القطاع المُتنامي للإنتاج الحيواني يشكِّل تهديداً رئيسياً للبيئة
مطلوبُ حلولٌ عاجلة
روما 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 – إستناداً الى تقرير جديد أصدرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) فأن قطاع المواشي يولد المزيد من الغازات المنبعثة من البيوت المحمية حيث وجد انه يولد 18 في المائة من غاز ثاني أوكسيد الكربون، ووصفت القطاع بأنه مصدر رئيسي من مصادر تدهور الأراضي والمياه.
ويقول كاتب التقرير السيد هينغ ستينفيلد الذي يشغل أيضا منصب رئيس شعبة المعلومات والسياسات بشأن المواشي لدى المنظمة "أن المواشي تمثل إحدى أهم العناصر المساهمة في أشد المشاكل البيئية خطورة في يومنا الحاضر، الأمر الذي يستدعي إتخاذ الإجراءات العاجلة لمعاجلة مثل تلك المشاكل " ،إذ أنه مع تزايد الرخاء يستهلك الناس قدراً أكبر من اللحوم ومنتجات الألبان سنوياً، حيث يتوقع أن يزداد حجم الإستهلاك من اللحوم في العالم بأكثر من الضعف أي من 229 مليون طن في الفترة 1999/ 2001 الى 465 مليون طن في عام 2050، في حين يتوقع أن يقفز حجم الإنتاج من الحليب من 580 مليون الى مليار و43 مليون طن.
ظل المواشي … خيارات وقضايا بيئية
وجاء في التقرير أن قطاع الماشية في العالم ينمو بوتيرة أسرع من أي قطاع زراعي فرعي آخر، حيث أنه يؤمن سبل المعيشة لنحو مليار و 300 مليون إنسان ويسهم بنسبة 40 في المائة تقريباً من حجم الإنتاج الزراعي ، ويُعد أيضاً بالنسبة للكثير من المزارعين الفقراء في البلدان النامية مصدراً للطاقة المتجددة لمورد جوهري للأسمدة العضوية اللازمة لمحاصيلهم.
غير أن مثل هذا النمو السريع يفرض ثمناً بيئياً حاداً حسب التقرير الذي حمل عنوان "ظل المواشي … خيارات وقضايا بيئية". وحذر التقرير من "أنه ينبغي تقليص التكاليف البيئية لكل وحدة من وحدات الإنتاج الحيواني بنسبة النصف وذلك لتفادي الأضرار التي تتفاقم الى ما وراء مستواها الحالي".
وأشار التقرير الى أنه حين تنبعث الغازات بعد إستغلال الأراضي أو إستغلالها لأغراض أخرى فأن قطاع المواشي يشكل 9 في المائة من ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة ذات الصلة بالإنسان، غير أنه ينتج نصيباً أكبر بكثير من الغازات الأكثر ضرراً من البيوت المحمية.. حيث يولد 65 في المائة من أوكسيد النيتروجين ذي الصلة بالإنسان والذي يشكل خطراً بمقدار 296 مرة من خطر ثاني أوكسيد الكربون الذي تولده ظاهرة الإحتباس الحراري ، علما بأن الجزء الأعظم من هذا الخطر يتأتى عن طريق الأسمدة.
ويشكل هذا الخطر 37 في المائة من غاز الميثان الذي ينجم عن الإنسان (والذي يُسهم بنسبة 23 مرة من غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يتسبب في رفع درجة حرارة الجو) والذي يُنتجه على نحو واسع الجهاز الهضمي للحيوانات المجترة و 64 في المائة من غاز الأمونيا الذي يُسهم بدرجة هامة في إحداث الأمطار الحامضية.
وحاليا تستخدم المواشي 30 في المائة من مجمل سطح الأرض ، وفي معظم الحالات تكون أراضي المراعي الدائمية ، غير أنها تضم أيضاً 33 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم والتي تُستغل في إنتاج الأعلاف الصالحة للمواشي. وذكر التقرير أنه في الوقت الذي يتم فيه إخلاء الغابات لخلق مراعي جديدة، فأن المواشي تشكل أداة رئيسية فاعلة لزوال الغابات ولاسيما في أمريكا اللاتينية حيث تحولت، على سبيل المثال، نحو 70 في المائة من الغابات السابقة في الأمازون لأغراض الرعي.
المياه والأراضي
وفي الوقت نفسه تتسبب القطعان في تدهور الأراضي وعلى نطاق واسع، أي بحدود 20 في المائة المراعي التي تُعد متدهورة جراء الإفراط في الرعي، وتعرية التربة، لا بل حتى أن هذا الرقم هو أعلى في الأراضي الجافة حيث تسهم السياسات غير المناسبة والإدارة غير الملائمة للمواشي في تفاقم ظاهرة التصحر.
إن قطاع المواشي هو أحد القطاعات الأكثر تدميراً للموارد المائية النادرة في الأرض وبصورة متزايدة ، حيث أنه يُسهم في تلوث المياه وتدني الشُعَب المرجانية .. وأن العناصر الرئيسية للتلوث هي الفضلات الحيوانية والمضادات الحيوية والهورمونات والكيمياويات الناجمة عن معامل الدباغة والأسمدة ومبيدات الآفات المستخدمة لرش المحاصيل العلفية. فالإفراط في إستغلال المراعي وعلى نطاق واسع يُزعج الحلقات المائية ويقلل من فرص تجدد الموارد المائية الأرضية ، علماً بأنه يجري سحب كميات هامة من المياه لغرض إنتاج الأعلاف.
ويقدر أن المواشي هي المصدر الرئيسي الداخلي للتلوث الفسفوري والنتروجيني في بحر جنوب الصين مما يسهم في ضياع التنوع البايولوجي في النظم الايكولوجية البحرية.
وتشكل حالياً اللحوم والحيوانات المنتجة للألبان نحو 20 في المائة من مجمل الكتلة البايولوجية الحيوانية الموجودة فوق سطح الأرض، إذ أن وجود المواشي في بُقع شاسعة من الأرض والطلب على المحاصيل العلفية يُسهم أيضاً في ضياع التنوع البايولوجي، حيث وُجِد أن 15 من أصل 24 خدمة من الخدمات الأيكولوجية البحرية في حالة تدهور ، وأن المواشي هي بالتحديد عامل مهم في هذا الصدد.
العلاجات
ويطرح التقرير الذي يأتي بدعم من مبادرة التنمية والبيئة بين مختلف المؤسسات المعنية بالمواشي، يطرح وبشكل واضح أن تتم دراسة التكاليف البيئية. وفي ما يلي بعض الطرق الكفيلة بمعالجة الموقف:
في ما يخص تدهور الأراضي، ينبغي السيطرة على المجالات المتوفرة وإزالة العقبات أمام الحركة في المراعي الشاسعة، وكذلك إستخدام الوسائل الكفيلة بالمحافظة على التربة والزراعة في وسط الأراضي الصالحة للرعي، والعمل على إبعاد المواشي عن المناطق الحساسة، وإستحداث خدمات بيئية مقابل ثمن في الأراضي التي تعتمد على المواشي وذلك للمساعدة على الحد من تدهور الأراضي.
أما في ما يتعلق بالفضاء الجوي والطقس، فأنه ينبغي زيادة فاعلية إنتاج المواشي وزراعة المحاصيل العلفية، إذ أن تحسين النظام الغذائي للحيوانات من شأنه أن يحد من التخمر التيفوئيدي وبالتالي من إنبعاث غاز الميثان. كما ينبغي إعتماد مبادرات نباتية بايولوجية غازية لإعادة تدوير الأسمدة.
وفي مجال الموارد المائية، ينبغي تحسين كفاءة نظم الري، وإستحداث نظام تام لتسعير للمياه مع فرض ضرائب بما يؤدي الى إبعاد المناطق التي تتركز فيها المواشي على نطاق واسع والقريبة من المدن.
ومما يُذكر أن هذه المسائل وما يتعلق بها من أمور هي موضع نقاش بين منظمة الأغذية والزراعة وشركائها لوضع خطة لإنتاج المواشي في سياق المشاورات العالمية التي تجري في العاصمة التايلاندية، بانكوك هذا الأسبوع . وتتضمن المناقشات بحث المخاطر الصحية الجوهرية ذات الصلة بالنمو السريع لقطاع المواشي بينما تتزايد الأمراض الحيوانية التي تصيب بني البشر. وقد يؤدي النمو السريع لقطاع المواشي أيضاً الى حرمان أصحاب المصالح الصغيرة من الأسواق المتنامية.