مقدمة
إنّ المجتمع المريض الذي يحول دون إشباع حاجات أفراده والذي يفيض بأنواع الحرمان والاحباطات والصراعات والذي يشعر فيه الفرد بنقص الأمن وبعدم الأمان.
كما أن التنافس الشديد بين الناس وعدم المساواة والاضطهاد والاستغلال وعدم اشباع حاجات الفرد ويضاف الى ذلك وسائل الاعلام الخاطئة غير الموجهة والتي تؤثِّر تأثيراً سيئاً في عملية التنشئة الاجتماعية.
الموضوع
نظرية الانتقال الانحرافي
تعتقد نظرية الانتقال الانحرافي ان الانحراف سلوك مكتسب . حيث يتعلم الفرد الانحراف كما يتعلم فرد اخر ، السلوك الذي يرتضيه النظام الاجتماعي . ويستند اعتقاد هذه النظرية ، على الفكرة القائلة بان مستوى الجرائم الحاصلة في محلة او مدينة معينة تبقى لسنوات عديدة مستقرة ضمن نسبها المئوية . أي ان الانحراف اذا ظهر في بيئة اجتماعية معينة فلابد له من الاستمرار في تلك البيئة ، حيث يتعمق ذلك الانحراف في التركيبة الثقافية والاجتماعية للمحلة او المدينة وينتقل الطابع الانحرافي من فرد الى آخر ثم من جيل الى آخر دون ان يتغير الدافع الذي يؤدي الى ارتكاب الجريمة لدى هؤلاء الافراد .
وبموجب هذه النظرية فان هذا الطابع الاجرامي لمجموعة الافراد المنحرفين يساهم في اتساع دائرة الانحراف والاجرام عن طريق استقطاب افراد جدد . حيث يشبه رواد هذه النظرية ظاهرة الانحراف بآلة المغناطيس التي تجذب اليها نشارة الحديد فحسب ، وتترك نشارة الخشب وذرات التراب . فعندما يدخل الفرد المؤهل للانحراف ضمن هذه الدائرة ، توزن نظرته الشخصية للقيم الاجتماعية التي يؤمن بها ، من قبل افراد هذه المجموعة المنحرفة وتقيم ، ثم توضع تحت الاختبار ، وبعدها يصبح سلوكه الاجتماعي مرهونا بالقبول من قبل المنحرفين . وعندما يتم ذلك ، تنقلب الموازنات الاجتماعية في تصوراته الجديدة ، فيصبح عندئذ الانحراف اعتدالا
والاعتدال انحرافا .
ولما كان الانسان يولد نقيا من بذرة الانحراف ، فان العوامل التي تساعده على تكوين شخصيته الاجرامية ، لا بد وان تكون متسلسلة الحدوث خلال مسيرته التطورية من الطفولة وحتى البلوغ . بمعنى ان هذه العوامل مرتبطة قطعاً بالبيئة التي يعشها الفرد خلال ادوار نموه المختلفة . وهذه العوامل ، حسب زعم نظرية الانتقال ، هي اولا : قرب ارتباطه بالمنحرفين عن طريق الصداقة والمودة . ثانياً : عامل العمر ، فإذا شب الفرد في محيط منحرف ، فان شخصيته اليافعة تكون اكثر تقبلا للانحراف من شيخ طاعن في السن . ثالثاً : النسبة بين انفتاحه على الافراد الذين يعتبرهم المجتمع سائرين على خط الاعتدال وبين انفتاحه على الافراد الذين يعتبرهم المجتمع منحرفين عن الخط المتفق عليه . فاذا كانت نسبة الاتصال والانفتاح على المنحرفين اكبر كانت فرص انحراف ذلك الفرد اعظم .
===============
نظرية الضبط الاجتماعي
وتعتقد نظرية الضبط الاجتماعي ان الانحراف ظاهرة ناتجة عن فشل السيطرة الاجتماعية على الافراد . فتبدأ بطرح رأيها عبر تساؤل غير معهود قائلة : كيف لا ينحرف الافرا د ، وامام اعينهم كل هذه المغريات ؟ فللانحراف اذن ، حسب زعمها ، مكافأة اجتماعية يحصل عليها المنحرف مهما كان نوع انحرافه . والاصل ان سلوك الافراد المعتدل في النظام الاجتماعي انما ينشأمن سيطرة المجتمع ، عن طريق القانون ، على تعاملهم مع الآخرين ، ولكن لو ألغي القانون الهادف الى تنظيم حياة الناس ، لما حصل هذا الاعتدال الاجتماعي في السلوك ، ولانحرف افراد المجتمع بسبب الرغبات والشهوات الشخصية .
وتعتمد هذه النظرية على تجارب اميلي دركيهايم ايضاً ، الذي اكد على ان الانحراف يتناسب عكسياً مع العلاقة الاجتماعية بين الافراد ، فالمجتمع المتماسك رحمياً يتضاءل فيه الانحراف ، على عكس المجتمع المنحل . فلو درسنا نسب انتحار الافراد في المجتمع الانساني للاحظنا انها اكثر انتشارا في المجتمعات التي لا تقيم لصلة الرحم وزناً والمجتمعات التي لاتهتم بعلاقات القربى والعشيرة . وعلى هذا الاساس بنى رواد هذه النظرية رأيهم القائل بأن افراد المجتمع المتماسك من ناحية العلاقات الرحمية والانسانية اكثر طاعة للقانون واكثر اتباعاً للقيم التي يؤمن بها من افراد المجتمع المتحلل في علاقات افراده الاجتماعية .
ويرى رواد هذه النظرية ، انه من اجل منع الانحراف الاجتماعي بين
الافراد لابد من اجتماع اربعة عناصر هي :
1 ـ الرحم والقرابة : حيث ان شعور الافراد بصلاتهم الاجتماعية المتينة يقلل من فرص انحرافهم . فالفرد يشعر بالمسؤولية الاخلاقية والالزام العاطفي في اغلب الاحيان ، تجاه عائلته واصدقائه وعشيرته . وهذه المسؤولية حكمها حكم القانون الاجتماعي في المجتمعات الانسانية ، فاي خرق لهذه القوانين الاجتماعية يؤدي الى عزل الفرد المنتهك لحرمتها ، اجتماعياً ؛ وهذا العزل يعتبر عقوبة شخصية رادعة ، لان المقاطعة الاجتماعية عقوبة قاهرة ضد المنحرف . اما الافراد الذين لا تربطهم صلة رحم او قرابة بالآخرين ، فهم اقل اكتراثاً للمخاطر التي يترتب عليها ارتكاب الجرم او الجناية ، لان السرقة مثلا لا تعرض التزاماتهم الاجتماعية للخطر ، فانهم ابتداء لا يلزمون انفسهم بالالتزامات الشخصية المعهودة بين الافراد .
2 ـ الانشغال الاجتماعي : وهو انغماس الفرد في نشاطات اجتماعية سليمة تستهلك طاقته الفكرية والجسدية ، كالخطابة ، والكتابة والهوايات الرياضية والرحلات وادارة الجمعيات الخيرية . وهذا الانشغال يقلل من فرص الانحراف . اما الافراد الذين لا يملكون عملاً او هواية تستوعب اوقاتهم ، فغالباً ما تنفتح لهم ابواب الانحراف .
3 ـ الالتزام والمتعلقات : وهو استثمار الافراد اموالهم عن طريق شراء وتملك العقارات والمنافع والمصالح التجارية . ولا شك ان مصلحة هؤلاء الافراد المالية والتجارية تقتضي منهم دعم القانون والنظام الاجتماعي . اما اولئك الذين لا يملكون داراً او عقارا او لا يستثمرون في المجتمع اموالهم ولا اولادهم ، فانهم معرضون للانحراف اكثر من غيرهم .
===============
4 ـ الاعتقاد : وهو ان الاديان عموماً تدعو معتنقيها الى الالتزام بالقيم والمبادئ الخلقية . فالمؤمنون بالاديان السماوية يحرمون على انفسهم سرقة اموال الغير ، لان هذه الاديان تأمرهم بالتكسب الشرعي الحلال وبذلك تضمن لهم معيشة كريمة . ويقوم الدين ايضا بتهذيب السلوك الشخصي للافراد في كل مجالات الحياة الاجتماعية .
وبالجملة ، فان الافراد الذين تربطهم الاواصر الاجتماعية المتينة ، وينغمسون في اعمالهم ونشاطاتهم ويستثمرون في المجتمع اموالهم واولادهم ويطبقون بكل ايمان احكام دينهم ، فهؤلاء تتضاءل عندهم فرص الانحراف الاجتماعي ، وتزداد من خلال سلوكهم فرص الاستقرار والثبات على الخط الاجتماعي السليم .
نظرية الالصاق الاجتماعي
وتبني هذه النظرية رأيها على فكرة مهمة لم تتطرق اليها النظريات الاجتماعية السابقة . فتقول ان الانحراف الاجتماعي ناتج من نجاح مجموعة من الافراد بالاشارة الى افراد آخرين بانهم منحرفون . فاذا الصقت الطبقة الرأسمالية المسيطرة في اروبا مثلاً فكرة « التخلف » بالافارقة ، وكرروها في وسائلهم الاعلامية ، اصبح الافارقة جميعاً متخلفين في المرآة الاجتماعية الأوروبية ، واذا الصقت نفس الطبقة فكرة « التحضر » على الشعب الامريكي ، اصبح الامريكان متحضرين في نفس المرآة الاجتماعية الاوروبية حتى لو كان الواقع عكس ذلك . وتستد فكرة الانحراف التي تؤمن بها هذه النظرية ، على فرضية الصراع الاجتماعي بين الافراد ومحاولة اتهام بعضهم البعض بالحيود عن المجرى العام للسلوك الاجتماعي .
وتقسم هذه النظرية الانحراف الى قسمين :
الاول : الانحراف المستور ، وهو الانحراف الذي يرتكبه اغلب الافراد في فترة ما من فترات حياتهم ، ويبقى مستوراً دون ان يكتشفه احد . فقد يسرق الطفل مالاً من ابيه ، ولكنه يتحول بعد البلوغ الى فرد معتدل في حياته الاجتماعية اللاحقة . وقد يتحايل فرد ثري مرة واحدة على دفع الضريبة الحكومية ، ولكن سلوكه العام سلوك مقبول من الناحية الاجتماعية . وقد يحدث فرد نفسه بانحراف فكري ، ولكنه سرعان ما يعود الى رشده ويبقى سلوه الاجتماعي مستقيماً .
والثاني : الانحراف الظاهر ، فعندما يتهم نفس هؤلاء الافراد بالانحراف
===============
علنيا ، يتبدل الوضع النفسي والاجتماعي للمتهمين تبدلا جذرياً . فاذا الصقت تهمة السرقة بشخص مثلاً ، وتهمته التحايل بشخص آخر ، وتهمة الزندقة بشخص ثالث ، شعر هؤلاء الافراد بالاهانة والذل ، لان الاثار المترتبة على انحرافهم تعني اولاً : انزال العقوبات التي اقرها النظام الاجتماعي بهم ، وثانياً : افتضاح امرهم امام الناس ، وثالثاً : انعكاس ذلك الافتضاح على معاملة بقية الافراد لهم ، ولذلك فان الصفات القاسية التي يستخدمها النظام ضدهم كصفات السرقة والاحتيال والزندقة انما وضعها في الواقع ، النظام الاجتماعي والسياسي والصقها بهؤلاء الافراد . وهذا الالصاق هو الذي يعرف المجتمع الكبير بانحراف الافراد عن النظام المقرر . وعلى هذا الاساس يتصرف المنحرف بقبوله التعريف الاجتماعي ورضوخه للعقوبة الصادرة بحقه . ولو كان المجتمع لا يعترف بهذا الالصاق لما اصبح المنحرف منحرفا ، ولما قبل المنحرف بالعقوبة الصادرة بحقه ولاعتبرها اجحافاً . فالزنى في المجتمع الاسلامي مثلاً انحراف عن الخط العام للمجرى الاجتماعي ويستحق مرتكبه عقوبة جسدية ، اما في المجتمع الرأسمالي فان الزنى قضية شخصية ، وليست انحرافاً عن الخط العام للمجرى الاجتماعي ، بل انه انحراف عن الخط العام للمجرى الشخصي ، اذا ما افترضنا ان الزواج هو السلوك عن الخط العام المقبول اجتماعياً . وطالما الصق المجتمع تهمة الانحراف بالافراد الشاذين عن الطريقة المتبعة ، فان دائرة الانحراف ستتسع مع مرور الزمن لان هؤلاء المنحرفين ينظرون الى انفسهم بالمرآة الاجتماعية التي تدينهم وتحدد من علاقاتهم الاجتماعية ، فيتقارب المنحرفون بسبب الضغط الاجتماعي المسلط على سلوكهم ، فيصبح لهم مجتمعهم الانحرافي الصغير داخل المجتمع الانساني الكبير .
===============
والخلاصة ، ان النظريات الاجتماعية اللتي ذكرت في الموضوع آنفاً تفشل في تفسير ظاهرة الانحراف والتجريم بالصورة الدقيقة الشاملة المستوعبة لكل مفردات الواقع الاجتماعي . فهذه النظريات منفصلة لا تستطيع تفسير جرائم القمار ، وانحراف الاحداث ، وتعاطي المخدرات ، والتحايل في دفع حقوق الفقراء . وكل نظرية من هذه النظريات تنظر للجريمة بشكل تجزيئي محدود ولا تنهض بمستوى النظرة الكلية للمشكلة الانحرافية بحيث تستوعب كل مفردات وتشكيلات الاجرام الفردي والجماعي في المجتمع الانساني .
الخاتمة
قد تكون الاسرة جزءا من انحراف الابناء بتسلطها وحرصها الشديد على الفرد اللذي يعيش بينهم وقد يكون الانفلات الشديد وأعطاء الحريات للفرد اللذي يعيش بالاسرة سببا في احراف الفرد فلا تشدد وانفلات والتوسط بين ذلك .
المصادر
كتاب الانحراف الاجتماعي واساليب العلاج ص 1 ـ ص 22
كتاب النظرية الاجتماعية ص 51 ـ ص 73
قوقل
معهد الامارات التعليمي