والنغمات كأنها صادرة من فرق موسيقية كثيرة تضم أمهر العازفين فى تجانس وسحر وعذوبة .
ولذا كان الجارم لا يفتخر به بشيء كافتخاره بشعره ، فقصيدة الفخر عنده نادرة ، وأعظم ما كان يفتخر به شعره ، إذ لا يملك الشاعر أثمن منه ليهديه للمجتمع ، ومن ذلك قوله وهو يخاطب بلداه رشيد :
نفحات من وحى قدسك تهدى أنا من تربك النقى وشعرى
فتسامى فصرت فى الناس فردا كنت أشدو به مع الناس طفلا
أنيسا ، ولا ترى لك ندا ( ). من رزايا النبوع أنك لا تلقى
بل إنه يرى أن شعره أفضل من شعر الأعشى وشعر النابغة الذبيانى :
فتصغى مسامع الأكوان رب شعر له يردده الدهر
حلاها ذوائب الأغصان يتمنى الربيع لو تحدث منه
لعددناه من بنات الدنان من بنات الخيال لو كان يسقى
فأربى على جمال القيان رددته القيان يكسبنه حسنا
وعفى على فى ذبيان( ) قد أثار الغبار فى وجه ميمون
وإذا كنا ما نزال مع الجارم والشعر، فإن عناك ظاهرة تلفت انتباهنا، وتلح فى أن نتناولها ولو بإيجاز-، ألا وهى إلقاء الحارم للشعر. فلقد كان الجارم – فى إلقاء الشعر نسيج وحده ، ولم يكن أحد ممن يستمعون قصائده فى الاحتفالات ، أو تلقى من دار الإذاعة إلا ويسلب الجارم الألباب ويخلب النهى، ويجعل العقول متعلقة بالشعر، مشدودة ، ومشدوهة إليه . فهناك إجماع على أنه أفضل من يلقى الشعر فى عصره .
وإذا ما ذهبنا نستقصى ما قاله كبار النقاد عن جودة إلقاء الجارم للشعر، فإن الحديث يطول ، ولكننا نجتزئ الكلام اجتزاء . يقول الأستاذ أحمد الشايب :
" فكان – أى الجارم – من الأفراد النوادر الذين يحسنون إلقاء الشعر، وكان إلى تلك الخصائص اللفظية – يحسن تمثل معانيه ، وتمثيلها أثناء الإلقاء، لذلك كان شوقى يحرص على أن الجارم هو الذى يلقى شعره فى المحافل "( ) .
ويحدثنا شاهد عيان عن إلقاء الجارم فيقول : أقسم ، أننى لم أشاهده مرة ينشد قصيدة من شعره ، وأرى انفعاله فى رجفة البدن وخفقة الكلمة ، ونبرة الصوت إلا وقر فى نفس أن آلة موسيقية ترتجف بأنغامها، وأوتارها تحت يد عازف فنان ، لقد كان على الجارم – فى إنشاده – صورة من تلك الآلة الموسيقية التى أصف. فما هو فى حركاته ، واختلاجات بدنه ، وارتعاش الكلمات على شفتيه ، وتموجات النغم فى مزهره إلا آلة موسيقية زادها الحسن الإنسانى تأثيراً وروعة .. فلو أنت ملأت عينيك – فى لحظة من تلك اللحظات – لرأيت منظراً عجيباً تتفق منه على الشاعر أن تؤدى به نوبة من نوبات ذلك الانفعال( ).
وعندى أن ذلك راجع إلى حفظ الجارم للقرآن الكريم ، والى تربيته على شعراء عصور القوة كالمتنبى ، والبحترى ، والشريف الرضى ، وغيرهم ، والجارم نفسه يرى أن " الإلقاء فن يعتمد على الصفاء النفسى" ( ) . يقول د. إبراهيم أنيس : " أما إنشاد الشعر فى مصر فتد اتخذ طابعاً توارثناه من أساتذتنا، وأصبحنا نقلد المشهورين منهم فى الإنشاد كحافظ إبراهيم وعلى الجارم وغيرهم " ( ) .
ولن نطيل – كما وعدنا – ولكننا نلتقط شهادة شاعر القطرين خليل مطران (ت 1957م ) حيث يقول : " كنت مدعوا لإلقاء قصيدة فى حفل بأحد مسارح القاهرة ، وكان معى حافظ إبراهيم وقد أعد هو الآخر قصيدة لتلقى، كما دفع شوقى بقصيدة له هو- أيضا – لتلقى فى الحفل ، فألقيت قصيدة شوقى على الجمهور المحتشد فى المسرح فقوبلت بالاستحسان المصطنع ، ثم نهض حافظ وألقى قصيدته فصفق لها الناس مجاملين ، ثم نهض وألقيت قصيدتى فصفق لى الناس فاترين ، وإذا شاب ينهض ملقياً قصيدة ذات عبارات حماسية ، وجمل طنانة بصوت مجلجل ، ونبرات مؤثرة وإذا المسرح يهتز اهتزازا بتصفيق الناس، والهتاف يتصاعد كالرعد من الحناجر" ( ) ولم يكن ذلك الشاب سوى الصداح الغريد على الجارم .
وليس أدل على روعة إلقاء الجارم ، وتفوقه على جميع شعرا ء عصره فى الإلقاء وخصوصاً حافظ إبراهيم – من أن أمير الشعراء (شوقى) لم يكن يأمن أحداً ليلقى شعره إلا الجارم ، حتى لقد كان الحفل يضم شوقياً وحافظاً والجارم ، فيستمع الجمهور لقصيدة شوقى بإلقاء الجارم ، ثم حافظ ، ثم قصيدة الجارم بإلقاء الجارم "( ).
وأختتم هذه لجزئية بقول الأستاذ أحمد حسن الزيات – رحمه الله – : " إن دارسى اللغة العربية فى حاجة إلى سماع صوت الجارم حين يلقى قصائده بالإذاعة المصرية ، فهو أستاذ الإلقاء. تجويداً وضبطا لمخارج الحروف ، ومحافظة على بنية الكلمات ……." ( ).
عصره ومدرسته الأدبية :
لقد قرر الجارم لنفسه خطا – فى تأليف شعره – لا يحيد عنه ، ألا وهو الخط العربى الأصيل على غرار ما ورثه الشاعر عن الشعراء الفحول : كامرئ القيس ، والنابغة الذبيانى، وحسان بن ثابت ، وعمر بن أبى ربيعة ، والمتنبى، وأبى تمام ، والبحترى ، والشريف الرضى، وكذلك البارودى، وشوقى، وحافظ ، وعبد المطلب ، وحفنى ناصف ، ومحرم، ومحمود غنيم و الأسمر، وغيرهم من أساتذته وزملائه .
ولقد كان الجارم يعيش فى مصر النهضة الشعرية ، حيث كان الشعر مهوى الأفئدة ، لا تقام مناسبة إلا وتفتتح بالشعر حتى المؤتمرات الطبية والعلمية وغيرهما – وقد ربطت صداقة متينة بين الجارم وشوقى حتى أنه كان يمشى على قدميه من الأزهر إلى الجيزة للقاء شوقى، وكذلك كانت هناك صداقة تربطه بحافظ، وغيرهما من القمم الأدبية ، ولندلل على تلك العلاقة بين شوقى وحافظ والجارم الذى كان يأتى من بينهم وليس من ورائهم ، ثم استطاع ملء الفراغ الأدبى بعد رحيلهم باقتدار – " ففى عام 922ام أقيم احتفال لرثاء ( إسماعيل صبرى ) فى دار المعلمين العليا بالمنيرة ، فأرسل شوقى إليه – أى الجارم – وقال له : أريد إلقاء ، قصيدتى ، فاعتذر الجارم ، لأن له قصيدة ستلقى فى الحفل ، فما كان من شوقى إلا أن قال ، تلقى القصيدتين معاً .. ولقد استقبل الجمهور الجارم استقبالاً حافلاً واستعادوا أبياتها، وكان أغلب الحاضرين معممين فتضايق حافظ وقال له : " يا واد يا على ، أنت جايب غيط قطن يصقف لك ! " ( ) .
ولقد عرف الجارم لشوقى وحافظ – كما عرف لغيرهما – الفضل ، فسجل إعجابه بهما معا فى قصيدة (خلود) عام 1947م وفيها يقول :
فقد نالنى الذى قد كفانى يا خليلى لا تهيجالى الذكرى
لأراه كعهدة ورانى ناولانى بالله ديوان شوقى
ويقول عن حافظ :
بحرى عذب رشيق المبانى حافظ زين القريض بفن
صفحة الدر فى يدى دهقان ( ) لفظه فى يديه يختار منه
وبعد هذا ا لاستطراد المحتوم يجدر بنا أن نشير إلى عصر الجارم – بنظرة أوسع ، ولا نريد هنا أن نفصل القول فى بدايات النهضة الأدبية ، وأن الحملة الفرنسية على مصر فى أواخر القرن الثامن عشر فتحت على مصر أبوا ب أوروبا، وحضارة الغرب ، ولها فضل تنبيه الوطن ، وإزاة الغشاوة ليبصر بصيص النور، ويشم عبق الحضارة ، فازدادت الحركة، ووسائل الاتصال، وانتشرت الترجمة والبعاث ،
والمطابع ، والتعليم ، والمدارس ، وأفكار التحرر السياسى، ويقسم الأستاذ عمر الدسوقى شعراء هذه الفترة – فترة إسماعيل – أربعة أقسام :
* شعرا ء لم تكن لهم شخصية البتة ، بل ساروا فى الطريق المعبد الذى سلكه من قبلهم أدباء عصورا الانحطاط والضعف ، ذلك هو طريق الشعراء النظاميين والعروضيين مثل : السيد على أبو النصر ( ت 1880)، والشيخ على الليثى.(1380 ، 1896) .
* شعرا ء كانت لهم – مع تقليد للسلف ، و الأدب ا لموروث – شخصية ، بيد أن هذه الشخصية كانت ترى من بعيد، ومن خلف الحجب ا لكثيفة مثل : محمود صفوت الساعاتى ( 1825- 1880) .
* وشعراء قويت شخصيتهم بعض الشىء ، وحاولوا أن يجددوا ، وأن يلونوا أدبهم بما يظهر نفسيتهم ، ويطبعه بطابعهم مثل عبدالله فكرى ( 1834 ، 1889م ) .
* وشعراء رزقوا الشخصية الغلابة ، والأدب المتين ، وحاكوا النماذج الرفيعة فى أدب السلف ، ولم يقلدوا الفث من الآداب ، بل عمدوا إلى فحول الشعراء ينسجون على منوالهم ، ويبارونهم فى قصائدهم المشهورة الخالدة ، وخير مثال لذلك البارودى ( 1838 – 1904 )" ( ).
ولقد كان للبارودى دور عظيم فى بعث الشعر بعد موات ، ورده إليه روحه الزاهرة البعيدة عن التكلف والصنعة ، " ولقد أثر البارودى فيمن أتى بعده من الشعراء، وإن يده على الشعر العربى يد من أقاله من عثرته ، وأنهضه من كبوته ، وأعاد له ديباجته المشرقة ، ومعانيه السامية ، وكأنما فى يده عصا ساحر صيرت الميت حيا، والضعيف قويا، والمعدم ثريا، وكان شعره فى العصر الحديث نموذجا لكل من أتى بعده من شعراء العربية "( ).
ويكفى للتدليل على مكانة البارودى الشعرية أن نقرأ قول العقاد – رحمه الله – : فإذا أرسلت بصرك خمسمائة سنة وراء عصر البارودى، لم تكد تنظر إلى قمة واحدة تساميه ، أوتدانيه وكنت كمن يقف على رأس الطود منفردا فلا أمامه غير التلال ، والكثبان ، والوهاد، وهذه وثيقة قديرة فى تاريخ ا لأدب المصري ترفع الرجل بحق إلى مقام الطليعة أو مقام الإمام " ( ).
وإذا كان البارودى قد بعث الشعر من مرقده ، وصار علماً لمدرسة بعينها، فإن تلاميذه من بعده حملوا اللواء، وكانوا خير خلف لخير سلف ، جاء شوقى أمير الشعراء (1869ـ1932) ، وشاعر النيل حافظ إبراهيم ( 1870 ، 1932 ) ، وإسماعيل صبرى ( 1854- 1923 ) ، ومحمود غنيم (1902- 1972 ) ،محمد عبد المطلب (1871- 1931) ، وحفنى ناصف (1856- 1919 ) ، وأحمد محرم ( 1877- 1945 ) ، ومحمد الأسمر ( 1900 – 1956 ) ، وشاعرنا الكبير المرحوم على الجارم (1881-1949 ).
ولقد كان الجارم – رحمه الله – يسير فى طريقته الشعرية على منوال أساتذة العصر، وعلى رأسهم " أحمد شوقى " ( ومن قبله البارودى) هذا المنحى الذى قيل عنه " مدرسة المحافظين " أعنى الذين التزموا بالشعر العربى العمودى ، وعادوا إلى تراث الآباء والأجداد العرب يترسمون خطاهم ويعالجون – من خلال تجاربهم الشعورية ، والتعبيرية – مشاكل بيئاتهم ويصفون كل جميل أمامهم …" ( ).
وقد كان يروق للبعض – كالدكتور أحمد هيكل ، والدكتور محمد عبد العزيز الكفراوى ، أن يقسموا تلاميذ البارودى إلى قسمين هما :
* المقلدون كشوقى وحافظ والجارم وعبد المطلب.
* المجددون كخليل مطران وتلاميذه العقاد وشكرى( ).
من هذا التعقيب ينبغى أن نفرق بين التقليد الجامد الذى لا حياة فيه وبين النهج القديم الذى يتجاوب مع روح العصر، وهو ما يطلق على أصحابه ( بالمحافظين ) الذى يجمع بين القدم و المعاصرة.
ومن هنا ندرك مدرسة الجارم الأديبة واتجاهه ا لأدبى ، ألا وهوا لاتجاه ( المحافظ البيانى) على طريقة أستاذه وصديقه شوقى، وهذا ما أعلنه الجارم بنفسه فى قصيدة " خلود " التى نظمها فى ذكر حافظ وشوقى عام 1947م ، يقول الجارم فيها :
وغنت نواعق الغربان سكت العندليب فى وحشة الدوح
ثم يقول :
ب ولك يجلبوا سوى الأكفاء جلبوا للقريض ثوبا من الغر
بصناديد أخريات الزمان ثم قالوا مجددون فأهلا
وصوبوا ديباجية الذبيانى لا تثوروا عى تراث امرئ القيـ
ق ، وهاتوا ما شئتم من معانى واحفظوا اللفظ وأساليب والذو
كلسان القريض من طمطمانى ما لسان القريض من عربى
من دماء اللاتين واليونان إنما الشعر قطعة منك ليست
غدا العلم ما له من مكان كل فن له مكان وأهل
رب فأنى وكيف يلتقيان؟!( ) وجهة الشرق غيرها وجهة الغــ
والجارم لا يفتأ يعتز بهذا الاتجاه الأدبى ويعلنا فى كل ماسب ، وذلك إبان اشتعال المعركة الأدبية بين القديم ، والجديد، وهو – على الرغم من سفره إلى إنجلترا – لم يغير طريقة نظمه ، بل حافظ عليها واعتز بها إلى يوم وفاته ، فنجده فى مقدمته لديوانه يقول – بعد أن يبين أن جمال الشعر يكون فى الألفاظ ، النظم ، والجرس ، وتنوع الأساليب : " كل ذلك يكون مع لمحافظة على الأسلوب العربى الصميم "( ). ثم يقول بعدها : ثم يقول بعدها : " وفى الخيال ، وحسن تصويره ، والتزام الذوق العربى فيه"( ) .
ولقد كان الجارم من الشعراء الذين جمعوا بين الأصالة ، و المعاصرة ، فأخلص لترا ث أمته ولغتها، واطلع على الثقافة الغربية ، وألم بثقافات مصر ا لمختلفة ، فكان حلقة وصل بين القديم والجديد .
وإذا كان عصر الجارم ( )، يموج بالتيارات الشعرية التى كانت تنادى بالتجديد مثل التيار المتأثر بالثقافة الفرنسية كخليل مطران ، والتيار المتأثر بالثقافة الإنجليزية كالعقاد، و شكرى ، والمازنى كذلك كان العصر يضم القمم فى مجالات النثر المختلفة ، حيث الشيخ محمد عبده ، الشيخ على يوسف ، وطه حسين ، والعقاد، وجمال الدين الأفغانى، والرافعى، ولطفى السيد، والمنفلوطى، وجورجى زيدا ن ، ناهيك عن التيارات السياسية والحركات الوطنية التى لمعت فيها أسماء مصطفى كامل ، ومحمد فريد، وسعد زغلول ، ومصطفى النحاس وغيرهم ، وكذلك الأحوال المضطربة من حيث الخلافة الإسلامية ، وعلاقة الدول الغربية بتركيا، ورغبة الدول الكبرى الاستعمارية فى تفتيت وحدة الوطن العربى، ومسخ شخصيته ، والقضاء على لغته ، وتشويه ماضيه ، وثقافته ، وتعليمه ، وكذلك انتشار الجهل والمرض ، ثم معاصرة الشاعر للحربين العالميتين الأولى والثانية ، وإلغاء الخلافة الإسلامية ، وإعلان إنجلترا الحماية على مصر.
كل هذه الأحداث المضطربة ، والمتناقضة والمتنافرة كانت حقيقة بأن تنجب عظيماً يساير العظماء ويقف فى مصاف رواد النهضة يبنى معهم ، ويدل بدلوه من أجل نهضة أمته ، وبلده وأبناء وطنه . فكان على الجارم .
ويرى الأستاذ العقاد أن الجارم ينتمى إلى مدرسة ( دار العلوم ) فى الشعر، حيث يقول : " إنها مدرسة يجوز لنا أن نسميها بمدرسة ( دارالعلوم )، وأعجب لأنها لم تتميز بهذه الميزة الواضحة وهى أدل عليها من كل جامعة أخرى تفارقها ، ولا تقارب بين أوصالها … فالدرعمى عربى سلفى عصرى … ولا يسعك وأنت تقرأ قصيدة الشاعر من أركان هذه المدرسة الدرعمية أن تحجب فكرة (اللغة) من خاطرك .. على أن الطابع المستقل من ( الشخصية الجارمية ) يبدو على كل لمحة (درعمية) تصادفها بمعانيها، أو ألفاظها فى قصائد هذا الديوان "( ).
وقد وجد من الباحثين من يؤيد رأى العقاد، حيث يقول أحدهم : " والجارم أحد أركان المدرسة الدرعمية المتأثرة بشوقى "( ) .
وكذلك يرى الدكتورعبده بدوى فى مقال له بعنوان (الجارم .. ومدرسة دار العلوم فى الشعر ) : " و الذى يهمنا هنا هو أنه كان عضواً بارزاً فى تيار جديد لم ينل نصيبا من النقاد، هذا التيار هو التيار الدرعمى فى الشعر…"( ).
ومهما يكن من أمر فإننا – فى دراستنا الفنية للصورة عند الجارم – لن نقف كثيرا عند مدرسته ، بل ستهمنا الصورة – فقط – ودورها فى بناء الفنى لشعر الجارم.
وكتبه ابتغاء مرضاة الله تعالى، وخدمة للغة الشريفة
أبو جهاد إبراهيم أمين الزرزموني
م/ن
بالتوفيق
الشاعر الكبير علي الجارم رحلة الحياة والريادة (2)
بقلم: إبراهيم أمين الزرزموني
أسفاره :
سبق أن أشرنا إلى خوف المثقفين من أن تنتقل إمارة الشعر من مصر إلى إحدى الدول العربية بعد وفاة شوقى وحافظ ، ولكن العناية الإلهية شاءت أن تحفظ لمصر ريادتها وأوليتها المستحقة على يد الجارم وأمثاله.
فلقد كان للجارم قصب السبق فى كل الميادين التى خاضها، إذ كان الجارم يتصدرالميدان مع شوقى وحافظ ، فلما خلا الميدان من شاعر فحل متمكن من مدرسة الراحلين الكريمين ، لم يكن لها غير الصداح الغريد الجارم ليسد الفراغ باقتدار، وليكون – عن جدارة – ممثل مصر الرسمى فى المحافل العربية .
وقد أشرنا إلى سفره مبعوثاً إلى إنجلترا للدراسة من سنة 1908: 912ام . ونشير الآن إلى أسفاره العديدة الأخرى . فلقد سافر " إلى بغداد أربع مرات : فى رثاء الزهاوى فى فبراير 1937م ، وفى افتتاح المؤتمر الطبى العربى سنة 1938م ، وفى تأبين الملك غازى سنة 1939م ، كما أسهم فى الصلح بين قبيلتى " شمر" و "العبيد " فى نفس العام .
وسافر إلى لبنان أكثر من مرة : فى سنة 1934م ، وفى افتتاح ا لمؤتمر الطبى ببيروت سنة 1944م ، ومؤتمر الثقافة ببيروت سنة 947ام .
وسافر إلى السودان كثيراً للإشراف على امتحانات المدارس المصرية … ومن أشهر زياراته للسودان زيارته الأول سنة 1937م ، وزيارته فى سنة 1941م ( ).
ولنستعرض – فى عجالة – بعض ما قاله الجارم فى هذه الأمفار المتعددة ، والتى جعلت من اسمه مناراً يردده الوطن العربى بعد كل فتح – أعنى قصيدة – يعلى الجارم بناءه . ففى افتتاح المؤتمر الطبى العربى سنة 1938م ، يلقى الجارم قصيدة (بغداد)، وهى من أروع قصائد الشعر الحديث حيث تحول الجارم فيها ما بين تاريخ بغداد القديم والحديث ، وكلاهما – عنده – زاهر مشرق كما تطرق لعلاقة بغداد بالعروبة، واستنهض – كعادته – همم أبناء العروبة ليعيدوا المجد العربى التليد ومنها :
ومنارة المجد التليد! بغداد يا بلد الرشيد !
زهراء فى ثغر الخلود يا بسمة لما تزل
ومضرب المثل الشرود يا موطن الحب المقيم
خط فى لوح الوجود يا سطر مجد للعروبة
ـلام خفاق البنود( ) يا راية الإسلام ، والإســ
والقصيدة تقع فى تسعة وسبعين بيتاً من المعانى الصافية ، والموسيقى الخلابة (مجزوء الكامل ) والتنقل الرشيق بين أزهار المعانى المختلفة . هذا وقد ترجمت هذه القصيدة إلى اللغة الإنجليزية فى كتاب (الأدب العربى الحديث من 1800: 1970 ) بقلم الأستاذ جون أ. هايوود عام 1971م ( ). ويصف المؤلف الإنجليزي ، الجارم وقصيدته المذكورة قائلا : " إنه قدم شعرا من أجمل ما كتب فى العربية ، … وكانت قصيدته فى بغداد من أجمل ما كتب " ( ) .
وينقل الدكتور محمد رجب البيومى تعليقا لشاهد عيان على القصيدة السابقة ، ألا وهو الدكتور زكى مبارك (1890 – 1952م ) ، الذى كان يعمل مدرسا بالعراق وقت إلقاء الجارم لقصيدة (بغداد)، وعلى الرغم من وجود عداء من الدكتور زكى مبارك للجارم ، إلا أنه لا يملك – فى كتابه ليلى المريضة بالعراق ص 132- يملك ، إلا أن يقرر عظمة الجارم فى قصيدته وإلقائه فيقول : " وكنت مع الأسف ذهبت إلى الحفلة ، وأنا أضمر الشر للأستاذ على الجارم ، فقد كتب فى منهاج الاحتفال ( شاعر مصر) ، وأنا أبغض الألقاب الأدبية ، فلما وقف ليلقى قصيدته ، لم أصفق ، وأعديت من حولى بروح السخرية فلم يصفقوا، لكن الجارم قهرنى وقهر الحاضرين جميعاً على أن يدموا أكفهم من التصفيق ، وغاظنى أن تصفق ليلى (عشيقة زكى مبارك ) … فيا أيها العدو المحبوب الذى اسمه على الجارم ، تذكر أنك كنت – حقا وصدقاً – شاعر مصر فى المؤتمر الطبى العربى ، وستمر أجيال وأجيال ، ولا ينساك أهل العراق ، وهل تعرف مصر أنك رفعت رأسها فى العراق ، وأنك كنت خليفة شوقى فى المعانى، وخليفة حافظ فى الإلقاء…" ( ).
ويصف الأستاذ ثروت أباظة قصيدة ( بغداد ) للجارم بأنها " من أشهر القصائد العربية فى مصرنا قصيدة (بغداد) التى ألقاها هناك ، فإذا العراق كلها ترددها فى اليوم التالى … وهى – لا شك – من عيون الشعر العربى وليس بغريب عليها ما سمعناه من إعجاب العراق بها وترديده إياها "( ).
وفى زيارة الجارم للبنان فى صيف 1944 م ، كتب قصيدته الرائعة " لبنان " :
ورجعت أغسل بالدموع جراحى ألقيت للغيد الملاح سلاحى
ذبلت نضارته على الأقداح ولمحت ريحان الصبا فرأيته
وفيها يتغزل ، ويتحسر على أيام الشباب ، ويوجه تحيته للأطباء ، ولا ينسى – كعادته – الالتفات والتنبيه لمجد العروبة وضرورة التوحد :
حلت من الدنيا بأكرم ساح لبنان مذ حلت ذراك ركابنا
أخوان فى الأتراح والأفراح الأرز فيك ، ونخل مصر كلاهما
غمر الشطوط بدمعة النضاح( ) والنيل منك فلو بكيت لفادح
وفى زيارة الجارم للسودان كتب قصيدته (السودان ) وأنشدها فى جمع حافل بالخرطوم سنة 1941م ، ونلحظ فيها حسن الاستهلال ، وبراعته :
قفى نحيك أو عوجى فحيينا يا نسمة رنحت أعطاف وادينا
ومنها قوله :
مودة كصفاء الدر مكنونا إن جزت يوما إلى السودان فارع له
وعروة قد عقدناها بأيدينا عهد له قد رعيناه باعيننا
وسلسل النيل يرويهم ويروينا ( ) ظل العروبة والقرآن يجمعنا
والجارم – فى هذه القصيدة – يعارض نونية ( شوقى ) ، ونونية ( ابن زيدون ) ونونية ( ا لمرقش ا لأكبر)، كما صرح هو فى آ خر القصيدة بقوله :
وأنت بالجنبات الحمر تسقينا يا ساقى الحى جدد نشوة سلفت
تسرق السمع شوقى وابن زيدونا واصدح بنونية لما هتفت بها
إنا محيوك يا سلمى فحيينا ( ) وأحكم اللحن يا ساقى وغن لنا
وعن إبداع الجارم فى أسفاره ، وكونه رافعا راية الشعر فى مصر، يحدثنا الأستاذ كمال النجمى قائلا : " قد بلغ ( أى الجارم ) فى أيامه منزلة شاعر مصر الرسمى الذى تنتدبه الحكومة فى محافل البلاد العربية ، فيهز الأسماع بشعره ، ويذكرهم بشوقى، ويحيى عندهم أمل الوحدة العربية كما كانوا يتصورونها فى تلك ا لأيام ! … إن أحداً من شعراء ، مصر لم يتح له أن يمثل مصر رسمياً كما أتيح للجارم الذى انتزع قصب السبق فى جميع المحافل العربية بشهادة أصحابها … " ( ) .
ويقول الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومى : فلما مثل مصر بشاعريته الحافزة ، وديباجته العربية الناصعة ، جذب الأسماع لما يقول ، لقد كان الحفل الجهير يضم أفذاذ الشعر من كل وطن عربى، ولكل شاعر منزلته دون ريب ، ولكن الجارم يقف فى الطليعة بين شعراء كبار، فتكون قصيدته مجال التقدير والملاحظة ،ويعود إلى مصر، وكأنه عاد من فتح حربى بعد أن سجل بطوله الانتصار " ( ) .
ولقد كان الجارم صادقأ عندما افتخر بشعر الذى أجمعت الأمة العربية عليه ، فأصغى له وادى النيل ، وغنت باسمه بغداد، واهتزت الشام طرباً له . يقول ا لجارم مخاطبا بلدته ( رشيد ) :
ما كل ما تحوى الخيوط نظام هذ1 وليدك جاء ينشد شعره
بغداد ، واهتزت إليه الشام ( ) أمثغى له الوادى، وعثث امثمه
الجارم والشعر :
حاول الجارم ه فى مقدمة ديوانه – أن يعرف الشعر، إلا أنه – كغيره من الشعراء والنقاد ه لم يصلوا إلى شعر الشعر، وإنما اكتفوا بوصفه ، وبيان أثره فى الأرواح . يقول الجارم : " إنى لا أريد أن أسهب فى الكلام على معنى الشعر وخصائصه ، ومبعث الروحانية فيه ، ذالك لان هذا المبحث طرقه الباحثون كثيرا، فاخفقوا …" ( ) .
ثم يقرر الجارم أن سر الشجن فى الشعر مجهول ، والذى يبحث عنه ، يضيع وقته فى غير فائدة ، بل عليه أن يستمتع بالشعر دونما بحث ، وكد ، حيث يقول : " إنك تهتز للبحترى وتطرب له ، ولكنك لا تستطيع أن تفض خاتم سحره ، ولا أن تنقل إلى نفس غيرك صدى جرسه فى نفسك" ( ).
وهو يرى « أن سحر السحر يكمن فى "اختيار النظم ، وفى إبداع التصوير، وفى وضع الكلمة فى موضعها، وفى الجرس والئغم ، ولكن أين السبيل إلى إبانة ذلك؟"( ).
ثم يفصل الرأى السابق بقوله : " ولو أردنا أن نقول فى لطف جمال الشعر، وروحانيته . وعجز الألفاظ عن الإحاطة بسره ، واماطة اللثام عن مكنون سحره ، لطال حبل الكلام ، وجاد القلم من الجادة ، ولكنا نستطيع أن نتول فى جمل قصيرة : إن جمال الشعر فى نظمه ، وجرسه ، ورنينه وفى انتقاء ألفاظه ، وتجانسها، وفى ترتيب هذه ا لألفاظ ترتيبا يبرز المعنى فى أروع صورة ، وأبدعها وفى اختيار الأسلوب الذى يليق بالمعنى ويليق به ، فمرة يكون إخبارا ، ومرة يكون استفهاما، ومرة يكون استنكاراً ، ومرة يكون نفياً، ومرة يكون تعجبا، كل ذلك يكون مع المحافظة على الأسلوب العربى الصميم ، ثم فى المعانى وابتكارها، أو توليدها من القديم فى صورة جديدة رائعة ، ثم فى الخيال وحسن تصوير ، والتزام الذوق العربى فيه ، ثم فى إحكام القافية والتمهيد لها، ثم فى اختيار البحر الذى يلائم موضوع القصيدة ، ثم فى التنقل فى القصيدة بين فنون شتى من القول مع المحافظة على الوحدة الشعرية ، ثم فى روح الشاعر وخفة ظله ، وانسياقه مع الطبع ، وتعمده لمس مواطن الشعور"( ) .
ولسنا نريد الإطالة فى عرض آرائه النثرية فى الشعر فهذا مفصل فى مقدمة ديوانه ، لكننا نقف عند مفهوم الشعر فى قصائده ، وأول ما يطالعنا قوله :
لا ترى فيه سوى إحدى اثنتين إنما الشعر على كثرته
ليس فى الشعر كلام بين بين ( ) نفحة قدسية أو هذر
إذن فالشعر – عند الجارم – لا يحتمل الرسطية ، فإما أن يكون شعرا تهتز له الأعماق ، وتطرب له النفس ، وإما هذرا لا قيمة له .
ونراه يحاول أن يعرض وجهة نظره عن الشعر، وكيف أن الشعر عاطفة وفكرة ، وهو يلهب الأرواح – عندما يلامسها – ، والشعر مصباح لمن يريد نور الحياة وهو أنشودة مرسلة من قلب إلى قلب وهو همس الغصون ، ودموع الطل ، وجيش لا يهزم ، ولا تصد جولاته :
وفكرة تتجلى بين أفكار الشعر عاطفة تقتاد عاطفة
كما تقابل تيار بتيار الشعر إن لامس الأروح ألهبها
نور الحياة وزند الأمة الوارى الشعر مصباح أقوام إذا التمسوا
إلى القلوب فتحيا بعد إقفار الشعر أنشودة الفنان يرسلها
ودمعة الطل فى أجفان أزهار الشعر همس الغصون الدوح مائسة
جلاد مرهفة أو فتك بتار ( ) الشعر للملك جيش لا يصاوله
وهو يفصل فى بقية الأبيات أن الشعر يغزو، وينتصر فى معركة لا جراح فيها، ولا قتلى لأن الأعداء يفرون عند سماعه ، ولا يقفون للقتال ، ثم يبين أن حسان بن ثابت – t – كان جيشاً أشد من جيوش الزحف ، وأن ملك بنى أمية لم يزدهر إلا بالشعر، وكذلك ملك العباسيين فالخلود فى الشعر لا فى غيره حيث يحتوى على الحكمة التى هى حديث سائر على مرور الأيام " ( ).
وإذا ما حاولنا استقراء آراء الجارم عن الشعر فى قصائده ، وجدناه من أنصار الفن الذى يخدم المجتمع بكافة فئاته وطوائفه ، ولم يكن الجارم من أنصار الفن للفن ، لان الشعر- عنده – ذو رسالة سامية عليه أن يؤديها" ( ) .
فالجارم من الشعراء الملتزمين بغاية الفن التى تقوى روح المجتمع البناءة ، وتعدل السلوك الشائن ، وتدعو لمكارم الأخلاق . يقول الجارم :
ذخيرة وأعز بند الشعر للأملاك خير
ما شئت من خيل وجند ولرب قافية بها
ولا بعد ببعد تسرى فلا صعب بصعب
بين الواكب من مصد تثب الجبال ومالها
وعدة للمستعد الشعر زند للقوى
دان المهند بالفرند ( ) كم زان من ملك كما أن
والجارم يحب أن يسمى شعره (وحياً ) ، ويرفض أن يسمى ( قصيداً )
ورآه من لا يحس قصيدا ( ) قد رآه مثقف الحس وحيا
وإذا كان الجارم يعتبر شعره وحياً ، فإن هذا يقودنا إلى سؤال : كيف كان يؤلف الجارم شعره ؟ لقد حدثنا الجارم نفسه فى شعره من عملية الخلق ، وكيف كان الشعر يراوغه حيناً، ثم يواتيه فى النهاية سلساً طيعاً مغرداً ، حيث كانت عرائس خياله ذلولة ، لمليفة ، لينة ، سهلة القيادة.
يقول الجارم :
أحظى بها بالغائب المفقود وأعيش فى دنيا الخيال لأننى
والنجم يلحظنا بعين حسود كم ليلة سامرت شعرى لاهيا
فيلين بعد تنكر وجحود حينا يراوغني فانظر ضارعا
ويعافه سمع الحسان الخود( ). طهرته من كل ما تأبى النهى
فالأمر لا يعدو بالنسبة لشاعرنا مسامرة ، يحاول فيها القريض أن يتأبى، لكنه -بنظرة ضارعة حانية من الشاعر. يلين فيعطى القياد .
يقول الدكتور محمد عبد المنعم خاطر: " أما عملية الخلق فلقد تحدث عنها فى أكثر من موضع ، وحديثه لم يخرج من عملية الخلق تتم فى هدوء الليل حيث كان يجلس فى إحدى حجرا ت داره وفى يده قلم يخط به كلمات يثبتها حينا، ويشطب فوقها حيناً، ثم يقف مفكراً حينا وعيناه ذاهلتان فى السقف ، وفى أرجاء الحجرة كأنه يتلقف الهدوء على استهواء ، عرائس خياله المراوغة ، بالضراعة حيناً، وبالتغريد أحيانا، فتلين له ، وتنثنى عائدة إليه ، فيمسك بالقادمتين بعد أن تكون قد وقعت فى شراكه ( ).
والمتأمل لشعر الجارم يجزم بأنه من مدرسة أحمد شوقى أمير الشعراء، أقصد من مدرسته فى التأليف القائم على البديهة والارتجال ، لا الصنعة والتكلف ، إذ تحس أن شعر الجارم سلس متتابع فى يسر كأنه قطرات الماء تسير فى جدولها المتدفق ، ولا تحس بلفظة نافرة ، أو قلقة ، أونابية مما يؤكد لديك الشعور أن شعر قائم على البديهة بصفة عامة.
والذى يؤكد رأينا السابق ما يرويه الأستاذ طاهر الطناحى، من أنه سأل الأستاذ الجارم – رحمهما الله – عن سر إعجاب الناس بشعره . وإلقائه ، فقال الجارم : " اعتدت حين أنظم الشعر ألا أستعين عليه بالكتابة ، بل بالحفظ والترجيع ، فإذا خطرت لى الفكرة . وألهمت بيتاً ، أخذت أتغنى به حتى ارتحت إلى معناه ومبناه ، نظمت فير وتغنيت به إلى أن تتم القصيدة وقد حفظتها جيدا فأعيد إنشادها بينى وبين نفسى لأقف على مواضع قوتها وضعفها، فأهذب ما يحتاج إلى تهذيب وأعود إلى إنشادها مراراً . فإذا وقفت فى الحفل ألقيها على الحاضرين وقد تمكنت منها، وجدت من إقبالهم على الاستماع إلى شعرى ما يثير فى نفسى قوة كامنة لا أستطيع التعبير عنها، فأنطلق فى إلقائها بترجيع الموسيقى، والشعر- كما تعلم – مقيد بتوقيع بتوقيع الأوزان ، فينبغ أن يعطى حقه من النغم والألحان" ( ).
ولعل هدا يفسر لنا أيضاً – سر الموسيقى الرنانة المتعاظمة فى شعر الجارم ، حيث تشعر كلما تقدمت فى قراءة القصيدة – بارتفاع الموسيقى، والنغمات كأنها صادرة من فرق موسيقية كثيرة تضم أمهر العازفين فى تجانس وسحر وعذوبة .
ولذا كان الجارم لا يفتخر به بشيء كافتخاره بشعره ، فقصيدة الفخر عنده نادرة ، وأعظم ما كان يفتخر به شعره ، إذ لا يملك الشاعر أثمن منه ليهديه للمجتمع ، ومن ذلك قوله وهو يخاطب بلداه رشيد :
نفحات من وحى قدسك تهدى أنا من تربك النقى وشعرى
فتسامى فصرت فى الناس فردا كنت أشدو به مع الناس طفلا
أنيسا ، ولا ترى لك ندا ( ). من رزايا النبوع أنك لا تلقى
بل إنه يرى أن شعره أفضل من شعر الأعشى وشعر النابغة الذبيانى :
فتصغى مسامع الأكوان رب شعر له يردده الدهر
حلاها ذوائب الأغصان يتمنى الربيع لو تحدث منه
لعددناه من بنات الدنان من بنات الخيال لو كان يسقى
فأربى على جمال القيان رددته القيان يكسبنه حسنا
وعفى على فى ذبيان( ) قد أثار الغبار فى وجه ميمون
وإذا كنا ما نزال مع الجارم والشعر، فإن عناك ظاهرة تلفت انتباهنا، وتلح فى أن نتناولها ولو بإيجاز-، ألا وهى إلقاء الحارم للشعر. فلقد كان الجارم – فى إلقاء الشعر نسيج وحده ، ولم يكن أحد ممن يستمعون قصائده فى الاحتفالات ، أو تلقى من دار الإذاعة إلا ويسلب الجارم الألباب ويخلب النهى، ويجعل العقول متعلقة بالشعر، مشدودة ، ومشدوهة إليه . فهناك إجماع على أنه أفضل من يلقى الشعر فى عصره .
وإذا ما ذهبنا نستقصى ما قاله كبار النقاد عن جودة إلقاء الجارم للشعر، فإن الحديث يطول ، ولكننا نجتزئ الكلام اجتزاء . يقول الأستاذ أحمد الشايب :
" فكان – أى الجارم – من الأفراد النوادر الذين يحسنون إلقاء الشعر، وكان إلى تلك الخصائص اللفظية – يحسن تمثل معانيه ، وتمثيلها أثناء الإلقاء، لذلك كان شوقى يحرص على أن الجارم هو الذى يلقى شعره فى المحافل "( ) .
ويحدثنا شاهد عيان عن إلقاء الجارم فيقول : أقسم ، أننى لم أشاهده مرة ينشد قصيدة من شعره ، وأرى انفعاله فى رجفة البدن وخفقة الكلمة ، ونبرة الصوت إلا وقر فى نفس أن آلة موسيقية ترتجف بأنغامها، وأوتارها تحت يد عازف فنان ، لقد كان على الجارم – فى إنشاده – صورة من تلك الآلة الموسيقية التى أصف. فما هو فى حركاته ، واختلاجات بدنه ، وارتعاش الكلمات على شفتيه ، وتموجات النغم فى مزهره إلا آلة موسيقية زادها الحسن الإنسانى تأثيراً وروعة .. فلو أنت ملأت عينيك – فى لحظة من تلك اللحظات – لرأيت منظراً عجيباً تتفق منه على الشاعر أن تؤدى به نوبة من نوبات ذلك الانفعال( ).
وعندى أن ذلك راجع إلى حفظ الجارم للقرآن الكريم ، والى تربيته على شعراء عصور القوة كالمتنبى ، والبحترى ، والشريف الرضى ، وغيرهم ، والجارم نفسه يرى أن " الإلقاء فن يعتمد على الصفاء النفسى" ( ) . يقول د. إبراهيم أنيس : " أما إنشاد الشعر فى مصر فتد اتخذ طابعاً توارثناه من أساتذتنا، وأصبحنا نقلد المشهورين منهم فى الإنشاد كحافظ إبراهيم وعلى الجارم وغيرهم " ( ) .
ولن نطيل – كما وعدنا – ولكننا نلتقط شهادة شاعر القطرين خليل مطران (ت 1957م ) حيث يقول : " كنت مدعوا لإلقاء قصيدة فى حفل بأحد مسارح القاهرة ، وكان معى حافظ إبراهيم وقد أعد هو الآخر قصيدة لتلقى، كما دفع شوقى بقصيدة له هو- أيضا – لتلقى فى الحفل ، فألقيت قصيدة شوقى على الجمهور المحتشد فى المسرح فقوبلت بالاستحسان المصطنع ، ثم نهض حافظ وألقى قصيدته فصفق لها الناس مجاملين ، ثم نهض وألقيت قصيدتى فصفق لى الناس فاترين ، وإذا شاب ينهض ملقياً قصيدة ذات عبارات حماسية ، وجمل طنانة بصوت مجلجل ، ونبرات مؤثرة وإذا المسرح يهتز اهتزازا بتصفيق الناس، والهتاف يتصاعد كالرعد من الحناجر" ( ) ولم يكن ذلك الشاب سوى الصداح الغريد على الجارم .
وليس أدل على روعة إلقاء الجارم ، وتفوقه على جميع شعرا ء عصره فى الإلقاء وخصوصاً حافظ إبراهيم – من أن أمير الشعراء (شوقى) لم يكن يأمن أحداً ليلقى شعره إلا الجارم ، حتى لقد كان الحفل يضم شوقياً وحافظاً والجارم ، فيستمع الجمهور لقصيدة شوقى بإلقاء الجارم ، ثم حافظ ، ثم قصيدة الجارم بإلقاء الجارم "( ).
وأختتم هذه لجزئية بقول الأستاذ أحمد حسن الزيات – رحمه الله – : " إن دارسى اللغة العربية فى حاجة إلى سماع صوت الجارم حين يلقى قصائده بالإذاعة المصرية ، فهو أستاذ الإلقاء. تجويداً وضبطا لمخارج الحروف ، ومحافظة على بنية الكلمات ……." ( ).
عصره ومدرسته الأدبية :
لقد قرر الجارم لنفسه خطا – فى تأليف شعره – لا يحيد عنه ، ألا وهو الخط العربى الأصيل على غرار ما ورثه الشاعر عن الشعراء الفحول : كامرئ القيس ، والنابغة الذبيانى، وحسان بن ثابت ، وعمر بن أبى ربيعة ، والمتنبى، وأبى تمام ، والبحترى ، والشريف الرضى، وكذلك البارودى، وشوقى، وحافظ ، وعبد المطلب ، وحفنى ناصف ، ومحرم، ومحمود غنيم و الأسمر، وغيرهم من أساتذته وزملائه .
ولقد كان الجارم يعيش فى مصر النهضة الشعرية ، حيث كان الشعر مهوى الأفئدة ، لا تقام مناسبة إلا وتفتتح بالشعر حتى المؤتمرات الطبية والعلمية وغيرهما – وقد ربطت صداقة متينة بين الجارم وشوقى حتى أنه كان يمشى على قدميه من الأزهر إلى الجيزة للقاء شوقى، وكذلك كانت هناك صداقة تربطه بحافظ، وغيرهما من القمم الأدبية ، ولندلل على تلك العلاقة بين شوقى وحافظ والجارم الذى كان يأتى من بينهم وليس من ورائهم ، ثم استطاع ملء الفراغ الأدبى بعد رحيلهم باقتدار – " ففى عام 922ام أقيم احتفال لرثاء ( إسماعيل صبرى ) فى دار المعلمين العليا بالمنيرة ، فأرسل شوقى إليه – أى الجارم – وقال له : أريد إلقاء ، قصيدتى ، فاعتذر الجارم ، لأن له قصيدة ستلقى فى الحفل ، فما كان من شوقى إلا أن قال ، تلقى القصيدتين معاً .. ولقد استقبل الجمهور الجارم استقبالاً حافلاً واستعادوا أبياتها، وكان أغلب الحاضرين معممين فتضايق حافظ وقال له : " يا واد يا على ، أنت جايب غيط قطن يصقف لك ! " ( ) .
ولقد عرف الجارم لشوقى وحافظ – كما عرف لغيرهما – الفضل ، فسجل إعجابه بهما معا فى قصيدة (خلود) عام 1947م وفيها يقول :
فقد نالنى الذى قد كفانى يا خليلى لا تهيجالى الذكرى
لأراه كعهدة ورانى ناولانى بالله ديوان شوقى
ويقول عن حافظ :
بحرى عذب رشيق المبانى حافظ زين القريض بفن
صفحة الدر فى يدى دهقان ( ) لفظه فى يديه يختار منه
وبعد هذا ا لاستطراد المحتوم يجدر بنا أن نشير إلى عصر الجارم – بنظرة أوسع ، ولا نريد هنا أن نفصل القول فى بدايات النهضة الأدبية ، وأن الحملة الفرنسية على مصر فى أواخر القرن الثامن عشر فتحت على مصر أبوا ب أوروبا، وحضارة الغرب ، ولها فضل تنبيه الوطن ، وإزاة الغشاوة ليبصر بصيص النور، ويشم عبق الحضارة ، فازدادت الحركة، ووسائل الاتصال، وانتشرت الترجمة والبعاث ،
والمطابع ، والتعليم ، والمدارس ، وأفكار التحرر السياسى، ويقسم الأستاذ عمر الدسوقى شعراء هذه الفترة – فترة إسماعيل – أربعة أقسام :
* شعرا ء لم تكن لهم شخصية البتة ، بل ساروا فى الطريق المعبد الذى سلكه من قبلهم أدباء عصورا الانحطاط والضعف ، ذلك هو طريق الشعراء النظاميين والعروضيين مثل : السيد على أبو النصر ( ت 1880)، والشيخ على الليثى.(1380 ، 1896) .
* شعرا ء كانت لهم – مع تقليد للسلف ، و الأدب ا لموروث – شخصية ، بيد أن هذه الشخصية كانت ترى من بعيد، ومن خلف الحجب ا لكثيفة مثل : محمود صفوت الساعاتى ( 1825- 1880) .
* وشعراء قويت شخصيتهم بعض الشىء ، وحاولوا أن يجددوا ، وأن يلونوا أدبهم بما يظهر نفسيتهم ، ويطبعه بطابعهم مثل عبدالله فكرى ( 1834 ، 1889م ) .
* وشعراء رزقوا الشخصية الغلابة ، والأدب المتين ، وحاكوا النماذج الرفيعة فى أدب السلف ، ولم يقلدوا الفث من الآداب ، بل عمدوا إلى فحول الشعراء ينسجون على منوالهم ، ويبارونهم فى قصائدهم المشهورة الخالدة ، وخير مثال لذلك البارودى ( 1838 – 1904 )" ( ).
ولقد كان للبارودى دور عظيم فى بعث الشعر بعد موات ، ورده إليه روحه الزاهرة البعيدة عن التكلف والصنعة ، " ولقد أثر البارودى فيمن أتى بعده من الشعراء، وإن يده على الشعر العربى يد من أقاله من عثرته ، وأنهضه من كبوته ، وأعاد له ديباجته المشرقة ، ومعانيه السامية ، وكأنما فى يده عصا ساحر صيرت الميت حيا، والضعيف قويا، والمعدم ثريا، وكان شعره فى العصر الحديث نموذجا لكل من أتى بعده من شعراء العربية "( ).
ويكفى للتدليل على مكانة البارودى الشعرية أن نقرأ قول العقاد – رحمه الله – : فإذا أرسلت بصرك خمسمائة سنة وراء عصر البارودى، لم تكد تنظر إلى قمة واحدة تساميه ، أوتدانيه وكنت كمن يقف على رأس الطود منفردا فلا أمامه غير التلال ، والكثبان ، والوهاد، وهذه وثيقة قديرة فى تاريخ ا لأدب المصري ترفع الرجل بحق إلى مقام الطليعة أو مقام الإمام " ( ).
وإذا كان البارودى قد بعث الشعر من مرقده ، وصار علماً لمدرسة بعينها، فإن تلاميذه من بعده حملوا اللواء، وكانوا خير خلف لخير سلف ، جاء شوقى أمير الشعراء (1869ـ1932) ، وشاعر النيل حافظ إبراهيم ( 1870 ، 1932 ) ، وإسماعيل صبرى ( 1854- 1923 ) ، ومحمود غنيم (1902- 1972 ) ،محمد عبد المطلب (1871- 1931) ، وحفنى ناصف (1856- 1919 ) ، وأحمد محرم ( 1877- 1945 ) ، ومحمد الأسمر ( 1900 – 1956 ) ، وشاعرنا الكبير المرحوم على الجارم (1881-1949 ).
ولقد كان الجارم – رحمه الله – يسير فى طريقته الشعرية على منوال أساتذة العصر، وعلى رأسهم " أحمد شوقى " ( ومن قبله البارودى) هذا المنحى الذى قيل عنه " مدرسة المحافظين " أعنى الذين التزموا بالشعر العربى العمودى ، وعادوا إلى تراث الآباء والأجداد العرب يترسمون خطاهم ويعالجون – من خلال تجاربهم الشعورية ، والتعبيرية – مشاكل بيئاتهم ويصفون كل جميل أمامهم …" ( ).
وقد كان يروق للبعض – كالدكتور أحمد هيكل ، والدكتور محمد عبد العزيز الكفراوى ، أن يقسموا تلاميذ البارودى إلى قسمين هما :
* المقلدون كشوقى وحافظ والجارم وعبد المطلب.
* المجددون كخليل مطران وتلاميذه العقاد وشكرى( ).
من هذا التعقيب ينبغى أن نفرق بين التقليد الجامد الذى لا حياة فيه وبين النهج القديم الذى يتجاوب مع روح العصر، وهو ما يطلق على أصحابه ( بالمحافظين ) الذى يجمع بين القدم و المعاصرة.
ومن هنا ندرك مدرسة الجارم الأديبة واتجاهه ا لأدبى ، ألا وهوا لاتجاه ( المحافظ البيانى) على طريقة أستاذه وصديقه شوقى، وهذا ما أعلنه الجارم بنفسه فى قصيدة " خلود " التى نظمها فى ذكر حافظ وشوقى عام 1947م ، يقول الجارم فيها :
وغنت نواعق الغربان سكت العندليب فى وحشة الدوح
ثم يقول :
ب ولك يجلبوا سوى الأكفاء جلبوا للقريض ثوبا من الغر
بصناديد أخريات الزمان ثم قالوا مجددون فأهلا
وصوبوا ديباجية الذبيانى لا تثوروا عى تراث امرئ القيـ
ق ، وهاتوا ما شئتم من معانى واحفظوا اللفظ وأساليب والذو
كلسان القريض من طمطمانى ما لسان القريض من عربى
من دماء اللاتين واليونان إنما الشعر قطعة منك ليست
غدا العلم ما له من مكان كل فن له مكان وأهل
رب فأنى وكيف يلتقيان؟!( ) وجهة الشرق غيرها وجهة الغــ
والجارم لا يفتأ يعتز بهذا الاتجاه الأدبى ويعلنا فى كل ماسب ، وذلك إبان اشتعال المعركة الأدبية بين القديم ، والجديد، وهو – على الرغم من سفره إلى إنجلترا – لم يغير طريقة نظمه ، بل حافظ عليها واعتز بها إلى يوم وفاته ، فنجده فى مقدمته لديوانه يقول – بعد أن يبين أن جمال الشعر يكون فى الألفاظ ، النظم ، والجرس ، وتنوع الأساليب : " كل ذلك يكون مع لمحافظة على الأسلوب العربى الصميم "( ). ثم يقول بعدها : ثم يقول بعدها : " وفى الخيال ، وحسن تصويره ، والتزام الذوق العربى فيه"( ) .
ولقد كان الجارم من الشعراء الذين جمعوا بين الأصالة ، و المعاصرة ، فأخلص لترا ث أمته ولغتها، واطلع على الثقافة الغربية ، وألم بثقافات مصر ا لمختلفة ، فكان حلقة وصل بين القديم والجديد .
وإذا كان عصر الجارم ( )، يموج بالتيارات الشعرية التى كانت تنادى بالتجديد مثل التيار المتأثر بالثقافة الفرنسية كخليل مطران ، والتيار المتأثر بالثقافة الإنجليزية كالعقاد، و شكرى ، والمازنى كذلك كان العصر يضم القمم فى مجالات النثر المختلفة ، حيث الشيخ محمد عبده ، الشيخ على يوسف ، وطه حسين ، والعقاد، وجمال الدين الأفغانى، والرافعى، ولطفى السيد، والمنفلوطى، وجورجى زيدا ن ، ناهيك عن التيارات السياسية والحركات الوطنية التى لمعت فيها أسماء مصطفى كامل ، ومحمد فريد، وسعد زغلول ، ومصطفى النحاس وغيرهم ، وكذلك الأحوال المضطربة من حيث الخلافة الإسلامية ، وعلاقة الدول الغربية بتركيا، ورغبة الدول الكبرى الاستعمارية فى تفتيت وحدة الوطن العربى، ومسخ شخصيته ، والقضاء على لغته ، وتشويه ماضيه ، وثقافته ، وتعليمه ، وكذلك انتشار الجهل والمرض ، ثم معاصرة الشاعر للحربين العالميتين الأولى والثانية ، وإلغاء الخلافة الإسلامية ، وإعلان إنجلترا الحماية على مصر.
كل هذه الأحداث المضطربة ، والمتناقضة والمتنافرة كانت حقيقة بأن تنجب عظيماً يساير العظماء ويقف فى مصاف رواد النهضة يبنى معهم ، ويدل بدلوه من أجل نهضة أمته ، وبلده وأبناء وطنه . فكان على الجارم .
ويرى الأستاذ العقاد أن الجارم ينتمى إلى مدرسة ( دار العلوم ) فى الشعر، حيث يقول : " إنها مدرسة يجوز لنا أن نسميها بمدرسة ( دارالعلوم )، وأعجب لأنها لم تتميز بهذه الميزة الواضحة وهى أدل عليها من كل جامعة أخرى تفارقها ، ولا تقارب بين أوصالها … فالدرعمى عربى سلفى عصرى … ولا يسعك وأنت تقرأ قصيدة الشاعر من أركان هذه المدرسة الدرعمية أن تحجب فكرة (اللغة) من خاطرك .. على أن الطابع المستقل من ( الشخصية الجارمية ) يبدو على كل لمحة (درعمية) تصادفها بمعانيها، أو ألفاظها فى قصائد هذا الديوان "( ).
وقد وجد من الباحثين من يؤيد رأى العقاد، حيث يقول أحدهم : " والجارم أحد أركان المدرسة الدرعمية المتأثرة بشوقى "( ) .
وكذلك يرى الدكتورعبده بدوى فى مقال له بعنوان (الجارم .. ومدرسة دار العلوم فى الشعر ) : " و الذى يهمنا هنا هو أنه كان عضواً بارزاً فى تيار جديد لم ينل نصيبا من النقاد، هذا التيار هو التيار الدرعمى فى الشعر…"( ).
ومهما يكن من أمر فإننا – فى دراستنا الفنية للصورة عند الجارم – لن نقف كثيرا عند مدرسته ، بل ستهمنا الصورة – فقط – ودورها فى بناء الفنى لشعر الجارم.
وكتبه ابتغاء مرضاة الله تعالى، وخدمة للغة الشريفة
أبو جهاد إبراهيم أمين الزرزموني
م/ن
بالتوفيق
عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)
ولد في طولكرم (فلسطين) عام 1909 وتوفي في 11 تشرين أول عام 1980
تلقى تعليمه في طولكرم، ونزح إلى سورية عام، 1948 عمل في الإذاعة السورية وفي وزارة العدل. لُقب "زيتونة فلسطين" نال جائزة اللوتس للشعر عام 1978.
نال شهادة الحقوق في معهد الحقوق الفلسطيني
شارك في أول اجتماع لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين عام 1966 وانتخب لاحقا أمينا عاما للاتحاد
مؤلفاته:
المشرد، شعر 1949.
أغنيات بلادي، شعر. 1959
الثورة، مسرحية.
أغاني الأطفال، شعر. 1964
كفاح عرب فلسطين، دراسة.
أحمد شاكر الكرمي، دراسة.
الأعمال الكاملة، بيروت 1978.
من فلسطين ريشتي – دمشق عام 1971
الديوان الآخر لأبو سلمى – أشعار لم يتضمنها الديوان ، جمع وإعداد غادة أحمد بيلتو – عام 1978
ديوان أبو سلمى – عام 1989
ملاحظة
المراجع
اتحاد الكتاب العرب – دمشق
كتاب شعراء فلسطين في القرن العشرين للكاتب الفلسطيني راضي صدوق
تسلمين