في متحف عجمان الوطني الذي كان حصن الحكام في عجمان منذ أكثر من قرنين وتحول إلى متحف وطني في عصر النهضة والأمن والسلام، تقابلك عند دخولك المتحف كراسي خشبية يجلس عليها بعض كبار السن من أهل عجمان يتذكرون أيام الماضي، ويرجعون بذاكرتهم إلى عشرات السنين.
جلسنا معهم مرة وسجلنا بعض تلك الذكريات من باب توثيق ذاكرة هؤلاء الآباء والأجداد الذين تعتبر ذاكرتهم سجلاً مهماً لتاريخ الامارات وتراثها وماضيها. وقد التقينا بالوالد علي بن جاسم مجلاد الشامسي الذي يسرد فيما يلي صفحات من ماضي عجمان وتاريخها التليد:
ولدت في “فريج شرق” وكان بيتنا عند بيت حمد بن سالم الشامسي وعبدالله بن ثاني الشامسي وكان عمري بين إثني عشر وثلاثة عشر عاما، في السنة التي يسمونها “سنة الزقنبوت” وهو الأكل الذي وزعته الحكومة على المواطنين عن طريق بطاقة التموين التي كانوا يسمونها “بطاقة العيش” أي الأرز.
درست في مدرسة الشيخ عبدالكريم البحري التي كانت تطل على البحر ودرسنا خلفان المطوع وعيد وإبراهيم بن نصار وناصر بن محمد الغملاسي، وكان بعض المطاوعة شديدا معنا، ويعتقدون أن التعليم يكون بالضرب، فكانوا يحبسوننا في العريش ويربطون أرجلنا ويعلقوننا في السدرة. وكانوا يضروبننا على صدورنا ويمددوننا على ظهورنا ويأمرون أولاداً آخرين بمسك أرجلنا وهم يضربوننا حتى شردونا من المدرسة. وأنا كنت أهرب كثيراً وأرتقي منارة المسجد، وعندما ينهون الأولاد الدراسة أنزل وأمشي معهم وأروح البيت.
المطوع فاضل
درست عند فاضل المطوع ويمعان ولد سعد ويمعان العود.وكان في عجمان الكثير من الجلاليف ولم يبق منهم الآن أحد حيث أن أكثر سفن هذه الأيام من الفيبر وأنا لحقت على آخر أيام الجلاليف الذين هم من أهل الدار، منهم عبدالله بن صالح الجلاف وخميس بن علي وهما لا يزالان على قيد الحياة وكان عبدالله بن صالح “ياشر” على البحر أمام مدرسة الشيخ عبدالكريم البكري وخميس بن علي كان “ياشر” الخشب أمام بيته، وكان يوجد كذلك راشد شطاف الشامسي وكان “ياشر” خشب على البحر.
كان أكثر أهل عجمان أهل بحر و”خشب” يمارسون الغوص ويسافرون الى الهند وزنجبار وإيران، وكان عبدالله بن ثاني السويدي من أهل “الخشب” وكان عنده جالبوت وفيه “تناكي” الماي التي يرسلها الى الغواويص وتسمى “تشاله”، وكان حمد بن سالم بوخميس الشامسي طواش ويسير الهيارات ويطوش ويشتري من عند النواخذة والغواويص وكان عنده “بخاخير تمر وايده”.
كان أهلنا في الصيف يذهبون الى الغوص ويبقون ثلاثة أو أربعة شهور وما يحصلونه يكفيهم سنة كاملة. وفي الشتاء شلوا خيامهم وساروا البر وسووا خيامهم وعرشانهم وشلوا وياهم طيورهم وكلابهم السلق وساروا القنص يقنصون الحبارى والكراوين ويوم ردوا وزعوا القنيص على ييرانهم (جيرانهم) وكان من أشهر القنانيص عبدالله بن راشد بن حمدان الشامسي وماجد العفاري وعيسى الجرمن وكل حد مخلاته تحت باطه ويتريقون الفير (الفجر) ويروحون القنص ويتمون مدة ويردون بقنيصهم.
العرصة
سوق عجمان يسمى عرصة عيمان وعرصة الصخام، وكانوا يبيعون فيه الحطب والصخام وفي طرفه سوق السمك والمالح والعوال والكسيف، وبعدين سووا الدكاكين، منها دكان واحد عوضي يسمى خليفوه وكان يبيع العيش والقهوة والشكر، ودكان ثان لرحمة المهيري وكان يبيع فيه الحطب والدعن والمالح وحفيده رحمه بن علي بن رحمة يعمل في وزارة الأوقاف في عجمان.
وما كان في عجمان غير خياط واحد هو إبراهيم الحمالي وكان دكانه في سوق العرصة الذي يوجده محله حاليا الدوار الكبير المقابل للمتحف وفي مكان الدوار الصغير كانت توجد صنّيّه عوده، وكان أمام السوق خور يسمى خور السوق وكانت محامل الغوص تشرع فيه والحين دكوه وعليه يوجد ديوان الحاكم والبنايات التجارية، كما كانت توجد بعض الدكاكين في بعض بيوت الأهالي في الفرجان مثل خباز الجرمن في فريج الشرق وفتحه في بيته ودكان حمد عبدالله الساجوب الشامسي الذي كان في بيته ويبيع فيه التمر والسلاح والزانة وكان يستوردها من سقطرة ودكان غانم عبيد الغملاسي في فريج شرق يبيع فيه التمر، وكانوا أصحاب دكاكين التمر يشترون قلة ويحطونها في الدكان ويوم تخلص يابوا غيرها وطول الوقت يالسين في الدكان ويمرون عليهم الربع ويضربون سوالف لين المغرب يصلون ويروحون بيوتهم والصبح يرجعون وهكذا كل أيامهم.
النواخذة
ومن النواخذة المعروفين أصحاب الخشب خليفة بن غانم وعياله محمد وبادي وغانم وعبيد، وكان علي بن جمعة المعي اتفق مع بحرية على دشة الغوص وقاموا البحرية وخذوا المحمل لنجة وقالوا بنطبعه هناك وكل هذا من تعامل النواخذة الصعب مع البحرية وكان أكثر النواخذة جبابرة ما في قلوبهم رحمة وكان الغيص إن مرض وقال ما أقدر أغوص حطوه في تفر المحمل (مؤخرته) ومسكوه حبل ورموه في البحر ويظل متعلق والمحمل يسير ويم صار له مده قال النوخذة قصوا الحبل فيقصونه ويرمى الغيص في البحر لين ما يموت من مرضه وتعبه أو يرحمه الله وحد يمر عليه ويشيله.
غوص الحياري
الغوص الحياري معروف عند أهل أبوظبي وهو معتمد على الغاصة وسيبين فقط حيث يقوم الغيص بمسك الحصاة ورمي نفسه في البحر ويوم يغوص يقوم السيب بسحب الحبل ويكون في البحر عدة حبال مرمية وفي طرفها الكرب وهي القطعة الأخيرة من سعف النخل وطرفها الثاني مربوط في المحمل ويوم يخلص الغيص من جمع المحار يسبح للسطح ويوم يوصل يمسك بطرف الحبل المثبت بالكرب ويجر نفسه إلى المحمل وهذا يسمى الغوص الحياري أو “التلاي”، أما أهل دبي والشارقة إلى الفجيرة فغوصهم غوص سيب وغيص واليدا والزيبن وهو الغوص المعروف عند كل أهل الخليج.
دخلت الغوص “يلاس” وأنا عمري أربع عشرة سنة مع أهلنا عيال مجلاد وكان عندهم محمل وكنت أيلس وأفلج المحار لأن مهنة الفلج تكون للأولاد الصغار لأن نظرهم أقوى من الكبار ونقوم بتجميع المحار في “الفلس” ويوم ينتهي الغوص ما يعطونا سوى “التبَابَهْ” وهي الناعم من اللؤلؤ الذي يباع بعشرين أو ثلاثين ربيه.
المساجد
علمونا أهلنا على الصلاة والفضيلة وربونا تربية صالحة وكان الناس يهتمون بعيالهم وتربيتهم وايد وكان الأبو يربي والأم تربي والجد والعم والخال يربون حتى مطوع المسجد والجيران يربون ويمنعونك من الخطأ إن شافوك طايح فيه وكان الواحد منا ما يهد الفرض في المسجد، وكانت في عجمان مساجد كثيرة منها مسجد في فريج شرق هو مسجد بن جابر السويدي وهو في الأصل مسجدان، واحد للشتاء وآخر يصلون فيه في الصيف، ومسجد البدو وهو في فريج شرق وهو مسجد عيال الكيتوب وهم من الشوامس وسموه مسجد البدو لأن البدو يمرحون عنده قبل ما يدشون عجمان ويمرحون ركابهم المحملة ب “ البطيحة” وهي حمولة المطية ويقومون وينزلون نصها ويرفعون النص الثاني ويودونه للسوق ويبيعون ويوم يبيعون ردوا وخذوا النقلة الثانية وباعوه ومن هنا سموه مسجد البدو لتجمع البدو عنده وصلاتهم فيه ومبيتهم أيضا فيه. كما أنه كان يوجد مسجد خلف الحصن يسمى مسجد الشيخ وقد تم هدمه من قبل وبنته حكومة قطر وحاليا تم هدمه من جديد لبناء مسجد حديث في محله، ومسجد العجم في فريج غرب وكان على البحر طرف سوق العرصه وتم هدمه وبناء مسجد حديث في محله من طابقين الطابق السفلي فيه دكاكين والعلوي للصلاة، ومسجد محمد بوطويل في فريج شرق ومسجد بن ثاني وهو مسجد عبدالله بن ثاني الشامسي وهو عند بيتنا وجدده سعيد بن حميد النعيمي أحد أهالي عجمان الكرماء وأهل الخير. أما مسجد الرويمة فهو لواحد من أهل دبي جاء عجمان مع عيال بطي بن سهيل وسكن وياهم وكان هذا مسجدهم، ومسجد بن لوتاه على البحر وبنوه من جديد ومسجد عبدالله الشيبة في شرق.
يوم صرت شاب سافرت إلى الدمام واشتغلت عند القصيبي في فرضته أنا والعديد من أهل عيمان الذي اشتغلوا في فرضة القصيبي وكانت وظيفتي عبارة عن التأشير لسائق الونش “الكرين” وأقول له “هبوس لاس وهبوس ونش” واللاس هو ذراع الرافعة الذي ترفع به البضائع والحمولة، والونش هو الرافعة بذاتها والعبارة هذه تتحكم في عملية الرافعة وذراعها حيث نشير إلى السائق بتحريك الرافعة تارة وتحريك الذراع تارة أخرى وهكذا إلى أن ترقيت وتعلمت سواقة وتشغيل الكرين وعملت سائقاً ومشغلاً لها وكملت في الدمام ثماني سنوات. بعدها رجعت لعجمان واشتغلت سائق “لوري” وكنا نسوق الرمل من سيف عيمان عند مربعة “غياظ” بالتريلات (الشاحنات) ونبيعه للمقاولين وكان تريب (حمولة الشاحنة) نبيعه بعشر ربيات للنجال العود وسبع ربيات للنجال الصغير.
المعهد الديني
بعدها اشتغلت في المعهد الديني الإسلامي بعجمان حيث عملت سائق باص وأقوم بتوصيل الطلاب الساكنين في أم القيوين وصاحبي علي بن حميد السويدي سائق باص طلاب الشارقة وكان معنا من السواق إبراهيم بوكنون وعبدالله النيباري وهما في التربية حاليا وأنا وحميد السويدي تقاعدنا وكان هذا من أربع سنوات وحاليا أنا أجلس بلا عمل ولا وظيفة وأقضي أوقاتي بزيارة الأصدقاء والأصحاب والجلوس معهم