المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إماراتي 7
ظاهرة الصعلكة في الشعر الجاهلي
الصعلكة ظاهرة وحركة من حركات التمرد على الواقع الحياتي والمعاشي الذي يعيش الانسان في كنفه . فالانسان لا يملك كفاف عيشه وطعامه لتدفعه الحياة لكي يواجه مخاطرها ويسيح في عرض البلاد وطولها طالباً الحصول على رزقه بكافة السبل ليبقى وهو يسعى في مناكب الارض كريماً عزيزاً لا يتذلل لأحد .
وفي الارض منأى للكريم عن الاذى وفيها لمن خاف القلى متعزل
ويعد شعر الصعاليك في ادبنا العربي دعوة لنبذ الواقع المحبط واخذ مال الاغنياء والموسرين وتوزيعه على اصحاب الحاجة لسد رمق معيشتهم .
ومن يك مثلي ذا عيال ومقتراً من المال يطرح نفسه كل مطرح
والصعاليك طوائف متعددة فمنهم الخليع الذي تبرأت عنه عشيرته واهدرت دمه ومنهم الغرباء ابناء السبايا الذين تنكر لهم اباؤهم ولم يعترفوا بهم ، والفقراء الذين تمردوا على الواقع نتيجة للظروف التي كانوا يعيشونها ليحترفوا الصعلكة وينضموا الى من تصعلك قبلهم فهو يدعوا للحصول على طعامه ولو ادى ذلك الى امتشاق السيف
ذريني اطوف في البلاد لعلني اخليك أو اغنيك عن سوء محضري
وفي هذا الشعر نجد رفضاً واقعياً للمعيشة المرة والفقر المحدق ونداء يطلب المساواة بين الجميع ودعوة الى رابطة اجتماعية يسودها العز والكرامة .
إذا المرء لم يبعث سواماً ولم يرح سوماً ولم تعطف عليه اقاربه
فللموت خير للفتى من حياته فقيراً ومن مولى تدب عقاربه
ثم يمضي الشاعر في فضاء رحب فسيح ساعياً للحصول على ما يسد به رمقه دون سؤال الناس و استجدائهم :
متى تطلب المال المقنع بالقنا تعش ماجداً أو تحترمك المخارم
ثم اننا نجد ان هناك ظاهرة اخرى في اشعارهم و هي التشرد و النأي عن الاهل و بعدهم عنهم لتثور فيهم ظاهرة الشجاعة و الغزو لاعدائهم و مهاجمتهم للقوافل التجارية :
مطلاً على اعدائه يزجرونه بساحتهم زجر المنيع المشهر
اما شعرهم فهو مليء بالواقعية الصادقة و الصور الحقيقية حيث انه المتنفس الوحيد لما كانت تضيق به الصدور و تجيش به قرائحهم و تعبر عنه خباياهم حيث تصبح و بشكل دائم دعوة لاخوانهم للانضمام اليهم:
و ما نلتها حتى تصعلكت حقبة و كدت لاسباب المنية اعرف
و شعرهم ذو مزية رتيبة عالية مصبوغة بوحدة موضوعية متناغمة لتعبر عن واقعهم و افعالهم من غزوات و سرعة و مهاجمة القوافل ونهبها
و حتى رأيت الجوع بالضيف ضرني إذا قمت تغشاني ظلال فاسدف
حتى ان بعضهم كان يطلب من زوجاته الصبر و الاناة لان الظروف والحياة القاسية هي التي دفعته الى ذلك :
أقيموا بني آمي صدور مطيكم فإني الى قوم سواكم لأميل
لعمرك ما في الارض ضيق على امرى سرى راغباً أو راهباً و هو يغفل
و نجده من الواضح الجلي في هذه الظاهرة الفنية الشعرية ابتعادهم عن القصيدة الطويلة .
يقول د. يوسف خليف: تلك هي الحياة القلقة المشغولة بالكفاح في سبيل العيش و تلك الطائفة الارستقراطية المستقرة التي فرّغت للفن تراثاً هيأته لها .
قبائل لا من أجل الفن و لكن من أجلها هي و هذا ما يؤكده قول الشاعر
تقول سليمى لا تعرضن لتلعة و ليلك عن ليل الصعاليك نائم
ألم تعلمي ان الصعاليك نومهم قليل إذا نام الخلي المسالم
و في شعرهم نجد فلسفتهم في الحياة و لذتها ، و ذلك من خلال تجاربهم اليومية .. و خاصة ظاهرة العدل الاجتماعي و نظرتهم تلك النظرة المزرية الى الفوارق الطبقية
ذريني للغنى اسعى فإني رأيت الناس شرهم الفقير
ثم انه لا يبقى ساكتاً على الظلم و القهر ليجد لنفسه متسعاً يثور من خلاله و مكاناً في الارض يبتعد به عن الذل و الاذى
و في الارض منأى للكريم عن الاذى و فيها لمن خاف القلى متعزل
ان شعر الصعاليك هو امتداد ذو صبغة شعرية تدل على القدرة الفنية و الاحساس المرهف الجمالي حيث تمكن الشاعر ان ينطلق من خلاله للتأسيس و التجديد ، و يمتاز بأشعاره بخاصة فنية خاصة يتفرد بها الشعر الجاهلي .