الــفــهــرس ؛
المقدمة (1)
العفة لغةً و اصطلاحاً (2)
أنواع العفة (3)
شروط العفة (4)
تمام العفة (5)
فوائد العفة (6)
المثل التطبيقي من حياة النبي (7)
في العفة
من الآثار و أقوال العلماء و المفسرين (8)
الواردة في العفة
المقدمة ؛
بسم الله الرحمن و به نستعين و الصلاة السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد نبي الهدى , المصطفى الأمين و على آله و صحبه أجمعين و بعد يسعدني أن اكتب في هذا الموضوع و الذي يتناول كثيراً من قضايا الحياة الهامة و الذي يتحدث عن الـعـفـة .
يأتي هذا الموضوع ضمن دروس سلفت لفضلاء من أهل العلم والمشايخ ، كان أكثرها يدور حول موضوع المرأة من الأسرة وبناء المجتمع الإسلامي في ظل هذه التغيرات العظيمة في المجتمعات المعاصرة وفي ظل الهجمة الشرسة على نظم الإسلام وتشريعاته وفي ظل الإنحرافات السلوكية الأخلاقية التي غزت بلاد الإسلام والمسلمين عبر الفضاء من خلال القنوات الإعلامية وعبر المخالطة من خلال السفر والإختلاط ونحو ذلك الى أسباب أخرى كثيرة.
وموضوع يتعلق بأساس مهم وركيزة عظمى من ركائز حفظ المجتمع المسلم ؛ لأن أمر العفة كما سيأتي عظيم وحتى ننتفع بالوقت ونحاول أن نلم بأطراف هذا الموضوع الذي يتشعّب في الحقيقة إلى موضوعات كثيرة جدير بكل منها أن يفرد بحديث مستقل .
أولاً ؛ العفة لغةً و اصطلاحاً . .
العفة لغةً :
يقال : عف عن الحرام يعف عفا و عفة و عفافاً و عفافةً , أي كف , و قال الراغب : أصل العفةالاقتصار على تناول الشيء الثقليل الجاري مجرى العفافة ( أي البقية من الشيء ) أو مجرى العفعف و هو ثمر الأراك , و الاستعفاف طلب العفة
و قال ابن المنظور : العفة : الكف عما لا يحل و يجمل , و العفة أيضاً : النزاهة .
و يقال : عف و عفافة عن المحارم و الأطماع الدنية , يعف عفةً و عفا ً و عفافة و عفافاً فهو عفبفٌ , و تعفف اي تكلف العفة . و العفاف أيضاً : هو الكف عن الحرام و السؤال من الناس . و الاستعفاف : طلب العفاف , و هذا معنى قول الله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً) (النور/33) أي ليضبط نفسه بمثل الصوم فإنه و جاء , و كذلك في الحديث : (ومن يستعفف يعفه الله )). و الاستعفاف أيضاً : الصبر و النزاهة عن الشيء و منه الحديث : ((اللهم إني أسألك العفاف و الغنى ))
و يقال : رجل عف و عفيف و الأنثى بالهاء و جمع العفيف : أعفةٌ و أعفاء , و قبل : العفيفة من النساء الخيرة . و قبل هي عفة الفرج , و نسوةٌ عفائف , و رجلُ عفيفٌ أيضاً معناه عفُ عن المسألة و الحرص , و قيل في وصف قوم : أعفةٌ الفقر . أي إنهم إذا افتقروا لم يفشوا المسالة القبيحة .
العفة اصطلاحاً :
قال الراغب : العفة حصول حالةٍ للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة , و المتعفف هو المتعاطي بذلك بضربً من الممارسة و القهر .
و قال أيضاً : العفة هي ضبط النفس عن الملاذ الحيوانية , هي حالة متوسطة من إفراط هو الشؤه و تفريط و هو جمود الشهوة .
و قال الجاحظ : هي ضبط النفس عن الشهوات و قصرها على الاكتفاء بما يقيم أود الجسد و يحفظ صحته فقط , و اجتناب السرف في جميع الملذات و قصد الاعتدال , و أن يكون ما يقتصر عليه من الشهوات على الوجه المستحب المتفق على ارتضائه و في اوقات الحاجة التي لا غنى عنها , و على القدر الذي لا يحتاج إلى أكثر منه , ولا يحرس النفس و القوة اقل منه و هذه الحال هي غاية العفة .
قال الجرجاني ــ رحمه الله ــ: العفة : هي هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط هذه القوة و الخمود الذي هو تفريطه. فالعفيف من يباشر الأمور على وفق الشرع و المروؤة .
ثانياً ؛ أنواع العفة . .
قال الماوردي ــ رحمه الله ــ: العفة و النزاهة و الصيانة من شروط المروءة , و العفة نوعان : احدهما العفة عن المحارم , و الثاني العفة عن المآثم , فأما العفة عن المحارم , فنوعان احدهما ضبط الفرج عن الحرام , و الثاني كف اللسان عن الأعراض , فأما ضبط ضبط الفرج عن الحرام فلأن عدمه مع وعيد الشرع و زاجر العقل معرةٌ فاضحة, و هتكة واضحة . و أما كف اللسان عن الاعراض ؛ فلأن عدمه ملاذ السفهاء و انتقام أهل الغوغاء , و هو مستهل الكف , و إذا لم يقهر نفسه عنه برادع كاف , و زاجر صاد , تلبط بمعارة و و نخبط بمضاره , و أما العفة عن المآثم فنوعان أيضاً : أحدهما : الكف عن المجاهرة بالظلم , و الثاني : زجر النفس عن الإسرار بخيانة . فأما المجاهرة بالظلم فعتو مهلك و طغيان متلف , و يؤول إن استمر إلى غتنة تحيط في الغالب بصاحبها فلا تنكشف إلا و هو مصروع . و أما الاستسرار بالخيانة فضعةٌ لأنه بذل الخيانة مهين , و لقلةِ الثقة به مستكين , و قد قيل : من يخن يهن . هذا ولا يجعل ما يتظاهر به من الامانة زوراً , ولا ما بيديه من العفة غروراً , فينتهك الزور و ينكشف الغرور , فيكون مع هتكة للتدليس أقبح , و لمعرة الرياء أفضح .
قال ابن الجوزي ــرحمه الله ــ: الكمال عزيز و الكامل قليل الوجود , و أول اسباب الكمال تناسب أعضاء البدن و حسن صورة الباطن , فصورة البدن تسمى خلقاً , و صورة الباطن تسمى خلقاً , و دليل كمال صورة البدن حسن السمت و استعمال الادب , و دليل كمال صورة الباطن حسن الطبائع و الاخلاق .
فالطبائع : العفة , و النزاهة , و الأنفة من الجهل , و مباعدة الشره .
و الأخلاق : الكرم و الإيثار و ستر العيوب و ابتداء المعروف , و الحلم عن الجاهل .
فمن رزق هذه الأشياء رقته إلى الكمال , و ظهر عنه أشرف الخلال , و إن نقصـت خلةٌ أوجبت النقص .
ثالثاً ؛ شروط العفة و تمام العفة . .
شروط العفة :
و أعلم أنه لا يكون المتعفف عفيفاً غلا بشرائط :
و هي أن لا يكون تعففه عن الشيء انتظاراً لأكثر منه أو لأنه لا يوافقه , او لجمود شهوته , او لاستشعار خوف من عاقبته , أو لأنه ممنوع من تناوله , أو لأنه غير عارف به لقصوره فإن ذلك كله ليس بعفةٍ بل هـو إما اصطياد , أو تطبب او مرض او خرم أو عجز أو جهل , و ترك ضبط النفس عن الشهوة أذم من تركها عن الغضب .
فالشهوة مغتالة مخادعة , و الغضب مغالب و المتحيز عن قتال المخادع أردأ حالاً من المتحيز عن قتال المغالب . و لهذا قيل عبد الشهوة أذل من عبدالرق , و ايضاً بالشره قد يجهل عيبه فهو شبيه بأهل مدينة لهم سنة رديئة يتعاطونها و هم يعرفون قبحها , و ليس من تعاطى قبيحاً يعرفه كمن يتعاطاه و هو يظنه حسناً .
تمام العفة :
لا يكون الإنسان تام العفة حتى يكون عفيف اليد و اللسان و السمع و البصر فمن عدمها في اللسان السخرية , و التجسس و الغيبة و الهمز و النميمة و التنابز بالألقاب , و من عدمها في البصر : مد العين إلى المحارم و زينة الحياة الدنيا و المولدة للشهوات الرديئة , و من عدمها في السمع : الإصغاء إلى المسموعات القبيحة . و عماد عفة الجوارح كلها أن لا يطلقها صاحبها في شيء مما يختص بكل واحد منها إلا فيما يسوغه العقل و الشرع دون الشهوة و الهوى .
[ للاستزادة : انظر صفات : تعظيم الحرمات – حفظ الفرج – المروءة – النزاهة – الشهامة – الرجولة – النبل – الحجاب – العيرة – غض البصر – الحياء .
و في ضد ذلك : انظر الصفات : انتهاك الحرمات – الزنا – التبرج – الفسوق – العصيان – الديائة – الذل – الخنوثة – إطلاق البصر – الغي و الإغواء – الفحش – الكذب – النميمة]
من فوائـد " العفة " ؛
1 – من ثمرات الأديان و نتاج الغيمان .
2 – حفظ الجوارح عما حرم الله , و قيامها بما خلقت له .
3 – حفظ الأعراض في الدنيا , و لذة النعيم في الآخرة .
4 – هي ركن من أركان المروءة التي ينال بها الحمد و الشرف .
5 – نظافة المجتمع من المفاسد و المآثم .
6 – إشاعتها في المحتمع تجعله مجتمعاً صالحاً .
7 – دليل كمال النفس و عزها .
8 – صاحبها مستريح النفس و مطمئن البال .
9 – دليل وفرة العقل , و نزاهة النفس .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في (( الـعـفـة )) . .
– عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( "ني لأنقلب إلى اهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي , ثم ارفعها لىكلها ثم اخشى ان تكون صدقة قالقيها" ) .
– عن ابي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أنه قال : أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كخ كخ , ارم بها , أما علمت أنا لا نأكل الصدقة" .
– عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنه قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق قال : " لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها " .
من الآثار و اقوال العلماء و المفسرين الواردة في " العفة " . . .
– قال لقمان الحكيم – رحمه الله تعالى -: "حقيقة الورع العفاف" .
– لما فتح المسلمون القادسية أخذوا الغنائم و دفعوها إلى العمر . فقال : "إن قوماً أدوا هذا لأمناء , فقالوا له : عففت فعفوا ولو رتعت يا أمير المؤمنين لرتعت أمتك" .
مصدر :
موسوعة نظرة النعيم , صالح بن عبدالله بن حميد , عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن بن المملوح , دار الوسيلة للنشر و التوزيع , ط(1) 1418هـ 1998م , جدة , المملكة العربية السعودية .