*حمار الحكيم*
جاءني الحمار الحكيم مبكرا هذا الصباح على خلاف عادته كل يوم فتعجبت من ذلك ، لأني أعرفه دقيق الملاحظة على النظام و المواقيت ، و ما كاد يجلس حتى إبتدرته :
– خيرا إن شاء الله ، هذه الزيارة المبكرة ؟
قال : جئتك أستشيرك في أمر مهم … ما رأيك في الزواج ؟
قلت : رأيي في الزاج هو رأي * برنارد شو * فهم كالجمعية السرية ، الخارج منها يجهل عنها كل شيء ، و المنخرط فيها لا يستطيع أن يقول عنها شيئا .
قال : لم أعن هذا ،إنما أقصد زواجي أنا ، ما رأيك في زواجي أنا ؟ فقد خطر ببالي أن لا أبقى عازبا ؟ فإن ذلك يجر عليا الشبهات … ثم لا بد من خلف صالحا يخلفني.
قلت :هل وقع إختيارك على صاحبة الحسب و النسب ؟
قال : إنك تعرفني أجنبيا في هذه الديار ، لا أعرف فيها حمارا و لا أتان .
قلت : خذ لك أيه أتان تعثر عليها و السلام .
قال : لا تنس أني لست كبقية الحمير ، فأنا أتمتع ببعض الثقافة.
قلت : فاسلك إذن مسلك المثقفين .
قال : ماذا تعني ؟
قلت :أعني أن تتزوج بأجنبية.
قال : ما هذا الهذيان ؟ أأصبت في عقلك ؟
قلت : أبدا ، فإن الشائع هذه الأيام هو زواج المثقفين بالأجنبيات ، و أي مانع في أن يتزوج حمارنا المثقف بأتان أجنبية تليق بمقامه المحترم ؟
قال : إنك لا تعي ما تقول .
قلت : لماذا ؟
قال : أما يكفي هذا الإنحلال الإجتماعي و الخلقي الذي جره زواج بعض رجالكم من الأجنبيات حتى أضيف إليه إنحلالا آخر في فصيلة الحمير ؟
قلت : كيف ذلك ؟
قال :زواجي من أتان أجنبية تخالفني في الجنس و العادات و التفكير ، فيه خطورة كبيرة على أخلاقي و عاداتي و تفكيري.
قلت : يبدو لي أنك تهول الأمر… و لا تنس أنك أنت الذي ستتزوجها ، و عليه فأنت الذي ستفرض عليها عاداتك و أخلاقك ، و تصبها في قالبك .
قال : إني لم أرى حتى الآن حمارا شرقيا تزوج بأتنا غربية ، و لكني أعرف كثيرا من الرجال الشرقيين تزوجوا من نساء أجنبيات ، و لم أرى بينهم من استطاع أن يعرب زوجته الغربية ، و قليلون جدا الذين لم تفرنجهم زوجاتهم.
فكرت مليا ثم قلت : و لكن ما هي الأسباب ، يا ترى ، حتى أعطي رأيي السديد في زواج حمار من أتان ؟؟
قال : هناك أسباب تتعلق بأخلاق المرأة من حيث هي امرأة ، أسباب خاصة تضاف إلى أخلاق المرأة الأجنبية .
قلت : إنك ستتورط في فلسفة عقيمة.
قال : الأمر بسيط جدا ، و إليك بيانه …
قلت : هات
قال : إن المرأة مع أنانيتها تشعر بضعف طبيعي غريزي فيها ، فهي من الناحية النفسانية ترتاح إلى الرجل القوي الذي يبسط عليها سلطانه العارم و يتسلط عليها ، فتستكين إليه ، لأنها تشعر بحمايته و رعايته ، فهي تريده ضعيفا و تبغض فيه ضعفه ، فهي تجد متعة في التغلب عليه ، لكنها تجد حسرة في استسلامه إليها ، لأنه بهذا الإستسلام ينهار في قلبها ذلك الحصن الذي كانت تتمتع بحمايته ، و ترتاح إلى قوته و جبروته.
قلت : ثم ماذا ؟
قال : هذه الأسباب العامة ، و هي تتعلق بأخلاق المرأة من حيث هي ، و يضاف إليه بالنسبة للأجنبية أنها ترى نفسها إبنة حاكم و هو إبن محكوم ، سيدة و هو مسود ، ترى في زواجها منه تنازلا منها لطبقته ، فهي إذن تمن و تتدلل ، و ما عليه إلا أن يرضى و يتذلل ، و إلا حدث الخلاف ، و ساد الشقاق ، و كان بعد الزواج الطلاق.
قلت : إن كلامك حق ، لكني لا أتحمل مسؤوليته .
قال : دعنا من هذا ، و لنعد للموضوع .
قلت : نصيحتي لك أن تصرف فكرك عن الزواج ، فأنت حمار وديع ، و أنا أخشى عليك من تسلط الأنثى و سيطرتها عليك ، فيخسرك المجتمع الذي أخذ يعجب بآرائك السديدة………………..