مصائد البترول
المصيدة هي نسق هندسي للطبقات الرسوبية يسمح للبترول أو الغاز أو لكليهما بالتجمع فيه بكميات اقتصادية، ويحول دون هروبهما منها، ويتخذ هذا النسق الطبقي الهندسي أشكالاً عدة، لكن تظل السمة الرئيسية للمصيدة هي وجود صخر مسامي مغطى بصخور حابسة غير منفذة. ويعد الماء عاملاً أساسياً في توجيه البترول والغاز إلى المصيدة في أغلب الحالات، مثلما يساعد في إزاحة البترول والغاز إلى فتحات الآبار في مرحلة الإنتاج، وهكذا تكون المصيدة بؤرة تبادل نشط للسوائل.
ويسمى الجزء المنتج من مصيدة البترول بنطاق العطاء Pay zone، ويختلف سمكه من مترين في بعض حقول ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية إلى مئات الأمتار في حقول بحر الشمال والشرق الأوسط. ومع ذلك ليس ضروريا أن تنتج كل كمية البترول في "نطاق العطاء الإجمالي"، ولذا نميز بينه وبين "العطاء الصافي" الذي يمثل السمك العمودي التراكمي للمكمن المنتج للبترول. وفي تطوير أي مكمن بترولي لا بد من تحديد نسبة المنتج الصافي إلى المنتج الإجمالي في الحقل. ويمكن إنتاج البترول من خط مستوى Spill Plane حتى قرب الهامة Crest وهي أعلى نقطة في المصيدة.
ومن الممكن أن تحتوي المصيدة على البترول أو الغاز أو كليهما، ويمثل سطح تماس البترول والماء Oil Water Contact-OWC أعمق مستوى لإنتاج البترول، بينما يعتبر سطح تماس الغاز والبترول Gas Oil Contact-GOC أدنى مستوى لإنتاج الغاز، ومن الضروري تحديد هذين السطحين بدقة قبل حساب احتياطي البترول والغاز الطبيعي في المكمن وتقدير معدل الإنتاج.
ومن أفضل وأحدث تصنيفات مصائد البترول ذات الجدوى الاقتصادية ما قدمه سيلي عام 1985 فإذا بدأنا بالمصائد التركيبية التي تنشأ بفعل تغييرات تكتونية أو بنائية Tectonic للصخور الرسوبية نجدها تشمل مصائد الطي المحدبة، ومصائد الصدوع. وتعد مصائد الطي المحدبة التضاعطية أكثر أنواع المصائد شيوعاً ، وتتكون بفعل تقاصر قشرة الأرض Crustal Shortening، ومن أمثلتها حقول البترول في جنوب غرب إيران، التي تشمل 16 حقلا عملاقا عند سفوح جبال زاجروس بالقرب من منطقة اندساس الصفيحة العربية تحت الصفيحة الإيرانية، وكذلك مصائد عديدة في الجانب الغربي من الخليج العربي، تتميز بأجناب ذات انحدار خفيف للطيات المحدبة العريضة، وتنتشر في حقول البترول شرقي الممكلة العربية السعودية، وأهمها حقول الغوار، أبقيق، السفانية، والخفجي. أما مصائد الطي المحدبة المحكمة فقد تكونت بفعل استجابة الطبقات الرسوبية لشد قشرة الأرض Crustal Tension ما أدي إلى تشكيل حوض رسوبي، به طيات محدبة فوق مرتفعات تكونت في العمق Deep Seated Horsts.
وتقوم الصدوع بدور مهم ومباشر في تكوين المصائد، عندما تؤدي إلى تغيير في ترتيب الطبقات، وتعترض طبقة غير مسامية وغير منفذة هجرة البترول "وتصطاده" ، كما قد يكون للصدع دور غير مباشر في اصطياد البترول، بأن يشترك في ذلك مع ظواهر تركيبية أخرى، مثل الطي أو تغيير النفاذية. وقد يكون سطح تماس الغاز والبترول متصلا في المصيدة المحدبة المتأثرة ببعض الصدوع، وعندئذ يكون عنصر الاصطياد الرئيسي هو الطي، أو غير متصل فيكون الصدع هو العامل الرئيسي في تكوين المصيدة، أو تكون الطية المحدبة قد تأثرت بالصدع فانفصل التجمع البترولي بها إلى أجزاء.
وتتكون مصائد الاختراق القبوي نتيجة تحرك كتل من الملح أو الطين إلى أعلى، ويندر وجود القباب الطينية، لكن القباب الملحية ظاهرة جيولوجية منتشرة، وهي تتكون نتيجة اختلاف كثافتي الملح والطبقة الرسوبية التي تعلوه، فالملح أقل كثافة، ومن ثم يندفع إلى أعلى، ويتسبب في "تقبب" الطبقات الرسوبية التي تعلوه، فإذا وجد بها البترول فإنه يتحرك نحو الجوانب الخارجية للطبقة الملحية، وينحصر بين الطبقات الرسوبية من جهة والقبة الملحية من جهة أخرى. ويؤدي النمو غير المنتظم للقباب الملحية إلى تكوين مصائد متعددة متتالية ومتنوعة كما في حقل الدمام. وأهم أسباب تكوين مصائد القباب الملحية هي اندفاع غازات مصاحبة لنشاط بركاني، ينتج عنها ترسيب الأملاح من المحاليل المائية، ثم اندفاع الكتل الملحية إلى أعلى، أو صعود المحاليل الملحية الحارة إلى أعلى من خلال ثغرات ضعيفة في الطبقات، ثم انخفاض درجات حرارتها تدريجيا مسببة ترسيب الملح، وتزايد كميته وحجمه تدريجيا، نتيجة استمرار عمليات التبريد والتبلرCrystallization ، ما يؤدي إلى اختراق القباب الملحية للطبقات الرسوبية التي تعلوها وتوغلها فيها.
والنوع الثالث من مصائد البترول هو الطبقية منها، التي تتكون نتيجة تغييرات جانبية من حيث السماحية والنفاذية في صخور المكمن أو عدم استمراريتها، وفي هذا النوع يكون تماس الصخور المختلفة حاداً أو تدريجيا ومتوافقا. ومن أهم المصائد الطبقية تلك التي يحاط فيها صخر المكمن المنفذ بآخر غير منفذ مثل الطفل الصفحي، وبذلك يكون التغير في النفاذية أساس تكوين المصيدة .
وتقسم المصائد الطبقية إلى مصائد غير مصاحبة لسطح عدم توافق، وأخرى مصاحبة لسطح عدم توافق، وهناك نوعان من المصائد البترولية غير المصاحبة لسطح عدم توافق، هما المصائد الترسيبية والمصائد البين تكوينية. والمصائد الترسيبية بدورها إما مصائد ترقيق Pinch-out، أو مصائد شعب مرجانية. فعندما يتضاءل سمك قطاع سميك من صخور ذات مسامية ونفاذية، ويدمج هذا القطاع في صخر طيني غير منفذ يتم اصطياد البترول في الجزء المسامي والمنفذ من القطاع. وفي مصائد الشعاب المرجانية تحاط أحجار الجير المرجانية ذات المسامية والنفاذية بصخور غير منفذة، ومن الشعاب المرجانية أنواع مستديرة، وأخرى مستطيلة يبلغ طولها مئات الأميال، وعرضها بضعة أميال مثل حقل كركوك بشمال العراق.
ومصائد القنوات Channels عبارة عن وسط بيئي لنقل الرمال على شكل قنوات طويلة ذات مسامية ونفاذية عالية، يتم اصطياد البترول والغاز فيها. أما مصائد الحواجزBarrier Bar Traps فهي كتل رملية أو من الزلط والحصى، وتظهر غالبا بشكل جزيرة على الشاطئ، ورمالها غالباً نظيفة وجيدة التصنيف Well-sorted. وهناك حواجز رملية مطوقة بطين صفحي بحري، أو طين صفحي من بحيرات شاطئية، تكون مصائد نفطية.
ومن العمليات البين تكوينية دور السوائل في إذابة صخور المكمن لتكسبها مسامية ثانوية، أو دور المحاليل الغنية بالمعادن في عملية السمنتة Cementation، التي تكاد تؤدي إلى تدمير مسامية الخزان البترولي. ويمكن أن تؤدي هذه العمليات إلى تكوين مصيدة بترولية إذا اعترض نطاق مسمنت طريق بترول أو غاز يتحرك إلى أعلى في طبقة منفذة. كذلك يمكن اصطياد البترول أو الغاز في نطاق معين بسبب نشوء مسامية ثانوية في حيز محلي في صخور مسمنتة، وقد تتسبب عملية "التدلمت" Dolomitization في تكوين مصائد نفطية بين تكوينية غير منتظمة؛ لأن الدولوميت يشغل حيزا فراغيا أقل من الحجم الأصلي الذي كان يشغله الحجر الجيري.
أما المصائد المصاحبة لسطح عدم توافق فتنشأ نتيجة عمليات تآكل Erosion تؤدي إلى تكوين سطح عدم توافق يفصل بين صخور منفذة وصخور غير منفذة، وعندئذ يتم تكوين مصيدة البترول في الصخور المنفذة أعلى سطح عدم التوافق أو أسفله.
والنوع الرابع هو مصائد البترول الهيدروديناميكية حيث تقوم قوة الماء بدور أساسي في منع البترول من التحرك في اتجاه أعلى الميل في الطبقة الرسوبية، إذ يعترض الماء المتحرك هيدروديناميكيا في اتجاه أسفل الميل السوائل البترولية الصاعدة إلى أعلى عندما تكون القوة الهيدروديناميكية للماء أكبر من القوة الناتجة من قابلية طفو قطرات البترول في الماء Buoyancy، وبذلك يمنع الماء تحرك البترول لأعلى، ما يمكِّن من اصطياده دون الحاجة إلى وجود حاجز غير منفذ .
والنوع الخامس هو مصائد البترول المركبة التي تتكون من عنصر طبقي نشأ عن وجود حافة فاصلة بين طبقات منفذة وأخرى غير منفذة، وعنصر تركيبي نتج عن حركات بنائية للقشرة الأرضية تسمى بالحركات التكتونية. ومن أمثلتها اصطياد البترول في مواجهة صدعFault ، وهو عنصر تركيبي، في طبقة رملية أحاطت حوافها طبقة غير منفذة تمثل عنصرا طبقيا، ومصيدة طبقية مصاحبة لسطح عدم توافق تم طيها لاحقا (الشكل الرقم 9). وتعطي المصائد المتعددة التي يواكب تكوينها نشوء القباب الملحية أمثلة لكل أنواع مصائد البترول من تركيبية أو طبقية أو مركبة.
ونشير أخيراً إلى تلك الأشكال الهندسية التي تمثل مصائد محتملة للغاز أو البترول ولكنها خاوية منهما، وأحيانا تعلوها أو تبطنها طبقات حاملة للمياه الجوفية خالية من آثار البترول. وقد يحدث ذلك نتيجة لاصطياد الرواسب البترولية قبل وصولها للمصائد الخاوية، أو لأنها لم تمر على تلك المصائد، أو لعدم توفر صخور مصدر مناسبة في أماكن وجود المصائد الخاوية.