الهندسة الوراثية..جدل بين الطب والشرع
المقدمة:
تعددت مجالات الطب والعلوم في عصرنا هذا,وأنجزت البشرية انجازات هائلة من أجل تحقيق المصالح .ومن أهم الانجازات والعلوم السائدة هذا اليوم هي الهندسة الوراثية.هذا المجال الذي به اكتشف العلماء أشياء كثيرة تخص جسم الانسان وبه عالج الكثير من الأمراض.
في موضوعنا هذا سوف نتحدث عن أهمية الهندسة الوراثية في حياتنا ,ومجالات استخدامها ,ورأي الاسلام والشريعة في استغلال هذا المجال,هل الاسلام مع أم ضد هذا المجال؟
أ-الهندسة الوراثية:
الهندسة الوراثية البشرية هى إحدى الفروع التطبيقية لعلم الوراثة، وتعتبر ثورة تقنية جبارة تهدف إلى إضافة جينات جديدة تحمل إلى الكائن الحى صفات لم تكن موجودة من قبل، لحين تجاوز التراكيب الوراثية الموجودة إلى تراكيب جينية أفضل بقصد إصلاح عيب أو خلل فى المادة الوراثية أو تحسين الصفات العامة للأفراد عن طريق إعادة صياغة الخريطة الجينية.
ب -أهمية الهندسة الوراثية في حل قضايا الشرع:
على الرغم من مرور وقت قصير على اكتشاف بصمة الجينات، إلا أنها استطاعت عمل تحول سريع من البحث الأكاديمى إلى العلم التطبيقى الذى يستخدم حول العالم، وخصوصاً فى الحالات التى عجزت وسائل الطب الشرعي التقليدية أن تجد لها حلاً مثل: قضايا إثبات البنوة، والاغتصاب، وجرائم السطو، والتعرف على ضحايا الكوارث.
ويستند القضاة عادة فى مثل تلك الحالات على الدراسات العلمية التى تقول بأن احتمال وجود تشابه بين البصمة الجينية لشخص بريء مع البصمات الجينية المنتزعة من موقع الجريمة هو واحد فى كل 300 مليون، وبالنتيجة العلمية فإن التشابه يعنى التجريم، وعليه فإن ما ينبغى القيام به من جانب المحلفين هو محاولة تبين ما إذا كان الشخص بريئاً مع الأخذ فى الاعتبار التشابه الحاصل فى البصمة الجينية، والذى أثبتته تقارير الطب الشرعى.
رأي الاسلام والعلماء في الهندسة الوراثية:
إن الدين عندنا علم، وأن العلم عندنا دين، وأن كل علم يحتاج إليه الناس في دينهم أو في دنياهم – ومنه علم الطب والهندسة وغيرهما – يكون تعلمه وإتقانه فرض كفاية على الأمة في مجموعها، بحيث يجب أن يكون فيها عدد كافً من العلماء والخبراء في كل مجال علمي أو تطبيقي، بحيث تكتفي الأمة بأبنائها اكتفاءً ذاتيًا، ولا تفتقر إلى استيراد العلماء من غيرها فيما به قوام معاشها ومعادها.
والقرآن يبين لنا أن الله تعالى قد منح الإنسان من المواهب والطاقات ما يستطيع أن يفتح به مغاليق الطبيعة، ويتعرف على قوانين الكون، ويكتشف المجهول فيها، بحكم استخلافه في الأرض، وتسخير الكون له بسماواته وأرضه، وشمسه وقمره وكوخه، لما قال تعالى:
" أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ؛وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ" [لقمان: 20]
فإذا كان هذا الكون – في نظر القرآن- مسخرًا لمنفعة الإنسان، ولخدمة الإنسان، فلا جناح عليه أن يكتشف من أسراره يومًا بعد يوم ما غاب عنه؛ وخصوصًا الكون الصغير وهو الإنسان، كما قال تعالى: "وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" [الذاريات 20،21]
ولا يحسبن أحد من المتدينين أن هذا الاكتشاف فيه تطاول على الله تعالى، أو منازعة له في ملكه، فالحق أن ذلك لم يتم للإنسان إلا بفضل الله تعالى وتيسيره الأسباب للإنسان، والقرآن الكريم يقرر في أول آيات أنزلت منه "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}" [العلق].
والعلماء يرحبون بهذا الاكتشاف الجديد الكبير: خريطة الجينات البشرية، أو ما سمى (الجينيوم البشري) الذي اعتبر من أعظم اكتشافات البشرية في عصورها المختلفة، والذي جاء بعد جهود مضنية، وبحوث متطاولة، تعاونت فيها أكثر من دولة غربية، وقالوا: إنه أعظم من اكتشاف البنسلين، ومن صعود الإنسان إلى القمر، ومن .. ومن..
وكل ما نتمناه ، ونرجوه أن يستخدم هذا الاكتشاف في مصلحة البشر، التي يقررها (أولو الألباب) منهم، ولا ريب أن هناك مجالات لا يختلف فيها اثنان في مشروعية استخدام هذا الاكتشاف فيها، مثل علاج (الأمراض الوراثية) عن طريق الجينات المؤثرة، والمسببة لهذه الأمراض، وقفًا للضرر عند الإنسان بقدر الإمكان، ووفقًا للقاعدة الشرعية القطعية، المستمدة من الحديث النبوي، ومن آيات قرآنية كثيرة، وهي قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وكما أن الضرر يزال إذا وقع، فينبغي أن يرفع قبل وقوعه ما أمكن ذلك، والوقاية خير من العلاج. ولقد قال العلماء. درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
وكل ما نؤكده هنا ما قلناه من قبل في التحذير من الغلو في استخدام الهندسة الوراثية، أو الاستنساخ البشري، نقوله هنا، راجين من أهل العلم أن ينصتوا لأهل الحكمة ولا يسرفوا في محاولة استخدام هذا العلم في العبث بفطرة الله التي فطر الناس عليها، بدعوى (تحسين سلالة النوع البشري) أو محاولة صنع (إنسان جديد) مثل ما يسمونه (السوبر مان) أو نحو ذلك، فلندع الفطرة تعمل عملها، فإن الخروج على الفطرة كثيرًا ما تكون عواقبه وخيمة.
الخاتمة:
وهكذا في النهاية وجدنا أن علم الهندسة الوراثية مجال مهم جدا في حياتنا هذه وهو في تطور مستمر, ولايمكن أن تستغني عنه البشرية, ولكنه يشترط أن يتم استغلال هذا المجال من أجل نفع البشرية وليس تدميرها واستغلالها من أجل المصالح ومطامع البشر. فها هو ديننا الاسلامي يدعو الانسان الى البحث والتسلح بسلاح العلم ,موصول بالقيم الايمانية والخلقية.اما اذا استخدم الانسان العلم في التدبير والإهلاك للحرث والنسل فهذا مالا يرضى به الخالق عز وجل وينفيه الشرع.
قال تعالى:
"وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد" [البقرة