أثر العرب في نشوء الحضارة اليونانية
حلب
ثقافة
الاثنين11-8-2008
د. أحمد منصور
يجمع المؤرخون أن العرب موطنهم الأصلي كان شبه الجزيرة العربية وأنه بسبب انقطاع المطر ومواسم الجفاف كانوا يقومون بهجرات إلى الشمال حيث الطبيعة أقل قساوة وأكثر كرماً بالمطر وهناك تمكنوا من إنشاء ممالك ودول وحضارات هي الأولى في تاريخ الحضارة الإنسانية.
ففي سورية أسسوا ممالك سميت بأسماء مثل : "عموريون , كنعانيون, فينيقيون, آراميون" اشتهروا بالزراعة والتجارة والصناعات اليدوية واختراع الأبجدية وفي العراق : كذلك أسسوا ممالك بأسماء مثل : "آشوريون,بابليون, كلدانيون, سومريون" .
وهم الذين اخترعوا الكتابة على الألواح الطينية (الرقم) وسجلوا عليها حوادث التاريخ والرياضيات والهندسة وفي مصر أيضاً أسسوا ممالك دعيت : "الفراعنة" .
وقد اشتهروا بزراعة القمح وبناء القصور والأهرامات وأبي الهول وكانوا قمة في هندسة الأبنية والرياضيات والطب والمداواة والتحنيط .
منذ الألف الرابع قبل الميلاد وقبل أن تزدهر الحضارة اليونانية بأكثر من ثلاثة آلاف سنة كان للعرب في مشرقهم ممالك وحضارة منفتحة على الأقاليم المجاورة وكانت منجزات الممالك العربية العلمية والأدبية تنتقل عبر عدة طرق :
1- ساحل أيونيا (ساحل تركيا الغربي اليوم) وكان يسكنها تجار يونانيون كانوا ينقلون إلى اليونان ما تصله أيديهم من صناعات وإنجازات علمية عربية .
2- رحلات رجال الفكر اليونانيين إلى الممالك العربية للاطلاع على حضاراتهم أمثال فيثاغورث (الذي أخذ الكثير من علوم الرياضيات والهندسة) , هيرودوت (الذي أعجب بحضارة مصر وسورية فسجل ذلك في كتاباته),طاليس (الذي أخذ عن البابليين علم الفلك وعن المصريين العلوم الهندسية) .
3- رحلات التجار العرب إلى اليونان لبيع القمح والأخشاب والأدوات الزجاجية .
4- هجرة المفكرين والعلماء العرب إلى اليونان بسبب احتلال الفرس للمشرق العربي من (559-521 ق.م)
5- أثناء فتوحات الاسكندر المقدوني من المشرق العربي (356-322 ق.م) كان يجمع المنجزات الحضارية العربية ويرسلها إلى اليونان حيث تكون منها مكتبة ومتحف كبير .
إن الحضارة اليونانية مدينة في وجودها إلى الحضارات التي سبقتها .
1- من سورية : يقول المؤرخ اليوناني هيرودوت : "إن الفينيقيين علموا اليونانيين كتابة الحروف الأبجدية التي لم يكن يعرفون عنها شيئاً" وبعد ذلك انتقلت هذه الحروف بعد تعديلها إلى الرومان .
لقد كان الفينيقيون سادة البحار فنقلوا القمح والبردي من مصر ونقلوا الحرير والتوابل والعاج والأحجار الكريمة والخزف من الهند والصين كما نقلوا من سورية الأدوات الزجاجية والفخارية والمعدنية كما نقلوا من العراق المصنوعات النسيجية .
2- من العراق : مهد الحضارة البشرية وعنهم أخذ اليونانيون الكتابة المسمارية التي اخترعها السومريون كما أخذوا علم الفلك وكيفية رصد الكواكب من الكلدانيين كما أخذوا قانون حمورابي من البابليين أما شاعرهم هوميروس (مؤلف ملحمتي الإلياذة والأوديسة) فقد تأثر بملحمة جلجامش بطروحاتها عن الحياة والموت والخلود, وأخيراً أسطورة أفروديت وأدونيس اليونانية هي تكرار لأسطورة عشتار وتحوز البابلية.
3- من مصر: برع الفراعنة في هندسة الصروح الهائلة "الاهرامات, أبي الهول" ويعترف أرسطو اليوناني بأن الرياضيات نشأت في مصر كما نشأ فيها علوم الطب والتشريح والمداواة والتحنيط , كذلك فإن طقوس العبادات المصرية انتقلت إلى اليونان كما انتقلت أساطيرها بعد تبديل الأسماء .
هكذا هي حضاراتنا قبل أربعة آلاف سنة عندما كان الغرب: تجمعات همجية تتقاتل وتدمر بعضها ليس لها مدن ولا لغة فأخذ عنا حضارتنا الأولى وأنشأ الحضارة اليونانية .
ولكن الغرب الذي لم يكن صديقاً لنا عبر التاريخ لا يعترف بأن الحضارة اليونانية نشأت متأثرة بحضارات سورية والعراق ومصر بل يقولون عنها انها "منجزات تطبيقية" جاءت تلبية لحاجات عملية ولم تأت من نظريات علمية وهذا افتراض غير مقبول وسطحي لأنه لا يمكن الفصل بين النظري والعملي التطبيقي , كما لا يمكن الوصول إلى علوم تطبيقية عملية إذا لم تكن مستندة إلى دراسات نظرية .
فإذا أخذنا معجزة بناء الأهرامات وحتى اليوم لم يستطع مهندسوهم فك طلاسم بنائها فكيف استطاع مهندسو الأهرامات المصريين من بناءها لو لم يستندوا إلى فرضيات هندسية دقيقة .
انهم لا يريدون الاعتراف بالآخر ومرآتهم لا تعكس لهم إلا صورهم فقط وهم لا يعترفون بالآخر إلا إذا صرخ أمامهم ووقف متحدياً لهم "إنني هنا" وهكذا اعترفوا بالمقاومة في لبنان وفي فلسطين وفي العراق وهي بالفعل "تطبيقية" ولكنها مرت باعداد وإرهاصات "نظرية" ?!!