نظرية القوة
كثيرون الذين تحدثوا عن القوة ، إلا أننا سوف نأخذ لنا واحدا هو روبرت دال رائد المدرسة السلوكية في تحليل القوة ، حيث تعتمد نظريته للقوة على السلوك الظاهر . ومثاله في ذلك أن ( أ ) يمارس قوة على ( ب ) أي أن تكون هذه القوة ذات سلوك ظاهر يمكن ملاحظته . فدال يفترض وجود طرفين هما ( أ ) و ( ب ) حيث يمارس ( أ ) قوة على ( ب ) ليقوم بعمل سلوك معين يريده ( أ ) ، ذلك السلوك دائما يكون مرئيا أي يرى بالعين المجردة . فعندما يقوم الأب بضرب ابنه لمخالفته أمره فإننا نلمس القوة . وعندما يقوم أستاذ المدرسة بضرب الطالب فإنه يمارس قوة سلوكية عليه . ومن هنا نرى أن دال يركز على السلوك ولا ينظر للمصلحة أو الرغبة . وفي تحليل دال للقوة وضع مجموعة من التعريفات التي تفسر جانبا كبيرا من جوانب القوة وسوف نتطرق لهذه التعريفات :
أولا / التوزيع :
إن القوة أو النفوذ تتوزع بين أفراد الجماعة ، فنحن في بعض الجماعات نرى وجود الأسرة و المدرسة والكنيسة والحي والشركة والمدينة والإمارة . فعلى سبيل المثال يتم توزيع الدخل إلى : 30 % دون الفقر ، 60 % متوسط الدخل ، 10 % دخول عالية ، أي أن الدخل لا يوزع بطريقة متساوية بين الأفراد .
ثانيا / المجموعات :
توزع القوة بين أفراد وأحيانا بين مجموعات ، فالبنسبة للأفراد فإن امتلاكهم للقوة أمر يمكن التمييز بين من يملك القوة وبين من لا يملك القوة . إلا أن المشكلة الكبرى تقع في المجموعات حيث نقيس تمتع المجموعات بالقوة بناء على الجماعات التي يتكون منها المجتمع ، ففي المجتمعات المتقدمة يتمتع التجار بنفوذ كبير وفي المجتمعات السلطوية تكون القوة للعسكر
ثالثا / التراتب :
حيث يمكننا ترتيب الأفراد أو المجموعات بناء على القوة التي يمتلكونها . فعلى سبيل المثال يمكننا ترتيب الشرائح السياسية بناء على الأقوياء والساعون نحو القوة والشريحة السياسية والشريحة غير السياسية .
رابعا / القوة الكامنة والقوة المتحققة :
وهنا يفرق دال بين القوة الكامنة والقوة المتحققة فيقول أن الأولى توجد في أعماق الفرد دون أن تتحقق على سطح الواقع ، بخلاف القوة المتحققة التي تظهر على سطح الواقع بعد استثمار الفرد لها .
ويمكننا طرح مثال البذرة والشجرة . فالبذرة غير المزروعة يوجد في داخلها شجرة مثمرة غير متحققة على أرض الواقع ، والشجرة كانت في السابق بذرة وتم استثمارها فأصبحت شجرة مثمرة . ويمكننا طرح مثال آخر يتمثل في نكسة 1967 حيث كانت الغلبة الكامنة للعرب ، وكانت الغلبة المتحققة لإسرائيل .
خامسا / المحيط والمجال :
لكل قوة محيط ومجال فعندما يقوم ( أ ) بممارسة قوة على ( ب ) فإن ( ب ) هو مجال قوة ( أ ) ، وإن الميدان الذي تمارس فيه القوة سواء كان ماليا أو عضليا أو إقناعيا هو محيط هذه القوة . أي أن مجال قوة ( أ ) هو ( ب ) ومحيطه على سبيل المثال المال الذي يمتلكه ( أ ) .
سادسا / القوة الفردية والقوة الجماعية :
إن القوة الجماعية أكثر تأثيرا من القوة الفردية .. وهذا الذي لا يختلف فيه اثنان . فعندما يقوم طالب في الجامعة بالاحتجاج والتظاهر فقد يكون مصيره الفصل من الجامعة ، ولكن عندما يقوم طلاب قسم العلوم السياسية بالتظاهر فإنهم سوف تؤخذ مطالبهم بعين الاعتبار .
سابعا / دائرة التحكم ( مفهوم جدول الأعمال ) :
يضع دال مفهوما حول دائرة التحكم يسميه بجدول الأعمال ويقسمه إلى : خيارات من جدول الأعمال وتحديد جدول الأعمال والبنى المحددة لجدول الأعمال .
في هذه النظرية يضع لنا دال تصورا يدور حول ( أ ) و ( ب ) . ففي النقطة الأولى إذا كان ( ب ) مخيرا بين عدة أشياء من جدول أعماله فإنه يمتلك القوة بعكس الفرد الذي لا يمتلك الخيارات ، وبعد ذلك إذا كان ( ب ) يشارك في وضع الخيارات التي يختار منها فإن قوته تكون أكبر ، وبدون أدنى شك فإن هذه العملية سوف تدار في إحدى المؤسسات التي تبلور جداول الأعمال كالحزب في الدولة أو الجامعة .
ومثال ذلك الطالب في الجامعة ، إذا كان يتمتع بخيارات عدة من جدول أعماله ، سوف تكون له حرية أكبر من الطالب الذي لا يتمتع بتلك الخيارات . وإذا كان هذا الطالب له الحق في تحديد بعض جدول أعماله كالمشاركة في وضع المساقات التي سوف يختار أحدها ، فإن حريته سوف تكون أكبر بكثير .
ونضع هنا مثال آخر وهو المرأة التي يتقدم إليها عدد من العرسان ، فإذا كان لها حق اختيار العريس المناسب لها فإنها امتلكت قوة . وإذا كان من حقها أن تضع شخصا وتدمجه في هذه القائمة فإنها سوف تكون أكبر .
إلا أن دال يوضح لنا أنه على الرغم من امتلاك تلك المرأة لخيارات عدة إلى جانب عدم تدخلها في تحديد هذه الخيارات فإنها في هذه الحالة تكون حريتها مقيدة أي أن هذه المرأة يجب أن تختار بين 1 أو 2 أو 3 ، فأين القوة ؟
كذلك فإن دال ينبهنا لنقطة مهمة ألا وهي أنه على الرغم من وجود فرد يتمتع بخيارات عدة ويتمتع بحق وضع هذه الخيارات داخل إطار مؤسسة ، أي أنه لا تمارس عليه أية قوة ، ومـع كـل ذلك فإن خيـاره قد يكون فاشلا !. وهذا يرده دال إلى الإدراك ( الوعي ) .
فما هو الإدراك ؟؟ يرى دال أن موضوع الإدراك من الموضوعات المهمة لأننا أمام واقع لا نملك سوى 10% من الأمور التي ندركها ونعي بها مقابل 90% من الأمور التي لا ندركها ولا نعي بها . أي أن وسائل وعمليات التنشئة السابقة لعملية اتخاذ القرار تلعب دورا خفيا في اختيار بعض القرارات الخاطئة ، كاللباس والأكل والشراب والعلاقات الاجتماعية .
م/ن
بالتوفيق
والسموحه تم تغير العنوان ..