التصنيفات
الصف الحادي عشر

باكثير للصف الحادي عشر

http://www.bakatheer.com/images/bakatheer.jpg
هو علي بن أحمد بن محمد باكثير الكندي، ولد في 15 من ذي الحجة سنة 1328هـ الموافق 21 من ديسمبر 1910م، في مدينة سوروبايا بأندنوسيا لأبوين عربيين من حضرموت. وحين بلغ العاشرة من عمره سافر به أبوه إلى حضرموت لينشأ هناك نشأة عربية إسلامية مع إخوته لأبيه فوصل مدينة سيئون بحضرموت في 15 من رجب سنة 1338هـ الموافق 5 أبريل 1920م. وهناك تلقى تعليمه في مدرسة النهضة العلمية ودرس علوم العربية والشريعة على يد شيوخ أجلاء منهم عمه الشاعر اللغوي النحوي القاضي محمد بن محمد باكثير . وظهرت مواهبه مبكراً فنظم الشعر وهو في التالثة عشرة من عمره، وتولى التدريس في مدرسة النهضة العلمية وتولى إدراتها وهو دون العشرين من عمره. تزوج باكثير مبكراً ولكنه فجع بوفاة زوجته وهي في غضارة الشباب ونضارة الصبا فغادر حضرموت حوالي عام 1931م وتوجه إلى عدن ومنها إلى الصومال والحبشة واستقر زمناً في الحجاز، وفي الحجاز نظم مطولته (نظام البردة) كما كتب أول عمل مسرحي شعري له وهو(همام أو في بلاد الأحقاف) وطبعهما في مصر أول قدومه إليها .
وصل باكثير إلى مصر سنة 1352هـ ، الموافق 1934م، والتحق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) حيث حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الأنجليزية عام 1939م، وقد ترجم عام 193 6م أثناء دراسته في الجامعة مسرحية(روميو وجولييت) لشكسبير بالشعر المرسل، وبعدها بعامين -أي عام 1938م – ألف مسرحيته (أخناتون ونفرتيتي) بالشعر الحر ليكون بذلك رائد هذا النوع من النظم في الأدب العربي. التحق باكثير بعد تخرجه في الجامعة بمعهد التربية للمعلمين وحصل منه على الدبلوم عام 1940م. كذلك سافر باكثير إلى فرنسا عام 1954م في بعثة دراسية حرة .
اشتغل باكثير بالتدريس خمسة عشر عاماً منها عشرة أعوام بالمنصورة ثم نقل إلى القاهرة. وفي سنة 1955م انتقل للعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصلحة الفنون وقت إنشائها، ثم انتقل إلى قسم الرقابة على المصنفات الفنية وظل يعمل في وزارة الثقافة حتى وفاته .
تزوج باكثير في مصر عام 1943م من سيدة مصرية لها ابنة من زوج سابق، وقد تربت الإبنة في كنف باكثير الذي لم يرزق بأطفال. وحصل باكثير على الجنسية المصرية بموجب مرسوم ملكي في 22/8/1951م .
حصل باكثير على منحة تفرغ لمدة عامين (1961-1963) حيث أنجز الملحمة الإسلامية الكبرى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في 19 جزءاً، وتعد ثاني أطول عمل مسرحي عالمياً، وكان باكثير أول أديب يمنح هذا التفرغ في مصر. كما حصل على منحة تفرغ أخرى أنجز خلالها ثلاثية مسرحية عن غزو نابليون لمصر (الدودة والثعبان – أحلام نابليون – مأساة زينب) طبعت الأولى في حياته والأخريين بعد وفاته .
كان باكثير يجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والملاوية بالإضافة إلى لغته الأم العربية .
تنوع أنتاج باكثير الأدبي بين الرواية والمسرحية الشعرية والنثرية، ومن أشهر أعماله الروائية (وا إسلاماه) و(الثائر الأحمر) ومن أشهر أعماله المسرحية (سر الحاكم بأمر الله) و(سر شهر زاد) التي ترجمت إلى الفرنسية و(مأساة أوديب) التي ترجمت إلى الإنجليزية . كما كتب باكثير العديد من المسرحيات السياسية والتاريخية ذات الفصل الواحد وكان ينشرها في الصحف والمجلات السائدة آنذاك، وقد أصدر منها في حياته ثلاث مجموعات وما زالت البقية لم تنشر في كتاب حتى الآن. أما شعره فلم ينشر باكثير أي ديوان في حياته وتوفي وشعره إما مخطوط وإما متناثر في الصحف والمجلات التي كان ينشره فيها. وقد أصدر الدكتور محمد أبوبكر حميد عام 1987 ديوان باكثير الأول (أزهار الربى في أشعار الصبا) ويحوي القصائد التي نظمها باكثير في حضرموت قبل رحيله عنها .
زار باكثير العديد من الدول مثل فرنسا وبريطانيا والإتحاد السوفيتي ورومانيا، بالإضافة إلى العديد من الدول العربية مثل سوريا ولبنان والكويت التي طبع فيها ملحمة عمر. كذلك زار تركيا حيث كان ينوي كتابة ملحمة مسرحية عن فتح القسطنطينية ولكن المنية عاجلته قبل أن يشرع في كتابتها . وفي المحرم من عام 1388هـ الموافق أبريل 1968م زار باكثير حضرموت قبل عام من وفاته .
توفي باكثير في مصر في غرة رمضان عام 1389هـ الموافق 10 نوفمبر 1969م، ودفن بمدافن الإمام الشافعي في مقبرة عائلة زوجته المصرية .
رحمه الله رحمة واسعة وأجزل له المثوبة على ما قدم.

ظلت حياة أديب العربية الكبير الأستاذ علي أحمد باكثير (1910 – 1969) مجهولة لم يُعرف عنها شيء إلا بعد وفاته . فقد عاش زاهدًا في الأضواء ، قليل الكلام عن نفسه ، تاركًا أعماله وحدها تتحدث عنه ولم يعرف عنه إلا أنه ولد في إندونيسيا لأبوين عربيين من حضرموت ثم غادرها سنة 1932م بعد فجيعته بوفاة زوجته الشابة التي ظل يبكيها طوال عمره حيث أقام عامًا في عدن وعامًا آخر في الحجاز ثم هاجر نهائيًا إلى مصر سنة 1934م ودرس بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة فؤاد الأول ، وتخرج منها سنة 1939م . ولمع نجمه في مصر في هذه الفترة ونسبت إليه ريادة الشعر الحر بعد ترجمته لمسرحية روميو وجولييت سنة 1936م ، ثم تصدرت أعماله المواسم المسرحية في مصر منذ منتصف الأربعينيات وأصبح علمًا من أعلام الأدب العربي المسرحي وظهر بعد رواية (واإسلاماه) و(والثائر الأحمر ) رائدًا للاتجاه الإسلامي في الرواية التاريخية العربية.
أما كيف جاء باكثير إلى مصر ، وكيف كانت ثقافته آنذاك ، وما نوع الدراسةالتي درسها في موطن مولده إندونيسيا وفي موطن آبائه حضرموت ، وكيف دخل الجامعة المصرية مباشرة ، وإلى قسم اللغة الإنجليزية ، وليس قسم اللغة العربية ؟ فهذه أسئلة لم نستطع الإجابة عنها إلا بعد الاطلاع على أوراقه الخاصة ورسائله ، وهو ما سنبدأ بالتأريخ له خدمة للدارسين والباحثين.

نسبه وأسرته
ينتسب علي أحمد باكثير إلى واحدة من أعرق الأسر في حضرموت وأكثرها إيغالاً في العروبة ، فأسرة باكثير ينتمي نسبها إلى كندة وهو "نسب تقف الفصاحة قديمًا وحديثًا عنده " على حد تعبير المحبي صاحب " خلاصة الأثر".
افتخر شاعرنا بنسب أسرته إلى كندة ، فكندة تُدعى "قريش العرب " وإلى كندة ينتسب " امرؤ القيس " أعظم شعراء الجاهلية ، وقاضي القضاة " ابن خلدون " عالم الاجتماع الشهير كندي حضرمي من الأسرة نفسها ، ونحن نجد في ديوان الصبا وهو باكورة شعره في حضرموت العديد من القصائد التي تشير إلى هذه الحقائق ، ففي قصيدة " لمنهاج امرىء القيس " يقول باكثير مفتخرًا :
ومن يكن من آل امرىء القيس فليكن …. له المجد من تيجان آبائه تاجا
ويقفه في المسعى لمجدٍ مؤثلٍ ….. وأكرم بمنهاج امرىء القيس منهاجا
سأسعى فإما أن أُوسد أو أُرى ….. سراجًا منيرًا في المكارم وهَّاجا

وقد قدمت هذه الأسرة العديد من العلماء والفقهاء والقضاة والشعراء عبر العصور تمتلىء بسيرهم كتب التاريخ والأدب الحضرمي.

المولد والنشأة
ولد علي أحمد باكثير في 15 من ذي الحجة 1328هـ الموافق 21 ديسمبر 1910م بإندونيسيا ، وتربى في كنف والديه وتعلم القرآن الكريم والعربية ، فقد كانت سورابايا مركزًا من أهم مراكز تجمع العرب الحضارم في الجزر الإندونيسية وكانت لهم فيها مدارسهم ومعاهدهم وصحفهم ومجلاتهم ، وكان من الممكن للفتى علي أحمد باكثير أن يتقن العربية ويتعلم علوم الدين هناك بيسر ولكن كان للحضارم هناك سنة طيبة اتبعها آباؤهم في مهاجرهم البعيدة في ارسال أولادهم إلى مواطنهم الأصلية لإتقان اللغة من منبعها وتعلم قراءة القرآن الكريم بلا لكنة أو عجمة من جهة ولكي يتربى الولد في وطنه على عاداته وتقاليده ويتدرب على الاعتماد على النفس بعيدًا عن والديه حتى يقوى عوده ويشتد ساعده من جهة أخرى.
هكذا اصطحب الشيخ أحمد بن محمد باكثير معه ولده عليا – الذي كان في سن التاسعة أو العاشرة – إلى حضرموت ، وكان وصوله إلى مدينة سيئون – مستقر أسرة آل باكثير وعاصمة الدولة الكثيرية الحضرمية – في 15 رجب 1338هـ ، وقد وصف هذه العودة أخوه الشيخ محمد بن محمد باكثير في مخطوطه " البنان المشير" الذي يذكر فيه أن أخاه الشيخ أحمد باكثير اصطحب معه أيضًا ولده عبدالقادر وحياه بقصيدة مطلعها :
أخي وأخو الندى وصلا البلادا ….. فيا بشراي قد نلت المرادا
ألا يا مرحبًا أهلاً وسهلاً ….. بمن بالجود قد بهر العبادا
بمن ضحكت به الأرجا سرورًا ….. بمن بملابس الإحسان سادا
إلى أن جاء ذكر الفتى (علي) فقال:
ورابعكم (عليٌ) فالمعالي ….. تساعد بالرضى لمن استزادا
أطال الله متعتكم بخير ….. كثير بالغين به المرادا

فجر النبوغ :
ولم يكن في حضرموت في ذلك الوقت أي نوع من المدارس النظامية ، وإنما كان التلاميذ يتلقون علم مبادىء القراءة والكتابة في الكتاتيب ثم يتلقون الدروس المتقدمة في اللغة والعلوم العربية والفقهية على أيدي مشايخ يلزمونهم حتى يتموا معهم قراءة مجموعة من كتب النحو والفقه وحفظ بعض المتون.
وقد كان من حظ الفتى علي أحمد باكثير أن افتتحت سنة 1339هـ، أول مدرسة في مدينة سيئون بجهود الأهالي وذلك بعد وصوله من سورا بايا بسنة واحدة ، وكان والده واحدًا من ثلاثة كانوا في مقدمة مؤسسي هذه المدرسة وأصحاب اليد الطولى في بنائها معنويًا وماديًا ، والاثنان الآخران هما سقاف بن محمد بن عبد الرحمن السقاف وأبو بكر بن طه بن عبد القادر السقاف ، وقد سميت هذه المدرسة باسم " مدرسة النهضة العلمية " . وقد انتظم باكثير في الدراسة بهذه المدرسة لمدة أربع سنوات وختم دراسته بها حوالي سنة 1342هـ وقد كان فيها من المتقدمين ، وقد شهد له من التقيت به في حضرموت من رفاق دراسة الصبا بالنبوغ ، فقد كان على قلة التزامه أكثرهم تفوقًا وفهمًا . وقد روى لي أخوه الأستاذ عمر – رحمه الله – أن عليًا كان إذا غاب مرة عن دروس العلوم المستعصية يسأل الزملاء عن موضوع الدرس فيطلع عليه في مظانه ثم يعود في اليوم التالي إلى المدرسة وقد نظم تلك المعاني شعراً فيُسهِّل على التلاميذ حفظه.
وفي وقت لاحق استقدمت أسرة آل الكاف الثرية في حضرموت أستاذًا مصريًا هو " محمد بن منصور وفا " لتدريس بعض العلوم ومنها علم المنطق ، فكان يلقي دروسه في الصيف في منطقة القرن إحدى ضواحي مدينة سيئون الخلوية ، فلم يكن باكثير ينتظم في حضورها وكان الأستاذ يأتي بأمثلة في علم المنطق لا يستطيع التلاميذ فهمها ، ناهيك عن حفظها ، فعلم باكثير بمضمونها من زملائه فنظمها شعرًا وأتى فيها بأمثلة جديدة مبتكرة اعترف المدرس بأنها لم تخطر له ببال ، وما يؤكد صحة هذه القصة أننا وجدنا بين أوراقه في مصر رسالة من هذا المدرس بتاريخ 14 صفر 1347هـ ، يحييه فيها ويبدي إعجابه بنبوغه ويقول له " .. وإني لأشم من عرف كتابك عبير الفضل وطيب العبقرية وسمات الأريحية " ثم يذكر له أنه يسعد بنظمه تلك الدروس التي لم يحضرها ، واعتبر إتقان النظم في هذا الفن " شاهدًا بأن الناظم قد ملك زمام الفن يتصرف فيه كيف يشاء " . ويبدو أن هذه الرسالة كانت موضع اعتزاز كبير لدى باكثير فقد حملها معه من حضرموت وعبر بها عدن والحجاز إلى مصر ، ولا عجب في ذلك فقد كانت من أولى شهادات التقدير التي حصل عليها في باكر حياته.
ويعطينا عمه العلامة الشيخ محمد بن محمد باكثير في كتابه المخطوط " البنان المشير في فضلاء آل باكثير " فكرة أوضح عن دراسة أديبنا في هذه المرحلة الباكرة فيقول معددًا أولاد أخيه " الولد الثالث علي بن أحمد نبيل نبيه ذو فهم جيد بارع ، خرج به أبوه من جاوة وهو دون البلوغ ، قرأ القرآن وحفظ منه ما شاء الله وصار من أهل القسم الأعلى من المدرسة المسماة " النهضة العلمية " وترقى فيها وعُدَّ نبيهًا وحفظ المتون مثل الألفية والزبد والجوهرة وغيرها من متون التجويد ، كما حفظ اللامية لابن مالك وقرأ في شرحها على عمه جميع هذه الكتب وحضر الدروس وهرع إلى القاموس وحفظ من اللغة كثيرًا ومن الأشعار أكثر وقال الشعر وخطب الخطب ….".

مصادر ثقافته
أما تفاصيل مصادر ثقافته وتعليمه في حضرموت فيحدثنا عنها ابن عمه ورفيق صباه الشيخ عمر بن محمد باكثير وقد سجل معظمها في مذكرات لا تزال مخطوطة في حضرموت روى فيها قصة تتلمذهما على والده الشيخ العلامة محمد بن محمد باكثير وعدَّد أسماء بعض الكتب التي درساها معًا وسجل بعض الاشكالات النحوية والفقهية التي تعرضا لها . ولعل نظرة إلى عناوينها تدلنا على نوع الدراسة التي درسها على يد عمه بعد تخرجه من مدرسة النهضة وإلى عمق هذه الدراسات التي اتصلت بأمهات الكتب في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه واللغة والأدب.
فقد درس في فقه المذهب الشافعي – وهو مذهب أهل حضرموت – كتب : " منهاج الطالبين " للإمام النووي وشروحه " و" نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " لمحمد بن أحمد بن حمزة الرملي ( ت 1004هـ) ، و" مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" لمحمد الشربيني الخطيب من علماء القرن العاشر الهجري ، و" تحفة الخطيب على شرح الخطيب " للبجيري ( ت 1221هـ) ، و" الوجيز من الفقه " لأبي حامد الغزالي و" شرح الزُّبد " من الفقه الشافعي و"أسنى المطالب شرح روض الطالب " لأبي يحيى زكريا بن محمد زكريا ( ت 926هـ).
أما في النحو واللغة فقد درس جملة كتب أهمها : " شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك " للقاضي بهاء الدين عبد الله بن عقيل من علماء القرن الثامن الهجري و "ملحة الإعراب " وشرحها لأبي محمد القاسم الحريري ( ت 516هـ) و" قطر الندى " وشرحه و"شذور الذهب " وشرحه و " مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" وهي جميعًا لابن هشام الأنصاري ( ت 761هـ) كما درس أيضًا " شرح ابن عقيل " لحاشية للشيخ محمد الخضري ( ت 1288هـ).
وقد حفظ من المتون والأراجيز الشعرية " خلاصة الألفية في النحو " و" لامية الأفعال في النحو " لمحمد بن عبد الله بن مالك المتوفى في 672هـ. وحفظ " جوهرة التوحيد " لبرهان الدين إبراهيم اللقاني المتوفى في 1041هـ . و" الزُّبد أرجوزة في الفقه الشافعي لأحمد بن حسين بن رسلان المتوفى في 844هـ.
كما قرأ كتبًا في الأدب واللغة والعلوم المختلفة مثل كتاب " الكشكول " لبهاء الدين محمد بن حسن الحارثي العاملي المتوفى سنة 1031هـ ، و"كتاب و" فيات الأعيان لشمس الدين محمد بن أحمد الشهير بابن خلَّكان المتوفى في 681هـ ، و" أمالي المرتضى " لأبي القاسم علي بن الحسين المتوفى في 426هـ.
و" الكامل" في اللغة والأدب لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد المتوفى في 285هـ ، إلى جانب الدراسة الدائبة لكتابي " نيل الأوطار " لمحمد بن علي الشوكاني المتوفى في 1250هـ ، و " سبل السلام" للصنعاني وشرح " بلوغ المرام من أحاديث الأحكام " لابن حجر العسقلاني.
وكان لا بد أن نورد أسماء هذه الكتب جميعًا ما دمنا قد عرفنا أنه قد درسها لأسباب أهمها أن هذه الكتب تعد من أمهات المؤلفات في علومها وفنونها لا يدرسها اليوم إلا أهل الاختصاص ، فكون أديبنا يدرسها في تلك السن الباكرة وهو دون العشرين فهذا دلالة على مرحلة الوعي التي وصل إليها في تلك السن بعلوم الحديث الشريف والقرآن والفقه واللغة والأدب ، كما تدل أيضًا على مدى الجد في التحصيل الذي حمل أبناء ذلك الجيل أنفسهم عليه في عصر لم تكن فيه بحضرموت المدارس النظامية والمناهج الدراسية . وقد كان لهذه القراءات في حضرموت أكبر الأثر على وضع الأسس التي قامت عليها خريطة عقلية باكثير التي نمت وتطورت بعد ذلك في مصر.
وقد ذكر باكثير في آخر حديث له مع وسائل الإعلام أجراه معه الأستاذ فاروق شوشة في تليفزيون الكويت ، إبريل 1969م ، أنه وصل إلى مصر وقد استكمل ثقافته العربية الإسلامية من أمهات كتبها ولذلك فهو لم يشعر بأن دراسته بقسم اللغة العربية بالجامعة ستقدم له جديدًا فاتجه إلى قسم اللغة الإنجليزية.

عبقرية الصبا
وكان باكثير محقًا في ذلك ، فمن واقع اطلاعنا على ما أخذ نفسه به من الدراسة والتحصيل الذاتي في حضرموت نجده قد تجاوز بكثير ما يدرسه الطالب في المرحلة الجامعية بقسم اللغة العربية.
ويحدثنا الشيخ عمر محمد باكثير في مذكراته المخطوطة عن ذكريات تعلمهما في مجالس والده ، ويسجل لنا بعض المواقف الطريفة ذات الدلالة على ما كان يجري من مطارحات شعرية مرتجلة ومناقشات علمية في مسائل لغوية وفقهية كان علي أحمد باكثير متميزًا فيها . ولقد كان عمه العلامة الذي كان ضريرًا يعتمد عليه في كثير من القراءات ويختبر فهمه واستيعابه للمسائل المستعصية الفهم على بقية تلامذته .
ويدلل على سرعة بديهة علي أحمد باكثير فيروي لنا القصة التالية فيقول : كنا نقرأ من " الكشكول " للعاملي وبالصدفة جاء بقصة لا تليق به أن يذكرها فقال الوالد:
وإنما الكشكول للعاملي ….. كم فيه من غثٍ وكم من ثمين
فالتقط الطيب منه وخلّ ….. كل ما يقلى به أو يشين
فأجابه الأخ علي مرتجلاً بقوله :
إنما الكشكول سفر ….. فيه ما تهوى وتقلى
فهو أحيانًا كخمرٍ ….. وهو أحيانًا كخلٍ
ثم يروي هذه الحادثة التي تدلل على صورة من صور التعليم والتربية التي كان يتلقاها باكثير في صباه التي تؤكد فيه النبوغ المبكر والموهبة الشعرية الأصيلة ، فقد طلب عمه منه ذات يوم أن يُصدر ويعجز هذين البيتين :
لا تعجزي يا نفس عن طلب العلا ….. إن المعالي لا تنال لعاجز
ولتبرزي للناس همة ماجد ….. كالشافعي والرافعي والبارزي
فأجابه باكثير في الحال :
لا تعجزي يا نفس عن طلب العلا ….. كيما تفوزي بالعلا كالفايز
ودعي الونى والاتكال كعاجز ….. إن المعالي لا تُنال لعاجز
ولتبرزي للناس همة ماجد ….. كي تنطلي منهم بعزم بارز
وتربعي دست المعارف والعلا ….. كالشافعي والرافعي والبارزي

بين التلميذ وأستاذه
وقد يمازحه عمه وأستاذه بالشعر ليذكي سرعة بديهته فيقول له حين يتوقف عن القراءة ذات مرة:
لأي شيء يا عليُّ ….. قطعت ما تقري عَلَيَ
لقصر باعي عنك أو ….. قطعته لغير شي
يا ابن أخي خذ ما معي ….. مغتنمًا ما دمت حي
فيجيبه باكثير ارتجالاً بقوله :
لغير شيء غير ….. أني أشتكي من قدمي
ويروي عمر بن محمد باكثير هذه الحادثة الطريفة التي وقعت أمامه عندما كانوا يجلسون للدرس في حضرة والده وابن عمه علي أحمد باكثير فيقول : وذات مرة ونحن نقرأ عليه في الزاوية في درسه ، وكنا نتحدث ، وكان من الأمر أن تكلم أخي عبد الله ، ولم يعلم الوالد أنه يجلس معنا – لأنه كان أعمى – فعندما عرف خاطبه بقوله :
علامتك التراود
فأكمل الأخ علي باكثير :
وهذا منك معتاد
فأردفت بقولي :
كان الشيخ يصطاد
أما ما حدث في مناقشتهما حول إشكالات نحوية وأدبية ونقدية فيذكر أنهما عندما كانا يقرآن بائية المتنبي التي مطلعها :
بأبي الشموس الطالعات غواربا ….. اللابسات من الحرير جلاببا
استوقفهما البيت الذي يقول:
حاولن تفديتي وخفن مراقبا ….. فوضعن أيديهن فوق ترائبا
واستشكلنا قوله فوق ترائبا من جهة النحو كيف نصب ترائبا ، وهو مضاف إلى فوق الظرفية فبقينا على ذلك حتى فتشنا في الشرح فلم يفدنا بشيء ولم يزل الإشكال حتى سألنا الوالد رحمه الله فقال ممنوع من الصرف لأنه صيغة مفاعل مثل مساجد فذهب ذلك الإشكال.
ومرة أخرى استشكلنا قول المتنبي:
وللسر مني موضع لا يناله ….. نديم ولا يفضى إليه شراب
هل معناه لا يصل السر إلى محل الشراب أو معناه أن المتنبي إذا استودع سرًا لا يفشيه حتى مع شربه الخمر حيث الخمر إذا شربت يذهب معها الحس ويفشو السر من ذلك.
وقد فشي هذا الاختلاف في الأوساط الأدبية في حضرموت واختلف الأدباء في هذا المعنى ، حتى سار الاختلاف إلى أدباء مدينة تريم واختلفوا أيضًا ، ووقعت بينهم اختلافات كثيرة في الأدب فما حفظت منها إلا ما ذكرنا.
وفي خلال العامين اللذين أمضاهما باكثير متفرغًا للدراسة على يد عمه وهي الفترة من (1342هـ – 1344هـ) ، استكمل ثقافته في الأدب العربي القديم فيحدثنا رفيق صباه وابن عمه الشيخ عمر ، أنهما قرآ كتبًا كثيرة مثل أمالي المرتضى وأدب الكاتب والكامل للمبرد والعقد الفريد والأغاني واستوعبا تقريبًا ديوان الشعر العربي القديم كله واغرما بالمتنبي والبحتري وأبي تمام ويقول : " وكدنا نحفظ ديوان المتنبي كله وهو شيخنا في الأدب".
وبمجرد فراغه من الدراسة على عمه العلامة الشيخ محمد بن محمد باكثير عُيِّن أديبنا وهو في تلك السن الباكرة سنة 1344هـ ، مديرًا لمدرسة النهضة العلمية بسيئون.
ومن هناك ندخل مرحلة جديدة من حياته وهي العمل بما تعلمه من مبادىء وأفكار والجهر بدعوته لإصلاح المجتمع من خلال التربية والتعليم.

شعره في حضرموت
كان طبيعيًا أن تتفجر ينابيع الشعر في نفس الفتى علي أحمد باكثير في سن الثالثة عشرة من عمره ، فقد كان الشعر في أسرته ميراثًا ، وكانت البيئة العربية الخالصة في حضرموت لم تعرف – في ذلك الوقت – من فنون الأدب غير الشعر ، يبدع فيه الأدباء خير ما تجود به قرائحهم ويصوِّرون فيه قضاياهم وقضايا مجتمعهم ومن خلاله يألمون ويأملون ويرسمون أحلامهم.
ولقد كان حظ شعر باكثير في هذه الفترة الباكرة من حياته منقسمًا بين الحب والموت وبين الألم والأمل ، وكان خير مرآة نرى فيها هموم نفسه وعصره وفكره.
وقد عثرت بين أوراقه في القاهرة على مجموعة من قصائده المبكرة لم تكن ضمن النسخة المخطوطة من ديوانه الذي تركه في حضرموت المسمى " أزهار الربى من شعر الصبا " الذي أصدرناه سنة 1987م.
وأقدم قصائده على الإطلاق مرثيته في زوجة أبيه التي يقول في التقديم لها " وهذه القصيدة التي رثي بها زوجة أبيه الصالحة خديجة بنت عمر بن محمد مهدمي رحمها الله قالها الناظم وهو في الثالثة عشرة من سنه ، وكان حقها أن تثبت في أول الديوان ولكنها فقدت منذ أعوام ولم توجد إلا الآن" ومطلعها :
أما الدنيا تصير إلى الفناء ….. فما هذا الضجيج مع البكاء
أما هذي الجبال الشم يومًا ….. تصير إذا أتى مثل الهباء
إذا جاء الحمام فلا فرار ….. لديك وليس يجدي من دُعاء
ثم يمضي في هذا التأمل إلى وصف أخلاقها الحميدة وعطفها وأمومتها ، فقد كانت له عوضًا عن أمه التي تركها في سورابايا :
وكانت عندنا أمًا رؤوفًا ….. جزاها ربها خير الجزاء
فلسنا نحن بعد فقدك في سرور ….. وليس العيش بعدك في هناء
وعيني لم تزل تجري بدمع ….. وبعد الدمع تجري بالدماء
وحزني بعد بُعدك في ازدياد ….. ودمعي بعد موتك في نماء
وقد صدق ، فقد زادت دموعه وتكاثرت عليه الهموم منذ ذلك السن ، وكانت الدموع في حياته أكثر من الابتسامات.
وربما كانت الظروف التي بدأت تحيط به قد صهرت معدنه منذ الصغر ، فالمرء لا يكاد يصدق أن صبيًا في سن الثالثة عشرة يقف أمام الموت هذه الوقفة الفلسفية المتأملة ، ويشخص كل ما حوله حزينًا دامعًا في الوقت الذي يتجه فيه أقرانه نحو اللعب والعب من كأس الحياة على النحو الذي تمليه أحلام مرحلة الصبا.
ويبدو أن تجارب الموت الباكرة في أسرته قد صقلت معدنه وأعانته على الاستفادة من مخزون تراث الشعر العربي الذي اطلع عليه.
فنجد قريحته الشعرية تستجيب أكثر ما تستجيب لشعر الرثاء ونجد أن نفسه الشعري يطول في هذا الضرب من الشعر دون تكلف فتواتيه المعاني وتتهيأ له الصور ويستحضر ثقافته الشعرية في سهولة ويسر . ولا عجب في هذا ، فقد رزأه الموت في والده وهو في سن السادسة عشرة سنة 1343هـ ، ثم في أخيه الأكبر عبد القادر سنة 1345هـ ، ثم بعده بسنوات قليلة يلحقه أخوه محمد سنة 1349هـ.
فمرثيته في والده مطولة تبلغ سبعة وسبعين بيتًا تنهمر الدموع من كل كلمة فيها ويتفجر الحزن من كل بيت من أبياتها ومطلعها :
عبثًا تحاول أن تكف الأدمعا ….. وأبوك أمسى راحلاً مستودعا
كيف السلو وما مررت بموضع ….. إلا وساد الحزن ذاك الموضعا ؟
كيف السلو وما مررت بمعدمٍ ….. إلا وأجهش بالبكاء مرجّعا؟
ثم يضعنا أمام هذه الأبيات الحكيمة ذات الفلسفة الحزينة لشاعر لم تصل سنه إلى نضج الشباب :
والعيش أضيق ضيق لكن إذا ….. ما حلت الآمال فيه توسعا
ولقد سئمت العيش في الدنيا ….. وما جاوزت بعد ثلاث عشر وأربعا
علمًا بأن سرورها لا ينتهي ….. إلا إلى حزن يهز الأضلعا
ثم يغضب على الزمان ويشكوه فيقول في رثائه لشقيقه الأكبر عبد القادر:
زمان السوء هلا نمت عني ….. قليلاً ما مرادك باهتضامي؟
أبن لي ما مرادك من دموعي ….. لعلك شئت تكثير الغمام!
أترميني بسهم بعد سهم؟ ….. لقد ذاب الفؤاد من السهام
أخذت أبي فكان الصبر درعي ….. وهذا اليوم تفقدني همامي
ثم يقول وقد هدّه الإعياء والحزن في انكسار:
أخي رحماك ! لا تبعد فمن لي ….. سواك إذا الزمان حنى عظامي!
وبموت شقيقه الثاني محمد لانجده يعاتب القدر وإنما يستسلم لحكمة الله سبحانه وتعالى ويتأمل آية الموت بعقل مجرب لا بعاطفة جازع فيقول في آخر القصيدة:
فاذهب كما ذهب الربيع تفوح في ….. أنقاضه عباقة أعرافه
فقد استرحت من الحياة وبؤسها ….. وأمنت مما تتقي وتخافه
ولقيت ربًا لا يُضام نزيله ….. والله أكرم أن يُهان ضيافه
والمهم أن باكثير يتألق أكثر ما يتألق في نظم مقطوعات الحزن ، والدارس لقصائد الرثاء في محصوله الشعري في حضرموت يجد أن شاعرنا لا يكتفي بالندب والبكاء ومدح الفقيد فقط بل يجعل من هذه المناسبة مدخلاً للحض على النهوض والعمل وشحذ الهمم وإيقاظ النفوس النائمة وشكوى حال الوطن وبلاد الإسلام كلها على نحو ما نجد في رثائه للسيد محمد بن عقيل بن يحيى أحد العلماء الحضارم سنة 1351هـ:
فإذا قدمت على الرسول ….. قل السلام على أبينا
واشرح له حال الحضارم ….. بعد حال المسلمينا
قل يا أبانا إننا ….. صرنا نخاف المشركينا
إن الشجاعة قد خبت ….. نيرانها في المسلمينا
صاروا أيادي بعدكم ….. جبناء حمقى جاهلينا
وقد ظلت قصيدة الرثاء في شعر باكثير تؤدي رسالة متميزة طوال حياته ولا تقف عند ذرف الدموع فحسب وبالمثل نجده في اجتماعيات ديوان حضرموت الذي يمتلىء بقصائد التهنئة بالوصول من المهجر والزواج وغيرهما من المناسبات التي يمتلىء بها مجتمع مثل المجتمع الحضرمي يعيش أكثر أهله خارج أوطانهم . ثم توزع موضوعات شعره في تلك المرحلة بين الأدب والوصف والإخوانيات والنسيب.
والحقيقة أن شعر باكثير في حضرموت خير معين لمن أراد أن يدرس تكوينه الثقافي الأول ويتعرف على قراءاته الموغلة في التراث وأعماق التاريخ.
فالقصائد تزخر بذكر عشرات الأعلام والمؤلفات والحوادث التاريخية والسير الأدبية والشواهد.
ولم يكن الشاعر في هذا يستعرض ثقافته أو يقحمها على شعره بل كانت تفرض نفسها عليه في الأماكن المناسبة.
فقد كان يترك نفسه على سجيتها فما أن ينطلق في نظم الشعر حتى تنهال عليه المعاني والشواهد مما استوعبته ذاكرته من دواوين وكتب الأقدمين فيدعو بعضها بعضًا . وكان هذا " التداعي " ، إلى جانب حضور "ثقافته التراثية " ، السبب الأساسي في طول قصائده الباكرة.
ومن هنا نجد أن معظم قصائد هذه المرحلة تستعيد موروث القصيدة العربية القديمة وأساليبها في التعبير عن قضايا معاصرة مثل حسن الاقتباس والتضمين والتمسك بالمقدمة واستدعاء الصور والتشبيهات.
لكن هذا كله كان دلالة نبوغ واضح لأنك تجده يتفق في كل ذلك مع طبعه ، وقد وجد في ثقافته الشعرية معينًا لا ينضب يسعفه بالصور والأخيلة فتتدفق سهلة دون تكلف.
وكان مثله في هذا كالذي يغترف من بئر الأقدمين ليجدد بها مياه المحدثين!
لكن هذا لا يعني أن "باكثير" في حضرموت قد انغلق على دائرة التراث العربي القديم وموروثاته وانقطع عن الاتصال الحي بالأدب الحديث.
فقد كان هناك اتصال بالحياة الأدبية في مصر والشام والعراق من خلال ما صدر فيها من مجلات وصحف وكتب كانت تصل إلى حضرموت بشكل منتظم ، وكانت هناك أشواق للانفتاح على ما في تلك البلاد من حركة وتجديد وفكر بالرغم من انقطاع الحياة الأدبية في حضرموت على الشعر وحده الذي كان الفن الأول والفن الوحيد في عصر باكثير على الأقل ، فلا عجب إذن أن يصل صدى كبار الشعراء العرب المحدثين المسيطر على الأسماع هناك ، ولهذا كان وجود شوقي وحافظ أكثر من وجود العقاد وطه حسين مثلاً.
ولقد فضّل باكثير شعر " حافظ " على شعر "شوقي" في تلك الفترة حتى أننا لنجده عندما يصله ديوان حافظ من مصر يقيم وليمة كبيرة بهذه المناسبة يدعو إليها أصدقاءه الأدباء والشعراء وينظم قصيدة مطلعها :
أهلاً بديوان حافظيا ….. ليتني لك حافظ
ديوان شاعر مصر ….. أبلغ منشٍ ولافـظ
حوى قصائد شعر ….. عيونهن يواقــظ
وإن كان بعد ذلك عاد وقدّم شوقيًا على حافظ كما ذكر في إحدى مقابلاته الصحفية ، ومع ذلك فهو لم يسر على سنة الحياة الأدبية في زمنه فيقصر اهتمامه على الشعراء فقط ، بل نجده يقرأ لأساتذة النثر الفني في ذلك الوقت فيعجب بمصطفى لطفي المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي ، فنجده يكتب قصيدتين في المنفلوطي ؛ الأولى في اثني عشر بيتًا على ظهر كتاب النظرات عند وصوله وهي من أوائل نظمه ، يقول فيها :
لله در المنفلوطي الذي ….. نفح الورى بكتابه النظرات
سفر جليل مستطاب جيد ….. قد جاء لطفي فيه بالآيات
والثانية على ظهر صورة للمنفلوطي يتمنى فيها أن يراه في عشرين بيتًا.
كما أعجب بفكر العقاد وقدمه على طه حسين.
ولم يكتفِ باكثير بما يرد إلى حضرموت من كتب ومجلات قليلة ، فما كان ذلك يشبع نهمه ، فقد أقام لنفسه جسوره الخاصة فراسل كبريات الصحف والمجلات التي كانت تصله بالبريد أو مع المسافرين من الأصدقاء.
واتصل بقادة الفكر والأدب في مصر والعالم الإسلامي ، فقد وجدنا في ملفاته الخاصة رسائل إليه وهو في حضرموت من أمير البيان شكيب أرسلان من جنيف يشكره فيها على اهتمامه ومتابعته لما يكتب ويعده بأن يرسل إليه بعض كتبه ، مؤرخة في 1/6/1351هـ ، ورسائل أخرى من السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة " المنار " والسيد محب الدين الخطيب صاحب مجلة " الفتح " ومطبعتها السلفية ، وكانت " المنار " و"الفتح" تمثلان الصوت الإسلامي المتميز في ذلك الوقت ، كما هو معروف ، ومنبري الفكر الرئيسين في مصر والعالم العربي وقد وجدت في مكتبته في حضرموت الكثير من أعداد هاتين المجلتين . وقد كان أثر هاتين المجلتين وراء إصدار باكثير مجلة ثقافية أدبية إسلامية في سيئون بحضرموت باسم " التهذيب " صدر العدد الأول منها في شعبان 1349هـ والعدد الأخير منها في جمادى الأولى 1350هـ وهذا يعني أنها لم تستمر أكثر من عام واحد.
وقد كان لاتصال باكثير بأعلام الأدب وقادة الفكر والثقافة الإسلامية أثر كبير على حياته ونتاجه في حضرموت.
وهكذا وصل باكثير من خلال اتصاله برائدي المدرسة السلفية الحديثة رشيد رضا ومحب الدين الخطيب إلى استيعاب فكر جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده وتأثره بدعوتهما إلى الجامعة الإسلامية وإلى انفتاح المسلمين على روح العصر ونبذ الخرافات والأوهام وما علق بالدين من غبار الدراويش والعودة الحقيقية إلى جوهر الإسلام كما قدرته السنة النبوية الشريفة وأفعال الصحابة الأكرمين – رضوان الله عليهم – التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالعض عليها بالنواجذ واعتبار أن ما أُدخل على الدين مما ليس منه بدعة مردودة.

نقلاً عن مجلة " الأدب الإسلامي " – العدد 29 – المجلد الثامن – 1443هـ/2001م.

أستــــغفر الله العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.