بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا المصطفى محمد خاتم الأنبياء وإمام المسلمين ، وعلى آله وصحبة وسلم وعلى من تبعهم ونهج نهجهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد …
يعد علم النفس الإكلينيكي أحد أبرز المجالات التطبيقية لعلم النفس، وهو يعنى أساسا بمشكلة التوافق الإنساني بهدف مساعدة الإنسان ليعيش في سعادة وأمن، خاليا من الصراعات النفسية والقلق. ومن هنا تكمن أهميته كونه يتعامل مع الأحاسيس والانفعالات التي يواجهها الناس في حياتهم اليومية والحوار الدائم مع الذات .
الموضوع
تاريخ علم النفس الاكلينيكي
علم النفس الإكلينيكي علم حديث نسبيا، وهو لازال في دور النمو والتطور. ولقد تأثر في نشوئه بمجالين هامين من مجالات الدراسة. المجال الأول هو دارسة الاضطرابات النفسية والعقلية والتخلف العقلي التي كانت تحظى باهتمام كثير من الأطباء الفرنسيين والألمان مثل لويس روستان، وجان شاركو، وإميل كرايبلين، وأرنست كريتشمر، وبيير جانيه وغيرهم. والمجال الثاني هو دراسة الفروق الفردية التي حظيت باهتمام فرانسيس جالتون، وجيمس ماكين كاتل، والفرد بينيه، وتيوفيل سيمون، ومن جاء بعدهم من علماء النفس الذين اهتموا ببناء الاختبارات النفسية واستخدامها في أغراض تطبيقية كثيرة.
ومر علم النفس الإكلينيكي في تطوره بمراحل مختلفة. فقد كان اهتمام علماء النفس الإكلينيكيين قبل الحرب العالمية الثانية مقتصرا في الأغلب على دراسة مشكلات الأطفال. وكانت وظيفتهم الرئيسية هي دراسة حالة الأطفال المشكلين، وتطبيق الاختبارات النفسية عليهم لقياس قدراتهم العقلية بغرض تقديم بعض التوصيات للآباء، أو المدرسين، أو الأطباء المعالجين، أو المؤسسات المسئولة عن الأحداث الجانحين.
وحدث تطور كبير في علم النفس الإكلينيكي أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، فقد تسببت الحرب في كثرة عدد المصابين باضطرابات نفسية، ووجد الأطباء أنهم لا يستطيعون لقلة عددهم مواجهة أعباء العلاج النفسي لهذا العدد الضخم من المصابين باضطرابات نفسية، مما أدى إلى زيادة الاهتمام بعلماء النفس الإكلينيكيين والالتجاء إليهم ليساهموا في علاج المصابين باضطرابات نفسية. وهكذا بدأ علماء النفس الإكلينيكيون يعنون بالعلاج النفسي للكبار، بعد أن كان معظم اهتمامهم مقتصرا من قبل على العلاج النفسي للأطفال.
مجالات العمل الرئيسية لعلماء النفس الإكلينيكيين
يركز علماء النفس الإكلينيكيين عملهم في قياس الذكاء والقدرات العقلية العامة، إضافة إلى قياس الشخصية والتشخيص، كما يولون العلاج النفسي بأساليبه وطرقه المختلفة اهتماما كبيرا .
ويعد موضوع قياس الذكاء والقدرات العقلية العامة الأهم في هذا المجال من علم النفس، حيث يجري علماؤه أبحاثهم حول طبيعة الذكاء، وطرق قياسه، كما يبحثون في الضعف العقلي وأسبابه. ويعد اهتمام علماء النفس الإكلينيكيين بقياس الذكاء في عمليات التشخيص بغرض تحديد أسباب التأخر الدراسي والتحصيلي، وتشخيص حالات الضعف العقلي حتى يمكن مساعدة هؤلاء الأطفال بإعطائهم العناية التربوية اللازمة، أو توجيههم إلى أنواع التدريب الملائمة.
مناهج التشخيص
يصعب شرح المناهج التي يتبعها علماء النفس الإكلينيكيون في قياس الشخصية والتشخيص، ويمهد لذلك بشرح أربع نظريات للشخصية. النظرية الأولى هي النظرية التي تعتبر أن للمرض النفسي وجودا قائما بذاته، ويدخل تحت هذه النظرية تصنيف إميل كرايبلين للأمراض النفسية والعقلية. والنظرية الثانية هي نظرية الملكات والأنماط والسمات. وهي رغم وضعها في باب واحد مختلفة عن بعضها فنظرية الملكات تتناقض في بعض نواحيها مع نظرية الأنماط للويس روستان وكريتشمر وشلدون ويونج، أيضا نظرية السمات لجوردون ألبورت وريمون كانل، نجد أن هنالك فرق بينها وبين كل من نظريتي الملكات والأنماط. قد تعرضت جميع هذه النظريات للنقد من قبل الباحثين في هذا المجال، وبينت أوجه القصور فيها. والنظرية الثالثة هي نظرية التحليل النفسي، والأبرز في هذا نظرية فرويد في الحتمية النفسية والدوافع اللاشعورية، و رأيه في الاضطرابات النفسية والعقلية باعتبارها سلوكا مدفوعا أو موجها نحو أهداف معينة. وأيضا وجه النقد إلى نظرية فرويد. والنظرية الرابعة هي نظرية التعلم الاجتماعي لجوليان روتر وزملائه، وهي تؤكد أن الفرد يتعلم عن طريق الخبرات السابقة بعض الإشباعات التي تكون أكثر احتمالا من غيرها في بعض المواقف. فالسلوك غير السوي، تبعا لهذه النظرية، ليس مرضا بل هو محاولة ذات معنى لتجنب عقوبات معينة، أو للحصول على إشباعات على مستوى غير واقعي.
وإضافة إلى دراسة هذه النظريات المختلفة في الشخصية والبحث فيها ومحاولة إضافة الجديد لها ، يدرس العلماء الإكلينيكيون أساليب تقويم الشخصية. فيبحثون في المقابلة بأنواعها المختلفة: المقابلة الحرة، والمقابلة الموجهة، والمقابلة المحددة أو المقننة. ثم الاستخبار، والأساليب الاسقاطية بأنواعها المختلفة: اختبار تداعي المعاني، واختبار رورشاخ، واختبار تفهم الموضوع، وطريقة الجمل الناقصة، وطريقة الملاحظة واختبارات السلوك.
وهناك مميزات عديدة لكل طريقة من طرق تقويم الشخصية إضافة إلى نواحي من القصور فيها، حيث تكمن المشكلة في أن تفسير المعلومات التي يحصل عليها عالم النفس الإكلينيكي من هذه الأساليب المختلفة أمر في غاية الصعوبة، ولا يزال التفسير يعتمد في جزء كبير منه على مهارة عالم النفس الإكلينيكي وخبرته. ولذلك فإن نتائج هذه الاختبارات تساعد على التنبؤ عن سلوك الفرد في المستقبل على أساس احتمالي فقط. وإن التنبوءات التي يصل إليها عالم النفس الإكلينيكي من اختبارات الشخصية يمكن الاعتماد عليها بدرجة أقل من الإعتماد على التنبوءات التي يتوصل إليها من نتائج إختبارات الذكاء والقدرات العامة. ولازال علماء النفس الإكلينيكيون في حاجة ماسة إلى تحسين نظرياتهم في الشخصية، وتحسين مناهجهم في التشخيص حتى يمكن الوصول إلى فهم أدق للسلوك الإنساني، وإلى تنبوءات أدق للسلوك في المستقبل.
العلاج النفسي
من المنطقي أن تتباين أساليب العلاج النفسي تبعا لتباين النظريات في الشخصية. مثلا من يتبع طريقة التحليل النفسي سيختلف أسلوبه كثيرا في العلاج هن الأنماط الأخرى، فطريقة فرويد ترى أن الأمراض النفسية والعقلية تنشأ نتيجة للدوافع اللاشعورية المكبوتة. فليست الإضطرابات النفسية والعقلية إلا طريقة للتعبير عن الدوافع اللاشعورية المكبوتة، أو طريقة للتحكم فيها، أو كلتا هاتين الطريقتين معا. ومشكلة العلاج النفسي في رأي فرويد هي تحرير هذه الدوافع اللاشعورية، وذلك بإضعاف الأنا الأعلى جزئيا، وإخضاع الدوافع لسيطرة الأنا الشعوري.
وهناك أيضا طريقة العلاج النفسي التي اتبعها أدلر، والمدارس الفرويدية الحديثة التي تشمل أوتو رانك، وكارن هورني، وهاري سليفان، وإريك فروم، والطريقة التي ارتبطت بها وهي طريقة كارل روجرز.
وهناك كذلك طريقة التعلم الاجتماعي في العلاج النفسي وهي الطريقة التي تحاول تطبيق نظرية التعلم في العلاج النفسي على يدي جون دولارد، ونيل ميللر، وهوبارت مورر.
إضافة إلى العلاج البيئي وهناك يلاحظ كيف أنه كثيرا ما يضطر المعالج النفسي إلى علاج الأفراد الذين يعيش معهم المريض. فيتكلم عن طريقة العلاج البيئي مع المرضى الكبار والمرضى الأطفال الذين يحتاجون في كثير من الحالات إلى إيداع في مؤسسات للعناية بهم.
كما يتبع عدد من المعالجين طريقة العلاج النفسي الجمعي الذي تعالج فيه مجموعة من المرضى ذوي المشكلات المتشابهة في وقت واحد مما يؤدي إلى اقتصاد في الوقت والجهود، وخاصة في حالات كثرة عدد المرضى وقلة عدد المعالجين. ولذلك، لم يكن غريبا أن تظهر الحاجة إلى هذا النوع من العلاج النفسي بعد الحرب العالمية الثانية في المؤسسات العسكرية. ثم بدأت تنتشر هذه الطريقة في العلاج بعد ذلك في علاج الأطفال والكبار.
وبعد عرض النظريات المختلفة في الشخصية، والأساليب المختلفة في العلاج النفسي، ننتهي إلى أن العلاج النفسي لازال في مراحله الأولى، وليست هناك طرق مقبولة قبولا عاما على أنها الطريقة السليمة المثالية للعلاج،
وإن إجراءات العلاج النفسي في كثير من الحالات لا تكون فعالة كما ينبغي، وقد تستغرق وقتا أطول مما هو ضروري.
الخاتمة
مما عرض في هذا التقرير نلاحظ أن مجال علم النفس الإكلينيكي بشكل عام والعلاج النفسي على وجه الخصوص لازال في حاجة ملحة إلى تقدم البحوث العلمية لزيادة الفهم للشخصية، وكيفية نموها وتطورها، وكيفية تغيرها مما يساعد على الوصول إلى أساليب أكثر دقة وأكثر ملائمة لعلاج الاضطرابات النفسية. لما فيه من فائدة كبيرة للعاملين والدارسين لهذا المجال وللمرضى بشكل أكبر ، كما تعم فائدته على البشرية ككل ، وخاصة مع الاهتمام المتزايد بعلم النفس لإيجاد الحلول حيث أصبح البحث عن السعادة الاستقرار النفسي الشغل الشاغل لإنسان هذا العصر .
المراجع
1 . كتاب علم النفس الإكلينيكي تأليف : فرج صفوت
2. كتاب علم النفس الإكلينيكي تأليف : حلمي المليجي
م/ن