التصنيفات
الصف التاسع

بحث عربي كامل عن المعلقات السبع للصف التاسع

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
الحمد لله رب المشارقوالمغارب.. خلق الإنسان من طينلازب.. ثم جعله نطفة بينالصلبوالترائب.. خلق منهُ زوجهُ وجعلمنهما الأبناء والأقارب تلطف بهفنوع له.. المطاعم والمشارب.. وحملهفي البر على الدواب.. وفى البحرعلى القوارب. نحمده (تبارك وتعالى) حمد الطامعفي المزيد والطالب. ونعوذ بنور وجهه الكريم منشر العواقب.. وندعوه دعاء المستغفر الوجِلالتائب..أن يحفظنا من كل شرِ حاضر أو غائب. ونشهد أن لا إله إلا الله القوى الغالب.. شهادة
متيقن أن الوحدانيةلله أمر لازم وواجب.
أما بعد :
كان فيما اُثر من أشعار العرب ، ونقل إلينا من تراثهم الأدبي الحافلبضع قصائد من مطوّلات الشعر العربي ، وكانت من أدقّه معنى ، وأبعده خيالاً ، وأبرعهوزناً ، وأصدقه تصويراً للحياة ، التي كان يعيشها العرب في عصرهم قبل الإسلام ،ولهذا كلّه ولغيره عدّها النقّاد والرواة قديماً قمّة الشعر العربي وقد سمّيتبالمطوّلات ، وأمّا تسميتها المشهورة فهي المعلّقات .
سأتناول نبذةً عنها وعنأصحابها وبعض الأوجه الفنّية فيها :
الموضوع:
فالمعلّقات لغةً من العِلْق : وهو المالالذي يكرم عليك ، تضنّ به ، تقول : هذا عِلْقُ مضنَّة . وما عليه علقةٌ إذا لم يكنعليه ثياب فيها خير ، والعِلْقُ هو النفيس من كلّ شيء ، وفي حديث حذيفة : «فما بالهؤلاء الّذين يسرقون أعلاقنا» أي نفائس أموالنا . والعَلَق هو كلّ ما عُلِّق .
وأمّاالمعنى الاصطلاحي للمعلّقات :فهي قصائد جاهليّة بلغ عددها السبع أو العشر ـ على قول ـبرزت فيها خصائص الشعر الجاهلي بوضوح ، حتّى عدّت أفضل ما بلغنا عن الجاهليّين منآثار أدبية .
والناظر إلى المعنيين اللغوي والاصطلاحي يجد العلاقة واضحة بينهما ،فهي قصائد نفيسة ذات قيمة كبيرة ، بلغت الذّروة في اللغة ، وفي الخيال والفكر ، وفيالموسيقى وفي نضج التجربة ، وأصالة التعبير ، ولم يصل الشعر العربي إلى ما وصل إليهفي عصر المعلّقات من غزل امرئ القيس ، وحماس المهلهل ، وفخر ابن كلثوم ، إلاّ بعدأن مرّ بأدوار ومراحل إعداد وتكوين طويلة .
سبب تسميتها بالمعلّقات هناك أقوالمنها :
لأنّهم استحسنوها وكتبوها بماء الذهب وعلّقوها على الكعبة ، وهذا ماذهب إليه ابن عبد ربّه في العقد الفريد ، وابن رشيق وابن خلدون وغيرهم ، يقول صاحبالعقد الفريد : « وقد بلغ من كلف العرب به (أي الشعر) وتفضيلها له أن عمدت إلى سبعقصائد تخيّرتها من الشعر القديم ، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة ،وعلّقتها بين أستار الكعبة ، فمنه يقال : مذهّبة امرئ القيس ، ومذهّبة زهير ،والمذهّبات سبع ، وقد يقال : المعلّقات ، قال بعض المحدّثين قصيدة له ويشبّهها ببعضهذه القصائد التي ذكرت :
برزةٌ تذكَرُ في الحسـ ـنِ من الشعرالمعلّقْ
كلّ حرف نـادر منــها له وجـهٌ معشّ
أو لأنّ المراد منها المسمّطاتوالمقلّدات ، فإنّ من جاء بعدهم من الشعراء قلّدهم في طريقتهم ، وهو رأي الدكتورشوقي ضيف و آخرين . أو أن الملك إذا ما استحسنها أمر بتعليقها في خزانته .
هلعلّقت على الكعبة؟
سؤال طالما دار حوله الجدل والبحث ، فبعض يثبت التعليق لهذه القصائدعلى ستار الكعبة ، ويدافع عنه ، بل ويسخّف أقوال معارضيه ، وبعض آخر ينكر الإثبات ،ويفنّد أدلّته ، فيما توقف آخرون فلم تقنعهم أدلّة الإثبات ولا أدلّة النفي ، ولميعطوا رأياً في ذلك .
المثبتون للتعليق وأدلّتهم :
لقد وقف المثبتون موقفاً قويّاً ودافعوابشكل أو بآخر عن موقفهم في صحّة التعليق ، فكتبُ التاريخ حفلت بنصوص عديدة تؤيّدصحّة التعليق ، ففي العقد الفريد ذهب ابن عبد ربّه ومثله ابن رشيق والسيوطي وياقوتالحموي وابن الكلبي وابن خلدون ، وغيرهم إلى أنّ المعلّقات سمّيت بذلك; لأنّها كتبتفي القباطي بماء الذهب وعلّقت على أستار الكعبة ، وذكر ابن الكلبي : أنّ أوّل ماعلّق هو شعر امرئ القيس على ركن من أركان الكعبة أيّام الموسم حتّى نظر إليه ثمّاُحدر ، فعلّقت الشعراء ذلك بعده . وأمّا الأدباء المحدّثون فكان لهم دور في إثبات التعليق ، وعلى سبيل المثال نذكر منهم جرجي
زيدان حيث يقول : وإنّما استأنف إنكار ذلك بعضالمستشرقين من الإفرنج ، ووافقهم بعض كتّابنا
» رغبة في الجديد من كلّ شيء ، وأيّغرابة في تعليقها وتعظيمها بعدما علمنا من تأثير الشعر في نفوس العرب؟! وأمّاالحجّة التي أراد النحّاس أن يضعّف بها القول فغير وجيهة ; لأنّه قال : إنّ حمّاداًلمّا رأى زهد الناس في الشعر جمع هذه السبع وحضّهم عليها وقال لهم : هذه هيالمشهورات ، وبعد ذلك أيّد كلامه ومذهبه في صحّة التعليق بما ذكره ابن الأنبا ري إذيقول : وهو ـ أي حمّاد ـ الذي جمع السبع الطوال ، هكذا ذكره أبو جعفر النحاس ، ولميثبت ما ذكره الناس من أنّها كانت معلّقة على الكعبة . » وقداستفاد جرجي زيدان من عبارة ابن الأنبا ري : « ما ذكره الناس » ، فهو
أي ابنالأنباري يتعجّب من مخالفة النحاس لما ذكره الناس ، وهم الأكثرية من أنّها علقت فيالكعبة
النافون للتعليق :
ولعلّ أوّلهم والذي يعدُّ المؤسّس لهذا المذهب ـ كماذكرنا ـ هو أبو جعفر النحّاس ، حيث ذكر أنّ حمّاداً الراوية هو الذي جمع السبعالطوال ، ولم يثبت من أنّها كانت معلّقة على الكعبة ، نقل ذلك عنه ابن الأنباري . فكانت هذه الفكرة أساساً لنفي التعليق :
كارل بروكلمان حيث ذكر أنّها من جمعحمّاد ، وقد سمّاها بالسموط والمعلّقات للدلالة على نفاسة ما اختاره ، ورفض القول : إنّها سمّيت بالمعلّقات لتعليقها على الكعبة ، لأن هذا التعليل إنّما نشأ منالتفسير الظاهر للتسمية وليس سبباً لها ، وهو ما يذهب إليه نولدكه .
وعلىهذا سار الدكتور شوقي ضيف مضيفاً إليه أنّه لا يوجد لدينا دليل مادّي على أنّالجاهليين اتّخذوا الكتابة وسيلة لحفظ أشعارهم ، فالعربية كانت لغة مسموعة لامكتوبة . ألا ترى شاعرهم حيث يقول :
فلأهدينّ مع الرياح قصيدة منّي مغـلغلةإلى القعقاعِ
ترد المياه فـما تزال غريبةً في القوم بين تمثّلوسماعِ؟
ودليله الآخر على نفي التعليق هو أنّ القرآن الكريم ـ على قداسته ـ لميجمع في مصحف واحد إلاّ بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وسلم) (طبعاً هذا على مذهبه) ، وكذلك الحديث الشريف . لم يدوّن إلاّ بعد مرور فترة طويلة من الزمان (لأسباب لاتخفى على من سبر كتب التأريخ وأهمّها نهي الخليفة الثاني عن تدوينه) ومن باب أولىألاّ تكتب القصائد السبع ولا تعلّق .
وممّن ردّ الفكرة ـ فكرة التعليق ـالشيخ مصطفى صادق الرافعي ، وذهب إلى أنّها من الأخبار الموضوعة التي خفي أصلهاحتّى وثق بها المتأخّرون .
ومنهم الدكتور جواد علي ، فقد رفض فكرة التعليق لأمورمنها :
1 ـ أنّه حينما أمر النبي بتحطيم الأصنام والأوثان التي في الكعبة وطمس الصور ، لميذكر وجود معلقة أو جزء معلّقة أو بيت شعر فيها .
2 ـ عدم وجود خبر يشير إلى تعليقها علىالكعبة حينما أعادوا بناءَها من جديد .
3 ـ لم يشر أحد من أهل الأخبار الّذينذكروا الحريق الذي أصاب مكّة ، والّذي أدّى إلى إعادة بنائها لم يشيروا إلى احتراقالمعلّقات في هذا الحريق .
4 ـ عدم وجود من ذكر المعلّقات من حملة الشعر من الصحابةوالتابعين ولا غيرهم .
ولهذا كلّه لم يستبعد الدكتور جواد علي أن تكون المعلّقاتمن صنع حمّاد ، هذا عمدة ما ذكره المانعون للتعليق .
بعد استعراضنا لأدلة الفريقين ، اتّضحأنّ عمدة دليل النافين هو ما ذكره ابن النحاس حيث ادعى أن حماداً هو الذي جمع السبعالطوال .
وجواب ذلك أن جمع حماد لها ليس دليلا على عدم وجودها سابقاً ، وإلاّانسحب الكلام على الدواوين التي جمعها أبو عمرو بن العلاء والمفضّل وغيرهما ، ولاأحد يقول في دواوينهم ما قيل في المعلقات . ثم إنّ حماداً لم يكن السبّاق إلى جمعهافقد عاش في العصر العباسي ، والتاريخ ينقل لنا عن عبد الملك أنَّه عُني بجمع هذهالقصائد (المعلقات) وطرح شعراء أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة .
وأيضاًقول الفرزدق يدلنا على وجود صحف مكتوبة في الجاهلية :
أوصىعشية حين فارق رهطه عند الشهادة في الصحيفة دعفلُ
أنّ ابن ضبّة كـان خيرٌ والداً وأتمّ فيحسب الكرام وأفضلُ
كما عدّد الفرزدق في هذه القصيدة أسماء شعراء الجاهلية ، ويفهم من بعضالأبيات أنّه كانت بين يديه مجموعات شعرية لشعراء جاهليين أو نسخ من دواوينهم بدليلقوله :
والجعفري وكان بشرٌ قبله لي من قصائده الكتابالمجملُ
وبعد أبيات يقول :
دفعوا إليَّ كتابهنّ وصيّةً فورثتهنّ كأنّهنّالجندلُ
كما روي أن النابغة وغيره من الشعراء كانوا يكتبون قصائدهم ويرسلونهاإلى بلاد المناذرة معتذرين عاتبين ، وقد دفن النعمان تلك الأشعار في قصره الأبيض ،حتّى كان من أمر المختار بن أبي عبيد و إخراجه لها بعد أن قيل له : إنّ تحت القصركنزاً .
كما أن هناك شواهد أخرى تؤيّد أن التعليق على الكعبة وغيرها ـ كالخزائنوالسقوف والجدران لأجل محدود أو غير محدود ـ كان أمراً مألوفاً عند العرب ،فالتاريخ ينقل لنا أنّ كتاباً كتبه أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة في حلف خزاعة لعبدالمطّلب ، وعلّق هذا الكتاب على الكعبة . كما أنّ ابن هشام يذكر أنّ قريشاً كتبتصحيفة عندما اجتمعت على بني هاشم وبني المطّلب وعلّقوها في جوف الكعبة توكيداً علىأنفسهم .
ويؤيّد ذلك أيضاً ما رواه البغدادي في خزائنه من قول معاوية : قصيدةعمرو بن كلثوم وقصيدة الحارث بن حِلزه من مفاخر العرب كانتا معلّقتين بالكعبة دهراً .
هذا منجملة النقل ، كما أنّه ليس هناك مانع عقلي أو فنّي من أن العرب قد علّقوا أشعاراًهي أنفس ما لديهم ، وأسمى ما وصلت إليه لغتهم; وهي لغة الفصاحة والبلاغة والشعروالأدب ، ولم تصل العربية في زمان إلى مستوى كما وصلت إليه في عصرهم . ومن جهة أخرىكان للشاعر المقام السامي عند العرب الجاهليين فهو الناطق الرسمي باسم القبيلة وهولسانها والمقدّم فيها ، وبهم وبشعرهم تفتخر القبائل ، ووجود شاعر مفلّق في قبيلةيعدُّ مدعاة لعزّها وتميّزها بين القبائل ، ولا تعجب من حمّاد حينما يضمّ قصيدةالحارث بن حلزّة إلى مجموعته ، إذ إنّ حمّاداً كان مولى لقبيلة بكر بن وائل ،وقصيدة الحارث تشيد بمجد بكر سادة حمّاد ، وذلك لأنّ حمّاداً يعرف قيمة القصيدة ومايلازمها لرفعة من قيلت فيه بين القبائل .
فإذا كان للشعر تلك القيمة العالية ،وإذا كان للشاعر تلك المنزلة السامية في نفوس العرب ، فما المانع من أن تعلّق قصائدهي عصارة ما قيل في تلك الفترة الذهبية للشعر؟
ثمّ إنّه ذكرنا فيما تقدّم أنّ عدداً لايستهان به من المؤرّخين والمحقّقين قد اتفقوا على التعليق .
فقبولفكرة التعليق قد يكون مقبولا ، وأنّ المعلّقات لنفاستها قد علّقت على الكعبة بعدماقرئت على لجنة التحكيم السنوية ، التي تتّخذ من عكاظ محلاً لها ، فهناك يأتيالشعراء بما جادت به قريحتهم خلال سنة ، ويقرأونها أمام الملإ ولجنة التحكيم التيعدُّوا منها النابغة الذبياني ليعطوا رأيهم في القصيدة ، فإذا لاقت قبولهمواستحسانهم طارت في الآفاق ، وتناقلتها الألسن ، وعلّقت على جدران الكعبة أقدس مكانعند العرب ، وإن لم يستجيدوها خمل ذكرها ، وخفي بريقها ، حتّى ينساها الناس وكأنّهالم تكن شيئاً مذكوراً .

موضوع شعر المعلّقات:

لو رجعنا إلى القصائد الجاهلية الطوال والمعلّقات منها علىالأخصّ رأينا أنّ الشعراء يسيرون فيها على نهج
مخصوص; يبدأون عادة بذكر الأطلال ،وقد بدأ عمرو بن كلثوم مثلاً بوصف الخمر ، ثمّ بدأ بذكر الحبيبة ، ثمّ
ينتقل أحدهمإلى وصف الراحلة ، ثمّ إلى الطريق التي يسلكها ، بعدئذ يخلص إلى المديح أو الفخر (إذا كان الفخر
مقصوداً كما عند عنترة) وقد يعود الشاعر إلى الحبيبة ثمّ إلى الخمر، وبعدئذ ينتهي بالحماسة (أو الفخر) أو
بذكر شيء من الحِكَم (كما عند زهير) أو منالوصف كما عند امرئ القيس .

ويجدر بالملاحظة أنّ في القصيدة الجاهلية أغراضاًمتعدّدة; واحد منها مقصود لذاته (كالغزل عند امرئ القيس ،
الحماسة عند عنترة ،والمديح عند زهير . .) ،

عدد القصائد المعلّقات

لقد اُختلف في عدد القصائدالتي تعدّ من المعلّقات ، فبعد أن اتّفقوا على خمس منها; هي معلّقات : امرئ القيس ،
وزهير ، ولبيد ، وطرفة ، وعمرو بن كلثوم . اختلفوا في البقيّة ، فمنهم من يعدّبينها معلّقة عنترة والحارث بن
حلزة ، ومنهم من يدخل فيها قصيدتي النابغة والأعشى ،ومنهم من جعل فيها قصيدة عبيد بن الأبرص ، فتكون
المعلّقات عندئذ عشراً .

نماذج مختارة من القصائد المعلّقة مع شرح حال شعرائها
اثنان من هذه القصائداخترتها من بين القصائد السبع أو العشر مع إشارة لما كتبه بعض الكتاب والأدباء عنجوانبها الفنية.. لتكون محور بحثنا هذا :

امرؤ القيس
اسمه :امرؤ القيس ، خندج ، عدي ، مليكة ، لكنّه عرفواشتهر بالاسم الأوّل ، وهو آخر اُمراء اُسرة كندة اليمنيّة .
أبوه :حجر بن الحارث ، آخر ملوك تلك الاُسرة ، التي كانتتبسط نفوذها وسيطرتها على منطقة نجد من منتصف القرن الخامس الميلادي حتى منتصفالسادس .
اُمّه :فاطمة بنت ربيعة اُخت كليب زعيم قبيلة ربيعة منتغلب ، واُخت المهلهل بطل حرب البسوس ، وصاحب أوّل قصيدة عربية تبلغ الثلاثينبيتاً .
نبذة منحياته :
قال ابن قتيبة : هو من أهلنجد من الطبقة الاُولى . كان يعدّ من عشّاقالعرب ، وكانيشبّب بنساء منهنّ فاطمة بنت العبيد العنزية التي يقول لها فيمعلّقته :

أفاطمُ مهلاً بعض هذا التدلّل
وقد طرده أبو ه على أثرذلك . وظل امرؤ القيس سادراً في لهوه إلى أن بلغه مقتل أبيه وهو بدمّون فقال :ضيّعني صغيراً ، وحمّلني دمه كبيراً ، لا صحو اليوم ولا سكرَ غداً ، اليوم خمرٌوغداً أمرٌ ، ثمّ آلى أن لا يأكل لحماً ولا يشرب خمراً حتّى يثأر لأبيه29 .
إلى هنا تنتهي الفترةالاُولى من حياة امرئ القيس وحياة المجون والفسوق والانحراف ، لتبدأ مرحلة جديدة منحياته ، وهي فترة طلب الثأر من قَتَلة أبيه ، ويتجلّى ذلك من شعره ، الّذي قاله فيتلك الفترة ، الّتي يعتبرها الناقدون مرحلة الجدّ من حياة الشاعر ، حيكت حولها كثيرمن الأساطير ، التي اُضيفت فيما بعد إلى حياته . وسببها يعود إلى النحل والانتحالالذي حصل في زمان حمّاد الراوية ، وخلف الأحمر ومن حذا حذوهم . حيث أضافوا إلىحياتهم ما لم يدلّ عليه دليل عقلي وجعلوها أشبه بالأسطورة .
ولكن لا يعني ذلك أنّكلّ ما قيل حول مرحلة امرئ القيس الثانية هو اُسطورة .
والمهم أنّه قد خرج إلىطلب الثأر من بني أسد قتلة أبيه ، وذلك بجمع السلاح وإعداد الناس وتهيئتهم للمسيرمعه ، وبلغ به ذلك المسير إلى ملك الروم حيث أكرمه لما كان يسمع من أخبار شعره وصارنديمه ، واستمدّه للثأر من القتلة فوعده ذلك ، ثمّ بعث معه جيشاً فيهم أبناء ملوكالروم ، فلمّا فصل قيل لقيصر : إنّك أمددت بأبناء ملوك أرضك رجلاً من العرب وهم أهلغدر ، فإذا استمكن ممّاأراد وقهربهم عدوّه غزاك . فبعث إليه قيصر مع رجل من العرب كان معه يقال له الطمّاح ، بحلّةمنسوجة بالذهب مسمومة ، وكتب إليه : إنّي قد بعثت إليك بحلّتي الّتي كنت ألبسها يومالزينة ليُعرف فضلك عندي ، فإذا وصلت إليك فالبسها على الُيمن والبركة ، واكتب إليّمن كلّ منزل بخبرك ، فلمّا وصلت إليه الحلّة اشتدّ سروره بها ولبسها ، فأسرع فيهالسمّ وتنفّط جلده ، والعرب تدعوه : ذا القروح لذلك ، ولقوله :

وبُدِّلْتُ قرحاً دامياً بعد صحّة فيالك نُعمى قد تحوّلُأبؤسا
ولمّا صار إلى مدينةبالروم تُدعى : أنقرة ثقل فأقام بها حتّى مات ، وقبره هناك .
وآخرشعره :

ربّ خطبة مسحنفَرهْ وطعنة مثعنجرهْ
وجعبة متحيّرهْ تدفنُ غداً بأنقرةْ
ورأى قبراً لامرأة من بناتملوك العرب هلكت بأنقره فسأل عنها فاخبر ، فقال :

أجارتنا إنّ المزار قريبُ وإنّي مقيم ما أقامعسيبُ
أجارتَنا إنّا غريبانِ هاهنا وكلّ غريب للغريب نسيبُ
وقد عدَّ الدكتور جواد عليوالدكتور شوقي ضيف وبروكلمان وآخرون بعض ما ورد في قصّة امرئ القيس وطرده ،والحكايات التي حيكت بعد وصوله إلى قيصر ودفنه بأنقرة إلى جانب قبر ابنة بعض ملوكالروم ، وسبب موته بالحلة المسمومة ، وتسميته ذا القروح منالأساطير .
قالوافيه :
1 ـ النبيّ(صلى الله عليهوسلم) : ذاك رجل مذكور في الدنيا ، شريف فيها منسيّ في الآخرة خامل فيها ، يجيءيوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار .
2 ـ الإمام علي(عليهالسلام) : سُئل من أشعر الشعراء؟ فقال :
إنّ القوم لم يَجروا في حَلبةتُعرفُ الغايةُ عند قصبتها ، فإنْ كان ولابُدّ فالملكُ الضِّلِّيلُ . يريد امرأ القيس .
3 ـ الفرزدق سئل من أشعرالناس؟ قال : ذو القروح .
4 ـ يونس بن حبيب : إنّعلماء البصرة كانوا يقدّمون امرأ القيس .
5 ـ لبيد بن ربيعة : أشعرالناس ذو القروح .
6 ـ أبو عبيدة معمّر بنالمثنّى : هو أوّل من فتح الشعر ووقف واستوقف وبكى في الدمن ووصف مافيها . . .

معلّقة امرئ القيس
البحر : الطويل . عدد أبياتها : 78 بيتاً منها : 9 : في ذكرى الحبيبة . 21 : في بعض مواقف له . 13 : في وصفالمرأة . 5 : في وصف الليل . 18 : في السحاب والبرق والمطر وآثاره . والبقية فياُمور مختلفة .
استهلّ امرؤ القيسمعلّقته بقوله :

قفانبكِ من ذكرى حبيب ومنزِلِ بِسِقْط اللِّوَى بين الدَّخُوْلِفَحَوْمَلِ
فتوضِحَ فالمقراة لم يعفُ رسمُها لما نسجتها منجنوب وَشَمْأَلِ
وقد عدّ القدماء هذا المطلع منمبتكراته ، إذ وقف واستوقف وبكى وأبكى وذكر الحبيب والمنزل ، ثمّ انتقل إلى روايةبعض ذكرياته السعيدة بقوله :

ألاربّ يوم لَكَ منهُنَّ صالحٌ ولاسيّما يومٌ بدراةجُلجُلِ
ويومَعقرت للعِذارى مطيّتي فيا عجباً من رحلِهاالمتحمّلِ
فضلّالعذارى يرتمينَ بلحمها وشحم كهذّاب الدِّمَقْسِالمُفَتَّلِ
وحيث إنّ تذكّر الماضي السعيد قدأرّق ليالي الشاعر ، وحرمه الراحة والهدوء; لذا فقد شعر بوطأة الليل; ذلك أنّالهموم تصل إلى أوجها في الليل ، فما أقسى الليل على المهموم! إنّه يقضّ مضجعهُ ،ويُطير النوم من عينيه ، ويلفّه في ظلام حالك ، ويأخذه في دوامة تقلّبه هنا وهناكلا يعرف أين هو ، ولا كيف يسير ولا ماذا يفعل ، ويلقي عليه بأحماله ، ويقف كأنّه لايتحرّك . . يقول :

وليلكموج البحرِ أرخى سدوله عليّ بأنواع الهمومِليبتلي
فقُلْتُ لَهُ لمّا تمطّى بصلبِهِ وأردف أعجازاًوناءَ بِكَلْكَلِ
ألاأيّها الليلُ الطويل ألا انجلي بصبح وما الأصْبَاحُ منكَبِأمْثَلِ
وتعدّ هذه الأبيات من أروع ماقاله في الوصف ، ومبعث روعتها تصويره وحشيّة الليل بأمواج البحر وهي تطوي مايصادفها; لتختبر ما عند الشاعر من الصبر والجزع .فأنت أمام وصف وجداني فيه منالرقّة والعاطفة النابضة ، وقد استحالت سدول الليل فيه إلى سدول همّ ، وامتزج ليلالنفس بليل الطبيعة ، وانتقل الليل من الطبيعة إلى النفس ، وانتقلت النفس إلى ظلمةالطبيعة .فالصورة في شعره تجسيد للشعور فيمادّة حسّية مستقاة من البيئة الجاهلية .ثمّ يخرج منه إلى وصف فرسه وصيدهولذّاته فيه ، وكأنّه يريد أن يضع بين يدي صاحبته فروسيته وشجاعته ومهارته في ركوبالخيل واصطياد الوحش يقول :

وقدأَغتدي والطير في وُكُناتِها بِمُنْجرد قيدِ الأوابدِهيكلِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِل مُدْبر معاً كجُلْمُودِ صَخْر حَطَّهُالسَّيْلُ مِنْ عَلِ
وهو وصف رائع لفرسه الأشقر ، فقدصوّر سرعته تصويراً بديعاً ، وبدأ فجعله قيداً لأوابد الوحش إذا انطلقت في الصحراءفإنّها لا تستطيع إفلاتاً منه كأنّه قيد يأخذ بأرجلها .وهو لشدّة حركته وسرعته يخيّلإليك كأنّه يفرّ ويكرّ في الوقت نفسه ، وكأنّه يقبل ويدبر في آن واحد ، وكأنّهجلمود صخر يهوى به السيل من ذورة جبل عال .ثمّ يستطرد في ذكر صيده وطهيالطهاة له وسط الصحراء قائلاً :

فظلّطهاةُ اللحمِ ما بين منضج صفيف شواء أو قديرمعجّلِ
وينتقل بعد ذلك إلى وصف الأمطاروالسيول ، التي ألمّت بمنازل قومه بني أسد بالقرب من تيماء في شمالي الحجاز ،يقول :

أحارِ ترى برقاً كأنّوميضَهُ
كلمعِ اليدين في حبيٍّمكَلّلِ
يضيءُ سناهُ أومصابيحُ راهب
أهانَ السَّليطَفي الذُّبالِ المفتّلِ
قعدتُ له وصحبتيبين حامِر
وبين إكام بُعْدَ مامتأمّلِ
وأضحى يسحُّ الماءعن كلِّ فيقة
يكبُّ على الأذهان دوحَالكَنهْبَلِ
وتيماءَ لم يتركبها جذعَ نخلة
ولا اُطماً إلاّ مشيداًبِجَنْدَلِ
استهلّ هذه القطعة بوصف وميضالبرق وتألّقه في سحاب متراكم ، وشبّه هذا التألّق واللمعان بحركة اليدين إذا اُشيربهما ، أو كأنّه مصابيح راهب يتوهّج ضوؤها بما يمدّها من زيتكثير .
ويصف كيف جلس هو وأصحابهيتأمّلونه بين جامر وإكام ، والسحاب يسحّ سحّاً ، حتّى لتقتلع سيوله كلّ ما فيطريقها من أشجار العِضاه العظيمة ، وتلك تيماء لم تترك بها نخلاً ولا بيتاً ، إلاّما شيّد بالصخر ، فقد اجتثّت كلّ ما مرّت به ، وأتت عليه من قواعدهواُصوله .

لبيد بن ربيعة
هو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالكبن جعفر بن كلاب بن ربيعة . . الكلابيقال المرزباني : كان فارساًشجاعاً سخيّاً ، قال الشعر في الجاهلية دهراً . قال أكثر أهل الأخبار : إنّه كانشريفاً في الجاهلية والإسلام ، وكان قد نذر أن لا تهبّ الصبا إلاّ نحر وأطعم ، ثمّنزل الكوفة ، وكان المغيرة بن شعبة إذا هبّت الصبا يقول : أعينوا أبا عقيل علىمروءته . وحكى الرياشي : لمّا اشتدّ الجدبعلى مضر بدعوة النبيّ(صلى الله عليه وسلم) وفد عليه وفد قيس وفيهم لبيدفأنشد :

أتيناكيا خير البريّة كلّها لترحمنا ممّا لقينا منالأزلِ
أتيناكوالعذراء تدمى لبانها وقد ذهلت أمّ الصبيّ عنالطفلِ
فإنتدعُ بالسقيا وبالعفو ترسل الـ ـسّماءَ لنا والأمر يبقى علىالأَصْلِ
وهو من الشعراء ، الّذين ترفعواعن مدح الناس لنيل جوائزهم وصِلاتهم ، كما أنّه كان من الشعراء المتقدّمين فيالشعر .وأمّا أبوه فقد عرف بربيعةالمقترين لسخائه ، وقد قُتل والده وهو صغير السّنّ ، فتكفّل أعمامهُتربيتَه .ويرى بروكلمان احتمال مجيء لبيدإلى هذه الدنيا في حوالى سنة 560م .
أمّا وفاته فكانت سنة 40هـ . وقيل : 41هـ .لمّا دخل معاوية الكوفة بعد أن صالح الإمام الحسن بن علي ونزل النخيلة ، وقيل :إنّه مات بالكوفة أيّام الوليد بن عقبة في خلافة عثمان ، كما ورد أنّه توفّي سنةنيف وستين .
قالوافيه :
1 ـ النبي(صلى الله عليه وآله) :أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد :

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل
وروى أنّ لبيداً أنشد النبي(صلىالله عليه وسلم) قوله :

ألاكلّ شيء ما خلا الله باطلُ
فقال له :صدقت .
فقال :
وكلّنعيم لا محالة زائلُ
فقال له : كذبت ، نعيم الآخرة لايزول .
2 ـ المرزباني : إنّ الفرزدق سمعرجلاً ينشد قول لبيد :

وجلاالسيوف من الطلولِ كأنّها زبر تجدّ متونَهاأقلامُها
فنزل عن بغلته وسجد ، فقيل له :ما هذا؟ فقال : أنا أعرف سجدة الشعر كما يعرفون سجدة القرآن .

القول في إسلامه
وأمّا إسلامه فقد أجمعت الرواةعلى إقبال لبيد على الإسلام من كلّ قلبه ، وعلى تمسّكه بدينه تمسّكاً شديداً ، ولاسيما حينما يشعر بتأثير وطأة الشيخوخة عليه ، وبقرب دنوّ أجله; ويظهر أنّ شيخوختهقد أبعدته عن المساهمة في الأحداث السياسية التي وقعت في أيّامه ، فابتعد عنالسياسة ، وابتعد عن الخوض في الأحداث ، ولهذا لا نجد في شعره شيئاً ، ولا فيما رويعنه من أخبار أنّه تحزّب لأحد أو خاصم أحداً .وروي أنّ لبيداً ترك الشعر وانصرفعنه ، فلمّا كتب عمر إلى عامله المغيرة ابن شعبة على الكوفة يقول له : استنشد منقبلك من شعراء مصرك ما قالوا في الإسلام . أرسل إلى لبيد ، فقال : أرجزاً تُريد أمقصيداً؟ فقال :
أنشدني ما قلته في الإسلام ، فكتبسورة البقرة في صحيفة ثمّ أتى بها ، وقال : أَبدلني الله هذا في الإسلام مكانالشعر . فكتب المغيرة بذلك إلى عمر فنقص منعطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد .
وجعله في اُسد الغابة من المؤلّفةقلوبهم وممّن حسن إسلامه، وكان عمرهمائة وخمساً وخمسين سنة ، منهاخمس وأربعون في الإسلام وتسعون في الجاهلية .

مختارات من شعره
له قصيدة في رثاء النعمان بنالمنذر ، تعرّض فيها للموت ولزوال النعيم ولعدم دوام الدنيا لأحد ،مطلعها :

ألاتسألان المرء ماذا يحاولُ أنحب فيقضى أم ضلالٌوباطلٌ؟
وقد ذكر فيها الله جلّ جلالهبقوله :

أرى الناس لا يدرون ما قدرُ أمرِهمُ
بلى : كلّ ذي لبّ إلى اللهواسلُ
ألا كلُّ شيء ماخلا الله باطلُ
وكلّ نعيم لا محالةزائلُ
وكلُّ اُناس سوفتدخلُ بينهم
دويهيّةٌ تصفرّ منهاالأناملُ
وكلّ امرئ يوماًسيعلمُ سعيه
إذا كشّفت عند الإله المحاصلُ43

معلّقة لبيد بن ربيعة
البحر : الكامل . عدد الأبيات : 89 موزّعة فيما يلي : 11 في ديار الحبيبة . 10 في رحلة الحبيبة وبعدها وأثره . 33في الناقة . 21 في الفخر الشخصي . 14 في الفخر القبلي .
يبدأ الشاعر معلقته ببكاء الأطلالووصفها ، وكيف أنّ الديار قد درست معالمها حتّى عادت لا ترى فقد هجرت ، وأصبحت لايدخلها أحدٌ لخرابها :

عفتالديار محلّها فمقامها بمنىً تأبّد غولهافرجامها
رزقتمرابيع النجوم وصابها ودقَ الرواعد جودهافرهامها
ثمّ عاد بمخيلته شريط الذكريات ،ذكريات فراق الأحبّة فيتحدّث عن الظعائن الجميلات الرشيقات ، وعن هوادجهنّ المكسوّةبالقماش والستائر :

مشاقتكظعن الحيّ يوم تحمّلوا فتكنّسوا قطناً تصرّخيامها
منكلِّ محفوف يظلّ عصيّه روح عليه كلّةٌ وقرامها
ويرى أن يقطع أمله منها ويتركرجاءه فيها ما دامت نوار قد تغيّر وصلها :

ما قطعلبانه من تعرّض وصله ولشرّ واصل خلّة صرّامها
ثمّ يأخذ في وصف ناقته بألفاظغريبة وتعابير بدوية متينة ، فهو يشبهها بالغمامة الحمراء تدفعها رياح الجنوبفيقول :

فلهاهبابٌ في الزمامِ كأنّها صهباء خفّ مع الجنوبحمامُها
واُخرى يشبّهها بالبقرة الوحشيّةقائلاً :

خنساءُضيّعتِ الغريرَ فلم ترِمْ عُرْضَ الشّقائقِ طوفهاوبُغامُها
لمعفّرقَهْد تنازعَ شلوهُ غبسٌ كواسبُ ، لا يُمَنّطعامُها
وعلى الرغم من تعرّضه لوصف الناقةفلم تفته الحكمة :

صادفْنَ منها غرّة فأصبنها إنّ المنايا لا تطيشسهامها
ويقول :

لتذودهنّ وأيقنت إن لم تَزُدْ أن قد أحمّ منالحتوفِ حمامها
فهو مؤمن بقضاء الله ، قانع بماقسم له وكتب عليه ، راض بذلك ، ويدعو النّاس إلى الرضا :

فاقنعبما كتب المليكُ فإنّما قسم الخلائق بينناعلاّمها
ثمّ ينتقل لبيد للفخر بفروسيّته ،وكونه يحمي قومه في موضع المحنة والخوف ، يرقب لهم عند ثغور الأعداء وهو بكاملعدّته متأهّباً للنزال ، حتّى إذا أجنّه الظلام نزل من مرقبه إلى السهل ، وامتطىجواده القوي السريع :

ولقد حميت الحيّ تحملمثكتي
فرطٌ وشاحي إذ غدوتلجامها
فعلوت مرتقباً علىذي هبوة
حرج إلى أعلامهنّقَتَامُها
حتّى إذا ألقت يداًفي كافر
وأجنّ عورات الثغورظلامها
أسهلت وانتصبتْكجذعِ منيفة
جرداءَ يَحْصَرُ دونَهاجرّامُها
ولبيد خير شاعر برّ قومه ، فهويحبّهم ويؤثرهم ويشيد بمآثرهم ويسجّل مكرماتهم ، ويفخر بأيّامهم وأحسابهم ، فسجّلفي معلّقته فضائل قومه ، وافتخر بأهله وخصّهم بأجودالثناء :

إنّا إذا التقت المجامعُ لميزل
منّا لزازُ عظيمةجشّامُّها
من معشر سنّت لهمآباؤهم
ولكلّ قوم سنّةٌوإمُامها
لا يطبعون ولا يبورفعالُهم
إذ لا يميل مع الهوىأحلامُها
وهم السعاةُ إذاالعشيرة اُفظِعَتْ
وهُمُ فوارسها وهمحكّامُها
وهُمُ ربيعٌللمجاور فيهمُ
والمرملاتِ إذا تطاولَعامُها
وهُمُ العشيرةُ أنيُبَطّئ حاسدٌ
أو أن يميلَ مع العدىلوّامُها

المصادر والمراجع
(1) العين للفراهيدي 1/162 تحقيق د .مهدي المخزومي و د . ابراهيم السامرائي ، ط لبنان 1988 .
(2) لسان العرب لابن منظور 9/362 . دار إحياء التراث العربي ـ ط1 بيروت 1988 .
(3) المصدر السابقص359 .
(4) المعجم الأدبي د . جبّورعبدالنور ص257 ط دار العلم للملايين .
(5) العقد الفريد لابن عبد ربّه 6/118 ط دار الكتب العلمية بيروت ـ تح : د . عبدالمجيد الترحيني ـط1ـ 1404هـ .وانظر خزانة الأدب للحموي 1/61 ومقدّمة ابن خلدون : 511 وتاريخ آداب العربية لمصطفىصادق الرافعي 1833 .
(6) تاريخ الأدب العربي ـ العصر الجاهلي للدكتور شوقي ضيف :ص140 .
(7) العقد الفريد 6 : 119 .
(8) المزهر 2/480 وعبارته هيعين عبارة العمدة .
(9) خزانة الأدب 1 / 61.
(10) كما ذكره الرافعي في تأريخ آداب العربية 3/183وغيره .
(11) المقدّمة : 511 .
(12) تأريخ آداب اللغة العربية 1/95 . ط دار مكتبة الحياة ـبيروت .
(13) المصدرالسابق .
(14) تاريخ آداب اللغة العربية ، جرجي زيدان 1/95 ط دار مكتبة الحياة ـبيروت .
(15) تاريخ الأدب العربي لكارلبروكلمان 1/67 ترجمة د . عبدالحكيم النجّار .
(16) تاريخ الأدب العربي ـالعصر الجاهلي ص140 .
(17) المصدر السابقص142 .
(18) تاريخ آداب العرب 3/183 .
(19) المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام 9/516 ومابعدها .
(20) خزانة الأدب 1/124 .
(21) النقائض لأبي عبيدة 1/189 .
(22) الخصاص لابن جني 1/392 ـ 393 ، ولمزيد من التفصيل عليك بكتاب مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التأريخية للدكتورناصر الدين الأسد ص134 وما بعدها . ط . دار الجيل بيروت ، وانظر أيضاً فصل الكتابةعند العرب قبل الإسلام من مكاتيب الرسول ج1 للشيخ الأحمديالميانجي .
(23) ديوان حسّان بن ثابت ـ مخطوط بمكتبة أحمد الثالث ورقة 15 ـ 16 عندمصادر الشعر الجاهلي لناصر الدين الاسد .
(24) سيرة ابن هشام 1/375 ـ 376 .
(25) خزانة الأدب 3/162 .
(26) خزانة الأدب 3/162 .
(27) اُنظر تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان 1/67 .
(28) الشعر والشعراء ص27 ط ليدن 1902 .
(29) المصدر السابق :ص39 .
(30) الشعر والشعراء ص45 ـ 47 ،وعسيب : جبل هناك .
(31) الشعروالشعراء .

يســــــلمو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يعطيك العافية اخوي..
يزاك الله وما قصرت

أستغفرك يا رب من كل ذنب

التصنيفات
الصف الحادي عشر

بحث , تقرير / المعلقات للصف الحادي عشر

بحث , تقرير / المعلقات

المعلّقات

التعريف المختصر الكامل للمعلقات من كافة الجوانب
كان فيما اُثر من أشعار العرب ، ونقل إلينا من تراثهم الأدبي الحافل بضع قصائد من مطوّلات الشعر العربي ، وكانت من أدقّه معنى ، وأبعده خيالاً ، وأبرعه وزناً ، وأصدقه تصويراً للحياة ، التي كان يعيشها العرب في عصرهم قبل الإسلام ، ولهذا كلّه ولغيره عدّها النقّاد والرواة قديماً قمّة الشعر العربي وقد سمّيت بالمطوّلات ، وأمّا تسميتها المشهورة فهي المعلّقات . نتناول نبذةً عنها وعن أصحابها وبعض الأوجه الفنّية فيها :
فالمعلّقات لغةً من العِلْق : وهو المال الذي يكرم عليك ، تضنّ به ، تقول : هذا عِلْقُ مضنَّة . وما عليه علقةٌ إذا لم يكن عليه ثياب فيها خير1 ، والعِلْقُ هو النفيس من كلّ شيء ، وفي حديث حذيفة : «فما بال هؤلاء الّذين يسرقون أعلاقنا» أي نفائس أموالنا2 . والعَلَق هو كلّ ما عُلِّق3 .
وأمّا المعنى الاصطلاحي فالمعلّقات : قصائد جاهليّة بلغ عددها السبع أو العشر ـ على قول ـ برزت فيها خصائص الشعر الجاهلي بوضوح ، حتّى عدّت أفضل ما بلغنا عن الجاهليّين من آثار أدبية4 .
والناظر إلى المعنيين اللغوي والاصطلاحي يجد العلاقة واضحة بينهما ، فهي قصائد نفيسة ذات قيمة كبيرة ، بلغت الذّروة في اللغة ، وفي الخيال والفكر ، وفي الموسيقى وفي نضج التجربة ، وأصالة التعبير ، ولم يصل الشعر العربي الى ما وصل إليه في عصر المعلّقات من غزل امرئ القيس ، وحماس المهلهل ، وفخر ابن كلثوم ، إلاّ بعد أن مرّ بأدوار ومراحل إعداد وتكوين طويلة .
وفي سبب تسميتها بالمعلّقات هناك أقوال منها :
لأنّهم استحسنوها وكتبوها بماء الذهب وعلّقوها على الكعبة ، وهذا ما ذهب إليه ابن عبد ربّه في العقد الفريد ، وابن رشيق وابن خلدون وغيرهم ، يقول صاحب العقد الفريد : «وقد بلغ من كلف العرب به (أي الشعر) وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيّرتها من الشعر القديم ، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة ، وعلّقتها بين أستار الكعبة ، فمنه يقال : مذهّبة امرئ القيس ، ومذهّبة زهير ، والمذهّبات سبع ، وقد يقال : المعلّقات ، قال بعض المحدّثين قصيدة له ويشبّهها ببعض هذه القصائد التي ذكرت :
برزةٌ تذكَرُ في الحسـ ـنِ من الشعر المعلّقْ
كلّ حرف نادر منـ ـها له وجهٌ معشّق5
أو لأنّ المراد منها المسمّطات والمقلّدات ، فإنّ من جاء بعدهم من الشعراء قلّدهم في طريقتهم ، وهو رأي الدكتور شوقي ضيف وبعض آخر6 . أو أن الملك إذا ما استحسنها أمر بتعليقها في خزانته .
هل علّقت على الكعبة؟
سؤال طالما دار حوله الجدل والبحث ، فبعض يثبت التعليق لهذه القصائد على ستار الكعبة ، ويدافع عنه ، بل ويسخّف أقوال معارضيه ، وبعض آخر ينكر الإثبات ، ويفنّد أدلّته ، فيما توقف آخرون فلم تقنعهم أدلّة الإثبات ولا أدلّة النفي ، ولم يعطوا رأياً في ذلك .
المثبتون للتعليق وأدلّتهم :
لقد وقف المثبتون موقفاً قويّاً ودافعوا بشكل أو بآخر عن موقفهم في صحّة التعليق ، فكتبُ التاريخ حفلت بنصوص عديدة تؤيّد صحّة التعليق ، ففي العقد الفريد7 ذهب ابن عبد ربّه ومثله ابن رشيق والسيوطي8وياقوت الحموي9وابن الكلبي10وابن خلدون11 ، وغيرهم إلى أنّ المعلّقات سمّيت بذلك; لأنّها كتبت في القباطي بماء الذهب وعلّقت على أستار الكعبة ، وذكر ابن الكلبي : أنّ أوّل ما علّق هو شعر امرئ القيس على ركن من أركان الكعبة أيّام الموسم حتّى نظر إليه ثمّ اُحدر ، فعلّقت الشعراء ذلك بعده .
وأمّا الاُدباء المحدّثون فكان لهم دور في إثبات التعليق ، وعلى سبيل المثال نذكر منهم جرجي زيدان حيث يقول :
«وإنّما استأنف إنكار ذلك بعض المستشرقين من الإفرنج ، ووافقهم بعض كتّابنا رغبة في الجديد من كلّ شيء ، وأيّ غرابة في تعليقها وتعظيمها بعدما علمنا من تأثير الشعر في نفوس العرب؟! وأمّا الحجّة التي أراد النحّاس أن يضعّف بها القول فغير وجيهة; لأنّه قال : إنّ حمّاداً لمّا رأى زهد الناس في الشعر جمع هذه السبع وحضّهم عليها وقال لهم : هذه هي المشهورات»12 ، وبعد ذلك أيّد كلامه ومذهبه في صحّة التعليق بما ذكره ابن الأنباري إذ يقول : «وهو ـ أي حمّاد ـ الذي جمع السبع الطوال ، هكذا ذكره أبو جعفر النحاس ، ولم يثبت ما ذكره الناس من أنّها كانت معلّقة على الكعبة»13 .
وقد استفاد جرجي زيدان من عبارة ابن الأنباري : «ما ذكره الناس» ، فهو أي ابن الأنباري يتعجّب من مخالفة النحاس لما ذكره الناس ، وهم الأكثرية من أنّها علقت في الكعبة .
النافون للتعليق :
ولعلّ أوّلهم والذي يعدُّ المؤسّس لهذا المذهب ـ كما ذكرنا ـ هو أبو جعفر النحّاس ، حيث ذكر أنّ حمّاداً الراوية هو الذي جمع السبع الطوال ، ولم يثبت من أنّها كانت معلّقة على الكعبة ، نقل ذلك عنه ابن الأنباري14 . فكانت هذه الفكرة أساساً لنفي التعليق :
كارل بروكلمان حيث ذكر أنّها من جمع حمّاد ، وقد سمّاها بالسموط والمعلّقات للدلالة على نفاسة ما اختاره ، ورفض القول : إنّها سمّيت بالمعلّقات لتعليقها على الكعبة ، لأن هذا التعليل إنّما نشأ من التفسير الظاهر للتسمية وليس سبباً لها ، وهو ما يذهب إليه نولدكه15.
وعلى هذا سار الدكتور شوقي ضيف مضيفاً إليه أنّه لا يوجد لدينا دليل مادّي على أنّ الجاهليين اتّخذوا الكتابة وسيلة لحفظ أشعارهم ، فالعربية كانت لغة مسموعة لا مكتوبة . ألا ترى شاعرهم حيث يقول :
فلأهدينّ مع الرياح قصيدة منّي مغلغلة إلى القعقاعِ
ترد المياه فما تزال غريبةً في القوم بين تمثّل وسماعِ؟16
ودليله الآخر على نفي التعليق هو أنّ القرآن الكريم ـ على قداسته ـ لم يجمع في مصحف واحد إلاّ بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) (طبعاً هذا على مذهبه) ، وكذلك الحديث الشريف . لم يدوّن إلاّ بعد مرور فترة طويلة من الزمان (لأسباب لا تخفى على من سبر كتب التأريخ وأهمّها نهي الخليفة الثاني عن تدوينه) ومن باب أولى ألاّ تكتب القصائد السبع ولا تعلّق17 .
وممّن ردّ الفكرة ـ فكرة التعليق ـ الشيخ مصطفى صادق الرافعي ، وذهب إلى أنّها من الأخبار الموضوعة التي خفي أصلها حتّى وثق بها المتأخّرون18 .
ومنهم الدكتور جواد علي ، فقد رفض فكرة التعليق لاُمور منها :
1 ـ أنّه حينما أمر النبي بتحطيم الأصنام والأوثان التي في الكعبة وطمس الصور ، لم يذكر وجود معلقة أو جزء معلّقة أو بيت شعر فيها .
2 ـ عدم وجود خبر يشير إلى تعليقها على الكعبة حينما أعادوا بناءَها من جديد .
3 ـ لم يشر أحد من أهل الأخبار الّذين ذكروا الحريق الذي أصاب مكّة ، والّذي أدّى إلى إعادة بنائها لم يشيروا إلى احتراق المعلّقات في هذا الحريق .
4 ـ عدم وجود من ذكر المعلّقات من حملة الشعر من الصحابة والتابعين ولا غيرهم .
ولهذا كلّه لم يستبعد الدكتور جواد علي أن تكون المعلّقات من صنع حمّاد19 ، هذا عمدة ما ذكره المانعون للتعليق .
بعد استعراضنا لأدلة الفريقين ، اتّضح أنّ عمدة دليل النافين هو ما ذكره ابن النحاس حيث ادعى انّ حماداً هو الذي جمع السبع الطوال .
وجواب ذلك أن جمع حماد لها ليس دليلا على عدم وجودها سابقاً ، وإلاّ انسحب الكلام على الدواوين التي جمعها أبو عمرو بن العلاء والمفضّل وغيرهما ، ولا أحد يقول في دواوينهم ما قيل في المعلقات . ثم إنّ حماداً لم يكن السبّاق الى جمعها فقد عاش في العصر العباسي ، والتاريخ ينقل لنا عن عبد الملك أنَّه عُني بجمع هذه القصائد (المعلقات) وطرح شعراء أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة20 .
وأيضاً قول الفرزدق يدلنا على وجود صحف مكتوبة في الجاهلية :
أوصى عشية حين فارق رهطه عند الشهادة في الصحيفة دعفلُ
أنّ ابن ضبّة كان خيرٌ والداً وأتمّ في حسب الكرام وأفضلُ
كما عدّد الفرزدق في هذه القصيدة اسماء شعراء الجاهلية ، ويفهم من بعض الأبيات أنّه كانت بين يديه مجموعات شعرية لشعراء جاهليين أو نسخ من دواوينهم بدليل قوله :
والجعفري وكان بشرٌ قبله لي من قصائده الكتاب المجملُ
وبعد ابيات يقول :
دفعوا إليَّ كتابهنّ وصيّةً فورثتهنّ كأنّهنّ الجندلُ21
كما روي أن النابغة وغيره من الشعراء كانوا يكتبون قصائدهم ويرسلونها الى بلاد المناذرة معتذرين عاتبين ، وقد دفن النعمان تلك الأشعار في قصره الأبيض ، حتّى كان من أمر المختار بن أبي عبيد واخراجه لها بعد أن قيل له : إنّ تحت القصر كنزاً22 .
كما أن هناك شواهد أخرى تؤيّد أن التعليق على الكعبة وغيرها ـ كالخزائن والسقوف والجدران لأجل محدود أو غير محدود ـ كان أمراً مألوفاً عند العرب ، فالتاريخ ينقل لنا أنّ كتاباً كتبه أبو قيس بن عبدمناف بن زهرة في حلف خزاعة لعبد المطّلب ، وعلّق هذا الكتاب على الكعبة23 . كما أنّ ابن هشام يذكر أنّ قريشاً كتبت صحيفة عندما اجتمعت على بني هاشم وبني المطّلب وعلّقوها في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم24 .
ويؤيّد ذلك أيضاً ما رواه البغدادي في خزائنه25 من قول معاوية : قصيدة عمرو بن كلثوم وقصيدة الحارث بن حِلزه من مفاخر العرب كانتا معلّقتين بالكعبة دهراً26 .
هذا من جملة النقل ، كما أنّه ليس هناك مانع عقلي أو فنّي من أن العرب قد علّقوا أشعاراً هي أنفس ما لديهم ، وأسمى ما وصلت إليه لغتهم; وهي لغة الفصاحة والبلاغة والشعر والأدب ، ولم تصل العربية في زمان إلى مستوى كما وصلت إليه في عصرهم . ومن جهة اُخرى كان للشاعر المقام السامي عند العرب الجاهليين فهو الناطق الرسمي باسم القبيلة وهو لسانها والمقدّم فيها ، وبهم وبشعرهم تفتخر القبائل ، ووجود شاعر مفلّق في قبيلة يعدُّ مدعاة لعزّها وتميّزها بين القبائل ، ولا تعجب من حمّاد حينما يضمّ قصيدة الحارث بن حلزّة إلى مجموعته ، إذ إنّ حمّاداً كان مولى لقبيلة بكر بن وائل ، وقصيدة الحارث تشيد بمجد بكر سادة حمّاد27 ، وذلك لأنّ حمّاداً يعرف قيمة القصيدة وما يلازمها لرفعة من قيلت فيه بين القبائل .
فإذا كان للشعر تلك القيمة العالية ، وإذا كان للشاعر تلك المنزلة السامية في نفوس العرب ، فما المانع من أن تعلّق قصائد هي عصارة ما قيل في تلك الفترة الذهبية للشعر؟
ثمّ إنّه ذكرنا فيما تقدّم أنّ عدداً لا يستهان به من المؤرّخين والمحقّقين قد اتفقوا على التعليق .
فقبول فكرة التعليق قد يكون مقبولا ، وأنّ المعلّقات لنفاستها قد علّقت على الكعبة بعدما قرئت على لجنة التحكيم السنوية ، التي تتّخذ من عكاظ محلاً لها ، فهناك يأتي الشعراء بما جادت به قريحتهم خلال سنة ، ويقرأونها أمام الملإ ولجنة التحكيم التي عدُّوا منها النابغة الذبياني ليعطوا رأيهم في القصيدة ، فإذا لاقت قبولهم واستحسانهم طارت في الآفاق ، وتناقلتها الألسن ، وعلّقت على جدران الكعبة أقدس مكان عند العرب ، وإن لم يستجيدوها خمل ذكرها ، وخفي بريقها ، حتّى ينساها الناس وكأنّها لم تكن شيئاً مذكوراً .
موضوع شعر المعلّقات
لو رجعنا إلى القصائد الجاهلية الطوال والمعلّقات منها على الأخصّ رأينا أنّ الشعراء يسيرون فيها على نهج مخصوص; يبدأون عادة بذكر الأطلال ، وقد بدأ عمرو بن كلثوم مثلاً بوصف الخمر ، ثمّ بدأ بذكر الحبيبة ، ثمّ ينتقل أحدهم إلى وصف الراحلة ، ثمّ إلى الطريق التي يسلكها ، بعدئذ يخلص إلى المديح أو الفخر (إذا كان الفخر مقصوداً كما عند عنترة) وقد يعود الشاعر إلى الحبيبة ثمّ إلى الخمر ، وبعدئذ ينتهي بالحماسة (أو الفخر) أو بذكر شيء من الحِكَم (كما عند زهير) أو من الوصف كما عند امرئ القيس .
ويجدر بالملاحظة أنّ في القصيدة الجاهلية أغراضاً متعدّدة; واحد منها مقصود لذاته (كالغزل عند امرئ القيس ، الحماسة عند عنترة ، والمديح عند زهير . .) ،
عدد القصائد المعلّقات
لقد اُختلف في عدد القصائد التي تعدّ من المعلّقات ، فبعد أن اتّفقوا على خمس منها; هي معلّقات : امرئ القيس ، وزهير ، ولبيد ، وطرفة ، وعمرو بن كلثوم . اختلفوا في البقيّة ، فمنهم من يعدّ بينها معلّقة عنترة والحارث بن حلزة ، ومنهم من يدخل فيها قصيدتي النابغة والأعشى ، ومنهم من جعل فيها قصيدة عبيد بن الأبرص ، فتكون المعلّقات عندئذ عشراً .
نماذج مختارة من القصائد المعلّقة مع شرح حال شعرائها
أربع من هذه القصائد اخترناها من بين القصائد السبع أو العشر مع اشارة لما كتبه بعض الكتاب والأدباء عن جوانبها الفنية.. لتكون محور مقالتنا هذه :
امرؤ القيس
اسمه : امرؤ القيس ، خندج ، عدي ، مليكة ، لكنّه عرف واشتهر بالاسم الأوّل ، وهو آخر اُمراء اُسرة كندة اليمنيّة .
أبوه : حجر بن الحارث ، آخر ملوك تلك الاُسرة ، التي كانت تبسط نفوذها وسيطرتها على منطقة نجد من منتصف القرن الخامس الميلادي حتى منتصف السادس .
اُمّه : فاطمة بنت ربيعة اُخت كليب زعيم قبيلة ربيعة من تغلب ، واُخت المهلهل بطل حرب البسوس ، وصاحب أوّل قصيدة عربية تبلغ الثلاثين بيتاً .
نبذة من حياته :
قال ابن قتيبة : هو من أهل نجد من الطبقة الاُولى28 . كان يعدّ من عشّاق العرب ، وكان يشبّب بنساء منهنّ فاطمة بنت العبيد العنزية التي يقول لها في معلّقته :
أفاطمُ مهلاً بعض هذا التدلّل
وقد طرده أبو ه على أثر ذلك . وظل امرؤ القيس سادراً في لهوه إلى أن بلغه مقتل أبيه وهو بدمّون فقال : ضيّعني صغيراً ، وحمّلني دمه كبيراً ، لا صحو اليوم ولا سكرَ غداً ، اليوم خمرٌ وغداً أمرٌ ، ثمّ آلى أن لا يأكل لحماً ولا يشرب خمراً حتّى يثأر لأبيه29 .
إلى هنا تنتهي الفترة الاُولى من حياة امرئ القيس وحياة المجون والفسوق والانحراف ، لتبدأ مرحلة جديدة من حياته ، وهي فترة طلب الثأر من قَتَلة أبيه ، ويتجلّى ذلك من شعره ، الّذي قاله في تلك الفترة ، الّتي يعتبرها الناقدون مرحلة الجدّ من حياة الشاعر ، حيكت حولها كثير من الأساطير ، التي اُضيفت فيما بعد إلى حياته . وسببها يعود إلى النحل والانتحال الذي حصل في زمان حمّاد الراوية ، وخلف الأحمر ومن حذا حذوهم . حيث أضافوا إلى حياتهم ما لم يدلّ عليه دليل عقلي وجعلوها أشبه بالأسطورة . ولكن لا يعني ذلك أنّ كلّ ما قيل حول مرحلة امرئ القيس الثانية هو اُسطورة .
والمهم أنّه قد خرج إلى طلب الثأر من بني أسد قتلة أبيه ، وذلك بجمع السلاح وإعداد الناس وتهيئتهم للمسير معه ، وبلغ به ذلك المسير إلى ملك الروم حيث أكرمه لما كان يسمع من أخبار شعره وصار نديمه ، واستمدّه للثأر من القتلة فوعده ذلك ، ثمّ بعث معه جيشاً فيهم أبناء ملوك الروم ، فلمّا فصل قيل لقيصر : إنّك أمددت بأبناء ملوك أرضك رجلاً من العرب وهم أهل غدر ، فإذا استمكن ممّا أراد وقهر بهم عدوّه غزاك . فبعث إليه قيصر مع رجل من العرب كان معه يقال له الطمّاح ، بحلّة منسوجة بالذهب مسمومة ، وكتب إليه : إنّي قد بعثت إليك بحلّتي الّتي كنت ألبسها يوم الزينة ليُعرف فضلك عندي ، فإذا وصلت إليك فالبسها على الُيمن والبركة ، واكتب إليّ من كلّ منزل بخبرك ، فلمّا وصلت إليه الحلّة اشتدّ سروره بها ولبسها ، فأسرع فيه السمّ وتنفّط جلده ، والعرب تدعوه : ذا القروح لذلك ، ولقوله :
وبُدِّلْتُ قرحاً دامياً بعد صحّة فيالك نُعمى قد تحوّلُ أبؤسا
ولمّا صار إلى مدينة بالروم تُدعى : أنقرة ثقل فأقام بها حتّى مات ، وقبره هناك .
وآخر شعره :
ربّ خطبة مسحنفَرهْ وطعنة مثعنجرهْ
وجعبة متحيّرهْ تدفنُ غداً بأنقرةْ
ورأى قبراً لامرأة من بنات ملوك العرب هلكت بأنقره فسأل عنها فاخبر ، فقال :
أجارتنا إنّ المزار قريبُ وإنّي مقيم ما أقام عسيبُ
أجارتَنا إنّا غريبانِ هاهنا وكلّ غريب للغريب نسيبُ30
وقد عدَّ الدكتور جواد علي والدكتور شوقي ضيف وبروكلمان وآخرون بعض ما ورد في قصّة امرئ القيس وطرده ، والحكايات التي حيكت بعد وصوله إلى قيصر ودفنه بأنقرة إلى جانب قبر ابنة بعض ملوك الروم ، وسبب موته بالحلة المسمومة ، وتسميته ذا القروح من الأساطير .
قالوا فيه :
1 ـ النبيّ(صلى الله عليه وآله) : ذاك رجل مذكور في الدنيا ، شريف فيها منسيّ في الآخرة خامل فيها ، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار31 .
2 ـ الإمام علي(عليه السلام) : سُئل من أشعر الشعراء؟ فقال :
إنّ القوم لم يَجروا في حَلبة تُعرفُ الغايةُ عند قصبتها ، فإنْ كان ولابُدّ فالملكُ الضِّلِّيلُ32 . يريد امرأ القيس .
3 ـ الفرزدق سئل من أشعر الناس؟ قال : ذو القروح .
4 ـ يونس بن حبيب : إنّ علماء البصرة كانوا يقدّمون امرأ القيس .
5 ـ لبيد بن ربيعة : أشعر الناس ذو القروح .
6 ـ أبو عبيدة معمّر بن المثنّى : هو أوّل من فتح الشعر ووقف واستوقف وبكى في الدمن ووصف ما فيها . . .33
معلّقة امرئ القيس
البحر : الطويل . عدد أبياتها : 78 بيتاً منها : 9 : في ذكرى الحبيبة . 21 : في بعض مواقف له . 13 : في وصف المرأة . 5 : في وصف الليل . 18 : في السحاب والبرق والمطر وآثاره . والبقية في اُمور مختلفة .
استهلّ امرؤ القيس معلّقته بقوله :
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزِلِ بِسِقْط اللِّوَى بين الدَّخُوْلِ فَحَوْمَلِ
فتوضِحَ فالمقراة لم يعفُ رسمُها لما نسجتها من جنوب وَشَمْأَلِ
وقد عدّ القدماء هذا المطلع من مبتكراته ، إذ وقف واستوقف وبكى وأبكى وذكر الحبيب والمنزل ، ثمّ انتقل إلى رواية بعض ذكرياته السعيدة بقوله :
ألا ربّ يوم لَكَ منهُنَّ صالحٌ ولاسيّما يومٌ بدراة جُلجُلِ
ويومَ عقرت للعِذارى مطيّتي فيا عجباً من رحلِها المتحمّلِ
فضلّ العذارى يرتمينَ بلحمها وشحم كهذّاب الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ
وحيث إنّ تذكّر الماضي السعيد قد أرّق ليالي الشاعر ، وحرمه الراحة والهدوء; لذا فقد شعر بوطأة الليل; ذلك أنّ الهموم تصل إلى أوجها في الليل ، فما أقسى الليل على المهموم! إنّه يقضّ مضجعهُ ، ويُطير النوم من عينيه ، ويلفّه في ظلام حالك ، ويأخذه في دوامة تقلّبه هنا وهناك لا يعرف أين هو ، ولا كيف يسير ولا ماذا يفعل ، ويلقي عليه بأحماله ، ويقف كأنّه لا يتحرّك . . يقول :
وليل كموج البحرِ أرخى سدوله عليّ بأنواع الهمومِ ليبتلي
فقُلْتُ لَهُ لمّا تمطّى بصلبِهِ وأردف أعجازاً وناءَ بِكَلْكَلِ
ألا أيّها الليلُ الطويل ألا انجلي بصبح وما الأصْبَاحُ منكَ بِأمْثَلِ
وتعدّ هذه الأبيات من أروع ما قاله في الوصف ، ومبعث روعتها تصويره وحشيّة الليل بأمواج البحر وهي تطوي ما يصادفها; لتختبر ما عند الشاعر من الصبر والجزع .
فأنت أمام وصف وجداني فيه من الرقّة والعاطفة النابضة ، وقد استحالت سدول الليل فيه إلى سدول همّ ، وامتزج ليل النفس بليل الطبيعة ، وانتقل الليل من الطبيعة إلى النفس ، وانتقلت النفس إلى ظلمة الطبيعة .
فالصورة في شعره تجسيد للشعور في مادّة حسّية مستقاة من البيئة الجاهلية .
ثمّ يخرج منه إلى وصف فرسه وصيده ولذّاته فيه ، وكأنّه يريد أن يضع بين يدي صاحبته فروسيته وشجاعته ومهارته في ركوب الخيل واصطياد الوحش يقول :
وقد أَغتدي والطير في وُكُناتِها بِمُنْجرد قيدِ الأوابدِ هيكلِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِل مُدْبر معاً كجُلْمُودِ صَخْر حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
وهو وصف رائع لفرسه الأشقر ، فقد صوّر سرعته تصويراً بديعاً ، وبدأ فجعله قيداً لأوابد الوحش إذا انطلقت في الصحراء فإنّها لا تستطيع إفلاتاً منه كأنّه قيد يأخذ بأرجلها .
وهو لشدّة حركته وسرعته يخيّل إليك كأنّه يفرّ ويكرّ في الوقت نفسه ، وكأنّه يقبل ويدبر في آن واحد ، وكأنّه جلمود صخر يهوى به السيل من ذورة جبل عال .
ثمّ يستطرد في ذكر صيده وطهي الطهاة له وسط الصحراء قائلاً :
فظلّ طهاةُ اللحمِ ما بين منضج صفيف شواء أو قدير معجّلِ
وينتقل بعد ذلك إلى وصف الأمطار والسيول ، التي ألمّت بمنازل قومه بني أسد بالقرب من تيماء في شمالي الحجاز ، يقول :
أحارِ ترى برقاً كأنّ وميضَهُ
كلمعِ اليدين في حبيٍّ مكَلّلِ
يضيءُ سناهُ أو مصابيحُ راهب
أهانَ السَّليطَ في الذُّبالِ المفتّلِ
قعدتُ له وصحبتي بين حامِر
وبين إكام بُعْدَ ما متأمّلِ
استهلّ هذه القطعة بوصف وميض البرق وتألّقه في سحاب متراكم ، وشبّه هذا التألّق واللمعان بحركة اليدين إذا اُشير بهما ، أو كأنّه مصابيح راهب يتوهّج ضوؤها بما يمدّها من زيت كثير .
ويصف كيف جلس هو وأصحابه يتأمّلونه بين جامر وإكام ، والسحاب يسحّ سحّاً ، حتّى لتقتلع سيوله كلّ ما في طريقها من أشجار العِضاه العظيمة ، وتلك تيماء لم تترك بها نخلاً ولا بيتاً ، إلاّ ما شيّد بالصخر ، فقد اجتثّت كلّ ما مرّت به ، وأتت عليه من قواعده واُصوله .
لبيد بن ربيعة
هو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة . . الكلابي
قال المرزباني : كان فارساً شجاعاً سخيّاً ، قال الشعر في الجاهلية دهراً34 .
قال أكثر أهل الأخبار : إنّه كان شريفاً في الجاهلية والإسلام ، وكان قد نذر أن لا تهبّ الصبا إلاّ نحر وأطعم ، ثمّ نزل الكوفة ، وكان المغيرة بن شعبة إذا هبّت الصبا يقول : أعينوا أبا عقيل على مروءته35 .
وحكى الرياشي : لمّا اشتدّ الجدب على مضر بدعوة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وفد عليه وفد قيس وفيهم لبيد فأنشد :
أتيناك يا خير البريّة كلّها لترحمنا ممّا لقينا من الأزلِ
أتيناك والعذراء تدمى لبانها وقد ذهلت أمّ الصبيّ عن الطفلِ
فإن تدعُ بالسقيا وبالعفو ترسل الـ ـسّماءَ لنا والأمر يبقى على الأَصْلِ
وهو من الشعراء ، الّذين ترفعوا عن مدح الناس لنيل جوائزهم وصِلاتهم ، كما أنّه كان من الشعراء المتقدّمين في الشعر .
وأمّا أبوه فقد عرف بربيعة المقترين لسخائه ، وقد قُتل والده وهو صغير السّنّ ، فتكفّل أعمامهُ تربيتَه .
ويرى بروكلمان احتمال مجيء لبيد إلى هذه الدنيا في حوالى سنة 560م . أمّا وفاته فكانت سنة 40هـ . وقيل : 41هـ . لمّا دخل معاوية الكوفة بعد أن صالح الإمام الحسن بن علي ونزل النخيلة ، وقيل : إنّه مات بالكوفة أيّام الوليد بن عقبة في خلافة عثمان ، كما ورد أنّه توفّي سنة نيف وستين36 .
قالوا فيه :
1 ـ النبي(صلى الله عليه وآله) : أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد :
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل37
وروى أنّ لبيداً أنشد النبي(صلى الله عليه وآله) قوله :
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطلُ
فقال له : صدقت .
فقال :
وكلّ نعيم لا محالة زائلُ
فقال له : كذبت ، نعيم الآخرة لا يزول38 .
2 ـ المرزباني : إنّ الفرزدق سمع رجلاً ينشد قول لبيد :
وجلا السيوف من الطلولِ كأنّها زبر تجدّ متونَها أقلامُها
فنزل عن بغلته وسجد ، فقيل له : ما هذا؟ فقال : أنا أعرف سجدة الشعر كما يعرفون سجدة القرآن39 .
القول في إسلامه
وأمّا إسلامه فقد أجمعت الرواة على إقبال لبيد على الإسلام من كلّ قلبه ، وعلى تمسّكه بدينه تمسّكاً شديداً ، ولا سيما حينما يشعر بتأثير وطأة الشيخوخة عليه ، وبقرب دنوّ أجله; ويظهر أنّ شيخوخته قد أبعدته عن المساهمة في الأحداث السياسية التي وقعت في أيّامه ، فابتعد عن السياسة ، وابتعد عن الخوض في الأحداث ، ولهذا لا نجد في شعره شيئاً ، ولا فيما روي عنه من أخبار أنّه تحزّب لأحد أو خاصم أحداً .
وروي أنّ لبيداً ترك الشعر وانصرف عنه ، فلمّا كتب عمر إلى عامله المغيرة ابن شعبة على الكوفة يقول له : استنشد من قبلك من شعراء مصرك ما قالوا في الإسلام . أرسل إلى لبيد ، فقال : أرجزاً تُريد أم قصيداً؟ فقال :
أنشدني ما قلته في الإسلام ، فكتب سورة البقرة في صحيفة ثمّ أتى بها ، وقال : أَبدلني الله هذا في الإسلام مكان الشعر . فكتب المغيرة بذلك إلى عمر فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد40 .
وجعله في اُسد الغابة من المؤلّفة قلوبهم وممّن حسن إسلامه41 ، وكان عمره مائة وخمساً وخمسين سنة ، منها خمس وأربعون في الإسلام وتسعون في الجاهلية42 .
معلّقة لبيد بن ربيعة
البحر : الكامل . عدد الأبيات : 89 موزّعة فيما يلي : 11 في ديار الحبيبة . 10 في رحلة الحبيبة وبعدها وأثره . 33 في الناقة . 21 في الفخر الشخصي . 14 في الفخر القبلي .
يبدأ الشاعر معلقته ببكاء الأطلال ووصفها ، وكيف أنّ الديار قد درست معالمها حتّى عادت لا ترى فقد هجرت ، وأصبحت لا يدخلها أحدٌ لخرابها :
عفت الديار محلّها فمقامها بمنىً تأبّد غولها فرجامها
رزقت مرابيع النجوم وصابها ودقَ الرواعد جودها فرهامها
ثمّ عاد بمخيلته شريط الذكريات ، ذكريات فراق الأحبّة فيتحدّث عن الظعائن الجميلات الرشيقات ، وعن هوادجهنّ المكسوّة بالقماش والستائر :
مشاقتك ظعن الحيّ يوم تحمّلوا فتكنّسوا قطناً تصرّ خيامها
من كلِّ محفوف يظلّ عصيّه روح عليه كلّةٌ وقرامها
ويرى أن يقطع أمله منها ويترك رجاءه فيها ما دامت نوار قد تغيّر وصلها :
ما قطع لبانه من تعرّض وصله ولشرّ واصل خلّة صرّامها
ثمّ يأخذ في وصف ناقته بألفاظ غريبة وتعابير بدوية متينة ، فهو يشبهها بالغمامة الحمراء تدفعها رياح الجنوب فيقول :
فلها هبابٌ في الزمامِ كأنّها صهباء خفّ مع الجنوب حمامُها
واُخرى يشبّهها بالبقرة الوحشيّة قائلاً :
خنساءُ ضيّعتِ الغريرَ فلم ترِمْ عُرْضَ الشّقائقِ طوفها وبُغامُها
لمعفّر قَهْد تنازعَ شلوهُ غبسٌ كواسبُ ، لا يُمَنّ طعامُها
وعلى الرغم من تعرّضه لوصف الناقة فلم تفته الحكمة :
صادفْنَ منها غرّة فأصبنها إنّ المنايا لا تطيش سهامها
ويقول :
لتذودهنّ وأيقنت إن لم تَزُدْ أن قد أحمّ من الحتوفِ حمامها
فهو مؤمن بقضاء الله ، قانع بما قسم له وكتب عليه ، راض بذلك ، ويدعو النّاس إلى الرضا :
فاقنع بما كتب المليكُ فإنّما قسم الخلائق بيننا علاّمها
ثمّ ينتقل لبيد للفخر بفروسيّته ، وكونه يحمي قومه في موضع المحنة والخوف ، يرقب لهم عند ثغور الأعداء وهو بكامل عدّته متأهّباً للنزال ، حتّى إذا أجنّه الظلام نزل من مرقبه إلى السهل ، وامتطى جواده القوي السريع :
ولقد حميت الحيّ تحمل مثكتي
فرطٌ وشاحي إذ غدوت لجامها
فعلوت مرتقباً على ذي هبوة
حرج إلى أعلامهنّ قَتَامُها
حتّى إذا ألقت يداً في كافر
وأجنّ عورات الثغور ظلامها
أسهلت وانتصبتْ كجذعِ منيفة
جرداءَ يَحْصَرُ دونَها جرّامُها
ولبيد خير شاعر برّ قومه ، فهو يحبّهم ويؤثرهم ويشيد بمآثرهم ويسجّل مكرماتهم ، ويفخر بأيّامهم وأحسابهم ، فسجّل في معلّقته فضائل قومه ، وافتخر بأهله وخصّهم بأجود الثناء :
إنّا إذا التقت المجامعُ لم يزل
منّا لزازُ عظيمة جشّامُّها
من معشر سنّت لهم آباؤهم
ولكلّ قوم سنّةٌ وإمُامها
لا يطبعون ولا يبور فعالُهم
إذ لا يميل مع الهوى أحلامُها
وهم السعاةُ إذا العشيرة اُفظِعَتْ
وهُمُ فوارسها وهم حكّامُها
وهُمُ ربيعٌ للمجاور فيهمُ
والمرملاتِ إذا تطاولَ عامُها
وهُمُ العشيرةُ أن يُبَطّئ حاسدٌ
أو أن يميلَ مع العدى لوّامُها
زهير بن أبي سلمى
هو زهير بن أبي سلمى ـ واسم أبي سلمى : ربيعة بن رباح المزني من مزينة ابن أد بن طايخة .
كانت محلّتهم في بلاد غطفان ، فظنّ الناس أنّه من غطفان ، وهو ما ذهب إليه ابن قتيبة أيضاً .
وهو أحد الشعراء الثلاثة الفحول المقدّمين على سائر الشعراء بالاتّفاق ، وإنّما الخلاف في تقديم أحدهم على الآخر ، وهم : امرؤ القيس وزهير والنابغة . ويقال : إنّه لم يتصل الشعر في ولد أحد من الفحول في الجاهلية ما اتصل في ولد زهير ، وكان والد زهير شاعراً ، واُخته سلمى شاعرة ، واُخته الخنساء شاعرة ، وابناه كعب ومجبر شاعرين ، وكان خال زهير أسعد بن الغدير شاعراً ، والغدير اُمّه وبها عرف ، وكان أخوه بشامة بن الغدير شاعراً كثير الشعر .
ويظهر من شعر ينسب إليه أنّه عاش طويلا إذ يقول متأفّفاً من هذه الحياة ومشقّاتها حتّى سئم منها :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم
قالوا فيه :
1 ـ الحطيئة اُستاذ زهير : سئل عنه فقال : ما رأيت مثله في تكفِّيه على أكتاف القوافي ، وأخذه بأعنّتها حيث شاء ، من اختلاف معانيها امتداحاً وذمّاً44 .
2 ـ ابن الاعرابي : كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره45 .
3 ـ قدامة بن موسى ـ وكان عالماً بالشعر ـ : كان يقدّم زهيراً .
4 ـ عكرمة بن جرير : قلت لأبي : مَن أشعر الناس؟ قال : أجاهليةٌ أم إسلامية؟ فقلت : جاهلية ، قال : زهير46 .
مميّزات شعره :
امتاز زهير بمدحيّاته ، وحكميّاته ، وبلاغته ، وكان لشعره تأثير كبير في نفوس العرب . وكان أبوه مقرّباً من اُمراء ذبيان ، وخصوصاً هرم بن سنان والحارث ابن عوف ، وأوّل قصيدة نظمها في مدحهما على أثر مكرمة أتياها . معلّقته المشهورة .
ويؤخذ من بعض أقواله أنّه كان مؤمناً بالبعث كقوله :
يؤخَّر فيودَع في كتاب فيدَّخَرْ ليومِ الحسابِ أو يعجّلْ فينتقمِ
وممّا يدلّ على تعقّله وحنكته وسعة صدره حِكمه في معلّقته ، وقد جمع خلاصة التقاضي في بيت واحد :
وإنّ الحقّ مقطعه ثلاث : يمينٌ أو نفارٌ أو جلاءُ
معلّقة زهير بن أبي سلمى
البحر : الطويل . عدد الأبيات : 59 موزّعة فيما يلي : 6 في الأطلال . 9 في الأظعان . 10 في مدح الساعين بالسلام . 21 في الحديث إلى المتحاربين . 13 في الحكم .
يبدأ الشاعر معلّقته بالحديث عمّا صارت إليه ديار الحبيبة ، فقد هجرها عشرين عاماً ، فأصبحت دمناً بالية ، وآثارها خافتة ، ومعالمها متغيّرة ، فلمّا تأكّد منها هتف محيّياً ودعا لها بالنعيم :
أمن اُمّ أوفى دِمنةٌ لم تَكَلَّمِ بحَوْمانَةِ الدّرّاجِ فالمتثَلَّمِ
وقفتُ بها من بعدِ عشرينَ حجّةً فَلاَْياً عرفتُ الدار بعد توهُّمِ
فلمّا عرفتُ الدار قلت لربعها ألا أنعم صباحاً أيّها الربع وأسلمِ
ثمّ عاد بالذاكرة إلى الوراء يسترجع ساعة الفراق ، ويصف النساء اللاتي ارتحلن عنها ، فيتبعهنّ ببصره كئيباً حزيناً ، ويصف الطريق الّتي سلكنها ، والهوادج التي كنّ فيهاو . . . :
بكرن بكوراً واستحرنَ بسحره
فهنّ ووادي الرسّ كاليدِ للفمِ
جعلن القنان عن يمين وحزنه
وكم بالقنان من محلّ ومحرمِ
فلمّا وردنَ الماء زرقاً جمامه
وضعْنَ عِصِيَّ الحاضرِ المتخيَّمِ
وفيهنّ ملهى للّطيف ومنظر
أنيق لعين الناظر المتوسّمِ
وكأنّه حينما وصل إلى هذا المنظر الجميل الفتّان سبح به خاطره إلى جمال الخلق وروعة السلوك ، وحبّ الخير والتضحية في سبيل الأمن والاستقرار ، فشرع يتحدّث عن الساعين في الخير ، المحبّين للسلام ، الداعين إلى الإخاء والصفاء ، فأشاد بشخصين عظيمين هما هرم والحارث ، وذلك لموقفهما النبيل في إطفاء نار الحرب بين عبس وذبيان ، وتحمّلهما ديات القتلى من مالهما وقد بلغت ثلاثة آلاف بعير ، قال :
سعى ساعياً غيظ من مرّة بعدما
تبزّل ما بين العشيرة بالدمِ
فأقسمت بالبيت الّذي طاف حوله
رجال بنوه من قريش وجرهمِ
يميناً لنعم السّيّدان وُجدتما
على كلّ حال من سحيل ومبرمِ
تداركتما عبساً وذبيان بعدما
تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشمِ
وقد قلتما : إن ندرك السلم واسعاً
بمال ومعروف من القول نسلمِ
فأصبحتما منها على خير موطن
بعيدين فيها من عقوق ومأثمِ
ثمّ وجّه الكلام إلى الأحلاف المتحاربين قائلاً :
هل أقسمتم أن تفعلوا ما لاينبغي؟ لا تظهروا الصلح ، وفي نيّتكم الغدر; لأنّ الله سيدخره لكم ويحاسبكم عليه ، إن عاجلاً أو آجلاً ، يقول :
ألا أبلغ الأحلاف عنّي رسالة وذبيان هل أقسمتم كلّ مقسمِ
فلا تكتمنّ الله ما في صدوركم ليخفى ومهما يكتم اللهُ يعلمِ
يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر ليوم الحساب أو يعجّل فينقمِ
ويختمها بتأكيد معروف الممدوحين عليه فيقول :
سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتمُ ومن يكثر التسآلَ يوماً سيحرمِ
عنترة بن شدّاد العبسي
هو عنترة بن عمرو بن شدّاد بن عمرو… بن عبسي بن بغيض47، وأمّا شدّاد فجدّه لأبيه في رواية لابن الكلبي، غلب على اسم أبيه فنسب إليه، وقال غيره: شدّاد عمّه، وكان عنترة نشأ في حجره فنسب إليه دون أبيه، وكان يلقّب بـ (عنترة الفلحاء) لتشقّق شفتيه. وانّما ادّعاه أبوه بعد الكبر، وذلك لأنّه كان لأمة سوداء يقال لها زبيبة، وكانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل منهم ولد من اُمّه استعبده.
وكان سبب ادّعاء أبي عنترة إيّاه أنّ بعض أحياء العرب أغاروا على قوم من بني عبس، فتبعهم العبسيّون فلحقوهم فقاتلوهم عمّا معهم، وعنترة فيهم، فقال له أبوه أو عمّه في رواية اُخرى: كرّ يا عنترة، فقال عنترة: العبد لا يحسِن الكرّ، إنّما يحسن الحلاب والصرّ، فقال: كرّ وأنت حرّ، فكرّ وقاتل يومئذ حتّى استنقذ ما بأيدي عدوّهم من الغنيمة، فادّعاه أبوه بعد ذلك، وألحق به نسبه48.
كان شاعرنا من أشدّ أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يده، وكان لا يقول من الشعر إلاّ البيتين والثلاثة حتّى سابّه رجل بني عبس فذكر سواده وسواد اُمّه وسواد اُخوته، وعيّره بذلك، فقال عنترة قصيدته المعلّقة التي تسمّى بالمذهّبة وكانت من أجود شعره: هل غادر الشعراء من متردّمِ49 .
وكان قدشهد حرب داحس والغبراء فحسن فيها بلاؤه وحمد مشاهده.
أحبّ ابنة عمّه عبلة حبّاً شديداً، ولكنّ عمّه منعه من التزويج بها. وقد ذكرها في شعره مراراً وذكر بطولاتها أمامها، وفي معلّقته نماذج من ذلك.
وقد ذكر الأعلم الشنتمري في اختياراته من أشعار الشعراء الستة الجاهليين ص461 أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) حينما أنشد هذا البيت :
ولقد ابيتُ على الطوى وأظله حتى أنال به كريم المأكلِ
قال(صلى الله عليه وآله): ما وصف لي أعرابي قط، فأحببتُ أن أراه إلاّ عنترة .
نماذج من شعره:
بكرت تخوّفني الحتوف كأنّني
أصبحتُ عن عرضِ الحتوفِ بمعزلِ
فأجبتها إنّ المنيّة منهلٌ
لابدّ أن اُسقى بذاك المنهلِ
فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي
أنّي امرؤٌ سأموتُ إن لم اُقتلِ
ومن إفراطه:
وأنا المنيّة في المواطن كلّها والطعنُ منّي سابقُ الآجالِ
وله شعر يفخر فيه بأخواله من السودان:
إنّي لتعرف في الحروب مواطني في آل عبس مشهدي وفعالي
منهم أبي حقّاً فهم لي والدٌ والاُمّ من حام فهم أخوالي50
قال الدكتور جواد علي: اِن صحّ هذا الشعر هو لعنترة دلّ على وقوف الجاهليين على اسم «حام» الوارد في التوراة على أنّه جدّ السودان، ولابدّ أن تكون التسمية قد وردت إلى الجاهليين عن طريق أهل الكتاب51.
وقد اختلف في موته، فذكر ابن حزم52 انّه قتله الأسد الرهيص حيّان بن عمرو بن عَميرة بن ثعلبة بن غياث بن ملقط. وقيل: إنّه كان قد أغار على بني نبهان فرماه وزر بن جابر بن سدوس بن أصمع النبهاني فقطع مطاه، فتحامل بالرميّة حتّى أتى أهله فمات53.
معلّقة عنترة العبسي
البحر: الكامل. عدد الأبيات : 80 بيتاً. 5 في الأطلال. 4 في بعد الحبيبة وأثره. 3 في موكب الرحلة. 9 في وصف الحبيبة. 13 في الناقة. 46 في الفخر الشخصي . . .
يبدأ عنترة معلّقته بالسؤال عن المعنى الذي يمكن أن يأتي به ولم يسبقه به أحد الشعراء من قبل، ثمّ شرع في الكلام فقال: إنّه عرف الدار وتأكّد منها بعد فترة من الشكّ والظنّ فوقف فيها بناقته الضخمة ليؤدّي حقّها ـ وقد رحلت عنها عبلة وصارت بعيدة عنه ـ فحيّا الطلل الّذي قدم العهد به وطال…
فيقول:
هل غادر الشعراء من متردّمِ
أم هل عرفت الدار بعد توهُّمِ
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي
وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
فوقفت فيها ناقتي وكأنّها
فدن لأقضي حاجة المتلوّمِ
حُيّيتَ من طللِ تقادمَ عهدهُ
أقوى وأقفر بعد اُمّ الهيثمِ
ثمّ سرد طرفاً من أسباب هيامه، فقال:
إنّها ملكت شغاف قلبه بفم جميل، أبيض الأسنان طيّب الرائحة، يفوح العطر من عوارضه:
إذ تستبيك بذي غروب واضح عذب مقبّله لذيذ المطعمِ
ثمّ قارن بين حاله وحالها; فهي تعيش منعّمة، وهو يعيش محارباً، وتمنّى أن توصله إليها ناقة قويّة لا تحمل ولا ترضع وتضرب الآثار بأخفافها فتكسرها… فقال:
تمسي وتصبح فوق ظهر حشيّة
وأبيت فوق سراة أدهم ملجمِ
وحشيتي سرج على عبل الشوى
نهد مراكله نبيل المحزمِ
ثمّ يتجّه بالحديث إلى الحبيبة يسرد أخلاقه وسجاياه قائلاً:
إن ترخي قناع وجهك دوني فإنّي خبير ماهر بمعاملة الفرسان اللابسين الدروع، وأنا كريم الخلق لين الجانب إلاّ إذا ظُلمت فعند ذلك يكون ردّي عنيفاً مرّاً:
إن تغدفي دوني القناع فإنّني
طبّ بأخذ الفارس المستلئم
أثني عليّ بما علمت فإنّني
سهل مخالقتي إذا لم اُظلمِ
فإذا ظُلمت فإنّ ظلمي باسل
مرّ مذاقته كطعم العلقمِ
ثمّ يستمرّ البطل في وصف بطولته لحبيبته، فيحثّها أن تسأل عنه فرسان الوغى الّذين شهدوه في معترك الوغى وساحات القتال ليخبروها بأنّ لعنترة من الشجاعة ما تجعله لا يهاب الموت بل يقحم فرسه في لبّة المعركة، ويقاتل، وبعد الحرب ـ وكعادة الجيش المنتصر ـ فإنّ أفراده ينشغلون بجمع الغنائم، امّا هو فيده عفيفة عن أخذ الغنائم، فقتاله لا للغنيمة وإنّما لهدف أبعد وهو أن يكسب لقومه شرف الانتصار.
ويستمرّ في مدح نفسه فيذكر في شعره معان نبيلة، وهي معان ارتفعت عنده إلى أروع صورة للنبل الخلقي حتّى لنراه يرقّ لأقرانه الّذين يسفك دماءهم، يقول وقد أخذه التأثّر والانفعال الشديد لبطشه بأحدهم:
فشككت بالرمح الطويل ثيابَهُ ليس الكريم على القنا بمحرّمِ
فهو يرفع من قدر خصمه، فيدعوه كريماً، ويقول إنّه مات ميتة الأبطال الشرفاء في ساحة القتال.
وكان يجيش بنفسه إحساس عميق نحو فرسه الّذي يعايشه ويعاشره حين تنال منه سيوف أعدائه ورماحهم، يقول مصوّراً آلامه وجروحه الجسديّة وقروحه النفسية:
فأزورّ من وَقْعِ القَنا بِلبَانهِ وشكا إليّ بعبرة وتَحَمْحُمِ
لو كان يدري ما المحاورةُ اشتكى ولكان لو عَلِمَ الكلامَ مكلِّمي
وكأنّما فرسه بضعة من نفسه.
ثمّ يختم قصيدته بأنّه يعرف كيف يسوس أمره ويصرف شؤونه، فعقله لا يغرب عنه، ورأيه محكم، وعزيمته صادقة، ولا يخشى الموت إلاّ قبل أن يقتصّ من غريمه:
ذلّل ركابي، حيث شئت مشايعي
لبّي وأحفره بأمر مبرمِ
ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن

www.dx.ae
www.ii5ii.uae.com
ويكيبديآ الموسوعة آلحُرة ،

بارك الله فيج

وشكرا لج

شكرً ع الموضوع
يسلمووو…

سبحان الله و بحمده

التصنيفات
الصف الحادي عشر

الشعر الجاهلي – المعلقات

الشعر الجاهلي – المعلقات

تعرّض الشعر الجاهلي إلى موجات عنيفة من التشكيك فيه، ففي مصر تعرّض «طه حسين» إلى الشعر الجاهلي إلى إنكاره إنكارا شديدا من دون أدلّة معقولة ينهض عليها ، وتناول المستشرق الألماني (نولدكي (Noldeke،المشكلة نفسها في بحث نشر له لأوّل مرّة عام 1824م ، عرض فيه الشكوك التي تثيرها الطريقة التي روي بها الشعر الجاهلي، وتوالى المستشرقون على هذا المنوال في التشكيك والذهاب إلى الفحص الدقيق قبل قبوله.
وإنّ من أشهر القصائد هي التي سميت بالمعلقات، وقد ارتبط بأذهاننا ارتباطا وثيقا بأنّ شعر المعلقات وأصل تسميتها بهذا الاسم بأنها علقت على أستار الكعبة ، وأنّ العرب في العصر الجاهلي كانوا يعقدون في سوق عكاظ مهرجانا شعريا كبيرا يحضره كبار الشعراء وكانت تنصب خيمة للنابغة «الذبياني» ويأتي الشعراء؛ ليلقوا أفضل ما كتبوا من أشعارهم؛ ليتم بعد ذلك اختيار أفضل القصائد وأبلغها ومن ثم تكتب هذه القصيدة بماء الذهب على الحرير وتعلق على أستار الكعبة تكريما وإجلالا لتلك القصيدة ،حتى وصل عدد قصائد المعلقات إلى سبع والبعض يذهب إلى تسع وإلى عشر، وقد تمت هذه العملية قبل بزوغ فجر الإسلام في شبه الجزيرة العربية. ووصلت إلينا بعد أنْ كان العرب يحفظونها عن ظاهر قلب وتعلق بأذهانهم في ذلك الوقت وتمت عملية التدوين بعد فترة؛ ليخلق لنا هنا حالة التشكيك من الطريقة التي وصلت الينا فيها القصيدة من مدى صحتها وترتيب أبياتها أو حتى نسبها لشاعر ما.
و يذهب أرباب السير والمفسرون إلى تفنيد هذه الإدعاءات وتكذيبها وذلك لاستنادهم إلى عدّة أدلة تؤكّد ما يقولون إنّ التسمية جاءت من المغرب؛ أي شمال إفريقيا ولم تأتِ من محل نشوئها، وأنّ المتقدمين لم يذكروه وذكّره المتأخرون، وإشارة أخرى إلى أنّ علماء السيرة لم يذكروا معلقة على أستار الكعبة حينما ذكروا الفتح، والكثير من كتب السير التي كتبت عن الجزيرة العربية بالتفاصيل الدقيقة وعن كل حجر ومدر لم يشيروا إلى المعلقات بالرغم من أهمية موقعها وأهميتها أيضا فهل يعقل أنْ يمر على علماء السير مثل هذا الحدث المهم كوجودها معلّقة على الكعبة .
وترجع أصل التسمية إلى أنّ مجموعة من الأدباء القدامى أطلقوا على بعض القصائد المعلقات ومنها المذهبات والمسمطات كنوع من التكريم لهذه القصائد، وأنّ المعلقات مأخوذة من اللغة بعلوقها وأنّها شديدة العلوق في الذهن والثبات بحيث لاتنسى. وأنّ المعلقات جمع علق والعلق هو القلادة النفيسة التي تعلق على جياد النساء، وقد شبهت بذلك لنفاستها. وأنّ من مؤرّخي الأدب مَنْ قسّموا الأشعار السابقة إلى مجاميع أطلقوا عليها مسمّيات كما فعل «محمد القرشي» في كتابه (جمهرة أشعار العرب ).
منقول من أخونآ : حسن الساري

شكرا لج

تسلمين

لا الـــه الا الله

التصنيفات
الارشيف الدراسي

الشعر ( أنواعه ، خصائصه ، المعلقات وأصحابها ) -التعليم الاماراتي

السلام عليكم والرحمَه ,

<><><><><><><><><><>

ان شاء الله في موضوُعي الجديد
راح أبين لكــُـم ماهو الشعر وأنواعه ، خصائصه ، والمعلقات وأصحابها

<><><><><><><><><><>

الشعر : هو الكلام الموزون المقفى الذي يعبر عن الخيال ويستخدم الصور المعبره لـ يخرج كلامً يدلُ على علامة الشاعر ، ويعتقد بأنه بدأ بسيطاً ( سجعاً ) ثم إتجه إلى الرجز إلا أن وصل إلى قمة الشعر الجاهلي على يد أصحاب المعلقات .

<><><><><><><><><><>

أنواع الشعر :: –

1 – قصصي .

2 – غنائـــي .

3 – تمثيلــي .

* والشعر العربي من النوع الغنائي ويتغنى بــ قصص البطولة والحرب و وصف مشاهدات الطبيعه الحيه والصامته وأحتلت الناقه والمرأه والأطلال معظم مقدمات شعر الشعراء .

<><><><><><><><><><>

خصائص الشعر :: –

1 – التصوير الدقيق للطبيعه الصحراويه .

2 – صور الجاهلي أنفعالاته فـ جاء الشعر مرآه تعكس وضعه النفسي .

3 – إعتمد على وحدة البيت .

4 – تتعدد الأقراض في القصيده الواحدة وغالباً ما تبدأ بــ وصف الأطلال أو الأحبه .

<><><><><><><><><><>

المعلقات :: –

أطلق هذا الأسم على أشهر القصائد الجاهليه ، وقد أختلف العلماء والنقاد العرب حول هذا الأسم ، فـ منهم من قال إنها علقت على الكعبه لـ نفاستها ، بينما رآى أخرون أنها سميت بذلك لأنها تعلق في الصدور لـ جودتها ، كما أختلف أيضاً في عددها فـ منهم من ذكر أنها سبع ، وهناك من عدها تسعا أو عشراً ، ولكن معظم الرواة والنقاد يذهبوُن إلى أنها سبع لـ سبعة شعراء هـُـم : امرؤ القيس ، وزهير بن أبي سلمى ، وطرفه بن العبد ، وعنترة العبسي ، وعمرو إبن كلثوم ، والحارث بن حلزة ، ولبيد بن ربيعه .

* وقد كـان لـ كل شاعر راوية يحفظ شعره ، وينشده بين الناس ، فــ كان زهير بن أبي سلمى راوية لأوس بن حجر ، والحطيئه راويه لـ زهير وهكذا .

<><><><><><><><><><>

منقول من أخوكم : عبدالله

تسلمين ..

يزاج الله خير

السسلام عليكم
بارك الله فيج
اششكرج

الحــــــــــــــــــــــمد لله