بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,..
أثر الميـاه الجوفيـة فى تشكيل سطح الأرض
عندمـا تسقط الأمطار تسلك سبيلها عبر الروافد والأنهار والمجارى المائية ليذهب فى نهاية المطاف إلى البحار والمحيطات , غير أن جزءاً منها يتسرب ويغوص فى صخور الأرض عبر الشقوق والفواصل التى قد توجد عادة فى الصخور . وإذا دققنا البحث فى أمر هذا الماء الجوى Meteoric water الذى إنتهى به المطاف إلى باطن الصخور الذى يطلق عليه فى هذه الحالة الماء الباطنى أو الماء الجوفى Underground Water . والذى قد يظهر على السطح مرة أخرى على هيئة ينابيع أو عيون . إذا دققنا البحث سوف نجد أن الماء الجوفى قد صار بعد رحلته ذا نشاط كيميائى . والسبب فى هذا النشاط الكيميائى يرجع إلى أن الماء الجوى قد أذاب بعضاً من غاز ثانى أكسيد الكربون الموجود بطبيعة الحال فى الجو . فمن المعروف أن غاز ثانى أكسيد الكربون قابل للاتحاد بالماء إذ أنهما يكونان مع وجود الأكسجين حمضاً ضعيفاً هو حمض الكربونيك.
هذا بالنسبة للماء الجوى , أما فيما يتعلق بالاحجار الجيرية فهى إحدى أنواع الصخور الرسوبية التى تتميز بهيئتها الطباقية , بمعنى أن الصخور الرسوبية بوجه عام والاحجار الجيرية بوجه خاص تتكون على هيئة طبقات , حيث تكونت وترسبت تلك الطبقات تباعا طبقة إثر طبقة عبر العصور الجيولوجية . وتبعاً لهذا الترسيب المتتالى نشأ نوع من الحدود الفاصلة بين الطبقات يطلق عليه مستويات التطبق أو سطوح الانفصال Bedding planes . ومن الملاحظ على الأحجار الجيرية بالإضافة إلى وجود سطوح الإنفصال , كثرة انتشار الفواصل والشقوق الرأسية على طبقات الأحجار الجيرية .
وإذا كانت الصخور – أيا كان نوعهـا – تتألف من أكثر من معدن , فإن الاحجار الجيرية تتميز بكونها مؤلفة من معدن واحد ، حيث يطلق عليها ؛ صخور وحيدة المعدن Mono-mineralic Rocks ؛ لأنها تحتوى على معدن رئيسى واحد ، هو معدن الكالسيت Calcite الذى يتكون – كيميائيا – من كربونات الكالسيوم ، وهذه من المركبات الكيميائية التى يسهل على الأحماض حتى الضعيفة منها التفاعل معهـا وإذابتهــا.
الكارســـــت Karst :
تعد الصخور الجيرية ، صخورا مثالية يتضح فيها تأثير المياه الجوفية بشكل ملموس ظاهر سواء أكان هذا التأثير على السطح أو ما تحت السطح مما ينتج عنه عدد من الأشكال التى ترتبط إرتباطـا وثيقا بتأثير المياه الجوفية وما يتبع هذا التأثير من عمليات الإذابة وتوسيع الشقوق والفواصل والكسور التى توجد عادة فى الصخور الجيرية .
وعلى الرغم من وجود هذه الأشكال فى مناطق كثيرة فى العالم إلا أن منطقـة الكارست Karst فى غرب يوغوسلافيا هى من أشهر المناطق التى يتضح فيها تأثير المياه الجوفية على الصخور الجيرية حتى أن كلمـة كارست أصبحت مصطلحا علميا على هذا التأثير بمعنى أن الكارست هى من الظاهرات الجيومورفولوجيـة الناتجة من تأثير المياه الجوفية على الصخور الجيرية فى المناطق المطيرة وفيما يلى أهم ظاهرات الكارست ..
1 – الكهـــوف :
إن الماء الجوفى المحمل بحمض الكربونيك قادر على إذابة الأحجار الجيرية باعتبار أن المكون الرئيسى لها هو كربونات الكالسيوم . وحين يتفاعل الأول مع الأخير فإن الأخير يتحول إلى بيكربونات الكالسيوم وهو من المواد القابلة للذوبان فى الماء .
وهذه المياه حين تتسرب من خلال الشقوق والفواصل الرأسية الموجودة فى طبقات الأحجار الجيرية فإنها تحول الكربونات إلى بيكربونات تذوب فى الماء وسرعان ما تأخذ هذه المادة الجديدة – البيكربونات الذائبة – طريقها مع سريان المياه الباطنية خلال سطوح الإنفصال تاركة وراءهـا فراغاً ما يلبث أن يزيد حجمه قدراً واتساعاً كلما توالى وأستمر تأثير المياه الباطنيـة المحملة بحمض الكربونيك على الأحجار الجيرية . وينتج عن هذا التأثير – عبر الزمن الجيولوجـى – تكون الكهوف والمغارات التى تتفاوت أحجامهـا حسب معدل تأثير حمض الكربونيك زيادةً ونقصانـاً وحسب مستوى المياه الباطنيـة وحسب تركيز الحمض نفسه ، وغير ذلك من العوامل التى تؤثر سلباً أو إيجاباً فى عملية ذوبان الصخور الجيرية.
2 – الصواعد والهـــــوابط :
وبعد تمام تكون الكهف وفى أثناء سريان المياه الباطنية الحاملة لحمض الكربونيك قد يحدث أن ترشح أو تنز نقطة أو بضع نقاط من هذه المياه من سقف الكهف . وقد تظل هذه النقطـة أو تلك النقاط معلقة فى السقف فترة تقصر أو تطول حتى تجف . أى أن بيكربونات الكالسيوم الذائبة تتحول بالتبخير إلى كربونات كالسيوم التىلا تذوب فى الماء . ويرجع السبب فى هذا التحول إلى تطاير غاز ثانى أكسيد الكربون الذى كان بالإضافة إلى الماء سبباً فى تكون البيكربونات الذائبـة .
وعند ترسب الكربونات علـــى سقف الكهـــف تكون فـــى البداية أشبه بالهباءة التى لا تكاد ترى . وتسلك النقاط التالية نفس المسلك السابق من الرشح ثم الجفاف الناتج عن التبخير ثم الترسب على سقف الكهف وهكذا دواليك وعبر آلوف أو ملايين السنين تزداد كمية كربونات الكالسيوم شيئاً فشيئاً على شكل أعمدة مدلاة من سقف الكهف هابطة نحو القاع وهى تلك الأعمدة المسماه بالهوابط Stalactit .
وفى كثير من الأحيان يحدث أن هذه النقاط قد تكون نقاطـا ثقيلـة لا تقوى – لثقلها – على التعلق بسقف الكهف ، فتسقط على القاع ليسرى عليها ما سرى على النقاط المعلقة بالسقف من حيث الجفاف الناتج عن التبخير الذى يؤدى إلى ترسب كربونات الكالسيوم . وبتوالى تساقط مثل هذه النقاط على قاع الكهف وترسب محتواها من الكربونات يرتفع عمود من أرضية الكهف يتلمس طريقه إلى أعلى صاعدا فى إتجاه السقف مكونا الصواعد Stalagmites .
3 – الأسطح الجيريــة المضرســة :
وهـى أسطح الطبقات الجيريـة التى تظهر فيها الثقوب والحزوز الغائرة والأسطح المهلهلـة المشرشرة الناتجـة من عدم إنتظام عمليـة الإذابـة للمياه الحامضيــة . ويطلق على هذه الظاهرة أسماء محليـة فهـى البوجاز Bogaz فى يوغوسلافيا والكارن Karren فى المانيا واللابيـة Lapies فى فرنسا .
4 – الحفر الغائرة وبالوعات الإذابــة :
تعتبر الحفر الوعائيـة Sink Holes أو بالوعات الإذابة Dolines من أكثر ظاهرات الكارست انتشاراً فى العالم وهى تنشأ نتيجة لتسرب المياه الحامضية من خلال الفواصل وإذابتها لمكونات الصخر ومن أهم أشكال هذه الحفر :
أ ) بالوعـات الإذابــة Solution Sink Holes : ويتكون هذا النمط من البالوعات نتيجة لعملية الإذابة على سطح الأرض وتكوين بعض الحفر الدائرية التى تتسع شيئاً فشيئاً مع استمرار عملية الذوبان وقد تتلاحم هذه الحفر مع بعضها البعض مكونة منخفضات أكثر إتساعا ويطلق عليها فى هذه الحالة إسم بالوعة الإذابة المركبة Compound Sink Holes.
ب ) الحفر الطوليـــة كبيرة الحجـم : وهى عبارة عن حفر طوليــة الشكل كبيرة الحجم ذات جوانب شديدة الإنحدار ويطلق على هذه الحفر الطولية إسم محلى يوغوسلافى هـو بولجـى Polje .
أنواع الميـاه الجوفيــة :
1 – الآبار الارتوازيــة Atresian Wells:
ويكثر حفرها فى المناطق الجافة وشبه الجافة إلى أن يصل الحفر إلى الطبقة الحاوية للماء الجوفى والذى يختلف مستواه من مكان لآخر ومن فصل مناخـى لآخر . ويتوقف حجم الماء المتجمع فى البئر ومعدل ضخه إلى السطح على سرعـة انسياب الماء إليه وعلى سمك الطبقة الحاوية للماء ثم على المدد الذى يستمد منهـــا .
2 – الينابيـــــع Springs :
وهى مناطق ينخفض سطحها عن مستوى الماء الجوفى فى الأرض المحيطة بها ومن ثم يندفع الماء على سطحها تلقائيا . وقد يتدفق الماء بصورة منتظمة أو متقطعـة على فترات ، غزيرا أو ضئيلا . كما قد يمثل المنابع العليا لبعض الأنهار كما هو الحال فى كثير من أنهار لبنان وفى نهر العاصى الذى يبدأ رحلته من ينابيع شمال بعلبك ثم يتجـه شمالا إلى أن يلتقى بالبحر المتوسط بعد رحلـة 571 كم .
ومما يساعد على كثرة الينابيع درجـة ميل الطبقات التى تؤدى فى بعض المواقع إلى تكوين حافات صخرية صماء فى إتجاه ميل الطبقات ومن ثم إلى تجمع المياه أمامهـا وإندفاعهـا غزيرة إلى السطح ، وكذلك كثرة الشقوق Cracks والفواصل Joints وتتابع مسامية الصخور مع توفر طبقة صماء لحجر الماء أمامهـا ورفع منسوبـه ، ثو وجود السدود الرأسية Dykes من الحجر النارى الذى يعمل أيضا على حجز الماء ورفع منسوبـه .
3 – الفــورات الحارة Geysers :
فمع انتشارها فى كثير من القارات وفى مختلف العروض إلا أنها تكثر فى المناطق التى تعلو تيارات الحمل فى القشرة الأرضية كما فى هاواى وأيسلنده ، وفى مناطق الحدود بين ألواح القشرة الأرضيـة ، وفى مناطق الضعف بهـا كما فى نيوزيلاندا .
وكما يكون مصدر مائهـا – وهذا هو الغالب – هو ماء المطر الذى يتسرب بعضـه تحت سطح الأرض ويذيب بعض الأملاح التى ترفع من درجـة حرارتـه ، قد يكون مصدر مائهـا الصهير نفسه والغازات المتكثفة التى تتصاعد من منطقـة الوشاح وهو مصدر يرفع كثيرا من درجـة حرارة الماء . وعلى كل فإن درجة حرارة ماء الفورات تتوقف على مدى العمق الذى تبدأ منه وعلى كمية الأملاح الذائبة فيه . وبينما يكون بعضهـا فى درجة حرارة الجسم ومما يحتمله الإنسان قد يتعدى بعضها درجة غليان الماء بكثير .
وكثيرا ما يتصاعد مع الماء بعض الرواسب وكربونات الكالسيوم وغيرهـا من الأملاح الذائبـة . وقد يؤدى تراكمهـا على السطح بعد جفاف الماء من حولها بسبب البخر أو التسرب أو انقطاع التدفق إلى تكوين مخاريط ضئيلـة الحجم مكونة صخورا جيرية تعرف بالجيزيريت Geyserite .
الظاهرات الناتجـة عـن المياه الجوفيــة :
يأتى معظم الماء المتسرب إلى جوف القشرة الأرضية من الأمطـار المتساقطـة والثلوج الذائبـة ومن المياه الجارية ومن المحيطات والبحار المجاورة . وبينما يظهر بعض هذا الماس الجوفى على سطح الأرض فى بعض المواقع – حيث يمكن الانتفاع به – نتيجـة لحركة المياه فى الطبقة الحاوية له ودرجـة ميلهـا ثم بعد هذه الطبقة عن سطح الأرض . قد يقتصر فعل الحالات تعمل المياه الجوفية على خلق بعض الظاهرات الجيومورفولوجيـة والتى من أهمها الآبار والينابيع
إعداد الدكتور : مصطفى يعقوب
بالتوفيق