ستظل الهجرة بمشاهدها وأحداثها أعظم حدث في تاريخ الإسلام ؛ حيث انتقل مشعل الهداية من مكة إلى المدينة وانطلقت شرارة الإيمان تضيء العالم أجمع وجاء نصر الله والفتح ليغمر الدنيا بأنوار الحق والخير والسلام على يد خير أمة أخرجت للناس، وهذه بعض مشاهد من الهجرة المباركة .
قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في أول محرم سنة 1327هـ :
أطل على الأكـوان والخـلق تنـظــر هــلال رآه المســــلمون فكبــــروا
تجــلى لهم في صورة زاد حسنها على الدهـر حسـنـًا أنهـا تتكــــــرر
وأذكــرهم يومـًا أغـــر محجــــــــلاً بـه تـــوج التاريخ والسعد مسفـــر
وهاجـر فيه خير داعٍ إلى الهـــدى يحـــــف به من قــوة الله عســــكر
إذا الله أحـيــا أمـــة لـــن يردهــــا إلى المـــوت قهـــار ولا متجبـــــــر
رجال الــــغد المأمــول إنـا بحاجـة إلى قـــادة تبنــي وشعــب يعمـِّـر
رجال الـــغد المأمـــول إنـا بحاجـة إلى عـــالم يدعــــو وداعٍ يــذكَّـــــر
الشاعر محمد عبد الرحمن صان الدين ، يناجي هجرة المختار :
يا هجــــرة المخـتـــار إنـــك مـر فـــأ والهــول أرغــى في الحيــاة وأزبـدا
ومنــــــارة أضـــــواؤهـــا منشــــورة ظلــــت لطــــلاب الحقيقة مرشــدا
ذكــــراك للإنســــان أورف واحــــــة والعيـــش مــن لفــــح الهجير توقدا
لـي كـل عـام في رياضـــك نــزهــة أجــد السكـينــة فـي ربـاهــا والنـدا
ويرق وجدانـــي ويشــرق خاطــري فـأرى بعيــــن الروح فيـــك محمــــدا
والشاعرة وفيقة عواد سلامة ، تناجي موكب الذكرى :
في مــوكب الذكــرى تــرف مشــاعـري وتـضوع بالأشـذاء مـــلء خواطـــري
وافى المحــــرم كـي يعـــــيـد أريجـــها فـي الخـافقيــن ـ يزفـــها بمفـــاخر
ويعـيـــد للأذهــــان مــشــهد هجـــــرة لأجـــل مبعـــوث وخيــــر مهـــاجــر
آه مـــن الذكـــــرى ومــا تـغــري بــــــه خطـراتها في هـــول خطب الحاضـر
المســـلمون قــد التـــقـى سيفــاهمـا بتقــاتـــل وتبـــاغـض وتنـــاحــــــــر
فمتـــى يفيـــق الســادرون بأرضنـــــــا ويهـــاجـرون إلـــــى صفـــاء غـامـر؟
ليعـــود للإســـــلام ســـابــق مجـــــده وتقـــــر بالأمجــــــاد عيــــن الناظـر
أما الشاعر الكبير محمد مصطفى الماحي فيقول :
ســـــلوا الهـــلال أنجـــابت به الظــلــم واستلهـمــــوه ففي أســراره الحـــكـم
للمســـلمين بــــــه ذكــــرى تـــردهــــم إلى مفــاخـــر تعيــــى دونـــها الكــلـم
أيــــام كــان كـــــتــاب الله رائـــــدهــــم إلـى الهــدى وتـُــقَـى الرحــمن همهم
أيــــام لا خــلجــات النـفــــس يوهنــــها شـك ولا نـاصـــــح فــي الله متهـــــــم
فـــلا الضعـيف بمـأكـــول لــذي نهــــــم ولا القـــــوي بغيـــــر الحـــق معتصـــم
ثم يستطرد الشاعر الماحي قائــلاً :
ذكــرت بالهــجـــرة الإســـلام ينصــــــره قـــــوم كـــرام فــدوا بالنفــــس دينهـــم
دعــــــاهـــــم لــمـســـاواة يعـــــز بهـــا مــن ليـــس ينجــــده جـــاه ولا نعـــــــم
دعــــاهـــــم لإخــــاء ليـــس يفســــــده ســــوء المظــــنة أو تــودي بــه التهــــم
إن العـــقــيــــدة نــــد للحــــيــــاة فـــإن ضــاعــت فــكل حيـــاة بعـــــدها عـــدم
فـــهل تـــعود إلــى الإســـلام قــــوتــــه ويحــــزم المســــلمون اليوم أمــــرهـــم
ويجمـــعــون عــلى الحســنى شتـاتهم فتطــهر النفــــس والأعـــراض والشيـــم
ويتحدث شاعر السويس الراحل محمد فضل إسماعيل عن عناء الرحلة، فيقول :
فـــي هجيــر الحـــر فـــي رمضـــائــــــه ودع المبعـــوث وجــــه الــوطــــــن
بــالــغ الأعـــــــداء فــــي إيــــــذائــــــــه لم يكفـــوا عـــن ضــــروب الفتـــن
خـــف للــصـــــــديـــق فـــي لأوائـــــــــه فــي قناع مـــن نسيـــــج الحــزن
صــــاحــبــــان اجــتـــمعــــــــا يالهمـــــا مـــن وفيــــيــن وفـــــاء الأبــــــــد
خلصـــــــــا للـــــــــــه لــــم يثــنـــهمـــا مـــا عـــــرى نفسيهمــا من كمـد
فارقـــــا أهلـــــــــهمــا مـــــــا بــــرمــــا بالأذى فـــــي اللــــه أو بالكيـــــد
ويقدم الشاعر الأستاذ محمود شاور ربيع مشهدًا آخر من مشاهد الهجرة فيقول :
وانظر معـــى " شاة " هنـاك هـزيـلــةً كادت تمـــوت وأوشكـت أن تنــــفــقا
مســـح النبـــي بضرعهــا فتدفقــــــت وكــأنهـــا السيــل العظيــم تــدفـقــا
يا أم " معبــــد " قــد سعــدت بمنحــة مــن مســه المختــار أمسـى مغدقا
وعــلى مشـــارف يثــرب طلع الســنـا وبــدا الرسـول على الأحبة مشرقـــا
والناقـــة القصـــواء تمضــي بالهــــدى وببيـــت أيـــــــوب تنـيــــخ ترفقـــــــا
وتحيــــط بالنــــــــور المهـــاجر أمـــــة نــالت بـــــه مـن كـل خلـد مـرتقــى
أما الشاعر الفارس محمــود سامي البارودي فيكمل أبعاد الصورة قائــلاً :
ولم يــزل سائرًا حتــــى أنـــاف عـــلى أعـــــلام طيبــــة ذات المنظر العَمَمِ
أعظــم بمقـــــدمــه فخــــرًا ومنقبـــــة لمعشــر الأوس والأحيــاء من جشم
فــخر يــدوم لهــم فضــــل بذكـــرتــــه ما ســــارت العيس بالـــزوار للحـــرم
يــوم بــه أرَّخ الإســـــلام غــــرتــــــــه وأدرك الــديـــــــن فيـــه ذروة النُّجُــم
ثم ابتـنى ســـيد الكونيــن مســـجـده بنيـــان عــز فأضحـــى قائم الدعـــم
وأصبــحــوا في إخـــاء غيـر منصـــــدع علــى الزمــان وعــــز غيـــر منهــدم
وأصبــح الــنـاس إخـــوانــًا وعمـهــــم فضــل مــن اللــه أحيــاهم من العدم
ويقدم الشاعر " رشاد محمد يوسف " هذا المشهد التاريخي أمام الغار :
تحلقـــوا حــول بــاب الغــار في فــــرح حيث استقـــر علــى أعــــتابه الأثــــر
هــنا محمـــد ، نــال القـــوم بغيتـــــهم تمكنوا منــه ، ضل القـوم بل خســـروا
أيخنـــق الفجــر والأكــوان ضــارعــــة ؟ أيُطـْــفـَــأُ الـــنــور والأيـــام تنــتظــر ؟
أيتــرك الحــق يعــثـــو كـــل طــاغيــــة بأرضـــه ويســـوس الشــر والشـــرر؟
حاشـــا وربــــك والدنيــــا بقــبـضـــتـــه والخلـــق والأمــــر والأرزاق والقــــــــدر
فـــأنــزل اللــه بالهـــادي سكينتـــــــــه وباض طيــر وأرخـــى نســجه الحشر
وأشـــرقــت فــي رحــاب الــغار بارقـــة مــن الأمـــان فـــلا خـــوف ولا حــــــذر
والشاعر السُّوري الكبير عمر أبو ريشة يقدم لنا هذه الصورة :
جمعــت شــمــلهــا قريـــش وسلــــت لـــلأذى كـل صعــــــــدة سمــــــــراء
وأرادت أن تنفــــــذ البغـــي من أحمــد فــي جـــــنــــــح لـيــلــــــة ليـــــــــــلاء
أمـــر الوحـــي أن يـــحــــط خطــــــــاه فـــي الدجـــــى للمـــدينـــــة الــزهــراء
وســـرى واقتـفــــى ســراه أبـو بكــــر وغـــابـــا عــن أعـــيـن الرقــــبـــــــاء
وأقـامــا فـي الغـــار والمـــلأ العـــلـوي يــــــرنــــو إليــهمـــــا بالـــرعـــــــــاء
وقـــفـــت دونــــــــه قريـــش حــيـارى وتنــزت جـــريـحـــــــة الكبـــــريــــــاء
وانثــــنت والــرياح تجـــــأر والــرمـــــل نثيـــــر فــــي الأوجــــــــــه الــــربـــــداء
هلـــلي يــا رُبــى المدينــة وأهمــــي بســــخـــــى الأظــــــلال والأضـــــــــواء
واجمــعى الأوفيـــاء إن رسول الله آت لصحبة الأوفيــاء