تفضلي اسراء :
أساليب الدعوة
إعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
إن مناهج الدعوة تظهر في مجموعة الأساليب المستخدمة التي يجمعها نظام واحد، فإن مجموعة الأساليب التي تحرك الشعور والوجدان تمثل المنهج العاطفي، ومجموعة الأساليب التي تدعو الإنسان إلى التفكر والتدبر والاعتبار تمثل المنهج العقلي، ومجموعة الأساليب التي تعتمد على الحس والتجارب الإنسانية تمثل المنهج الحسي، وهكذا…
وسنتناول أمهات الأساليب الدعوية، ونذكر منها أربعة، وأبين تعريفه، ومظاهره، وخصائصه، وبعض المسائل المتعلقة به.
قال تعالى مبينًا أمهات الأساليب الأساسية: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ (سورة النحل، آية: 125).
(أسلوب الحكمة):
تعريفه:
هو الأسلوب الذي يضع الشيء موضعه، ومنها الإصابة في القول والعمل معًا، فيكون أسلوب الحكمة شاملا لجميع الأساليب الدعوية من هذا الوجه.
أهميته وفضله:
· اختيار الله – عز وجل – لنفسه اسم الحكيم، جعل تعليم الحكمة من أبرز أعمال الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
· أمر الله بالدعوة بها، قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ (سورة النحل، آية: 125).
· جعلها أفضل ما يعطاه المرء، قال تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ (سورة البقرة، آية: 269).
· كونها مما يتحاسد عليه في الدنيا، ففي الحديث الشريف: ) لا حسد إلا في اثنتين، ومنه : ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها (.
مظاهره:
تتعدد مظاهر أسلوب الحكمة وتكثر نظرًا لأن الحكمة السداد في القول والعمل.
أ. مظاهر الحكمة في جانب المناهج الدعوية:
1. ترتيب الأولويات، وتقديم الأهم على المهم، كأن يقدم العقائد على غيرها من العبادات والأخلاق.
2. التدرج في تطبيق الأولويات، ولا سيما في معالجة الأشخاص والأوضاع العامة.
3. مناسبة المنهج للأحوال والأعمار والمستويات، فلا يعد المنهج حكيمًا إذا ساوى بين حالة الضعف وحالة القوة.
ب. من مظاهر الحكمة في جانب الأساليب:
1. اختيار المنهج المناسب لتطبيقه في الموقف المناسب والحالة المناسبة، فقد يصلح لحالة من الأحوال ، أو معالجة موقف من المواقف ما لا يصلح لغيره.
2. اختيار الشكل المناسب من أشكال أساليب المنهج المختار، والحكمة تقتضي اختيار الشكل المناسب لكل موقف، فما يقال في الأفراح يختلف عما يقال في الأتراح.
3. اعتماد مراتب الاحتساب وهي: التعريف، ثم الوعظ، ثم التعنيف، ثم استعمال اليد، ثم التهديد، ثم الضرب… قال تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ (سورة النساء، آية: 34).
من مظاهر الحكمة في جانب الوسائل الدعوية:
الوسائل المعنوية:
وهي الأخلاق والصفات الحميدة: اهتمام الداعية بها، وحرصه عليها، واختيار الخلق المناسب للموقف المناسب.
الوسائل المادية:
استعمال الداعية كل وسيلة مباحة متيسرة متوفرة في عصره أيًّا كان مصدرها، اجتناب كل وسيلة محرمة أو مكروهة، الترقي بالوسيلة الدعوية لتكون مكافئة للدعوة.
خصائص أسلوب الحكمة:
1. إمكان تعلمه واكتسابه، ومن أساليب تعلمه:
أ- قراءة القرآن والسنة.
ب- صحبة الحكماء والاقتباس منهم.
ت- العمل بها وتطبيقها في مجال الدعوة.
ث- الاستفادة من التجارب الدعوية الشخصية وغيرها.
2 . عظيم آثاره في الدعوة، فالداعية الحكيم يصل إلى ما لا يصل إليه غيره.
تعريفه:
الموعظة في اللغة: مشتقة من وعظه يعظه وعظاً، وعظةً: نصحه وذكر بالعواقب، وأمره بالطاعة ووصاه بها.
والموعظة الحسنة في الاصطلاح الدعوي، ترادف النصيحة، ولها أشكال عديدة، فمن أشكالها: القول الصريح اللطيف اللين، التعريض، الترغيب والترهيب، المدح والذم، القصة، التذكير بالنعم.
أهميته وفضله:
· أمر الله باستعماله، قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ (سورة النحل، آية: 125).
· جَعلُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – النصيحة أساس الدين.
· استخدام جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لها، فقد أخبر تعالى عن نوح عليه السلام أنه قال: ﴿ وَأَنْصَحُ لَكُمْ ﴾ (سورة الأعراف، آية: 62).
من خصائص أسلوب الموعظة الحسنة:
لُطف عباراته وألفاظه، تنوع أشكاله وكثرتها، عظم آثاره في نفوس المدعوين، ويظهر فيما يلي:
أ. قبول الموعظة، وسرعة الاستجابة.
ب. غرس المحبة والمودة في نفوس المدعوين.
ج. محاصرة المنكرات والقضاء على انتشارها، بحيث يخجل الناس إذا لم يستجيبوا ممن يعظهم موعظة حسنة, ومن أمثلة ذلك: استخدامه – صلى الله عليه وسلم – لهذا الأسلوب مع الأعرابي الذي بال في المسجد.
(أسلوب المجادلة):
تعريفه:
عبارة عن دفع المرء خصمه عن فساد قوله بحجة أو شبهة، ومنها: مقابلة الأدلة لظهور أرجحها، وقد تكون المجادلة بالحسنى، وقد تكون بالباطل، قال تعالى: ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ (سورة النحل، آية: 125).
أهميته:
تظهر أهمية أسلوب الجدل في الدعوة إلى الله من عدة أمور:
1. الجدل أمر فطري جُبل عليه الإنسان، يصدر من الصالح والطالح، قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ (سورة الكهف، آية: 54).
2. أمر الله باستخدامه.
3. استخدام الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – للجدل في دعوتهم.
4. اهتمام الدعاة به من زمن الصحابة – رضوان الله عليهم – إلى يومنا هذا.
خصائص أسلوب الجدل:
· اعتماده على العلم والمعرفة، فلا يصح الجدال من غير علم.
· إقامة الحجة على الخصم وإفحامه.
· تنوع بواعثه ودوافعه تنوعًا كبيرًا، فمنها:
أ. بواعث نفسية: كالقناعة.
ب. بواعث علمية: كالاستفادة والسؤال عما يُجهل.
ج. بواعث اجتماعية: كالتحمس والتعصب لقول أو رأي.