بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
تصادف اليوم الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر الذكرى الثالثة لوفاة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ( 1918-2017م) الذي جمع القبائل الإماراتية – إن جاز التعبير- ليبني بها دولة حرة ذات سيادة .. دولة مؤسسات في برهة قليلة من الزمن قياسًا بأعمار الدول والشعوب… بل جعلها نموذجًا يحتذى في التقدم الحضاري والعمراني والتقني.. وإذا كان الإعلام مسموعه ومرئيه ومقروئه قد أفاض في الحديث عن مآثر الشيخ زايد التي لا تعد ولا تحصى.. فإننا اليوم في "إيلاف" نعرض جانبًا آخر لم يتعرض له الإعلام، وهو الجانب الإنساني في حياة الشيخ زايد.
كان الشيخ زايد – طيب الله ثراه – قائدًا، وحاكمًا، ورائدًا وحكيمًا، فهو الأب لأبنائه، وهو الشيخ لقبيلته، فلم تشغله هموم الحكم ولم تبهرة السلطة… بل ظل على بساطته وتواضعه.. لم ينحي "بشت" ( العباءة) الإنسانية جانبًا، بل على العكس كان حريصًا أن يضعه على كتفيه متمسكًا به لأنه من طبعه وعادته، مع القريب والبعيد، المواطن وغير المواطن.. العربي وغير العربي، الغني والفقير، الرجل والمرأة، الكبير والصغير، المسلم وغير المسلم، فهي فطرته التي فطره الله عليها.. فهو – طيب الله ثراه – لم يبتدعها، وإنما ولد بها وتربى عليها. أقرب من كانوا حوله يعايشونه في حله وترحاله .. مجلسه وجولاته هم من حرصنا على الالتقاء بهم ليحدثونا عن زايد الإنسان.. فقالوا عجبًا.
وجبة عشاء لثلاثة آلاف شخص
قبل أن ننقل كلامهم أقول من واقع تجربة شخصية، انني أسعدني قدري والتقيت به يوما – طيب الله ثراه- عندما تفجرت المياه ينبوعا من باطن الأرض في حضن جبل حفيت بمدينة العين، يومها كان سعيدًا جدًا بهذا الحدث في بلد يعاني من شح المياه، قلت له: هل نتوقع بعد تفجر المياه بهذه الكمية والكيفية أن نشاهد هذا الجبل متنزهًا سياحيًا.. قال بكل ثقة: سيكون بإذن الله، وسيفد إليه الناس من كل مكان. وما هي إلا سنوات قليلة حتى كان سفح الجبل الأصم الصلد قد تحول إلى اللون الأخضر، والوادي تحت سفحه إلى متنزه عالمي .. أرضه مفروشة بالبساط الأخضر، أشجاره يانعة، طرقه مرصوفة، الخيام المكيفة تنتشر بأعداد كبيرة لتقضي فيها الأسر أوقاتا سعيدة ومن دون مقابل، الكافيتريات في كل مكان، المنافع العامة منتشرة وعمال النظافة يتحركون بين الناس على مدار الساعة، المسابح الواسعة للرجال وأخرى للنساء ليغتسلوا بالمياه الكبريتيه التي تفجرت من باطن الأرض..
ولأنه – رحمه الله- كان سعيدًا بتحول المنطقة بهذا الشكل، اتخذ له استراحة فوق قمة أحد تلالها.. كان يمر بين الناس بسيارته وبهدوء حتى لا يلتفت إليه أحد يتفقد أحوالهم ويلاحظ البشر والسعادة على وجوههم، وكان يبادل من يكتشفوا وجوده التحية بالتحية في بساطة وتواضع، وذات يوم عندما كان المتنزه مليئًا بالزوار وبعد أن تجول بينهم كعادته وسعد لسعادتهم.. أمر مرافقيه أن يقدموا وجبة العشاء لكل زوار المكان، وعلى الفور تحركت سيارات الشرطة لتخبر الزوار : "ابقوا في أماكنكم.. العشاء الليلة عند الشيوخ"، وتم جلب ثلاثة آلاف وجبة عشاء وتقديمها لزوار المتنزه، وعند تقديم سعيد بن دري أحد مرافقيه تقريرا بما حدث سأله الشيخ زايد: هل انبسط الناس .. وعندما تأكد من سعادتهم، بدت السعادة على وجهه قائلا: الحمد لله.
الفريق متقاعد خلفان مطر قائد الحرس الأميري السابق كان ملازما للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه- أكثر من ثلاثين عاما.. كان قرب يمينه أينما سار.. قال: لم يكن زايد رفيقا وحليما وحكيما وعطوفا مع الإنسان فقط، بل كان كذلك مع الحيوان والطير والشجر.. وفي هذا أعظم دليل على إنسانيته المتناهية، لقد حول الإمارات إلى جنة خضراء، وأمر بزراعة مساحات كبيرة من الأشجار وسورها بالشبك وأطلق فيها الحيوانات خاصة النادرة أو المهددة بالإنقراض لتعيش حياتها الطبيعية وقد توفرت لها كل مقومات الحياة الآمنة الهادئة.. وخير مثال على ذلك جزيرة صير بني ياس المحمية الطبيعية التي تعيش فيها آلاف الحيوانات والطيور.. التي استتقرت بها وطاب لها العيش بعد أن كانت تهاجر صيفا شتاء بعد ان وجدت الطعام والماء والرعاية الصحية أيضا.
ولأن الشيء بالشيء يذكر.. نقطع كلام بو مطر بالخير ونذكر واقعة حكاها لي أحد الأشخاص الذين كانوا قريبين من الشيخ زايد – طيب الله ثراه – وفضل عدم ذكر اسمه.. قال: زار أحد الحكام العرب دولة الإمارات، وعندما رأي غزال المها – المهدد بالإنقراض- أعجب به وطلب من الشيخ زايد عددا منها، وأهداه الشيخ زايد ما طلب، وحدث أن زار الشيخ زايد فيما بعد بلد ذلك الحاكم، وطلب أن يرى تلك الحيوانات، وعندما زارها في أماكن معيشتها تغيرت ملامح وجهه، فقد رآها تعيش في الصحراء بلا رعاية حقيقية، فأمر فورا بإنشاء مساحة لها وسورها بالشبك وأمر بزراعتها وإمدادها بالمياه حتى تجد المها مكانًا طبيعيًا مريحًا تعيش فيه، وقال لحاكم تلك البلد: أنا وأنت سنسأل يوم القيامة عن هذه الأرواح فكيف نتركها هكذا، لذلك، عندما زاره حاكم عربي آخر وطلب أيضًا بعضًا من غزال المها قال له: عندما تعود لبلادك جهز لها المكان الذي يجب أن يكون مزروعًا، ومسورًا، وبه المياه، وعندها ستصلك هديتنا إلى بلدك.. وفعلاً، عندما تأكد رحمة الله عليه من تجهيز المكان، أرسل الغزلان.
إطعام الطيور السائبة.
أيضًا… ولأن الشيء بالشيء يذكر.. فقد قال معالي علي سالم الكعبي مدير مكتب الشيخ زايد لإحدى القنوات التليفزيونية ذات مرة: أن الشيخ زايد رحمة الله عليه زار منطقة ما في إحدى الدول الأوروبية، ورأي الطيور وهي تحط في المكان وتتقاتل على الطعام الذي يلقيه لها السياح، فنادى على صاحب المكان بعد أن تأثر بالمنظر، وقال له: سنعطيك ما يكفيك، بشرط أن تقدم الطعام لهذه الطيور على مدى عام كامل.
تاكسي يصدم سيارته
ونعود لسعادة الفريق متقاعد خلفان مطر قائد الحرس الأميري السابق، سألته عن واقعة حادث التصادم الذي وقع لسيارة الشيخ زايد.. قال: نعم حدث ذلك في عام 1982م، كان رحمه الله عليه يتفقد أماكن التطوير في أبوظبي، وكان حريصًا على أن يقود سيارته بنفسه ودون مواكب ودراجات نارية وما إلى ذلك من أساليب الحراسة والأمن، وكان في أبوظبي بعض الدوارات (الميادين) أولوية المرور فيها عكس الدوارات الأخرى التي تكون فيها أولوية المرور للقادم من اليسار، ولم ينتبه الشيخ زايد للدوار الذي نسميه مغلقا وواصل سيره، فإذا بسيارة أجرة يقودها سائق أسيوي تصطدم بشده بسيارته رحمه الله، وأصيب في كتفه إصابة قوية، لكنه عندما انتبه إلى أحقية السائق الآسيوي بالمرور عفا عنه وطلب ممن معه أن يتركوه في حال سبيله.
الشراء من أجل الشراء
ويبتسم الفريق خلفان مطر قائد الحرس الأميري السابق وهو يقول: تصور.. كان رحمه الله عليه يذهب إلى سوق الميناء- وهو سوق مفتوح في أبوظبي كل بائعيه تقريبا من الجنسيات الآسيوية وقليل منهم عربا- ليشتري أغراضا لنفسه، هل تتصور أن الشيخ زايد رحمه الله ينقصه شيء ليشتريه.. وليشتريه بنفسه كان هدفه الترويج للسوق وتحريك مبيعاته.
الرأفة بخلق الله
سعيد بن دري أحد مرافقي الشيخ زايد قال: لم نكن نتعجب عندما كان يتوقف في الصحراء فجأة أثناء جولاته ليتكلم مع شخص يبدو أنه غير عربي، وربما غير مسلم، ربما عامل بناء بسيط أو مزارع في مزرعة، ليسأله عن نفسه وعمله وحاله وحال أسرته ومعيشته، ويأمر بحل مشكلته أن كانت له مشكله.. ثم يعطيه ما يتيسر له ويمضي ليكمل باقي جولته.. هذا الموقف النبيل تكرر لا أقول عشرات المرات.. بل مئات المرات سواء في المدن أو القرى وحتى في الوديان وقلب الصحراء.
وأيضًا… لأن الشيء بالشيء يذكر، نذكر القصة التي رواها معالي على الكعبي مدير مكتب الشيخ زايد للتليفزيون.. فقد كان الشيخ زايد رحمه الله عندما يقضي إجازاته في الدول الأوروبية يتلقى العديد من الرسائل التي لأصحابها مطالب شخصية مادية وغير مادية، قال: كنت أعرض عليه تلك الرسائل فيأمر بحل المشاكل أو تقديم المساعدة، وفي إحدى المرات عندما كنت أعرض تلك الرسائل وجدت رسالة دار في خلدي أنه يجب عدم عرضها عليه، فأخفيتها في جيبي وواصلت عرض الرسائل، ولما انتهيت سألني: هل انتهينا.. قلت نعم.. قال: وما بال الرسالة التي أخفيتها في جيبك.. ذهلت من المفاجأة وأنه صبر علي كل ذلك الوقت، قلت له : إنها رسالة من شخص يهودي تحديدا ويطلب مساعدة، فقال: إعطه ما طلب، ليعلم أن الإسلام دين حنيف لا يفرق بين المعتقدات، ولكنه رسالة للإنسانية جميعها.
يسعد بابتسامة الآخرين
الفريق متقاعد خلفان مطر أكد على ذلك.. قال: كان رحمة الله عليه يعطي بسخاء، ويحرص على ألا تعلم شماله ما أعطته يمينه، وكما قلت لك ولمسته بنفسي، كان يشعر بسعادة بالغة وهو يرى الابتسامة على وجوه من أمر بحل مشاكلهم أو التيسير عليها، وهذا لا يقتصر على المواطنين فقط، بل على المقيمين، وعطاؤه رحمة الله عليه لم يقتصر أيضا على الموجودين داخل الدولة، بل خارجها، وكم نشرت الصحف تقارير عن عطاء الشيخ زايد رحمة الله عليه في العديد من بلدان العالم العربية الشقيقة، والإسلامية والصديقة، وأنا أؤكد لك أن هناك الكثير الذي قدمه بنفسه رحمة الله عليه ولم تعلم به الجهات الرسمية التي كانت تتولي الاشراف على المنح التي تقدمها الدولة بأوامر منه رحمة الله عليه.. منها مثلاً المنح التي كان يقدمها للقرى التي يحل بالقرب منها عندما كان يخرج للصيد بالصقور (القنص) سواء في باكستان والهند والجزائر والمغرب، فكان يعطي كل من جاء يعرض مسألته، بل كان أحيانا يأمر بتمهيد الطريق لتلك القرية إذا طلب منه أهلها ذلك.. أو لاحظ هو أن الطريق يحتاج إلى تعبيد، وبالمناسبة كان رحمة الله عليه شديد الملاحظة، وكان يطلب من زواره أن يعرضوا عليه ما يحتاجونه ويسعد عندما يرى السرور والبهجة على وجوههم عندما يحقق طلباتهم، وكان – رحمة الله عليه – لا يخلد للراحة بعد عناء القنص إلا بعد أن يطمئن على كل من كان معه، ثم يتفقد أحوالهم صباحا.. لقد قلت لك أنه – رحمة الله عليه – كان صاحب قلب كبير محب للخير كثير العطاء حتى السخاء.
عندما استاء زايد
سعيد بن دري يدلل على ذلك بقوله: قال لي الشيخ زايد رحمه الله يوما ما: يا سعيد.. اتصالات الناس في ذمتك.. لا بد أن تعرضها على حتى نحل مشاكلهم ونحقق مطالبهم، وإن أخفيت شيئا فهو في ذمتك إلى أن توصلها لي.
ويتابع بن دري: ذات يوم كنا نجلس معه بعد منتصف الليل وجرس هاتفي لا يكف عن الرنين، وشعرت بالحرج.. لكنه أمرني أن أرد على المتصل.. وعندما رددت جاءني من الجانب الآخر صوت سيدة عربية لا أعرفها.. لكنها قالت لي: أنا تعبت وأنا أبحث عن رقم هاتفك… وأعلم أنك قريب من الشيخ زايد.. وأنك توصل إليه حاجة الناس.. إنني أستحلفك بالله أن تخبر الشيخ زايد عن حالتي.. فزوجي مدين بمبلغ ستين ألف درهم.. وهو في السجن.. ولا أعرف كيف أدبر هذا المبلغ الكبير.. وأنا وأولادي في ظروف في غاية السوء.. أنا أريد الإفراج عن زوجي ونعدك بأننا لن نبقى في بلدكم.. لا نريد البقاء بعد الإفراج عن زوجي.. وعندما انتهت المكالمة سألني الشيخ زايد رحمة الله عليه عنها فأخبرته بتفاصيلها.. فاستاء رحمة الله عليه.. وأمرني بأن أبادر بتسديد ديون الرجل والإفراج عنه فورا.. أتدري لما استاء رحمة الله عليه.. لأن السيدة قالت: لا نريد البقاء في الإمارات.. نريد العودة إلى بلادنا.. فقط.. أفرجوا عن زوجي.. وبعد نصف ساعة كنت على باب بيتها أبلغها بأوامره رحمة الله عليه بالإفراج عن زوجها.. وأعطيتها مبلغا إضافيا من المال.. وأمرني أن ابلغها بأن الشيخ زايد يريد أن تبقى في البلاد ولا ترحل عنها.. وأن تبقى كأنها في وطنها.
مشكلتها بدأت عندما صافحته
ومن المواقف الإنسانية التي رأها سعيد بعينيه قال: كان رحمه الله يتجول يوما بسيارته يتفقد كورنيش أبوظبي.. ولمح سيدة عربية تعرفت عليه فأخذت تحييه من بعيد.. وعندما اقترب منها سمعها تقول: إنها تتمنى أن تصافح الشيخ زايد.. فأمر السائق بالتوقف.. ونادها.. فهرولت للسلام عليه.. وبطبيعة الحال كان الموقف أكبر من تصورها واستيعابها.. فانعقد لسانها.. صافحته رحمة الله عليه وظلت ممسكة بيده دون أن تنطق بكلمة.. وبإنسانيته وعطفه أدرك ما كانت فيه.. فأخذ يخفف عنها ويبتسم لها ويسألها عن أحوالها وأسرتها.. لكنها ظلت شاخصة دون كلمة.. فسألها عن حاجتها.. قالت من بين دموعها: إن لها ستة عشر عاما في الإمارات.. ولا تريد إلا سلامته.. سألها إن كانت في حاجة للمال فقالت: نحن أسرة مي الحال وزوجي يعمل في إحدى شركات البترول.. وكنت أحلم بمصافحتك لأنك الزعيم العربي الوحيد الذي يمكن أن يقترب منه الناس ويصافحوه.. ولم أحلم بذلك في بلادي.. أنت الرئيس الذي أحبه المواطنون والمقيمون ولو سرت بدون أي حراسة لا تخاف على نفسك فقد أحبك الجميع.. استمر رحمة الله عليه يخفف عنها بابتسامته الحنون وعاد ليسألها: هل لك حاجة.. هل عندك مشكلة لنحلها لك.. قالت مندفعة: الآن بدأت مشكلتي.. فابتسم رحمة الله عليه قائلا قبل أن يتعرف على مشكلتها: سنحلها لك بإذن الله.. ما هي مشكلتك.. قالت: لن يصدق أهلي وأقاربي وصديقاتي أنني صافحت الشيخ زايد يدا بيد.. فضحك رحمة الله عليه وقال لها: نحن سنجعلهم يصدقون.. وأمرني بأخذ رقم هاتفها.. وفي المساء كنت أدق باب بيتها.. ومعي مبلغ من المال.. ومجموعة هدايا قيمة.. وساعة يد حريمي عليها صورته رحمة الله عليه.. وأبلغتها رسالة منه: الآن سيصدقون أنك صافحتي زايد.
طالبة قفزت من نافذة الباص لتصافحه
ويروي سعيد بن دري أحد مرافقي الشيخ زايد بن سلطان – طيب الله ثراه- حكايات أخرى عن إنسانية الشيخ زايد قائلا: كنا في طريقنا من أبوظبي إلى منطقة الوثبة.. ومرت سيارته رحمة الله عليه بجوار باصي مدرستين من مدارس البنات الإعدادية كانا في طريقهما من المدارس إلى بيوت الطالبات في بني ياس.. وعندما لمحت الطالبات سيارته رحمة الله عليه أخذن يلوحن بأيديهن لتحيته.. توقف بسيارته لرد التحية.. وخوفا من الزحام أغلق سائقا الباصين أبوابهما .. وفوجئت بإحدى الطالبات عمرها حوالي 12 عاما تقفز من نافذة الباص وتتجه صوبه رحمه الله.. فمنعها الحرس.. وكنت معه في السيارة فأخبرته بالسالفة فقال: دعوها.. وسألها بحنان الأب: لماذا قفزتي من نافذة الباص.. فقالت بانبهار: "أشوف بابا زايد بالعين ولا أسلم عليه باليد.. مستحيل.. أنا لم أكن أحلم بذلك في منامي ولن أضيع الفرصة في يقظتي".. سلم عليها بحنان.. وشرح لها خطورة ما فعلته.. وطلب منها ألا تخاطر بنفسها مرة أخرى.. ثم أعطاني حقيبة بها مبلغ كبير من المال وطلب مني توزيعه على من هن في الباصين ومن كن فيهما أيضا.. وقمت بتوزيعه فعلا على من كن في الباصين من الطالبات ومدرساتهن.. وبذلت مجهودا كبيرا في التعرف على منازل الطالبات اللاتي كن في الباص ونزلن إلى بيوتهن قبل مقابلته رحمة الله عليه.. وأعطيتهن نصيبهن تنفيذا لتعليماته.
ويذكر سعيد أيضا أن إنسانية الشيخ زايد كانت تتجلى عندما نجتمع على مائدة الطعام.. كان حريصا على أن يجلس معنا ومن تواضعه رحمة الله عليه كان يتناول بيده الكريمة ويقدم لنا.. يعطينا من اللحم.. من العسل.. يقول لنا: خذ من هذه فطعمها جيد.. وهذه مفيدة للقلب ومريحة للمعدة.. وكنا نتعجب: فنحن كنا حوله لنخدمه وليس ليقدم لنا هو الطعام.. لكنه كان إنسانا بمعنى الكلمة رحمة الله عليه
الله يرحمه برحمته
م/ن
بالتوفيق