كيف حالك يا الغالي ان شاء الله تمام ^_^
أشكاله – أسبابه ودوافعه – آثاره
مكافحته و استراتيجيات الحد من تناميه – معالجته
أولاً – المقدمة :
تزايد الاهتمام بقضية الفساد منذ النصف الثاني من الثمانينات ، نظراً للآثار السلبية للفساد على التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وقد ظهرت العديد من الدراسات التي اتخذت من قضية الفساد عنواناً لها ، قدم فيها الباحثون عرضاً لصور الفساد ومظاهره ، وتحليلاً لهذه الظاهرة في محاولة جادة وصادقة من جانبهم لكشف وتعرية هذه الظاهرة والدعوة لمكافحتها والحد من انتشارها ، خاصة وأن الفساد تحول من ظاهرة محلية إلى ظاهرة عالمية تستوجب التعاون الدولي ( حكومات ، برلمانات ، منظمات غير حكومية ، رجال أعمال ، وسائل الإعلام المختلفة ، القطاع الخاص ) لمواجهتها وإبداء قدر أكبر من الاهتمام بإعادة النظر في الترتيبات الحالية لمواجهة الفساد ، ووضع استراتيجيات يتم تحديثها باستمرار لضمان مواجهة المشكلات الناجمة عن كل صور الفساد المعاصرة . ولم تقتصر هذه الجهود على الدول المتقدمة ، وإنما شملت أيضاً الدول النامية التي تعاني اقتصاداتها ومجتمعاتها من تفشي هذه الظاهرة بصورة أكبر مما تعانيه الدول المتقدمة ، حتى أضحى موضوع الفساد يحظى بالأولوية في قائمة اهتمامات الحكومات في الدول النامية .
ويرجع الاهتمام بقضايا الفساد في الدول النامية لعدة أسباب ، من أهمها :
– الكساد واختلال الميزان الاجتماعي بسبب سياسات الإصلاح الهيكلي في غالبية الدول النامية
– ظهور شريحة اجتماعية غنية في العقد المنصرم استفادت من التحولات في السياسات الداخلية للدول النامية والدول التي تمر بمرحلة التحول وانفتاح هذه الدول على العالم ، بعد أن كانت مجتمعات منغلقة .
– انتشار الفساد في الأوساط السياسية ، وخاصة منهم أصحاب المناصب الرفيعة في تلك الدول .
– ظهور قوى معارضة في الدول النامية تدعو إلى مكافحة الفساد وفضح رموزه .
– الاهتمام الدولي المتزايد بهذه الظاهرة وخاصة من قبل المنظمات ومؤسسات التمويل الدولية ، التي تربط تقديم قروضها بتبني الدول المقترضة لسياسات وبرامج محاربة الفساد في مجتمعاتها
وسنحاول في هذا الدراسة إلقاء الضوء على أشكال و أسباب ودوافع الفساد والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تجذرت في المجتمعات بفعل تفشي هذه الظاهرة ، ثم ننتقل للحديث على الجهود الدولية في مكافحة تفشي هذه الظاهرة و من ثم استراتيجية الحد من تنامية ، و أخيراً نتقدم ببعض المقترحات التي يمكن أن تساعد على الحد من تنامي هذه الظاهرة و التخفيف إلى حد بعيد من حدتها لا نقول تنفيسها أو القضاء عليها ، وسنعرض خلال دراستنا لبعضٍ من آثار الفساد الإداري والسياسي في الدول النامية ومنها العربية كي تكون الصورة واضحة ومكتملة إلى حد ما .
ثانياً _ تعريف الفساد :
الفساد ليس ظاهرة محلية وإنما هو ظاهرة عالمية ولكن يختلف من بلد وآخر ، و أشد أنواع الفساد ضرراً تقع في الدول النامية وخاصة الدول التي تفتقر إلى وجود المنظمات غير الحكومية ، وتلك التي لم تنضج فيها بعد مؤسسات المجتمع المدني ، وتلك التي تكون فيها مثل هذه المؤسسات محظورة ، فهذه المنظمات والمؤسسات تساعد على كشف الآثار السلبية للفساد كما هو الحال في الدول المتقدمة .
والفساد مصطلح له معان عديدة ، وبدء التعامل السليم مع هذه المسألة هو تقسيمها وتحليلها إلى عناصرها الكثيرة . وفي أوسع صورة يمكن القول بأن الفساد هو سوء استخدام المنصب العام لغايات شخصية ، وتتضمن قائمة الفساد على سبيل المثال لا الحصر ، الرشوة ، والابتزاز ، و استغلال النفوذ والمحسوبية ، و الاحتيال ، و الاختلاس ، واستغلال " مال التعجيل " وهو المال الذي يدفع لموظفي الحكومة لتعجيل النظر في أمر خاص يقع ضمن نطاق اختصاصهم بقضاء أمر معين . وعلى الرغم من أن كثير من الناس ينـزعون إلى اعتبار الفساد خطيئة حكومية ، إلا أن الفساد موجود في القطاع الخاص أيضاً ، بل إن القطاع الخاص متورط إلى حد كبير في معظم أشكال الفساد الحكومي " 1 " .
و أحد التعاريف الهامة الأخرى للفساد هو استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب خاصة مثل الرشوة و الابتزاز ، وهما ينطويان بالضرورة على مشاركة طرفين على الأقل ، ويشمل أيضاً أنواعاً أخرى من ارتكاب الأعمال المحظورة التي يستطيع المسؤول العمومي القيام بها بمفرده ومن بينها الاحتيال والاختلاس ، وذلك عندما يقوم السياسيون وكبار المسؤولين بتخصيص الأصول العامة لاستخدام خاص واختلاس الأموال العامة ويكون لذلك آثار معاكسة واضحة ومباشرة على التنمية الاقتصادية لا تحتاج تبعاتها إلى مناقشة ، غير أن الأمر يكون أكثر تعقيداً عندما يتعلق بتقديم الأطراف الخاصة للرشوة إلى المسؤولين العموميين لا سيما تأثيرها على تنمية القطاع الخاص ، ومن المفيد في بحث أشكال الرشوة النظر فيما يمكن للقطاع الخاص أن يحصل عليه من السياسي أو الموظف العام " 2 " :
– العقود الحكومية – الامتيازات التي تمنحها الحكومة – الإيرادات الحكومية – توفير الوقت وتجنب الضوابط التنظيمية – التأثير على نتائج العمليات القانونية والتنظيمية .
والفساد وفقاً لتعريف الأمم المتحدة : هو سوء استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص " 3 " . ويتدرج الفساد من الرشوة إلى عمليات غسيل الأموال وأنشطة الجريمة المنظمة وأنشطة المافيا .
ويعرف البنك الدولي الفساد بأنه استغلال المنصب العام بغرض تحقيق مكاسب شخصية ( 4 ) .
“ The a buse of public offic for private gains “ .
والمنصب العام – كما عرفه القانون الدولي – هو منصب ثقة يتطلب العمل بما يقتضيه الصالح العام.
ثالثاً – أشكال الفساد :
يأخذ الفساد أشكالاً متعددة يأتي في مقدمتها :
1 – استغلال المنصب العام : يلجأ أصحاب المناصب الرفيعة والعليا في الدول النامية إلى استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب مادية ، وهؤلاء يتحولون مع مرور الوقت إلى رجال أعمال أو شركاء في تجارة إلى جانب كونهم مسؤولين حكوميين ، يصرفون جل اهتمامهم إلى البحث عن طرق و أساليب تمكنهم من زيادة حجم ثرواتهم الخاصة ، على حساب الاهتمام ببرامج التنمية وتحقيق قدر من الرفاه الاجتماعي لمواطني دولهم .
2 – الاعتداء على المال العام : غالباً ما يقوم بهذا السلوك الفاسد السياسيون والمسؤولين الحكوميين ، كسحب قروض من البنوك المملوكة للدولة بفوائد منخفضة ، وتسهيل حصول رجال الأعمال من القطاع الخاص على قروض بفوائد منخفضة وبدون ضمانات مقابل حصوله على جزء من القرض على سبيل الرشوة أو العمولة ، و الاستيلاء على بعض الممتلكات العامة عن طريق التزوير في الأوراق الرسمية أو استئجارها لفترة زمنية طويلة بمبالغ زهيدة .
3 – التهرب الضريبي والجمركي : ويقوم بمثل هذا السلوك الفاسد رجال الأعمال من القطاع الخاص ، فهؤلاء يدفعون الرشاوي للمسؤولين الحكوميين بغية حصولهم على تخفيض ضريبي أو إعفاء ضريبي لفترة طويلة نسبياً ، أو تخفيض الرسوم الجمركية أو إعفائهم من دفع الرسوم وفق استثناء أو تلاعب على القوانين ، وفي كثير من الأحيان يقوم هؤلاء المسؤولين الحكوميين بتغير مواصفات السلع المستوردة على الورق لتخفيض حجم الرسوم الجمركية الواجب دفعها لخزينة الدولة مقابل حصولهم على رشاوٍ من المستورد وهذا بحد ذاته احتيال وتزوير وتلاعب على القوانين ونهب للمال العام .
4 – الرشوة المحلية والدولية :هذا النوع من الرشوة يدفع لكبار المسؤولين في الدول النامية ، فالحكومات تقوم بشراء مواد ومستلزمات من السوق المحلية بكميات كبيرة وتطرح عدداً من المشاريع للتنفيذ من قبل القطاع الخاص وذلك عبر مناقصات يتقدم بها القطاع الخاص المحلي ، والتنافس على مثل هذه المناقصات يدفع بالقطاع الخاص لدفع رشوة لبعض المسؤولين الحكوميين للحصول على مثل هذه المناقصات ، ويترتب على مثل هذا السلوك الفاسد للمسؤول الحكومي زيادة في أسعار المواد والسلع الموردة وزيادة في القيمة الإجمالية للمشاريع الاقتصادية والخدمية المتوسطة والكبيرة ، حيث يقوم القطاع الخاص بإضافة الرشاوي والعمولات إلى التكاليف مما يؤدي إلى تحميل الدولة نفقات إضافية تصل إلى 25 % من قيمة العقود والمشاريع .
أما فيما يتعلق بالرشوة الدولية فتدفع لقاء قيام حكومة في دولة من الدول النامية بشراء معدات ومستلزمات وتجهيزات تحتاجها من شركة دون أخرى ( المناقصات الدولية لتنفيذ مشروعات ضخمة ، امتيازات التنقيب عن البترول و الغاز والمعادن ، شراء الطائرات المدنية ، والعتاد العسكري الثقيل والخفيف بما فيها الطائرات الحربية ، مناقصات قطاع الاتصالات ، …. إلخ ) .مما يدفع بالشركات الأجنبية إلى دفع عمولات كبيرة للحصول على المناقصات الخارجية والامتيازات في الدول النامية .
5 – تهريب الأموال : يقوم المسؤولون الحكوميون في الدول النامية بتهريب الأموال التي حصلوا عليها بطرق غير قانونية و غير شرعية إلى مصارف و أسواق المال في الدول الأجنبية و خاصة أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية لاستثمارها على شكل ودائع في بنوك تلك الدول لقاء فوائد مرتفعة ، أو بشراء أسهم في شركات أجنبية ، أو شراء عقارات ، ويبرر هؤلاء المسؤولين هذا السلوك الفاسد بأنه ضرورة تفرضها الأوضاع السياسية المتقلبة باستمرار في الدول النامية ، فهو من وجهة نظرهم تأمين لهم في حال استبعادهم من السلطة مستقبلاً .
6 – وبالإضافة إلى ما ذكرنا يقوم أصحاب المناصب الرفيعة في الدول النامية بتحويل جزء لا يستهان به من المعونات والمساعدات والقروض التي تقدمها الدول الغنية المانحة للمعونات الاقتصادية بهدف تمويل عملية التنمية في تلك الدول إلى حسابات مصرفية خارجية ، بدلاً من إدخالها إلى حسابات البنك المركزي ، وغالباً ما تكون هذه الحسابات بأسماء أبنائهم أو أشخاص تربطهم بالمسؤول الحكومي صلة قرابة أو من المقربين . وهذا الاختلاس هو من أسوأ أنواع الاختلاسات نظراً لضرره المضاعف على اقتصادات الدول النامية .
رابعاً – أسباب الفساد ودوافعه :
الفساد ليس ظاهرة حديثة ، ولا هو مقتصر على البلدان النامية دون المتقدمة ، ومن غير الممكن معرفة مدى انتشار الفساد بشكل دقيق في منطقة ومقارنتها بأخرى ، و إنما يتم ذلك في الغالب بشكل تقريبي ، فمعظم أعمال الفساد تتم بسرية ، ونادراً ما يتم الكشف عن مثل هذه العمليات وخاصة منها تلك التي تتم في الأوساط الرسمية العليا ( فساد القمة – الفساد الكبير ) ، فهذه الأوساط تشكل فيما بينها شبكة تقوم من خلالها بأعمال الفساد وتحيط أعمالها بالسرية التامة ونادراً ما يتم كشفها أو معرفة تفاصيلها .
وتختلف الأسباب التي تؤدي إلى نمو الفساد وانتشاره في البلدان النامية ومنها الدول العربية عنها في الدول المتقدمة ، فالعوامل التي تساعد على نموه في الدول النامية تختلف إلى حد كبير عن العوامل المساعدة على نموه في الدول المتقدمة ، إلا أن طرق ممارسة الفساد متشابهة إلى حد كبير ، وعلاوة على ذلك فإن قدراً كبيراً من الفساد في الدول النامية تشارك فيه الدول الصناعية بصور مختلفة ، فالتنافس بين الشركات متعددة الجنسيات المتمركزة في غالبيتها في الدول المتقدمة على صفقات الأعمال الدولية ، يدفع بهذه الشركات إلى دفع رشاوي ضخمة للمسؤولين الحكوميين في الدول النامية للفوز بهذه الصفقات ، ولم تساهم سياسات التحول نحو الديمقراطية والأخذ بسياسات السوق في التخفيف من نمو هذه الظاهرة بل على العكس من ذلك تماماً ساعدت على نموها ، وذلك يعود برأينا إلى عدم مواكبة أو مصاحبة هذا التحول حدوث تطوير في القوانين المعمول بها في تلك الدول وخاصة منها القوانين التي تمكن المسؤولين الحكوميين / العموميين من الحصول على رشاوي نظير منح الشركات ( من داخل الدولة أو خارجها ) عقود حكومية أو تسهيلات أو امتيازات داخل الدولة ، أو منح استثناءات و امتيازات لأشخاص من الدولة ذاتها .
ويمكن إيجاز أسباب نمو وتفشي ظاهرة الفساد في الدول النامية ومنها العربية بالتالي :
1 – تمتع المسؤولين الحكوميين ( العموميين ) بحرية واسعة في التصرف وبقليل من الخضوع للمساءلة ، فهؤلاء يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية عن طريق قبول الرشاوى من الشركات ( القطاع الخاص ) أو المواطنين نظير حصولهم على امتيازات و استثناءات .
2 – إن الدافع وراء سلوك المسؤولين الحكوميين الفاسد هو الحصول على ريع مادي ، ويساعدهم على تحقيق هذا الكسب غير القانوني التدخل الحكومي والقيود والقوانين التي تضعها حكومة ما ، ومن الأمثلة على ذلك قيود التجارة ( الرسوم الجمركية ، حصص الاستيراد ، قائمة المسموح والممنوع استيراده ، إلخ ) والسياسات الصناعية القائمة على المحسوبية والعلاقات الشخصية مثل ( الإعانات والاستقطاعات الضريبية ) وتعدد قواعد تحديد سعر الصرف ، وخطط توزيع النقد الأجنبي ، وتوفير القروض تحت رقابة حكومية " 5 " .
3 – يحصل بعض المسؤولين الحكوميين على رشاوى ضخمة رغم عدم وجود تدخل حكومي ، مثلما يحدث في حالة الموارد الطبيعية كالبترول و الغاز ، و إمداداته محدودة بطبيعته ، وكلفة استخراجه أقل كثيراً من سعره في السوق ، ولما كانت الأرباح غير العادية متاحة لمن يستخرجون البترول و الغاز ، فمن الراجح تقديم الرشاوى للمسؤولين عن منح حقوق استخراجه " 6 " .
4 – يتفشى الفساد في البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقال / التحول ، ولا يرجع ذلك إلى اختلاف شعوب هذه البلدان عن الشعوب في غيرها ، وإنما لأن الظروف مهيأة لذلك ، فالحافز على اكتساب الدخل قوي للغاية ، ، ويتفاقم بفعل الفقر ومرتبات الموظفين المنخفضة والمتناقصة ، وعلاوة على ذلك فإن المخاطر من كافة الأنواع ( المرض ، الإصابات ، البطالة ) مرتفعة في البلدان النامية ، والناس يفتقدون عموماً الكثير من آليات توزيع المخاطر ( بما في ذلك التأمين وسوق العمل جيدة التنظيم ) المتاحة في البلاد الأكثر تقدماً وثراءً " 7 " .
5 – ولطبيعة المجتمع وبروز أهمية العلاقات الشخصية في الحياة الاجتماعية ، أثر كبير في الفساد في الدول النامية ، وفيما يرى الأوربيون أن المحاباة والمحسوبية هي نوع من الفساد ، فإن الكثيرين في الدول النامية لا يرون ذلك ، ويتساءلون كيف يستطيع شخص من فئة اجتماعية معينة ، متخلفة أو متأخرة أن يلحق بالمنافسين له من فئة اجتماعية أخرى إذا لم يجد عوناً له أو ظهيراً بين الذين ينتمون إلى نفس الفئة الاجتماعية أو الذين تربطهم به صلة قرابة أو نسب " 8 " .
6 – بالإضافة إلى ذلك ، فإن كثيراً من مجتمعات الدول النامية تضم أقليات ثقافية وعرقية ترى نفسها مظلومة وليس لها حظوة فيما يتعلق بمجالات الإدارة العامة المختلفة ، ومثل هذه الأقليات ربما تلجأ إلى ممارسة أساليب الفساد لأنها تمثل في رأيها الوسيلة الوحيدة للحصول على الخدمات التي تحتاجها من أجهزة الإدارة العامة " 9 " .
7 – استحداث أو إلغاء قوانين أو سياسات تتحقق عن طريقها مكاسب مباشرة للمسؤولين في الجهاز الحكومي .
8 – احتفاظ الدولة بثروة هائلة – منشآت وممتلكات وموارد طبيعية – وإضفاء المشروعية على سلطتها على مشروعات الأعمال ، حتى ولو كانت خاصة ، مما يعطي المسؤولين الحكوميين سلطات استثنائية ، وفرصاً كثيرة لالتماس الرشوة ، ونطاقاً واسعاً لنهب الثروات العامة " 10 " .
9 – يؤدي ضعف المجتمع المدني وتهميش دور مؤسساته في كثير من الدول النامية – الأحزاب السياسية وجماعات المصالح والتنظيمات الاجتماعية المختلفة – إلى غياب قوة الموازنة المهمة في هذه المجتمعات ، مما يساعد على تفشي ظاهرة الفساد واستمرار نموها .
10 – انخفاض الأجر الرسمي للموظفين الحكوميين يغري بالفساد ، والذي بدوره يمثل في غالبية الدول النامية ومنها الدول العربية الحافز الرئيسي للبقاء والتمسك بالخدمة العامة في مؤسسات الدولة المختلفة .
11 – انخفاض المخاطر المترتبة على الانغماس في سلوك فاسد ، فالعقوبة المنصوص عليها في قوانين غالبية الدول النامية لا تشكل رادعاً عن ارتكاب الأعمال الفاسدة ، ناهيك عن أن ضعف الإشراف الحكومي بعيداً عن المركز ، وإضفاء الطابع الشخصي على العلاقات الاقتصادية ، والفضائح المالية ، كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى تقويض معايير السلوك الرسمي والخاص على حد سواء ، فمن الصعب معاقبة شخص ما على سوء التصرف إذا كان هناك تصور عام بأن الأشخاص الآخرين ، بما في ذلك كبار المسؤولين يفعلون نفس الشيء ولا يتعرضون للمساءلة والخضوع للمحاكمة " 11 " ، مما يعني انتشار أوسع وفترة انتعاش أطول للفساد في تلك البلدان
12 – هناك عوامل أخرى تتعلق بالإدارة ذاتها فانعدام أو ضعف الأخلاقيات الوظيفية للعمل الحكومي ، وغياب مفهوم المساءلة العامة والمسؤولية ، كلها تؤدي إلى الفساد وتمهد له .
13 – من العوامل أيضاً التي يمكن القول بأنها تهيأ الدول النامية أو بعضاً منها للفساد ، أن هناك أعداداً كبيرة تعمل في القطاع الحكومي والعام الذي له أثر كبير على حياة المجتمع فيما يتعلق بتوزيع السلع والخدمات ، وكلما كبر حجم القطاع العام واتسعت مجالات عمله وتخصصه ازداد الميل نحو الفساد ، وهذا يؤدي إلى بيروقراطية ذات توجهات تعنى بالتوزيع لا بالإنتاج .
14 – تغير نظرة المجتمع للأشخاص الذين يقومون بأعمال الفساد من رشوة واختلاس والاحتيال ونهب المال العام والخاص .
15 – أدى التغاضي عن معاقبة كبار المسؤولين المتهمين بالفساد واستغلال المنصب العام إلى انهيار منظومة القيم الأخلاقية في تلك الدول .
16 – أدى هذا التغاضي وانتشار الفساد على نطاق واسع ، إلى استخفاف أفراد المجتمع بالقوانين المعمول بها في مختلف المجالات الحياتية والتنظيمية ، وإلى تغير النظرة العامة لشرعية الأنظمة الحاكمة في تلك الدول .
17 – يتفشى الفساد أيضاً عندما تتوفر لكبار الموظفين ورجال السياسة حصانة تحميهم من الملاحقة " 12 " والخضوع للمساءلة .
خامساً- الآثار الاقتصادية والاجتماعية للفساد :
تحدثنا في الصفحات السابقة عن صور ومظاهر الفساد وعن أسبابه ودوافعه ، وكان من الطبيعي أن يكون لانتشار هذا السلوك الفاسد والمدمر آثاراً سلبية على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية ، وهي آثار تتبدى على المدى المتوسط ، ومعرفة هذه الآثار وانعكاساتها السلبية على اقتصادات تلك الدول يخلق وعياً لدى شعوب الدول النامية ويحفز القوى المختلفة في المجتمع من أحزاب سياسية وتنظيمات ومؤسسات على محاربة هذه الظاهرة ومعاقبة رموزها ، ويمكن تسجيل ورصد الآثار التالية :
1 – يؤثر الفساد على أداء القطاعات الاقتصادية ويخلق أبعاداً اجتماعية لا يستهان بها . وقد أظهرت الأبحاث في هذا المجال أنه يضعف النمو الاقتصادي ، حيث يؤثر على استقرار وملاءة مناخ الاستثمار ويزيد من تكلفة المشاريع ويهدد نقل التقنية ، ويضعف الأثر الإيجابي لحوافز الاستثمار بالنسبة للمشاريع المحلية والأجنبية وخاصةً عندما تطلب الرشاوى من أصحاب المشاريع لتسهيل قبول مشاريعهم ، أو يطلب الموظفون المرتشون نصيباً من عائد الاستثمار . وفي هذا الصدد يعتبر الفساد ضريبة ذات طبيعة ضارة وبشكل خاص معيقة للاستثمار ، ويزيد من حدة المشكلة الطبيعة السرية للرشوة وعدم التأكد مما إذا كان الموظفون الذين يتقاضون الرشوة سينفذون دورهم في الصفقة أم لا ، ومع ازدياد الفساد يقوم المستثمرون بإضافة المدفوعات الناجمة عن الرشاوى والعمولات إلى التكاليف مما يرفع التكلفة الاجتماعية للمشروعات ويخفض العائد على الاستثمار . " 13 "
2 – يؤدي الفساد إلى إضعاف جودة البنية الأساسية والخدمات العامة ، ويدفع ذوي النفوس الضعيفة للسعي إلى الربح غير المشروع عن طريق الرشاوى بدلاً من المشاركة في الأنشطة الإنتاجية ، ويحد من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات ، ويفضي إلى معدلات ضريبية متزايدة تجبى من عدد متناقص من دافعي الضرائب ، ويقلل ذلك بدوره من إيرادات الخزينة / الدولة ومن ثم قدرتها على توفير الخدمات العامة الأساسية ، كما يضعف من شرعية الدولة وسلطتها ." 14 "
3 – إضافة إلى ذلك يقوم الفساد بتغيير تركيبة عناصر الإنفاق الحكومي ، إذ يبدد السياسيون والمسؤولون المرتشون موارد عامة أكثر على البنود التي يسهل ابتزاز رشاوى كبيرة منها مع الاحتفاظ بسريتها ، ويلاحظ أن الأجهزة الحكومية التي ينتشر فيها الفساد تنفق أقل على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة ، وتتجه إلى الإنفاق بشكل أكبر على مجالات الاستثمار المفتوحة للرشوة . " 15 "
4 – ترفع الرشوة من تكاليف الصفقات وعدم التيقن في الاقتصاد .
5 – يضعف الفساد من شرعية الدولة ، ويمهد لحدوث اضطرابات وقلاقل تتهدد الأمن والاستقرار السياسي في الدول النامية
6 – يؤثر الفساد على روح المبادرة والابتكار ويضعف الجهود لإقامة مشاريع استثمارية جديدة
7 – تنطوي الرشوة على ظلم ، إذ أنها تفرض ضريبة تنازلية تكون ثقيلة الأثر بشكل خاص على التجارة والأنشطة الخدمية التي تضطلع بها المنشآت الصغيرة . " 16 "
8 – يقود الفساد إلى التشكيك في فعالية القانون وفي قيم الثقة والأمانة إلى جانب تهديده للمصلحة العامة من خلال إسهامه في خلق نسق قيمي تعكسه مجموعة من العناصر الفاسدة أو ما يسمى Public bads وهو ما يؤدي إلى ترسيخ مجموعة من السلوكيات السلبية . " 17 "
9 – وعلى صعيد آخر يؤثر الفساد على كل من العدالة التوزيعية والفعالية الاقتصادية نظراً لارتباطه بإعادة توزيع أوتخصيص بعض السلع والخدمات ، حيث يسهم الفساد في إعادة تخصيص الثروات لصالح الأكثر قوة ممن يحتكرون السلطة . " 18 "
10 – تتبدى أهم مخاطر الفساد في تغييرها للحوافز والدوافع السلوكية بحيث تسود نوع من الأنشطة غير الإنتاجية الساعية إلى الربح السريع إلى جانب إ
مراجع:
معهد الامارات التعليمي
www.uae.ii5ii.com
قوقل
www.google.com
http://www.malazi.com/index.php?d=95&id=33
الرشوة باشكالها المختلفة اصبحت في سائر المجتمعات وفي الدول النامية تحديدا من الامراض المجتمعية الخطرة ذات المنشأ النفسي والذي ينمو في ظل فساد اداري بعيد عن الرقابة ووازع ديني ضعيف لا يكفي لخلق رقابة ذاتية ربما تعد الاكثر جدوى من أية رقابة اخرى قد تفرضها القوانين والأنظمة والمتا بعات الادارية الاخرى.
والرشوة اصطلاحا ما يقدمة صاحب الحاجة محقا كان ام مبطلا الى من بيده قضاء حاجتة او من يجب عليه القيام بذلك سواء اكان ذلك مباشرة او بواسطة، وسواء كان بطلبه او عن طريق المصانعة.
والرشوة داء خطيرا بالمجتمع ويسري به كما تسري النار بالهشيم وهي دليل على انتشار الفساد الاداري والمالي بل هي احدى عناصره، فالفرد قد يلجأ اليها لتحقيق مصالحه الشخصية ويسعى هو الى اغراء الموظف بها، مرغما على دفع الرشوة عندما يوقن انه لا سبيل يقيه من تعسف الموظف الا هي، او عندما لا يجد الادارة التي تكافح هذا السلوك فاما ان يدفع المطلوب واما سيخسر ما هو اكثر من قيمتها.
وتناول قانون العقوبات رقم 16لسنة 1960جريمة الرشوة في المواد من170الى173،وجرم في المادة 170طلب او قبول الرشوة من قبل الموظف للقيام بعمل حيث يعاقب مرتكبها بالحبس من سنتين الى ثلاث سنوات والغرامة التي تعادل قيمة ما طلب أو قبل.
والتجريم يشمل وفي كل صورها بالاضافة الى الموظف كل شخص ندب الى خدمة عامة سواء بالأنتخاب او بالتعيين، وكل شخص كلف بمهمة رسمية كالمحاكم.
ووفقا لما جاء في المادة172فان الراشي يعاقب بنفس عقوبة المرتشي، وقد جرم المشرع الأردني في المادة173 من قانون العقوبات عرض رشوة لم تلاق قبولا فكل من يعرض على موظف او من اعتبره المشرع الاردني بحكم الموظف هدية او منفعة اخرى او وعده بها ليعمل عملا غير مشروع او ليمتنع عن عمل كان يجب ان يقوم به يعاقب اذا لم يلاق العرض او الوعد قبولا بالحبس من ثلاثة اشهر الى ثلاث سنوات وبغرامة من عشرة دنانير الى مائتي دينار.
وقد منح المشرع الاردني الراشي والمتدخل عذرا محلا اذا اباح بالامر للسلطات المختصة او اعترف به قبل احالة القضية الى المحكمة_حسب نصوص قانون العقوبات.
وجاء في المادة3/ب من قانون الجرائم الأقتصادية رقم 11لسنة 1993المعدل بموجب القانون رقم 22لسنة 2022فان جريمة الرشوة تعتبر جريمة اقتصادية اذا اشتملت على عناصر الجريمة الأقتصادية وفي هذه الحالة يسري عليها ما يسري على الجرائم الأقتصادية من أحكام والمادة 365من قانون اصول المحاكمات الجزائية حرمت المتهم بارتكاب جرم الرشوة وان اعيد اليه اعتباره من عضوية مجلس الأمة او القضاء أو الوزارات
وايضا الرشوة هي طور متقدم من أطوار الواسطة واخطرها، فالواسطة عبارة عن سلوك اداري يعود الى اسباب اجتماعية تقوم على فكرة المحاباة وتجاوز الأنظمة ولا تقل خطورتها عن خطورة الرشوة، فخرق القانون يبدأ تبرعا ومع مرور الوقت يتم بمقابل مالي و ان مايساعد في شيوع الرشوة في المجتمع ضعف الوازع الديني، في ظل ظروف اقتصادية مما يلعب دورا اساسيا في انتشارها وذلك بسبب الحاجة والفقر وتدني الرواتب في مقابل الارتفاع المستمر في الأسعار.
وايضا الجشع سببا في الرشوة فالجاني في هذه الحالة تدفعه رغبته في زيادة ثروته، وهذا النمط الأجرامي تنحصر طائفة مرتكبيه في كبار الموظفين الذين لا يكتفون بأخذ الفتات مقابل ما يقدمونه من خدمات، وان غلفت في اشكال اخرى وان اطلق عليها مسميات تسوغ اللجوء لها تبقى هي الرشوة.
ويبين د.شحادة ان «للفساد الأداري المتمثل في ظاهرة الرشوة اسبابا متعددة تفسر بواعثها في البيئة الأجتماعية التي تعكس ضعف الوعي الأجتماعي، فكثيرا ما نجد ان الانتماءات العشائرية والقبلية والولاءات الضيقة وعلاقات القربى والدم سبب رئيسي في الأنحرافات الأدارية وتغليب المصالح الخاصة على سيادة المصلحة العامة وقد تساعد الأنظمة في الدولة ذاتها على انتشار الفساد المادي طالما ان اجهزتها تعد مصدرا للفساد بعينه منهجا وسلوكا».
وايضا فان الرشوة تعتبر سلوكا اجتماعيا غير سوي يلجأ اليه الفرد أو الجماعة كوسيلة لتحقيق غايات لا يستطيع الوصول اليها بالوسائل المشروعة او بالطرق التنافسية المتعارف عليها.
والرشوة قد تكون على شكل مادي (أموال أو هدايا) وقد تكون على شكل خدمات (خدمة مقابل خدمة)، فالرشوة من الظواهر المرتبطة بالسلوك الأجتماعي والتي تتأثر بالتغيرات التي تحدث في المجتمع سواء في البيئة الأجتماعية او السياسية او الاقتصادية او في البيئة الادارية، وتتأثر كذلك بالعوامل الثقافية للمجتمع،