حكمة الزواج
لقد أكد الله جل وعلا على أهمية الزواج في كتابه الكريم كنعمة منه وفضل
على عباده، وقد تعددت الآيات القرآنية المتعلقة بالزواج ، فمنها ما يتعلق
بالمباشرة الزوجية، وآيات عن المواليد، وأخرى عن الصلح بين الزوجين،
وغيرها
ومما جاء في القرآن الكريم مناً من الله تعالى على عباده بفرضه لسنة
الزواج بين الرجال والنساء ما جاء في هذه الآيات: [ يا أيها الناس اتقوا
ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا
ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا ]
(النساء 1)
[ هوالذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ]
(الأعراف 189) [ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها،
وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ] (الروم 21) وأي
فضل وأية منة من الله أعظم من أن يخلق لكل امرئ زوجا له يسكن إليه ويحمل
عنـه هموم الحياة ويواسيـه، ويشد من أزره في مـودة ورحمة هي حقا من أجل
وأعظم آيات الله، فالزوج يصبح لزوجه بمجرد إتمام البناء كل شئ في الحياة،
والزواج هو خط فاصل وعميق في مشوار الحياة، بل هو أهم أحداث الحياة قاطبة
والزواج في الإسلام أمر حتمي وضرورة شرعية لأنه من الفطرة، وقد نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن هجر النساء، وقد قال صلى الله عليه
وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر،
وأحصن للفرج" متفق عليه، وروى ابن ماجة أنه قال صلى الله عليه وسلم: " من
كان موسرا لأن ينكح ثم لم ينكح فليس منيّ " وقال صلى الله عليه وسلم: "إن
كنتم من رهبان النصارى فالحقوا بهم إني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد وأنكح
النساء، وهذه سنتي فمن رغب عن سنتي فليس منيّ"
وحكمة تشريع الزواج لها جوانب عديدة، أهمها ما يبثه في نفس الزوجين من
طمأنينة وأمان في مواجهة الحياة، وإقامة أسرة تكون مجتمعا صغيرا يرجى له
الصلاح، حتى تكون لبنة قوية في البناء الاجتماعي الأكبر، ومن أهم هذه
الجوانب حرص الإسلام على نشر الفضيلة والخلق القويم في المجتمع، والبعد
عن كل ما يدنس حياة البشر، فالزواج بما يبيحه للزوجين من تمتع تام لكل
منهما بالآخر من جماع ومقدماته فإنه يحدث بالتالي عفة للزوجين، ويـؤدي
إلى بقاء البشرية إلى ما شـاء الله، والأهم هو منع اختلاط الأنساب ومنع
الزنا لما فيه من فساد شديد يضرب بجذوره في كل جوانب المجتمع، وهاهي
المجتمعات التي لا تلقي للزواج بالا، ولا تجعله أمرا مفروضا لأبنائها
لأنها تركت أوامر ربها بالكلية، وما عادت تعرف إلها يشرع لها ما يصلحها
من قوانين ومناهج، هذه المجتمعات قد توغلت فيها الأمراض الرهيبة التي
نتجت عن هذه العشوائية الشديدة، من استغلال الناس هناك لما أسموه بالحرية
الشخصية، فانتشر الزنا واللواط ونكاح المحارم، وانتشرت جرائم الاغتصاب
بشكل مريع يندي له جبين البشـرية، فهل هذه هي الحرية وهل هذا هو النور
الذي يريد أن يعيش فيه إنسان القرن الحادي والعشرين؟
لماذا لم يعرف الإنسان الإيدز إلا في هذه السنوات التي ازداد فيها توغلا
في حياة الدنس والآثام، ومن قبله أمراض السيلان والزهري والهربس وأمراضا
أخرى كثيرة تدمر صحة الإنسان تماما وتؤدي بحياته إلى طريق مسدود يقف فيه
معدوم الحيلة، لا يستطيع المضي قدما في الحياة ولا يقدر على العودة من
حيث بدأ
إن الإيدز الذي لا ينتقل بين البشر إلا عن طريق الممارسات الجنسية
المحرمة كاللواط والسحاق مما تعافه الفطرة الإنسانية السوية، هذا المرض
المدمر قتل في عدة سنوات ستة آلاف شخص، حيث يدمر المرض الجهاز المناعي
تماما للمريض ويكون الموت هو النتيجة الحتمية حتى الآن. هذا المرض المخيف
ألم يعالجه القرآن الكريم حق علاج؟ ألم يحمل القرآن "روشتة" مجانية رائعة
تقضى عليه من جذوره، ألم يـق القرآن منه بتعاليمه وتوجيهاته بالزواج
الفطري بين الرجل والمرأة، ألم يق الإنسان شر هذا المرض وأمراضا كثيرة
أخرى منها ما اكتشف وعرفه الأطباء، ومنها ما لم يعرفوه بعد؟؟؟
إن التشريع الإسلامي الحاسم حين قرر أن الزواج هو الشكل الوحيد للعلاقة
بين الرجل والمـرأة الصالح لحياة البشر، والواقي لهم من أخطار صحية
ونفسية واجتماعية جسيمة تهددهم من كل حدب وصوب ، إن هذا التشريع يؤكد أن
كل ما حدث للإنسانية من تدهور إنما هو نتيجة تمردها على هذا الشكل
ولهذاالمنهج،إنه يؤكد في ضوء كل ما حدث أنه تشريـع ومنهج إلهي وضعه خالق
هذا الكون، لا يمكن أن يكون قد جاء من عند أحد من البشر حتى لو كان محمد
صلى الله عليه وسلم [ حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآنا
عربيا لقوم يعقلون، بشيرا ونذيرا فأعرض أكـثرهم فـهم لا يسمعون] ( فصلت
1ـ4)
الجماع
يعتبر الإسلام أن الزواج من امرأة صالحة هو نصف الدين بفضل ما يهيئه
للزوجين من العفاف والاستقامة والتفرغ لأعباء الحياة وعبادة الله، وفي
ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على
شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي" رواه الطبراني والحاكم، بل يرى
الإسلام أن أعظم متعة للإنسان في دنياه هي أن يوهب زوجة صالحة، وفي هذا
يقول صلى الله عليه وسلم فيما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص: "إنما
الدنيا متاع وليس من متاع الدنيا شئ أفضل من المرأة الصالحة" أخرجه ابن
ماجة
وقد اتفق علم الطب الحديث وعلم الاجتماع مع الإسلام في أن الزواج هو
الخطوة الأساسية نحو بناء مجتمع سليم معافى متعاون، كما أنه الخطوة
الأولى نحو حياة إنسانية سليمة خالية من الأمراض النفسية والعقلية
والتناسلية، ولإنجاب ذرية صحيحة وقوية، ولذا نجد أن الإسلام قد وضع قواعد
دقيقة جدا لكل أمور الزواج، واهتم بكل تفاصيل الحياة الزوجية، وبالطبع من
أهم هذه الأمور على الإطـلاق أمر الجماع والمباشرة بين الزوجين، وهذه لم
يتركها الإسلام هكذا يزاولها كل إنسان حسب هواه ومزاجه بل فصلت تفصيلات
في القرآن والسنة. فهل لنا أن نتعرف على موجز لآداب الإسلام في هذه
الأمور:
قال تعالى: [ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم،
واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه، وبشر المؤمنين ] (البقرة 223)
وقال جل وعلا: [ فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ] (البقرة
187)
قال ابن عباس رضي الله عنه: أنزلت هذه الآية في أناس من الأنصار أتوا
النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ائتها
على كل حال، إذا كان في الفرج " وأصل الحرث مكان الزرع، أي أن أزواجكم
كالزرع فأتوهن من المكان الـذي يرجى منه ولا تتركوه لما لا خير فيه،
"وأنى شئتم " بمعنى على أي وضع شئتم ما دمتم تتحرون موضع النسل الذي
تتحقق به حكمته سبحانه وتعالى في بقاء الإنسان إلى ما شاء الله . وقال
جل وعلا:
[ فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ] (البقرة 187)
وقد حث الإسلام على احترام أمر العلاقة الزوجية الخاصة بكل جوانبها، ولم
ينظر إليها نظرة المحتقر المستهـين أو المتحرج المتلعثم، فهـذا الأسلوب
يورث العقد والنفـاق ويجعل الإنسان يحتقر نفسه وزوجه ومجتمعه كله، لهذا
كان صحابة رسول الله وزوجاتهم يستشيرونه صلى الله عليه وسلم في أمورهم
الزوجية العاطفية، وكان صـلى الله عليـه وسلم يجيبهم بما علمه الله دون
إبهام أو مواربة. وقد سبق الإسلام بهذا الدنيا كلها بمئات السنين، حيث
كانت هذه الأمور في أوروبا في هذا الوقت من الأمور المشينة التي يعاب
تماما على الرجل أو المرأة أن يسأل فيها، مما أصل في تلك المجتمعات
المظلمة العقد والزنا والفواحش، وكانت النظرة إلى العلاقات الزوجية أنها
خبث وشر لابد منه فجاء الإسلام ليجعلها آية من آيات الخالق القدير في
خلقه وحث عباده على التفكر فيها، فرفع من شأنها وكرمها أيما تكريم
ولا شك أن اهتمام الإسلام بالعلاقة الجنسية بين الزوجين إنما يرجع إلى
دورها الخطير في استقرار الأسرة وسعادتها، وفي تجنبها المشاكل والعقد
والأمراض ؛ فقد روى مسلم والنسائي أن رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " وفي بضع أحدكم صدقة فقال: يا رسـول الله أيأتي أحدنا شهوته
ثم تكون له صدقة؟ فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: أرأيتم لو
وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".
فانظروا لهذا النور الوضيء في معنى وحكمة المباشرة الزوجية في الإسلام،
فهي محمودة من الخالق ويثاب عليها المؤمنون لأنها قطع لسبيل الفاحشة وبتر
لمسالك الزنا، وهذا هو مقصد الشرع الإسلامي .. إقامة مجتمع نظيف نقي
معافى قوي يعبد الناس فيه ربهم دون متاعب أو مخاوف تنغص عليهم أمور
حياتهم
وكما جاء في كتاب "الطب الوقائي في الإسلام" فقـد أكد الإسلام على مراعاة
المحبة والوفاق العاطفي بين الزوجين كشرط لإقامة علاقة مترابطة ودائمة،
فتغير هذا الحب وذلك التعاطف والتفاهم يقلب متعة الحياة الزوجية إلى جحيم
دائم، وقد استنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلك الذي يسئ معاملة
زوجته ثم يدعوها بعد ذلك إلى فراشه فقال: "يظل أحدكم يضرب زوجته ضرب
العبيد ثم يدعوها إلى فراشه.. الحديث" ( ابن ماجة)
ويأمر الإسلام الرجل أن يتجمل لزوجته كما يحب أن تتجمل هي له، وفي ذلك
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغسلوا ثيابكم، وخذوا من شعوركم
واستاكوا، وتنظفوا فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك فزنت نساؤهم "
بل إن الإسلام راعى أمرا في منتهى الدقة والحساسية بين الأزواج، وهو
النهي عن مباشرة الرجل لزوجته دون تمهيد وتدرج، فجاء في الآية الكريمة
[ وقدموا لأنفسكم ] يقول عنها المفسرون: أي ابدءوا بالمداعبة والملاطفة،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع
البهيمة ".
ويحرم الإسلام تماما الشذوذ مع المرأة أي إتيانها في الدبر، بل يجب أن
تؤتى فـي المكان الفطري الطبيعي الذي جعله الله للنسل [ فأتوهن من حيث
أمركم الله ] ويقول صلى الله عليه وسلم كما جاء في سنن ابن ماجة
والترمذي: " اتقوا الله ولا تأتوا النساء من أدبارهن "
ولا يقتصر ضرر الشذوذ هذا إلى منع النسل فقط، بل إنه علاوة على الأذى
النفسي الشديد الذي يسببه للزوجة، فإنه يحدث تشققات عميقة والتهابات
شديدة في الشرج، أما الرجل فيصاب في مجرى البول بالتهابات وغالبا ما تصعد
الميكروبات إلى البروستاتا، وقد تسبب له العقم، وذلك لأن الشرج ملئ
بالميكروبات التي لا يوجد مثلها في باب الرحم وهو المكان الطبيعي للجماع،
ثم إن الرجل يأخذ هذه الميكروبات مرة أخرى عند الجماع الطبيعي لكي يزرعها
في رحم المرأة، مما قد يصيبها بالعقم
ويحرم الإسلام على الزوجة تحريما قاطعا أن تماطل زوجها أو تتهرب منه إذا
طلبها لفراشه دون سبب شرعي، وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
والذي نفسـي بيده ما من رجل يدعو زوجته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان
الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها " رواه البخاري ومسلم. ولذلك
حكمة عظيمة، فحرمان الرجل من الحياة الزوجية المنظمة تؤدي به إلى الكبت
والشعور بالحرمان، مما يوغل في نفسيتـه وقد يدفعه أو يوقعه في الزنا.
وكما أمر الإسلام الزوجة بطاعة زوجها في هـذا فإنه قد أمر الزوج أيضا ألا
يهجر فراش زوجته ما لم تقترف ما تستحق به عقوبة الهجر، وإذا هجر فلفترة
محددة، وفي هذا نذكر المحادثة الشهيرة للثلاثة الذين جاءوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فقال أحدهم: وأنا أعتزل النساء فلا
أتزوج أبدا، فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا وقال: "من رغب عن
سنتي فليس مني"
إن الإسلام دين متكامل حينما يعالج قضية يتناولها من كافة جوانبها وليس
للإنسان القاصر عقله والمحدود علمه أن ينجح في وضع منهج للحياة أفضل مما
وضعه خالق الكون
الحيض
من الأمور الصحية التي تناولها القرآن الكريم تحريم مباشرة الرجل لزوجته
في فترة الحيض، فيا ترى ما هي الحكمة في هذا التحريم القاطع؟ لنستمع معا
إلى هذه الآيات أولا:
يقول تعالى: [ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض،
ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ، إن الله
يحب التوابين ويحب المتطهرين ] (البقرة 222)
فالمولى سبحانه وتعالى يعلمنا ويرشدنا أن فترة حيض المرأة لا يشرع فيها
الجماع المعتاد بين الزوجين، ولهذا الأمر حكمة عظيمة اكتشف العلم الحديث
بعضا من جوانبها؛ ففي فترة الحيض يفرز جسم المرأة هرمونا يختلف عن الذي
يفرزه في الفترة العادية، وهذا الهرمون يجعل المرأة في حالة نفسية
ومعنوية غير عادية، فتصاب كثير من النساء في هذه الفترة باضطرابات عصبية
وتكون كارهة للجماع، ففي تركه احترام وتوقير لمشاعرها وظروفها الخاصة
في هذه الفترة. أيضا تكون أعضاء المرأة التناسلية كالرحم والمبيض في حالة
احتقان شديد، وهذا يجعلها عرضة للجراح الصغيرة والتسلخات غير المرئية
أثناء المجامعة، وقد يسبب ذلك دخول الميكروبات التي تسبب التهابات قد
تؤدي إلى العقم
وبالنسبة للزوج فإنه قد يصاب بالالتهابات هو الآخر؛ لأن الدم النازل من
الرحم يكون فاسدا، وهو مزرعة للميكروبات التي قد تصيب مجرى البول
منهوالنهي عن لقاء الزوجين في هذه الفترة إنما هو نهي عن الجماع التام،
فقد قال صلى الله عليـه وسلم عن فترة الحيض فيما رواه مسلم وابن ماجة: "
اصنعوا كل شئ إلا النكـاح " فلا بأس إذن بما يحدث بين الرجل وزوجته في
فترة الحيض طالما كان دون الجماع الكامل
وهكذا نرى حكمة الله الخالق تتجلى لنا في واحدة من الإعجازات التشريعية
الإسلاميـة، فالمشـرع الحكيم هو رب السموات والأرض وخالق هذا الكون إنما
يشرع بحكمـة وعلم يحيطان كل شئ . فحتى الحالة النفسية للمرأة في الحيض
يراعيها الشرع، ويقـول جل وعلا: [ قل هو أذى ] وأي أذى أكبر من أن يأتي
الرجل زوجته وهي كارهـة لهذا، أو تكون رغبتها الفطرية في الجماع في أدنى
معدلاتها؛ مما يؤدي إلى قطع حبل المودة والرحمة الذي بدونه ينهار أساس
الحياة الزوجية تماما
تعدد الزوجات
إنه الموضوع المفضل المثير لشهية المتربصين للإسلام ، فالتعدد مبدأ يقره
الإسـلام بنص قرآني صريح وواضح، فيقول تعالى: [ وإن خفتم ألا تقسطوا في
اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا
تعدلوا فواحدة ] (النساء 3)
إن خصوم الإسلام الذين يصرون على الباطل يقررون بحملاتهم الساذجة على هذا
المبدأ أنهم حقيقة جهلة يجادلون بالبـاطل ، فالنص القرآني يؤكد على ضرورة
العدل، فالآية تقول: [ فإن خفتم ألا تعدلوا ] أي أن العدل شرط أساسي
للجمع بين أكثر من زوجة، وهذا الشرط يشع بالنور والفضيلة التي يتسم بهما
هذا المنهج في كل جوانبه، ولهذا فلن ندافع عن صحة هـذا المبدأ طالما وجد
هذا الشرط، شرط العدل التام بين الأزواج، فهذا الشرط كفيل للدفاع عن
المبدأ كله، ولكن فقط سنعرض بسرعة بعض الحقائق الهامة؛
لقد كشف علماء الاجتماع أمثال "جينز مرج" أن تعدد الزوجات كان نظاما
متبعا على طول التاريخ بين الشعوب المتحضرة، أما نظام الزواج من واحدة
فكان النظام المتبع عند الشعوب المتخلفة. ونفى العالم أن يكون السبب في
هذا وازع ديني، وإنما لما فـي نظام التعدد من فوائد اجتماعية واقتصادية
عديدة !! أي أن التفكير الفطري السليم للإنسان الواعي المتحضر أدى به إلى
ذات المبدأ الذي أقرته الشريعة الإسلامية
كما يثبت علم الإحصاء الحديث أن نسبة الوفيات من الذكور أكثر منها في
النساء، وذلك من ساعة الولادة وحتى أوائل مراحل الشباب، الأمر الذي يسبب
زيادة في نسبة الأحياء من الإناث على الذكور، وفي مرحلة الشباب أيضا تظل
النسبة أعلى في الـوفيات في الذكور لظروف أخطار الحروب والعمل
وغيرهاوهكذا تظل الإناث في زيادة كبيرة عن تعداد الذكور
كذلك كثيرا ما تتعرض دولة بعينها لخطر الحرب تفقد معه عددا كبيرا من
أبنائها، فتطفو أعداد كبيرة من الأرامل على سطح المجتمع، كما تزيد نسبة
الإناث كثيرا في هذه البلدان عن نسبة الذكور، ولقد قرر مؤتمر الشباب
العالمي في ميونخ بألمانيا عام 1948 عقب الحرب العالمية الثانية إباحة
تعدد الزوجات بعد أن استعرض المجتمعون سائر الحلول، ولم يجدوا حلا غيره
لمشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن الرجال
وحتى لو انعدمت الحروب وتضاءلت احتمالات مخاطر العمل وتساوت نسبة الأحياء
بين الذكور والإناث، فإن هناك حقيقة هامة جدا تحول أنظارنا رغما عن
الجميع إلى موضوع التعدد، وهي أنه طبيعة كثير من الرجال النفسية والجسمية
تجعلهم في حالـة شهوة جنسية مستمرة، خاصة مع وجود فترة دائمة لا تقل عن
ربع عمر المرأة لا تتـم فيها المباشرة الزوجية، فهل من الخير أن يبحث مثل
هؤلاء عن الاكتفاء والمتعة في الظلام بين الخطيئة والدنس والزنا أم أن
هناك حلا آخر يشرق بالفضيلة ويحفظ الأنساب ويقرر التعامل بصدق وحسن خلق
ومودة في وضح النهار؟
تحريم الإجهاض
يقول تعالى: [ ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم
لتبلغوا أشدكم ] (الحج 5)
ويقول: [ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ، نحن نرزقهم وإياكم ] (الإسراء
31)
يقرر العلماء أن الإجهاض هو القضاء على ما يقر في الأرحام بعد أن تنفخ
فيه الروح ويصبح نفسا. ويقول جل وعلا: [ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله
إلا بالحق ] (الإسراء 33) ويعلق د." جوافاكت " أستاذ التوليد بجامعة
ليفربول في بريطانيا على قضية الإجهاض بقوله
"لا ينبغي أن تكون الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية مقبولة لتسويغ
الإجهاض عند الطلب للأسباب التالية
ليس من المقبول طبيا أن نعرض الأم لمخاطر عملية جراحية أو قتل جنينها
لمجرد تحسين وضع مالي، أو للمحافظة على سمعة عائلية متهافتة
إننا بإباحة الإجهاض لن نستطيع أن نجعله سائغا أخلاقيا خاصة في مهنة
تعتبر الصحة البدنية والعقلية للإنسان هي هدفها وشغلها الشاغل
إن الإجهاض حسب الطلب ضد كل الممارسات الجراحية، حيث إن الأم لا تدرك مدى
الأضرار التي ستصيبها من مقاومة مقدرات الحياة، فليس من حق أحد أن يحرم
مخلوقا من حق الحياة الذي كفله الخالق له."
لقد ثبت علميا خطورة عملية الإجهاض والتي حرمها الإسلام تماما بعد أن تدب
الروح في جسد الجنين في رحم أمه، وذلك يكون بعد مائة وعشرين يوما بنص
حديث رسول الله الذي جاء فيه: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين
يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم ينفخ فيه
الروح.." رواه البخاري ومسلم. ومعنى الحديث أنه بعد مرور مائة وعشرين
يوما تكون النفس الإنسانية قد اكتملت في رحم الأم، وعلى هذا فإنه يحرم
إسقاط الجنين بعد هذه المدة مهما كانت الأسباب، وأجاز بعض الفقهاء إسقاطه
قبل هذا الوقت للضرورة القصوى، أي في حالة خطورة الحمل على صحة الأم
وتهديد حياتها
والشريعة الإسلامية حين تحسم هذه القضية بهذا الأسلوب فإنها تثبت أنها
دائما تسبـق العلوم الحديثة التي أكدت تعدد الأضرار والمضاعفات الصحية
والاجتماعية التي تعقب عملية الإجهاض، فالنزيف والصدمة الجراحية التي
تعقب الإجهاض تؤدي إلى وفاة الأم بنسبة ليست ضئيلة، وتزداد احتمالات هذه
النسبة في حالات فتح البطن، وقد تصل نسبة الحالات المرضية المترتبة على
الإجهاض إلى 15% من مجموع الحالات
كذلك قد يتمزق عنق الرحم من جراء الإجهاض، مما يؤدي إلى تكرار الإجهاض
تلقائيا بعد ذلك، كما أنه قد يحدث ثقب في الرحم بنسبة لا تقل عن 0.5 %
وقد تؤدي إلى إصابات في الأمعاء والمثانة وغيرها من أجهزة البطن
وعلى المستوى الاجتماعي فإنه يحدث تدهور أخلاقي رهيب بإباحة عملية
الإجهاض وانتشارها، فقد تبين أن 50 % من الذين سبق أن أجريت لهم عمليات
الإجهاض يعودون لطلبها مرات أخرى متكررة، مما يؤدي إلى انتشار الرذيلة و
الممارسات الفاسدة، مع ما يصاحبها من أمراض عضوية ونفسية مدمـرة
شروط الزواج ف الاسلام :درس صوتي
http://www.jannah.com/aud*****auth/kishk/400.html
رابط قد يفيد :
http://www.islamicmedicine.org/qazawaj1.htm
وصفته الشرعية
تعريف الزواج من حيث اللغة:
الزواج لفظ عربي موضوع لاقتران أحد الشيئين بالآخر وازدواجهما بعد أن كان كل منهما منفرداً عن الآخر ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] أي: يقرن كل واحد بمن كانوا يعملون كعمله. فيقرن الصالح مع الصالح، والفاجر مع الفاجر، أو قرنت الأرواح بأبدانها عند البعث للأجساد أي رُدَّت اليها، وقيل قرنت النفوس بأعمالها فصارت لاختصاصها بها كالتزويج.
وقوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الطور: 20] أي قرناهم بهن، وقوله تعالى {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] أي وقرناء هم الذين كانوا يجلسون معهم ويشاهدون ظلمهم ولا ينكرونه. أو وقرناءهم من الشياطين.
ثم شاع استعماله في اقتران الرجل بالمرأة على وجه مخصوص لتكوين أسرة حتى أصبح عند أطلاقه لا يفهم منه إلا ذلك المعني بعد أن كان يستعمل في كل اقتران سواء كان بين الرجل والمرأة أو بين غيرهما.
تعريف الزواج من حيث الاصطلاح الفقهي:
وفي اصطلاح الفقهاء: هو عقد وضعه الشارع ليفيد بطريق الأصالة اختصاص الرجل بالتمتع بامرأة لم يمنع مانع شرعي من العقد عليها وحل استمتاع المرأة به.
التعريف يفيد: أن الزواج يحل استمتاع كل من الزوجين بالآخر متى تم العقد، وأن الزوج يختص بالتمتع بزوجته فلا يحل لأحد أن يتميع بها ما دام العقد قائماً ولو حكماً، أما الزوجة فيحل لها التمتع بزوجها دون أن تختص بذلك التمتع حيث يباح له شرعاً أن يضم إليها ثانية وثالثة ورابعة.
شرعية الزواج:
استخلف الله الإنسان في الأرض بقوله سبحانه: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، وأودع في كل منهما ما يجعله يميل للآخر ليتم الازدواج بينهما، ويكون من ثمراته التناسل ليبقى النوع الإنساني يعمر الأرض حتى يبلغ الكتاب أجله.
ولكن المولى سبحانه الذي كرم بني آدم لم يتركهم إلى ما تمليه عليهم طبيعتهم في أمر الازدواج كبقية المخلوقات الأخرى من الحيوانات والطيور، بل سن لهم طريقة خاصة تتفق ومنزلتهم بين سائر المخلوقات.
فشرع الزواج الذي يختص فيه الرجل بالأنثى لا يشاركه فيها غيره ليسلم العالم من شر الإباحة التي يترتب عليها التزاحم والتنازع بل والتقاتل أحياناً، ومن طغيان الشهوات التي تجعل من الإنسان حيواناً سفاحاً لا يعرف رباط العائلة، ولا يفقه معنى الرحمة، ولا يفطن لسر المودة فيضيع النسل حيث لا رابط يربط الأبناء بآبائهم.
ولم تخل شريعة من الشرائع السماوية من الإذن به بل وتنظيمه من يوم أن أرسل الله الرسل. يقول جل شأنه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189].
ويقول سبحانه مخاطباً لرسوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ} أي أرسلنا قبلك الرسل الكرام {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].
ولقد تزوج الأنبياء والرسل كلهم، ولم يذكر المؤرخون من عاش منهم بلا زواج سوى يحيى وعيسى عليهما السلام، ولم يكن عدم تزوجهما لعدم شرعية الزواج في زمنهما، لأن الناس كانوا يتزوجون في عصرهما، وقد قيل إن سبب عدم زواج عيسى انحطاط أخلاق نساء بني إسرائيل فرغب عنهن للعبادة وأداء الرسالة.
والسبب في عدم زواج يحيى أنه لم يكن عنده المقدرة على إتيان النساء، لأن الله قال في وصفه:{وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39]والحصور في اللغة هو الذي لا يأتي النساء كأنه محجم عنهن، وعلى القول بأن الحصور هو الذي يكف نفسه عن النساء ولا يقربهن مع القدرة، فيمكن أن يعلل سبب امتناعه عنه بمتابعته لعيسى لأنه كان في زمنه وأول من آمن به كما قال الله في شأنه: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ} [آل عمران: 39] أي عيسى على ما عليه أكثر المفسرين.
ولهذا لم تكن الرهبانية – وهي الإعراض عن الزواج – مشروعة في أي دين سماوي، وإنما هي شيء ابتدعه النصاري في عصر اضطادهم كما أخبر القرآن عن ذلك في قوله تعالى {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27].
أما الإسلام فقد عنى بهذا العقد عناية خاصة، وأضفى عليه قدسية تجعله فريداً بين سائر العقود الأخرى لما يترتب عليه من آثاره خطيرة لا تقتصر على عاقديه ولا على الأسرة التي توجد بوجوده، بل يمتد إلى المجتمع فهو أهم علاقة ينشئها الإنسان في حياته، لذلك تولاه الشارع بالرعاية من حين ابتداء التفكير فيه إلى أن ينتهي بالموت والطلاق.
فبين الطريقة المثلى لاختيار الزوجة وكيفية إنشاء العقد ورسم طريقة المعاشرة الزوجية مبيناً ما لكل من الزوجين قبل الآخر من حقوق وما عليه من واجبات.
ولم ينس أنه قد يطرأ على الحياة الزوجية ما يعكر صفوها من نزاع أو شقاق فرسم طريق الإصلاح، وبَيَّنَ الطريقة التي ينهي بها العقد إذا ما عجز الإصلاح وباءت الحياة الزوجية بالفشل وغير ذلك مما يترتب على الإنهاء من آثار تتعلق بالزوجين أو بأولادهما.
ومن يتتبع نصوص التشريع في القرآن والسنة يجد هذا العقد قد ظفر بعدد كبير منها.
فالقرآن يخبر أولاً بأنه من أكبر النعم التي أنعم الله بها علينا ثم معروض امتنانه بنعمه وآلائه فيقول جل شأنه: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72].
وفي آية أخرى يعده من آيات قدرته {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
ثم يحله في صراحة ويأمر به في غير آية.
يقول سبحانه بعد عد المحرمات من النساء: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24].
ويقول سبحانه وتعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3].
ويقول {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32-33].
فقد خاطب الأولياء بأن يزوجوا من لا زوج له من الرجال والنساء، لأن الأيامى جمع أيم – وهو من لا زوج له من النساء والرجال، وإن كان أكثر استعماله في النساء.
والرسول صلى الله عليه وسلم يرغب فيه بشتى أنواع الترغيب فيقول: فيما روي في الصحيحين "أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب سنتى فليس مني. ويقول "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" ويقول: "تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة". ويروي لنا مسلم عن عمرو بن العاص أن رسول الله قال "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة".
ويروي أبو داود عن ابن عباس عن رسول الله قال: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته وإذا أمرها أطاعته".
وقد بعث رسول الله والعرب يتزوجون بطرق شتى بعضُها يتفق ومنهجَ العقلاء، وبعضُها لا يفعله إلا السفهاء، فألغى فاسده وأقر صحيحه.
حكمة مشروعية الزواج أو الغاية من تشريعه:
للزواج كثير من الحكم منها ما يعود على الزوجين، ومنها ما يعود على المجتمع.
فمن الحكم :
1- حفظ النوع الإنساني.
2- تحقيق الأنس والراحة وبين الزوجين فتستقر الحياة ويسعد المجتمع.
3- تحصين النفس بقضاء الحاجة الجنسية من طريق سليم لا يترتب عليه فساد المجتمع.
حكم الزواج:
الزواج لا يأخذ حكماً واحداً في جميع الحالات، بل يختلف حكمه باختلاف أحوال الناس، لأن منهم القادر على تكاليفه والعاجز عنها، وفيهم من يحسن العشرة الزوجية ومن لا يحسنها، كما أن منهم من اعتدل مزاجه فلا يخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة، ومنهم من لا يستطيع ضبط نفسه عنها إذا لم يتزوج، وتبعاً لهذا الاختلاف يختلف حكمه فتعدد أحكامه.
فتارة يكون مطلوباً محتماً فيكون فرضاً يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وأخرى يكون مطلوباً طلباً غير محتم فيكون مندوباً إليه فيثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، وطوراً يكون ممنوعاً منعاً باتاً فيكون حراماً يعاقب عليه عقاباً شديداً، وتارة يكون مكروهاً يعاقب فاعله عقاباً أقل من عقاب الحرام.
والأصل في الإنسان أن يكون معتدلاً، بمعنى أن يكون قادراً على تكاليف الزواج واثقاً من نفسه أنه يؤدي حقوق دون جور أو ظلم ولا يخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة إذا لم يتزوج.
لذلك جعل الفقهاء حالة الاعتدال هي الأصل في الزواج، واختلفوا في حكمها على أقوال.
ذهب الحنابلة في رواية عن الإمام أحمد: أنه فرض عين.
وذهب بعض الفقهاء الحنفية إلى أنه فرض كفاية، فإن فعله البعض سقط الإثم عن الآخرين.
وذهب بعض الشافعية إلى أنه مباح كالأكل والشرب.
وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية ووافقهم الحنابلة في المشهور عندهم وبعض الشافعية إلى أنه سنة مندوب إليه، لأن القرآن أمر به، وحض عليه رسول الله في أكثر من حديث.
وقد يعرض للزواج ما يجعله فرضاً أو واجباً أو حراماً أو مكروهاً.
فيكون فرضاً: فيما إذا كان الشخص قادراً على تكاليف الزواج واثقاً من نفسه أن يعدل مع زوجته ولا يلحق بها الضرر، ويتيقن أنه لو لم يتزوج وقع في الفاحشة ولا يستطيع التحرز عنها بأي وسيلة، لأن ترك الزنى مفروض عليه والمانع من وقوعه فيه هو التزوج فيكون وسيلة إلى الفرض. ومن المقرر أن ما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضاً.
فالزواج في هذه الحالة فرض لا لذاته، بل لأنه وسيلة إلى ترك الحرام، فإذا لم يتزوج كان آثماً مستحقاً للعقاب وهذا في حق الرجل.
أما المرأة فإنه يفرض عليها الزواج إذا عجزت عن اكتساب قوتها وليس لها من ينفق عليها، وكانت عرضة لمطامع أهل الفساد فيها ولا تستطيع أن تصون نفسها إلا بالزواج.
ويكون واجباً: فيما إذا كان قادراً واثقاً من العدل وخاف الوقوع في الفاحشة إذا لم يتزوج خوفاً لا يصل إلى درجة اليقين، فإذا لم يتزوج كان آثماً مستحقاً للعقاب لكنه أقل من العقاب في الحالة السابقة.
وقد يكون حراماً: إذا كان الشخص غير قادر على التكاليف أو كان قادراً عليها لكنه يقطع بأنه يظلم زوجته إذا تزوج سواء كان ظلمها بالإيذاء أو بعدم القدرة على المخالطة الجنسية. وذلك لأن الظلم حرام فما يكون طريقاً إليه يأخذ حكمه غير أن حرمته لا لذاته.
ويكون مكروهاً: إذا خاف الوقوع في الظلم إن تزوج إما لعجزه عن الإنفاق أو إساءة العشرة لشذوذ في خلقه أو عدم قدرته على المخالطة الجنسية، فإذا خاف الوقوع في واحدة من ذلك كره له التزويج كراهة تحريم أن تنزيه حسبما يخشاه من أنواع الظلم.
بقيت حالة أخيرة يتعارض فيها ما يجعل الزواج فرضاً وما يجعله حراماً. وهي ما إذا كان يقطع بالوقوع في الفاحشة إن لم يتزوج كما يقطع بظلم الزوجة إن تزوج.
وهذه الحالة يقرر الفقهاء فيها أنه لا يتزوج دفعاً للظلم، لأنه العلاج المتعين لذلك لقوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله)، وليس معنى هذا أنه يباح له الزنى، بل الزنى حرام لا يباح في حال من الأحوال.
وعليه بعد أن يترك الزواج أن يقاوم كلا المحظورين، فيحارب شهوته بشتى الوسائل ليتغلب عليها، ويقوم نفسه ليخلصها من رذيلة ظلم الغير. وما يجده سهلاً عليه يسير على ما يقتضيه، فإن سهل عليه محاربة الشهوة دون الأخرى بقي على كفه عن التزويج، وان استعصى عليه محاربة الشهوة ووجد من نفسه ميلاً إلى ترك الظلم تزوج.
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} ، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} ، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}.
وبعد فقد اطلعت على كثير من مشاكل البيوت والأسر، وأحمد الله سبحانه إذ حقق على يدي حلولاً لكثير من المشاكل التي اعترضت بعض إخواني وأصدقائي وزملائي.
وقد رأيت أن كثيراً من هذه المشاكل هي بسبب الجهل بالقواعد والأحكام الشرعية لعقد الزواج وأنه بمجرد العلم بهذه القواعد والأحكام وتطبيقها يستقيم نظام الأسرة ويتماسك بناؤها. وكذلك وجدت أن من أسباب الخلاف والتفكك الأسري تنقسم إلى ثلاث القسمان الأول والثاني هما الجهل بالتكوين النفسي وبالخصائص الذاتية لكل من الذكر والأنثى وأن الرجل عندما يتزوج المرأة دون العلم بهذه الخصائص الذاتية وبهذه المكونات النفسية فإنما يتعامل مع المجهول، وكذلك الحال بالنسبة لإقدام المرأة على الزواج بالرجل وهي لا تعرف خصائصه الذاتية ومكوناته النفسية، ويعود القسم الثالث من أنواع المشاكل بين الزوجين إلى الجهل بالأخلاق الواجبة التي يجب أن تسود علاقات الزوجية، ومن أعجب ما رأيت في هذا الصدد أن يكون الرجل لطيفاً كريماً مع الناس جميعهم إلا مع زوجته. وأن تكون الزوجة متزنة عاقلة في تصرفاتها مع جميع من تعاشر إلا مع الزوج.
هذه هي أصول المشاكل في الأسر وقد رأيت من واجبي أن أقدم لإخواني هذه الرسالة أرجو أن يجد المتزوجون فيها ضالتهم المنشودة التي تفتح لهم آفاقاً جديدة من السعادة والسلام والاستقرار، وأن يجد الذين لم يتزوجوا بعد دراسة كاملة في هذا الصدد يستطيعون بها أن يؤسسوا بيوتاً ملؤها السعادة والحب.
وكنت قد نشرت هذا الكتاب في جريدة الوطن الكويتية وقد وفق الله نشره الآن في كتاب لتتم به الفائدة ولله الحمد أولاً وأخيراً.
ولقد حاولت -بحمد الله- ما أمكنني أن أيسر موضوع عقد الزواج لكل قارئ حتى تفهم شروط هذا العقد ومواقعه وآثاره، وذلك أني أكتب هذا الكتاب للعامة وليس للعلماء والمتخصصين. إني أكتب هذه الرسالة لإخواني وأخواتي رغبة في تمكينهم من أن يؤسسوا بيوتاً صالحة وأن يحافظوا على هذا العهد المقدس والميثاق الغليظ كما وصفه الله في كتابه: {وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً}!!. وكذلك ليحافظ المسلمون على بقاء هذا العقد لأنه آخر ما بقي بأيدينا اليوم من قوانين الإسلام وتشريعاته، وضياع هذا العقد من مجتمع المسلمين يعني ضياع آخر أحكام الشريعة الإسلامية من مجتمعنا المعاصر.
ولا شك أن معرفة العامة بهذا العقد، وصيانة أحكامه والعمل بهدي الله الذي جاء فيه صيانة عظيمة لمجتمعنا من الفساد والانحلال الذي اجتاح دول العالم شرقاً وغرباً بعد أن فرطوا في عقد الزواج فانهدم النظام الأسري وانهدمت تبعاً لذلك كافة الأخلاق والقيم.
والله أسأل أن ينفع بهذا الكتاب المبارك كل ناظر فيه ودارس له وأن يجعل ثوابنا عنده الجنة. {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً}، والحمد لله أولاً وأخيراً.
عبدالرحمن عبدالخالق
الكويت في 17 محرم 1399هـ.
الزواج نعمة
امتن الله سبحانه وتعالى علينا في كتابه أن خلقنا معشر الرجال والنساء من نفس واحدة. وهذه النفس الواحدة هي آدم. والمنة في هذا أن نوع الرجال ليسوا خلقاً مستقلاً وكذلك نوع النساء ليس أصل خلقهم مستقلاً فلو كان النساء خلقن في الأصل بمعزل عن الرجال كأن يكون الله قد خلقهم من عنصر آخر غير الطين مثلاً أو من الطين استقلالاً لكان هناك من التنافر والتباعد ما الله أعلم به ولكن كون حواء قد خلقت كما جاء في الحديث الصحيح من ضلع من أضلاع آدم عليه السلام كان هذا يعني أن المرأة في الأصل قطعة من الرجل، ولذلك حن الرجل إلى المرأة وحنت المرأة إلى الرجل وتجانسا: حنين الشيء إلى مادته وتجانس المادة بجنسها.
ثم كان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل التكاثر من التقاء الرجال والنساء لقاء يكون فيه الإفضاء الكامل، والالتصاق الكامل واللذة الكاملة وذلك ليحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: [النساء شقائق الرجال]، فالرجل والمرأة وجهان لعملة واحدة. أو شقان لشيء واحد.
وهذا الخلق على هذا النحو من أعظم آيات الله سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون}.
ولذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بمراعاة هذه الوحدة في الأصل عند تعامل الرجال والنساء فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}.
بل أمرنا بما هو أكبر من ذلك أن نتذكر نعمته في خلقنا على هذا النحو، وبأن خلق فينا هذا الميل من بعضنا لبعض وغرس في القلوب الحب والرحمة بين الزوجين كما قال سبحانه وتعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
وهكذا يصبح أمام المسلم أمور يجب أن يضعها نصب عينيه وهو يبحث في العلاقة بين الرجل والمرأة:
أولاً: أن الرجال والنساء جنس واحد وليسوا جنسين، فأصلهم واحد وهو آدم وزوجته قطعة منه، والرجال والنساء في الأرض بعضهم من بعض لا توجد نسمة إلا وفيها جزء من الرجل وجزء من المرأة وقد تحملت المرأة في الخلق والتكاثر ما لم يتحمل الرجل حيث كان رحمها مستقراً ومستودعاً للنطفة، ومكاناً لاكتمال الخلق من البويضة النطفة إلى الطفل. وقد تحمل الرجل في مقابل ما تحملت المرأة الكدح في سبيل العيش والرعاية وبهذا توزعت الاختصاصات وتحمل كل شق من هذا الجنس الواحد جانباً من جوانب استمرار الحياة وبقاء الحضارة: تحملت المرأة وهيأها الله أن تكون مستقراً ومستودعاً للنسل حتى يخرج إلى الحياة، وأن يكون الرجل مكافحاً وعاملاً وكادحاً في سبيل الحصول على الرزق وبهذا تكتمل الصورة الواحدة.
ثانياً: أن خلق الرجال والنساء على هذا النحو من أكبر آيات الله سبحانه وتعالى، ومن أعظم الأدلة على قدرته. وقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة إلى التفكير في هذا الخلق كما قال تعالى: {فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب}، والصلب في لغة العرب هو فقار الظهر (عند الرجل)، والترائب هي عظام الصدر، قال الفراء في هذه الآية (يعني صلب الرجل وترائب المرأة) والمعنى عند ذلك أنه من مجموع جسدي الرجل والمرأة بل ومن مخ عظامهما أوجدك الله أيها الإنسان. وذلك لتتم اللحمة والتعاطف والحب بين الأزواج والزوجات والآباء والأمهات والأبناء بعضهم مع بعض فمن فرق بين الذكر والأنثى لصفات الذكورة والأنوثة التي جعلها الله سبحانه وتعالى لازماً لاستمرار النوع والنسل فقد فرق بين الشيء نفسه وجنسه، ومن افتعل معركة بين ذكور الجنس البشري وإناثه فإنما هو مبطل يريد هدم الكيان البشري والوصول إلى الإباحية والشيوعية الجنسية، ومن قال بما قال به الرب سبحانه من توزيع الحقوق والوجبات على الجنسين اعتباراً بالذكورة والأنوثة فقد وافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها وأراد أن يعم السلام والخير بين الرجال والنساء.
انظر إلى قوله تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون}.
فالزوجة من النفس لأنها بضعة من الرجل، والأولاد وأولاد الأولاد من اجتماع الذكور والإناث، والراحة النفسية ومتاع الدنيا هو في الحب الحقيقي بين الزوج وزوجته وبين الأب والأم وأولادهما، وبين الأبناء وآبائهم وجدودهم، فكم يسعد الجد بأحفاده سعادة لا تعدلها سعادة الطعام الجيد والشراب اللذيذ، وصلة القرابة هذه وصلات النسب والتمتع بذلك لا يكون إلا في ظل النكاح الشرعي، وأما في أنكحة السفاح فإن أول حرمان لأصحابها هو حرمانهم من هذا الحب الشريف النقي بين الأرحام إذ مع السفاح واختلاط الأنساب لا أرحام وإنما يبغي لذة واحدة هي لذة الحيوان فهل يراد للبشر الذين كرمهم الله أن يكونوا كذلك؟..