المقدمـــــة
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسوله الكريم محمد صلى الله علية و سلم .
أما بعد….
قال تعالى (( و قل ربي زدني علما)) كثر علمائنا منهم العرب و منهم الأجانب و هناك الكثير من العلماء العرب و منهم ابن سينا الخوارزمي و الرازي و ابن بطوطه و ابن خلدون و الإدريسي , حيث يبلغ عددهم حوالي الخمسين عالما . وسوف نتحدث نحن في هذا البحث عن الإدريسي عن حياته و مولده وعن قوانينه و أحكامه و نضرياته وغيرها من المعلومات التى تعبر عن شخصية العالم الكبير العربي الإدريسي .
الموضـــــوع
هو أبو عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الله بن إدريس الصقلي المعروف بأسم الشريف الإدريسي , ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي وفاطمه الزهراء (رضي الله عنهم) بنت محمد بن عبد الله (صلى الله عليه و سلم)، ومن هنا جاء لقبه بالشريف لنسبه لرسول الله (صلى الله عليه و سلم) . العالم المغربي ،. أحد كبار الجغرافيين فى التاريخ ويع أعظم جغرافي ظهر في القرون الوسطى، كما أنه كتب في التاريخ، والأدب، والشعر، والنبات ودرس الفلسفة، والطب، والنجوم، والجغرافيا، والشعر في قرطبة ثم بدأ رحلته إلى إسبانيا والبرتغال, ثم زار أفريقيا وآسيا الصغرى. استخدمت مصوراته و خرائطه في سائر كشوف عصر النهضة الأوربية حيث لجأ إلى تحديد اتجاهات الأنهار والمرتفعات والبحيرات ، وضمنها أيضًا معلومات عن المدن الرئيسية بالإضافة إلى حدود الدول . سبتة شمال المغرب عام 493 هـ (1100 ميلادية) و مات عام 560 هـ (1166م). تعلم في البيلق و طاف البلاد فزار الحجاز و مصر. وصل سواحل فرنسا وإنكلترا. سافر إلى القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى. عاش فترة في صقلية ونزل فيها ضيفا على ملكها النورماني روجر الثاني ليشرح له موقع الأرض في الفضاء مستخدمًا في ذلك البيضة لتمثيل الأرض ، شبه الإدريسي الأرض بصفار البيضة المحاط ببياضها تماما كما تهيم الأرض في السماء محاطة بالمجرَّات ، تركها في أواخر أيامه، ليعود إلى بلدته سبتة حيث توفي.
رسمه لخريطة العالم
قام الإدريسي برسم أول خريطة للعالم بناء على أمر من الملك الصقلي روجر الثاني فكانت مدينة باليرمو هي المكان الذي نشر الإدريسي أول خريطة للعالم فيه , وهي تُعرف عند العرب بخريطة الإدريسي، و يقال أنها أول خريطة سليمة (أي صحيحة) نعرف عنها وقد اخذ الإدريسي حوالي 15 عاماً في رسم هذة الخريطة نتاجاً عن رحلاته . وأمر له الملك بالمال عام 1138 لينقش عمله خارطة العالم والمعروف باسم "لوح الترسيم" على دائرة من الفضة تزن 400 رطل رومي فى كل رطل 112 درهما.
أهم الأعمال
كتاب نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق هو كتاب كان نتاج رحلات الإدريسي ألفه فى صقلية بناء على طلب روجر الثانى، ضمن كل ما عرفه الأقدمون من معلومات زاد عليها ما اكتسبه هو و ما رآه و رصده فى أسفاره و رحلاته و فيه أكثر من سبعون خريطة. تقول موسوعة المعرفة أن هذا الكتاب ظل مرجعاً للعلماء الأوربيون [و ربما أيضا للعرب] لمدة أربت على ثلثمائة سنة ، أى حتى القرن السادس عشر الميلادى. و يعرف هذا الكتاب للأوربيين بكتاب روجر.
قام بتأليف كتاب "الجامع لصفات أشتات النبات وضروب أنواع المفردات من الأشجار والثمار والحشائش والأزهار والحيوانات والمعادن وتفسير أسمائها بالسريانية واليونانية واللطينية والبربرية". ونلاحظ أن العدد الأكبر من الكتب النباتية كانت تتناول النباتات بغرض إثبات منافعها الطبية، ومعالجاتها الصيدلية.كرّس الباحث الايطالي تيندارو غاتاني Tindaro Gatani, المقيم في زوريخ وصاحب فكرة إعادة نشر خريطة الإدريسي التي تعد أول خريطة للعالم, عقدين من الزمن لدراسة أعمال الإدريسي بسبب هذه الخريطة. وهو أيضاً صقلي المولد والنشأة, والمعروف ان الإدريسي عاش وعمل في صقلية. وفكرته لاعادة نشر هذه الخريطة وتقديمها في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب سنة 2022 و بهذا ان يشير الى فضل العرب على الحضارة الإنسانية من خلال ما قدمه الإدريسي من معارف جديدة في القرن الثاني عشر, كان من شأنها تطوير ما تعرفه أوروبا عن العالم في ذلك الوقت.
[تحرير] القرون الوسطى في أوروبا وخريطة الإدريسي
القرون الوسطى المظلمة في أوروبا تمثلت في نوعية المعارف الجغرافية لدى خريطة الإدريسي. فأوروبا في ذلك الوقت كانت صورتها عن العالم تحكمها مجموعة أساطير وهمية وتصورات دينية فرضتها الكنيسة على المجتمع. ونظراً الى ضياع تراث اليونان الجغرافي, فقد حُرمت أوروبا من معارف الأوائل. وظلت آراء آباء الكنيسة الرافضة لكروية الأرض مسيطرة على العقول في القرون الوسطى.
وترجمت رحلة الادريسي هذه كاملة الى اللغة الفرنسية فقط, بينما هناك ترجمات جزئية منها في شتى لغات العالم. ولعل سبب ذلك يعود الى ضخامة العمل, فكأن كل باحث غربي أراد القاء الضوء على ملاحظات الإدريسي حول موضوع أو بلد أو مدينة معينة فحسب من دون معالجة الرحلة بكاملها نظراً الى طولها ودقة تفاصيلها.
في كتابه الشهير "تاريخ الأدب الجغرافي العربي" (ج1, ص 280) يقول كراتشكوفسكي عن الادريسي: "أجداد الادريسي المباشرون, كانوا أمراء صغاراً في مالقة. وهم أيضاً لم يستطيعوا الاحتفاظ طويلاً بسلطانهم, فاضطروا الى الرجوع الى سبتة في القرن الحادي عشر, وهناك فيما يبدو ولد الادريسي العام 493 هـ/ 1100م. ويلوح أن صلة الأسرة بالأندلس لم تنفصم. فالادريسي تلقى العلم في قرطبة التي يعرفها معرفة جيدة. فالوصف الشامل الذي أفرده لها في كتابه يحمل آثار المعرفة المباشرة بالمدينة. وفي عام 510 هـ / 1116م, وهو لما يتجاوز السادسة عشرة من عمره – زار آسيا الصغرى. وهذا ما أمكن استنتاجه بالتحديد في شأن رحلاته. والظاهر انه لم ير بقية افريقيا وآسيا. وفي عام 1138 م عبر البحر في ظروف يشوبها الغموض الى جزيرة صقلية, حيث كان يوجد بلاط روجر الثاني في بالرمو. وظل الادريسي وثيق الصلة بروجر الى وفاة الأخير في شباط (فبراير) من عام 560 هـ/ 1160م. ثم مرّت عليه وهو في صقلية لحظات قلقة في عهد خليفة روجر ولكنه رجع في أيام شيخوخته في ما يبدو الى مسقط رأسه سبتة, وتوفي فيها في عام 560 هـ/ 1160م على أرجح الأقوال".
صمم الادريسي خريطته على الطريقة العربية في ذلك الوقت, حيث بدأ بالجنوب في أعلى الخريطة, ثم انتقل الى الشمال في أسفلها, وهذا يعني ان خريطته ينبغي أن تقرأ بالمقلوب. تتكون مخطوطة الخريطة من 70 ورقة (33 × 21 سم) تصل الى نحو 5 أمتار مربعة. وقام العالم الألماني كونراد ميلر بنشر نسخة ملونة منها سنة 1928, بعد أن بذل مجهوداً خارقاً من أجل تجميع أجزائها المختلفة, وترجمة الأسماء العربية الى الألمانية.
إن مشروع اعادة نشر خريطة الادريسي مع نص ميلر, وعرضها في معرض فرانكفورت للكتاب أثناء استضافة العالم العربي كضيف شرف, هو اشارة قوية الى اسهامات العرب والمسلمين في تطوير المعارف الانسانية من ناحية, ومن ناحية أخرى يرمز الى وحدة الثقافات وتعاونها وليس صراعها وتطاحنها, وما أحوجنا اليوم الى مثل هذه المشروعات التي تشدد على وحدة الحضارة الانسانية لمواجهة مروجي نظرية صراع الحضارات. وهناك اتصالات مع السياسي الصقلي كفارو, عمدة مدينة بالرمو, من أجل مشاركة المدينة في دعم هذا المشروع. كما أن السفارة الايطالية في برن تتابع باهتمام هذا المشروع وتنوي دعمه, خصوصاً ان صاحب المشروع غاتاني ينشر دراساته في مجلة "الغرفة التجارية السويسرية – الايطالية".