أخوي هإلي قدرت عليه ,, إن شاء الله ينفعك
الماء وأهميته
الماء عنصر شاءت إرادة الله عز وجل أن يدخل في تركيب كافة أشكال الحياة على هذه الأرض، مصداقاً لقوله تعالى :
? وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ?.[ سورة الأنبياء، الأية 30 ].
وبذات العنصر وهو الماء عوقب أقوام وعذبوا وأشهرهم قوم نوح عليه السلام، هذا الماء هو موضوع هذه السلسلة من حلقات برنامجنا هذا الذي يتحدث عن تاريخ الإنسان والماء.
ارتبط تاريخ مصر بالنيل، وفيضان هذا النهر، فاعتماداً على ارتفاع النهر كانت الضرائب تفرض على الفلاحين وازدهر التطور العلمي نتيجة لذلك، لآلاف السنين وعلى جدران كهذه كانت توضع خطوط تدل على فيضان النيل وزودنا ذلك بأقدم معلومات عن العالم، مما مكننا من دراسة التغيرات المناخية العالمية، هناك العديد من العدادات على طول النهر وأشهرها الموجود في جزيرة الروضة في قلب مدينة القاهرة.
كانت مياه النيل حين تفيض تصل إلى هذا البئر العميق من خلال أنابيب في الجدران، وعمل العمود الرخامي عمل المقياس، الدرجات جعلت قياس مستوى الماء بالضبط ممكناً، إنه عمل في غاية الإتقان والأهمية، ومما لا شك فيه أن هذا النظام العملي لا مثيل له في العالم، كان يؤدي دوره بانتظام ولفترة زمنية طويلة، هذه العلامات على هذا العمود الرخامي كان لها دور هام في حياة مجتمع المزارعين في مصر، تحول النيل إلى قناة للري عندما وضع حجر الأساس لسد أسوان.
فقد انتهى زمن فيضان النيل وأصبح التحكم في مياه الفيضان أمراً ممكناً، لقد أثبت السد نجاحاً لكن المادة الخصبة التي ترسبها المياه تتكدس خلف السد، وهذه المادة تغني الأرض التي باتجاه النهر وتحسنها، لقد أصبح فيضان النيل شيئاً من الماضي، إن الصفات المميزة لنهر النيل كانت الأساس التي قامت عليه الدول المتعاقبة في مصر.
هذه مزارع يمارس الري الزراعي كالمصريون القدامى من أجل الحفاظ على الماء، مزرعته مزودة بمحطات للمراقبة، هذه المحطات تزود حاسوبه الإلكتروني باستمرار بسيل من المعلومات عن العوامل التي تؤثر على حاجة محاصيله للماء.
هناك أنابيب تحت الأرض تطلق كمية المياه التي تحتاجها أشجار النخيل بدقة، إن الذين حولوا الصحراء والأراضي الفسيحة الممتدة غرباً نحو المحيط الهاديء إلى مناطق تنتج القمح بوفرة لم يكونوا من الأمركيين الأصليين بل كانوا مهندسين حكوميين مجهولين أخذوا على عاتقهم مراقبة مخزون المياه، يضخ الماء في قنوات إلى مدن كبيرة كـ " لوس أنجلوس ولاس فيجاس " مهمة بناء هذه المجاري المائية الضخمة فوق طاقة الأشخاص أو اتحادات المزارعين، ما كان مطلوباً هو سلطة مركزية قوية مدعومة برؤوس أموال ضخمة وتكنولوجيا حديثة.
من الجو تظهر الأراضي الفسيحة غرب الولايات المتحدة، وعن بعد فإن قناة نهر كاليفورنيا تبدو وكأنها نهر حقيقي، تشق طريقها الملتوية لأكثر من ثلاث مئة كيلو متر عبر الصحراء، عندما بنيت في الجانب الآخر من نهر كلورادو في الثلاثينات كان سد " هوفر " أعلى سد في العالم، هذا السد جعل بناء هذه القناة ممكناً، وبدونها فإن مدناً " كفينيكس، ولاس فيجاس ما كان بإمكانها أن تنمو أبداً ".
لقد تغيرت صورة المنظر الطبيعي في هذه المناطق الأمريكية بعد أن تم إيصال الماء لها، صورة الحياة القاسية للغرب الأمريكي انتهت مع وصول المياه إلى هذه المناطق الصحراوية البعيدة في الغرب، فسبحان الذي جعل من الماء كل شيء حي !!!
لقد اهتم أجدادنا بالهندسة والقنوات المائية أما نحن فواجبنا يكمن في الحفاظ على الأنهار والغابات، جدير بالملاحظة أن أعلى نافورة في العالم توجد في مدينة فينيكس، وفينيكس مدينة صحراوية تعاني من نقص في المياه، لذلك عينت السلطات البلدية فيها شرطة للماء لإلزام سكان المدينة بعدم هدر المياه.
تتباهى فينيكس أنها أول من استخدم الحرارة المزودة بتكنولوجيا الليزر في العالم لتمهيد الطرق وتسويتها، هذا المزارع انتبه للإشارات التحذيرية بأن الماء سيصبح ثميناً على نحو متزايد، نتيجة ذلك فأنه يأمل أن يخفض استهلاكه إلى ما يقرب خمسين في المئة، إن شفرات الآلة تضبط بإشعة الليزر، ويوجه الليزر بإشارات من القمر الصناعي، مشاريع المياه الضخمة هذه في أمريكا لم تكن ممكنة بدون حكومة قوية، هل حكومة قوية على هذا النحو مطلوبة لحل نزاعات المستقبل حول المياه بين المدينة والريف بين المدن، بين الأغنياء والفقراء، أم أن تقنيات السوق وحملات الصيانة الطوعية تفي بالغرض.
إن الماء هو قوام الحياة لأي مدينة، كان دائماً وسيبقى كذلك، عندما يهبط شخص سلماً لولبياً يقوده إلى الأسفل إلى " أكوافيرشو "، التي يعود ترايخها إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد يكون واضحاً سبب حسد الكثيرين من سكان مدن اليوم الضخمة للرومان على مخزونهم المائي، إن سمعة روما الإمبراطورية بالنسبة لكثير من الناس يرتبط ذهنياً بالمدرجات والصروح الرومانية، من ناحية أخرى فإن أسلوب البناء أو السياسية الإمبراطورية لم تكن هي السبب في رفاهية مواطنيها إنما القنوات التي تنقل الماء من المرتفعات خارج المدينة إلى قلبها.
المهندس الذي كان في يوم من الأيام مسؤولاً عن تزويد روما القديمة بالماء قال: " إن بعض البنايات الضخمة ليس لها فائدة عملية، فهذه المباني لا يمكن مقارنتها بقنوات جر المياه، كان مهندسوا الإمبراطورية الرومانية يوجهون الأنهار الصناعية إلى قلب المدينة لتزويدها بالماء يكفي أكثر من ألف ومأتي نافورة، وأكثر من ألف حمام عام وثلاثة أرباع مليون شخص.
تعتبر " مكسيكو سيتي " أكبر مدينة في العالم، ونقص المياه فيها هو المشكلة الأولى، المياه الجوفية تم استغلالها بالكامل، والمدينة تغور في الأرض وأهلها غير آبهين بما يحصل، مكسيكو سيتي تستهلك من الماء أكثر مما هو بحوزتها، رغم أن عدة ملايين من سكانها بحاجة إلى شبكات مياه الشرب، ومع وجود بائعي الماء فإن المركز التجاري للمدينة يمكن أن يضاهي مدن أوروبا، أسطول من الشاحنات يزود المنازل غير المربوطة بشبكة المياه الرئيسية بمياه الشرب.
هنا كل لتر يجب أن يسحب إلى صهاريج ويوزع بالشاحنات، المحافظة على تدفق المياه بشكل يكفي سكان المدينة شيء صعب جداً، الآن يأتي دور أصحاب البراميل المخططة باللون الأصفر للحصول على الماء، لكن الملايين من مواطنيهم مضطرين لشراءه من الباعة المتجولين وبأسعار عالية، إن نقص المياه مشكلة حقيقة عالمية بليونان من الناس ليس لديهم ما يكفي من الماء العذب.
تعتبر مكسيكو سيتي مشهد للصراع على الماء لا ينتهي أبداً في بعض المدن الأسيوية تجد أن الفقراء مضطرين لدفع من عشرين إلى مئة ضعف أكثر من الأغنياء من اجل الحصول على الماء، في مكسيكو سيتي يدفع الناس حتى عشرة أضعاف، في بعض الأماكن نجد أن أفقر الفقراء ينفقون ثلاثين في المئة من دخلهم للحصول على ماء عذب كاف.
إن تاريخ أوروبا مليء بالثورات التي قامت من أجل المطالبة بخبز وحبوب رخيصين، فهل ستجد الضخمة نفسها تواجه احتجاجات من أجل المطالبة بالماء، تعتبر أزمة المياه في مكسيكو سيتي درساً للناس، فقد كانت تقوم على أرض بحيرة واسعة لكنها أصبحت أكبر مدينة في العالم من خلال تجفيف المناطق المائية التي كانت تحيط بها.
استولى الأسبان على الأرض المقامة عليها مكسيكو سيتي عام 1521، لقد كانت مهداً لحضارة هندسية مزدهرة، أشهر مدن هذه الحضارة كانت تعرف " بالصخرة في الماء المرتفع " الاقتصاد كان مبني على زراعة مدن خصبة، أقامها الإنسان في هذه البحيرة، ما بقي منها الآن هي شواهد على حضارة مترفة قامت على الماء، في البداية جفف الغزاة الأسبان الماء لأسباب عسكرية، ثم بنيت العاصمة الجديدة على أنقاض العاصمة القديمة، دفنت قنوات المياه تحت طبقة من الأسمنت لتمكين المدينة من التوسع مستقبلاً.
لم يتبقى الآن سوى ما يمكن تسميته بمتنزه بيئي يعطي متسع من الوقت للتأمل بما جرته حماقات الماضي، في عام 1982 كانت مكسيكو سيتي مضطرة للبحث عن المياه، على بعد مئة كيلو متر في منطقة يبلغ عمقها ألفا متر تحت المدينة، وفي عام 1990 اضطرت أن تبحث عن الماء في منطقة تبعد مأتي كيلو متر عن العاصمة، حيث كانت هذه المنطقة أكثر عمقاً من سابقتها وبلغ عمقها ألفي متر تحت مستوى المدينة.
في نفس الوقت تعمل الآلاف من محطات الضغط بسرعة تفوق السرعة التي يمكن أن يتجمع فيها الماء كل شيء على السطح يبدو طبيعياً، لكن في قلب المدينة فهناك معركة يائسة تدور في الوقت الحاضر ؛ فالمدينة تغور في الأرض بشكل مثير، إنهم لا يعملون ضد الوقت بل من أجل حاجة المدينة الملحة للماء، جزء من وسط المدينة يغور في الأرض بمعدل سنتيمتر كل أربعة عشر يوماً.
مشكلة أخرى هي كيفية التخلص من مياه المجاري في المدينة، سيكون عملاً يصعب التغلب عليه تحت أي ظرف، وبدون الماء ليس لهذه المشكلة من حل، مكسيكو سيتي تواجه مشكلة أخرى، ألا وهي تصريف مياه المجاري، والحل هو ضخ هذه المياه للأعلى وهذه عملية شاقة ومكلفة، مياه المجاري تتسرب إلى المياه الجوفية، وعواقب ذلك ستطال الجميع بشكل حتمي، وحتى تحفظ المدينة من أن تتسمم بفضلاتها بدات السلطات البلدية ببناء شبكة جديدة للمجاري.
الأنابيب يجب أن تدفن عميقاً في الأرض المستمرة في الانخساف، أنابيب المجاري في المدن الضخمة يجب أن تكون أكبر مما هي عليه في المدن الصغيرة، الكميات الضخمة من مياه المجاري يجب تغسل بماء دافق، والذي تملك منه المدينة الشيء القليل.
الأرض التي كانت تدعى الأرض المجاورة للبحيرة أصبح فيها الماء مشكلة ملحة، من بين جميع الأشياء الرقية واللطيفة لا شيء كالماء باستطاعته أن يفتت أقصى الصخور، ويظهر أثر الماء على المجتمع البشري كذلك وهو قوام الحياة لكل مجتمع، قد يكون رقيقاً ولطيفاً لكن يستطيع أن يكون قاسياً وعنيفاً، يسيل في أنهار ضخمة، أو يجمع في خزانات غير منظورة تحت رمال الصحراء، إنه يجري دائماً يوماً بعد يوم، وبهذا العمل فإنه يحدد نوعية المباني التي ستبنى لأي مجتمع، فمنذ الحضارات الأولى التي قامت على ضفاف الأنهار قبل خمسة آلاف عام وحتى نشوء المدن الصخمة فإنه فعل ذلك وسيفعله دائماً