طرح الأسئلة فن
كثيرًا ما يعجز أولياء الأمور عن شرح القضية بصورة واضحة، ولذلك يكون من مهام المعلم أو المعلمة، طرح أسئلة تساعدهم على التفكير في الأمر أولًا، وفي المشاركة بصورة فعالة في النقاش ثانيًا، فعندما تقول الأم إن ابنها يجلس يوميًا ثلاث ساعات لعمل واجبات الرياضيات، ولا ينتهي منها، وأنها تشعر باليأس، وتصرخ فيه، بل تضطر أحيانًا إلى صفعه على وجه، فيبكي ويقول إنه غير قادر على حل الأسئلة، لأنها تفوق قدراته، فتبكي الأم معه، وتحتضنه، ولا تعرف ماذا تفعل.
عندها يمكن أن تسألها المعلمة بالتحديد: ماذا يفعل ابنك طوال ثلاث ساعات؟ أين يجلس للمذاكرة في غرفته أم أمام التلفزيون؟ ما الدور الذي تقوم به الأم قبل أن يبدأ في عمل الواجبات؟ كم هي الفترة التي تجلسها بجواره؟ وما الدور الذي يقوم به الأب؟ كيف يؤثر انشغال الأم معه على بقية أفراد الأسرة؟ أين يكون إخوته أثناء هذه الساعات الثلاث؟ لماذا يعتقد التلميذ أن الأسئلة تفوق قدراته؟
طريقة إلقاء الأسئلة لابد أن تعطي الأم الانطباع بأن المطلوب منها، أن تصف الموقف بالكامل، لا أن ترد بكلمة نعم أو لا فحسب، ويجب أن تتركها المعلمة تتحدث، بحيث تتضح الصورة أمامها أيضًا، لتدرك أن اتهامها للمعلمة نابع من شعورها بالعجز عن مساعدة ابنها، والابن يعرف تمامًا أن بكاءه سيستدر عطف أمه، وأنها ستفعل ما تفعله في كل مرة، تعتذر له، وتقف في صفه، وترى أن الخطأ في المعلمة.
ويجب أن يكون واضحًا أن الأمر لا يتعلق بالتوصل إلى حل فوري للمشكلة، بل الهدف هو وضع القدم على أول الطريق، والشرط الأساسي لنجاح المهمة، هو وضع أهداف قابلة للتحقيق في فترات زمنية قابلة للتنفيذ في أثنائها، والحرص على وجود متابعة لمدى تحقق المرحلة تلو الأخرى، ولذلك لا يكون الاجتماع هو الأول والأخير، بل يكون الأول في حلقة متصلة، حتى تتحقق النتيجة المرجوة، وحتى إذا لم تتحقق بالكامل، فإن ذلك لا يجوز أن يكون مبررًا لليأس، لأن مجرد التحرك في اتجاه الهدف، يسهم في تشجيع التلميذ وأهله على الاستمرار، لأنهم ذاقوا حلاوة النجاح.
وهنا أيضًا تؤدي الأسئلة دورًا هامًا في توضيح الهدف المطلوب، والقدرة على صياغته بصورة مقبولة من الجميع، مثل: ما الذي تريدين تغييره في المستقبل؟ ما عدد الساعات التي يمكن أن تقضيها مع ابنك أسبوعيًا، دون أن يؤثر ذلك على بقية أفراد الأسرة؟ ما هي الخطوات التي تسعين من خلالها لزيادة تركيز ابنك أثناء حل الواجبات المدرسية؟ ما هي الطريقة التي ترين أنها أفضل في حالة الغضب من الصراخ ومن اللجوء للصفع على الوجه؟
أما في الحديث مع التلميذ عن الهدف، فإن هناك أسلوبًا أثبت نجاحه في الكثير من الحالات، وهو تقييم الذات تبعًا لمقياس من صفر إلى عشرة، أي يسأل المعلم التلميذ: إذا اعتبرنا أن صفرًا هي أسوأ درجة، وعشرة أعلى درجة، فكيف تقيم مستواك الحالي في مادة الرياضيات؟ وما المستوى الذي تسعى للوصول إليه خلال الشهرين القادمين؟ ومتى كانت آخر مرة حصلت على مستوى أفضل من الوضع الحالي؟ وإذا كان لك أمنية مستجابة، فما هو المستوى الذي تطمح في الوصول إليه في الرياضيات؟
وهذا الأسلوب متبع في الكثير من المدارس في الغرب، لأنه يساعد التلميذ على تعلم تقييم الذات بصورة صحيحة، من خلال النقاش مع المعلم عن دقة هذا التقييم من عدم دقته، ومن خلال مقارنته بالتقييم الذي يحصل عليه في الشهادات المدرسية.
الحلول والاتفاقات
بعد التوصل إلى أرضية مشتركة من التفاهم والثقة المتبادلة، واستعراض المشكلة، وتحديد الهدف من الاجتماع، تأتي مرحلة البحث عن حلول، بشرط أن يبدي كل الأطراف استعدادهم لبذل الجهد، فإذا لاحظ المعلم أن الوالدين ينتظران منه أن يتولى الأمر وحده، فعليه أن يقترح عليهم أن يسهموا بتحمل 20 في المئة من الجهود، وأن يقوم هو بتحمل 40 في المئة، فيكون المجموع 60 في المئة أي أكثر من النصف، وإذا تحمل الطالب هو الآخر 20 في المئة، أصبح النجاح شبه مضمون، ويكون الأهل أكثر إقبالاً على المساهمة.
يمكن أن يعرب المعلم عن استعداده لكتابة تمارين أخرى، أقل صعوبة من التمارين التي يحصل عليها بقية التلاميذ، وأن يكون التصحيح متضمنًا لشرح تفصيلي للأخطاء التي وقع فيها، وأن يزود الأهل بأسماء كتب ومواقع توفر شرحًا ميسرًا للدروس، ليستعينوا بها في مساعدة ابنهم على مراجعة المادة العلمية، ويدرك التلميذ أنه ملزم للإنصات في الصف، وحل تمارين أكثر من زملائه، وتأدية اختبارات إضافية، لتساعده على تحسين مستواه.
وتكون الاتفاقات ملزمة لكل الأطراف، وتتضمن إجراءات محددة، مثل أن يقوم الأهل بجهد إضافي لمدة أسبوعين، ثم يطلبان من التلميذ العمل بصورة مستقلة لمدة أسبوعين، ولا يتدخلان على الإطلاق، ويتركان الأمر للمعلم، للحكم على النتائج، ويكون هناك اجتماع بعد مرور شهر، لتقييم النتيجة، وبحث الخطوات التالية على ضوء التقدم الذي حدث.
ربما يبدو أن المطلوب من المعلم يفوق طاقته، ولكنه لو تصور أن هذا التلميذ ابنه، لتمنى أن يكون الاهتمام به بهذه الصورة، وأنه إذا لم يفعل شيئًا، بقيت المشكلة، وبدلاً من أن يستغل وقته في مساعدة الطالب على تجاوز المشكلة، سيضيع الوقت منه في معاقبة الطالب وتعنيفه على سوء سلوكه، أو على ضعف مستواه، ويضيع معه وقت بقية التلاميذ.
البعض يشبه المعلم بأنه مثل قائد فريق الكشافة، الذي يضم فريقه رياضيين محترفين، وآخرين انضموا مؤخرًا للفريق، لم يعتادوا بعد المشي طويلاً، ومجموعة ثالثة من الشباب ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين رفضوا الاستسلام لإعاقتهم، والانعزال عن المجتمع، وانضموا لعضوية الفريق. وعلى القائد أن يسير في الصحراء، ويصل إلى البحيرة في الموعد، برغم عدم التجانس بين أفراد الفريق، وبشرط ألا يترك أحدًا منهم، ودون أن يصاب أحدهم بالإحباط، فإما أن يحقق الهدف، من خلال مراعاة أوضاع كل واحد منهم، ومساعدة بعضهم بعضًا، فيفوز الجميع بالنجاح، وإما أن يتضجر البعض من الآخر، ويهتم القائد بمجموعة دون أخرى، فيفشل الجميع.
ويمكن القول إن الصعوبات الناجمة عن الاختلافات بين الطلاب، لا يمكن التغلب عليها، بدون مساعدة أولياء الأمور، والاجتماعات معهم هي السبيل الوحيد، ليحصل المعلم على الدعم اللازم، الذي يحتاجه للارتقاء بمستوى الصف، وللتخلص من المشاكل التي قد تعوق المسيرة التعليمية، لأنه ليس هناك من يتمنى الخير للتلاميذ، مثل أولياء أمورهم، وهم أكثر الناس استعدادًا للإسهام في تحسن الأوضاع، وكل المطلوب من المعلم هو أن يجيد تنسيق الجهود، لتحقق الهدف.
نهاية الاجتماع وما بعده
لابد أن ينتهي الاجتماع مع أولياء الأمور، بتلخيص النتائج، وما تم التوصل إليه من اتفاقات، ثم يأتي تعليق ختامي إيجابي، مثل: (أنا راض للغاية عما قمنا جميعًا به، وما اتفقنا عليه من خطوات، وإنني على يقين من أنها ستؤتي ثمارها قريبًا، بفضل تعاوننا جميعًا، إن شاء الله.) أو (إنني سعيد أننا استطعنا التحاور في إطار من الصراحة، والوضوح وفي مناخ من الاحترام المتبادل، رغم اختلاف وجهات نظرنا).
ويرافق المعلم الوالدين والتلميذ حتى يغادروا المدرسة، ولا يستعجل في الانصراف، فلا يكون الأسبق في إدارة ظهره عند الباب، وكأنه استراح منهم، وسعيد بالتخلص منهم، بل يتحمل اللحظات الأخيرة ببشاشة وسعة صدر، ولا يفسد كل الجهود التي قام بها.
بعد انصرافهم يقوم بإعداد تقرير عن الجلسة، ويكتب نص الاتفاق بينهم، ليرسله إليهم لتوقيعه، ولا يضع منه نسخة في ملف التلميذ، ولا يبلغ زملاءه من المعلمين بمجريات الاجتماع، إلا بعد الحصول على موافقة الوالدين.
ومن المهم أن يقوم المعلم بتقييم الاجتماع، ويقارن الخطة التي وضعها، بما جرى في الاجتماع فعليًا، ليتعرف على الاختلاف ومصدره، حتى يساعده ذلك في الإعداد للاجتماعات التالية، ويكون صادقًا مع نفسه في أي أخطاء وقعت، مثل دخول أحد الزملاء أثناء الاجتماع، وإزعاجهم، لأنه نسي أن يكتب ورقة على الباب من الخارج، يطلب عدم الإزعاج، أو لأن هاتفه الجوال رن أثناء الاجتماع، وتسبب في استياء أولياء الأمور، أو سوء الإضاءة في الغرفة، أو استخدامه لأسلوب الهجوم أو النقد المباشر في أثناء الحديث، أو مقاطعة الوالدين قبل الانتهاء من الكلام، أو التحدث كحكيم الزمان، وبصيغة متعالية، أو السماح لنفسه بتقييم تصرفاتهم، أو تسفيه الرأي الآخر، أو السخرية منه، أو التحذير أو التهديد بالعواقب الوخيمة.
إن نجاح الاجتماع يتطلب التركيز على الحل وليس المشكلة، وحسن التحضير، وسعة الصدر، وحسن الإصغاء، والاهتمام الصادق، والمشاركة الوجدانية للأهل، والقدرة على تلخيص الأفكار من آن لآخر، بحيث لا تتوه الفكرة، والبشاشة في وجوه الآخرين، والقدرة على إدارة دفة الحديث بصورة تخدم الوصول إلى الهدف، من أجل مصلحة الطالب، الذي يجب أن يشعر أنه الشخص الأساسي في هذه الجلسة، التي لم تنعقد إلا من أجله هو، بشرط أن يدرك التلميذ، أنه يتحمل قسطًا من المسؤولية، فالمثل يقول: يمكنك أن تذهب بالحصان إلى نبع المياه، لكن الشرب من واجب الحصان نفسه.
مجلة المعرفة