تاريخ النشر: الإثنين 10 يونيو 2022
عماد عبدالباري
انتهى، مؤخراً، فريق عمل بحثي لـ «مشروع تسجيل وتوثيق وتأريخ الجوازات القديمة في إمارة رأس الخيمة قبل قيام الاتحاد»، بإدارة د. حمد بن صراي، أستاذ التاريخ والآثار في جامعة الإمارات، من أرشفة 6015 جوازا قديما صدرت في إمارة رأس الخيمة خلال الفترة بين1952 و1973. وتمكنت الدراسة من توثيق الحقبة الزمنية ما بين الخمسينيات إلى بداية السبعينيات من القرن الماضي، كما تم خلال عملية تفريغ الجوازات حصر 100 مهنة كان يمارسها أهل الإمارة قبل قيام «الاتحاد». كشف د. حمد بن صراي، أن الدراسة استخلصت أن الإمارات كانت قبل خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تمر بمراحل تهيئها لقيام اتحاد يجمعها المشروع، حيث أن مؤسسي الاتحاد في الإمارات السبع رحمهم الله، كانوا يتمتعون بالوعي السياسي، كما كانت لديهم الرغبة في تنظيم العمل الإداري الخاص بإصدار الجوازات كل في إمارته، وتجلى ذلك من خلال إنشاء وحدات خاصة بإصدار الجوازات، التي كانت تجلب من بريطانيا وتخط بداخلها معلومات عن صاحب الجواز يدويا، من منطلق حرصهم على مواكبة تطورات العصر، وتسهيل أعمال سفر المواطنين للعمل أو لأداء فريضة الحج والعمرة أو للعلاج.
تطور إداري
وأشار ابن صراي، إلى أن الدراسة اهتمت بدور الجوازات في تطور الجانب الإداري في حكومة رأس الخيمة في الفترة ما بين 1952 إلى 1973، والدور الذي لعبته بريطانيا في دعم إصدار الجوازات، كوثائق رسمية للتأكد من هوية حامليها، مشيراً إلى أن بريطانيا كانت تتابع المسافرين في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، على طول ساحل الخليج العربي، عن طريق قائمة يطلق عليها «المنوفيست»، وهي قائمة باسم النواخذة مع أسماء البحارة على متن كل سفينة، تقدم للمشرفين البريطانيين، للتأكد من هوية المسافرين، وكانت كل قائمة تضم نحو 20 شخصاً يتم مناداتهم بالاسم على ظهر السفينة للتأكد من وجودهم. وقال ابن صراي: بعد ذلك أصدرت حكومة رأس الخيمة ما بين 1947 إلى 1955 وثيقة أطلق عليها «ورقة السفر» الشخصية للمسافر، عليها توقيع الحاكم، وصلاحياتها سفرة واحدة، ذهاباً وإياباً، تبعتها الجوازات الرسمية ما بين 1953 إلى 1955، التي كانت صلاحيتها مدة عامين وتجدد لثلاث مرات، وقد تعددت ألوانها ما بين الأحمر والأخضر، وأصدرت حكومة رأس الخيمة وثائق سفر باللون الأزرق الفاتح خاصة للفلسطينيين، عملاً بقرار الشيخ صقر بن محمد القاسمي، رحمه الله، حاكم رأس الخيمة السابق في نهاية الستينيات تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني بعد النكبة.
أضخم توثيق
وأكد ابن صراي، أن المشروع، الذي حظي بدعم الشيخ فيصل بن صقر القاسمي، رئيس الدائرة المالية في رأس الخيمة، هدف إلى حفظ وثائق الإمارة، والاستفادة منها في مجال التاريخ والعلاقات الاجتماعية والخدمات الإنسانية، مع التعرف على الحرف التي كان يعمل بها أهل الإمارة مع معرفة أسفارهم وطريقة تعاملهم مع هذه الجوازات، مبيناً أن الفريق سيقوم قريبا بإصدار كتاب يؤرخ تاريخ الإمارة ليبقى شاهداً أمام أجيال المستقبل حول قصص الكفاح الصعبة التي كان يعيشها الآباء والأجداد قبل قيام الاتحاد لطلب الرزق، ويعد المشروع أضخم توثيق، ممنهج ومطول على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة عامة وإمارة رأس الخيمة خاصة على مدة عامين، مثمناً بالدور الكبير الذي قامت به الباحثة بدرية شامبيه التي ساهمت في إطلاق المشروع، بوثائق كانت محفوظة في مركز الدراسات والوثائق برأس الخيمة.
500 ساعة عمل
وأشار ابن صراي إلى أن فريق عمل المشروع الذي امتدت أعماله مدة عامين متتاليين أنجز أكثر من 500 ساعة عمل، في تفريغ بيانات الجوازات، وتسجيلات مع الرواة الذين بلغ عددهم 75 راوياً من بينهم 5 نساء، كما كان نصيب كل عضو في الفريق تفريغ معلومات 600 جواز، ضم الدكتور حمد بن صراي، والدكتور علي فارس مدير مركز الدراسات والوثائق برأس الخيمة، والباحث أحمد الزعابي أستاذ التاريخ والآثار، والطالبة حصة سالم راشد، وهي ضمن فريق العمل المكون من عشر طالبات باحثات من جامعة الإمارات، مثلن مختلف إمارات ومناطق الدولة، وشاركت من الدارسات في تخصصات الخدمة الاجتماعية والسياسة والتاريخ، «الطالبات حمدة حمد الشامسي، وشيخة راشد الظّاهري، وشيخة محمد الكعبي، وعائشة سعيد النّعيمي، والطالبة عبلاء حميد الدّرعي، والطالبة عفراء راشد سيف، وعفراء سعيد الحميري، وموزة أحمد العامري، ونعيمة عبد الله النّعيمي»، كما تعاونت في الدراسة أكثر من 100 طالبة من جامعة الإمارات في تفريغ المقابلات، مبينا أن الدراسة بدأت بعد توثيق الجوازات ونسخ إلكتروني 6 ألاف جواز، التي وفرها لنا مركز الدراسات والوثائق التابع للديوان الأميري في رأس الخيمة، منوهاً إلى أن الفريق أجرى مقابلات ميدانية، مع الأحياء من أصحابها واتضح أن 60% منهم من المتوفين، إلا أن فريق العمل حصر 75 شخصية ممن تفاوتت أعمارهم الذين ما بين 60 عاماً و100 عام، من ضمنهم 5 من النساء، موزعين على مختلف مناطق رأس الخيمة من الحيل إلى الجزيرة الحمراء إلى الجير، والتقى بهم واستخلص معلومات إضافية عن تلك المرحلة التي أصدر فيها الجواز، كما تبين من خلال العمل البحثي أنه كان يقطن مختلف مناطق إمارة رأس الخيمة في تلك الحقبة 50 ألف مواطن.
مصطلحات ومناطق جديدة
ويضيف ابن صراي: تلخصت الأسئلة التي وثقت بالصوت والصورة، عن سبب إصدار الجواز، والأماكن التي استخدمت في السفر إليها، وما صاحبها من حكايات وقصص تختصر معالم وأجواء طبيعة السفر في تلك الفترة، وفرغت الطالبات تلك المقابلات التي دارت باللهجة المحلية التي تختلف من منطقة إلى أخرى وتعرفن إلى مصطلحات ومناطق جديدة بالنسبة لهن.
وقال ابن صراي إن الجوازات كانت تعد حسب الوثائق البريطانية، مصدر دخل لحكومة رأس الخيمة كان يصل إلى 200 ألف روبية سنويا، حيث كانت قيمة كل جواز 55 روبية، ووثقنا خلال دراستنا أنواع التصوير التي كانت تعمد على مصور يسمى «محمد الحساوي»، الذي يقدم لصاحب الجواز أشكالاً عدة للتصوير في الزي الذي يلبسه للتصوير فقط، منها الزى الكويتي، أو المصري، أو المحلي، كما كانت بعض الجوازات تحمل صوراً عائلية، كما في وثائق سفر الفلسطينيين.
مشروع رائد
ومن جانبه قال الكاتب والباحث أحمد سعيد الزعابي، معلم تاريخ، إن المشروع رائد، واكتشفنا فيه العديد من المعلومات والبيانات الغنية، سواء من قبل الشخصيات التي قابلناها أو الجوازات. موضحاً: من الشخصيات التي استندنا إلى معلوماتها إبراهيم جكة ويوسف المريخي، وهما الرائدان في كتابة الجوازات في الفترة ما بين 1965 إلى 1973، إضافة إلى 75 شخصية قابلناها، ولاحظنا أن البعض كتب في جوازه أنه طالب وهو أمي، إضافة إلى قصص أخرى تختصر كيف كانت الحياة في تلك الحقبة. وأضاف الزعابي: كان الجميع يدخل أبوظبي بجواز سفر، من خلال نقطة تفتيش في منطقة «سيح شعيب»، أما الإمارات الأخرى، فالذهاب إليها كان بلا جواز.
تعدد الأسفار ودقة المعلومات
حصة سالم راشد، طالبة خدمة اجتماعية، تقول: فرغت بيانات 600 جواز في استمارات فردية تتضمن الاسم ومكان العيش والمهنة وتوقيع الجواز ورقمه وتاريخ الإصدار، في غضون 4 أشهر، ومن الصعوبات التي واجهناها قِدم بعض الجوازات، ووجود بعض المصطلحات الغريبة علينا كمهنة المتسبب، أي لا يعمل، إضافة إلى المهن الأخرى كالطواش والمزارع والعامل. وأضافت حصة أن الدراسة كشفت أن أسباب السفر تعددت بين التعليم والعلاج والحج والعمرة، وبعض الزوجات أدرجت أسماؤهن مع أزواجهن في جواز السفر، وكانت معظم الأسفار إلى الهند وإيران للعلاج ودول الخليج الأخرى للعمل، أو لأداء الحج والعمرة.
وقالت نعيمة النعيمي، الطالبة في قسم التاريخ والآثار، والمشاركة في فريق العمل: تعرفنا إلى مناطق عدة كنا نجهلها، في دولتنا، وفي الدول العربية، كما تعرفنا من خلال تفريغ المقابلات إلى لهجات محلية ومصطلحات جديدة، والأشهر السريانية القديمة التي كانت تستخدم.
وأضافت الطالبة شيخة محمد الكعبي تخصص علوم سياسية، كانت الجوازات تتميز بدقة تفاصيلها، منعا للسرقة أوالتزوير، حيث كانت بيانات وصف صاحب الجواز، تجعل أي شخص يتعرف على حامله بسهولة، مثل لون العينين والطول ووصف أي علامة مميزة في وجه صاحب الجواز، ولاحظنا أن البعض يمتلك وثيقة سفر وجوازاً، والبعض يمتلك جوازين في الفترة ذاتها.