فرنسوا بونيون. حاصل على بكالوريوس في الآداب. عمل مندوبـا للجنة الدولية للصليب الأحمر في إسرائيل والأراضي المحتلة (1970-1972) وفي بنغلاديش (1973-1974) وفي تركيا وقبرص (1974) وفي تشاد (1978) وفي فيتنام عام 1979 وفي كمبوتشيا عام 1979. وفي الأول من يناير/كانون الثاني عام 1989 شغل في اللجنة الدولية للصليب الأحمر منصب نائب رئيس إدارة المبادئ والقانون والعلاقات مع الحركة. وهو مؤلف "شارة الصليب الأحمر: تاريخ مختصر", جنيف , اللجنة الدولية للصليب الأحمر, 1977.
ليس هناك ثمة شك في أن وحدة الشارة المميزة هي الضمان الأكيد لما تحظى به من احترام على الصعيد الدولي", جاءت هذه العبارة على لسان ماكس هوبر (في المؤتمر الدولي الرابع عشر للصليب الأحمر الذي انعقد في بروكسل, أكتوبر/تشرين الأول عام 1930, التقرير, ص 127).
في النصف الأول من القرن التاسع عشر كان كل جيش في أوروبا يستخدم لونا خاصا لتمييز خدماته الطبية. فعلى حين كان للنمسا علمها الأبيض, كان لفرنسا علم أحمر اللون و لإسبانيا اللون الأصفر كما استخدم البعض الآخر اللون الأسود وأحيانا كانت الأعلام تختلف بين فيالق وأسلحة الجيش الواحد. وأكثر من ذلك كانت العربات المستخدمة في نقل الجرحى لا تحمل علامات خاصة لتمييزها عن بقية عربات الجيش الأخرى. كما لم تكن هناك وسيلة للتعرف عن بعد على أفراد الخدمات الطبية.
لذا فإنه من السهل علينا أن نتخيل النتائج المترتبة على مثل هذه المواقف, فالجنود كانوا بالكاد قادرين على التعرف على عربات الإسعاف التابعة لجيشهم, ناهيك عن جيش أعدائهم . وكانت العربات الطبية عرضة للقصف المدفعي, كما كان الحال بالنسبة لعربات نقل الأسلحة. كما لم يكن الأطباء وأفراد جهاز التمريض أقل عرضة لخطر الهجوم عليهم من المحاربين أنفسهم.
وفي ظروف كهذه كان من المستحيل إغاثة الجرحى قبل أن ينتهي القتال. وحتى يمكن الحفاظ على عربات الإسعاف بعيدا عن مدى نيران العدو كانت توضع في مواقع بعيدة عن أرض المعركة. ويعني ذلك بالنسبة للضحايا البؤساء البقاء لفترات طويلة على عربات زراعية غير مريحة, أو على أرض عربة مغطاة بالقش حيث تتعرض أطرافهم المحطمة لاهتزازات و ارتجاجات لا نهاية لها وجروحهم للتلوث. ولم تكن الخدمات الطبية بوحداتها الموزعة على أماكن بعيدة, على المستوى الذي يسمح لها بمواجهة هذه المواقف, وعندما يصل الجريح في نهاية الأمر إلى المستشفى لا يكون هناك من بديل سوى إجراء عملية بتر لأطرافه. وعند عودة القوات من مهمتها العسكرية كانت تأتي في أعقابها قافلة طويلة من الرجال المعوقين أو العجزة المقعدين.
وهكذا جاء اعتماد شارة واحدة مميزة تستخدمها كل الجيوش, كإحدى الخطوات المهمة للتخفيف من محنة الجنود الجرحى في أرض المعركة و لحماية الجرحى وكل من يحاول مساعدتهم.
لقد كان هذا دائما أحد أهداف اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى التي أصبحت فيما بعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر عند إنشائها عام 1863 لتضع موضع التنفيذ الفكرتين التاليتين اللتين نادى بهما هنري دونان في "تذكار سولفرينو".
– تطوير فكرة تأسيس جمعية تطوعية في كل دولة لإغاثة الجنود الجرحى;
– والتوصل إلى اتفاقية نقدم بموجبها الحماية للجرحى ولكل من يحاول مساعدتهم.
ومنذ أول اجتماع للجنة الدولية أولت اهتماماً كبيراً لفكرة اعتماد شارة واحدة مميزة لاستخدامها بواسطة كل من الخدمات الطبية للجيوش وجمعيات الإغاثة التي كانت تخطط اللجنة لإقامتها.
وتتضمن سجلات الاجتماع الذي عقد في السابع عشر من فبراير/شباط 1863 البيان التالي :-
"أخيرا سيكون من المفيد اعتماد شارة أو زي موحد أو علامة ذراع بحيث يمكن لمن يحمل مثل هذه العلامة المميزة والمعتمدة دوليا أن يحصل على الاعتراف اللائق به".[1]
وتمت إحالة الأمر بعد ذلك إلى مؤتمر أكتوبر/تشرين الأول عام 1863, الذي انعقد بمبادرة من اللجنة الدولية. ويرجع الفضل لهذا المؤتمر في تأسيس جمعيات لإغاثة الجنود الجرحى, التي أصبحت فيما بعد الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر.
وللإعداد لذلك المؤتمر, قامت اللجنة الدولية بصياغة مشروع ميثاق تنص المادة التاسعة منه على الآتي:-
"يرتدي المتطوعون من أفراد جهاز التمريض في كل الدول زيا أو علامة مماثلة مميزة. ولا يجوز الاعتداء عليهم أو انتهاك حرمتهم, ويكفل قادة الجيوش حمايتهم". [2]
وقد اعتمد المؤتمر الدولي مشروع اللجنة الدولية كأساس لعمله, وطرح مشروع المادة 9 للدراسة والفحص خلال الاجتماع الثالث الذي عقد في الثامن والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام 1863.
وكان ذلك المشروع قد طرح على المؤتمر بواسطة الدكتور أبيا, عضو اللجنة الدولية , الذي أكد في كلمته أهمية وجود شارة دوليــة مميـزة واقترح إضافة الجملة التاليـة في الفقـرة الأولـى: "يقترح المؤتمر علامة بيضاء توضع على الذراع اليسرى", وأضاف قائلا إن على المؤتمر ألا يستهين بالتأثير الذي يمكن أن يحدثه رمز يستثير بمجرد رؤيته , على غرار ما تحدثه رؤية الراية للجندي, مشاعر الانتماء وروح التضامن مع الجماعة, والتي ترتبط هنا بفكرة سامية توحد بين الجميع, ألا وهي الالتزام المشترك تجاه كل أفراد الجنس البشري المتحضر [3].
ولأسباب لم يوضحها محضر الاجتماع قرر المؤتمر وضع صليب أحمر على علامة الذراع البيضاء التي اقترحها الدكتور أبيا. وكان كل ما ذكره المحضر في هذا الشأن هو:
"بعد المناقشات اعتمد المؤتمر اقتراح السيد أبيا بعد تعديله, بحيث يوضع صليب أحمر على علامة الذراع البيضاء "[4].
ومرة ثانية أثار الدكتور برير, مندوب سويسرا, موضوع حماية عربات الإسعاف وأفراد الفرق الطبية:
"أوصى الدكتور برير بضرورة إسعاف الجرحى بصرف النظر عن الجانب الذي ينتمون إليه و بحق من يعالجهم في الحماية وعدم أخذه أسيرا, وان ترفع نفس الراية على كل المستشفيات العسكرية وعربات الإسعاف التابعة لمختلف الدول, واعتبار أي مكان يرفع تلك الراية على أنه مكان إيواء لا يجوز الاعتداء عليه, وان تخصص شارة واحدة مميزة وإذا كان في الإمكان أيضا, يخصص زي بلون خاص يمكن التعرف عليه بسهولة للوحدات الطبية العسكرية في كل جيش" [5].
ولم يتردد المؤتمر في اعتماد مبدأ وحدة الشارة المميزة التي يرتديها المتطوعون من أفراد جهاز التمريض . وجاء في نص القرار الثامن ما يلي:
"سوف يرتدون في كل الدول ربطة ذراع بيضاء بصليب أحمر كشارة موحدة مميزة لهم" [6].
كما أوصى المؤتمر باعتماد شارة موحدة في كل الدول لتمييز عربات الإسعاف والخدمات الطبية العسكرية [7]. ومع ذلك فإن مؤتمر أكتوبر/تشرين الأول 1863 لم يكن مخولا باتخاذ قرارات ملزمة للحكومات. ولذلك قام المجلس الاتحادي للاتحاد السويسري في العام التالي بعقد مؤتمر دبلوماسي تم خلاله اعتماد اتفاقية جنيف المؤرخة 22 أغسطس/آب 1864 بشأن تحسين حال الجرحى بالقوات المسلحة في الميدان. وقد تضمنت المادة 7 من الاتفاقية مبدأ وحدة الشارة المميزة للخدمات الطبية العسكرية على النحو التالي:
"يعتمد علم موحد مميز للمستشفيات وعربات الإسعاف وفرق الإخلاء الطبي, على أن تكون مصحوبة في كل الأحوال بالعلم الوطني.
كما يجوز للعاملين المتمتعين بالحياد استخدام علامة ذراع, شرط أن يكون إصدار هذه العلامات من اختصاص السلطات العسكرية. وتحمل كل من الراية وعلامة الذراع صليبا أحمر على أرضية بيضاء" [8].
وهكذا بدأ استخدام الشارة الموحدة المميزة كأحد متطلبات الحماية المسبغة على الخدمات الطبية وعربات الإسعاف والمتطوعين من الممرضين و الممرضات.
ولأسباب يبدو أنها لم تعتبر ضرورية حتى يتم إدراجها في محضر مؤتمر أكتوبر/تشرين الأول 1863, وقع الاختيار على شارة تتكون من صليب أحمر على أرضية بيضاء. ولم توضح لنا الوثائق المعاصرة لذلك, أو على الأقل ما وصل منها إلينا, أسباب ذلك الاختيار, ولذا ليس أمامنا من سبيل سوى محاولة تخمينها [9].
لقد كانت الراية البيضاء على مر العصور موضع اعتراف بوصفها العلامة المميزة للموفدين للتفاوض أو للجنود الراغبين في الاستسلام . وكان محظورا إطلاق النار على الذين يلوحون بهذه الشارة بحسن نية . ثم جاءت إضافة علامة الصليب الأحمر إلى الراية لتضفي عليها دلالة إضافية وهي الاحترام الواجب للجرحى ولجميع الذين يأتون لنجدتهم. كما أنها بالإضافة إلى ذلك علامة يسهل رسمها ويمكن التعرف عليها بسهولة.
وليس هناك من الأسباب ما يدعو للقول بوجود أي نوايا لدى مؤتمر أكتوبر/تشرين الأول 1863 لإضفاء أي دلالة دينية على شارة الخدمات الطبية أو بأن المؤتمر قد خطر له اعتماد شارة قد يرى البعض أنها توحي بدلالات دينية, حيث إن الهدف الأساسي للآباء المؤسسين للصليب الأحمر كان إقامة مؤسسة تتجاوز الحدود الوطنية والخلافات الدينية.
على أن أوربا القرن التاسع عشر كانت تعتبر نفسها مركز الكون, ولم يخطر ببال أي من أصحاب فكرة الشارة أن اختيارهم هذا يمكن أن يُقابل في وقت ما بالاعتراض, عندما يتجاوز نشاط المؤسسة الجديدة حدود القارة الأوربية.
ومع ذلك وقبل أن يمر وقت طويل, كانت الصعوبات تلوح في الأفق.
فعند نشوب الحرب التركية الروسية بين عامي 1876 و1878, أعلنت الامبراطورية العثمانية التي كانت قد انضمت إلى اتفاقية جنيف المؤرخة 22 أغسطس/آب 1864 دون إبداء أي تحفظات, أنها سوف تستخدم منذ ذلك الوقت فصاعدا شارة الهلال الأحمر لتمييز مركبات الإسعاف الخاصة بها , على الرغم من استمرارها في احترام شارة الصليب الأحمر التي تحمي مركبات الإسعاف التابعة لعدوها. وأكدت حكومة الباب العالي أن الشارة المميزة التي أقرتها الاتفاقية "منعت تركيا حتى ذلك الوقت من ممارسة حقوقها التي تنص عليها الاتفاقية بسبب ما تثيره هذه الشارة من حساسيات لدى الجنود المسلمين"[10].
وقد أدى ذلك إلى تبادل واسع للرسائل لن نتناول تفاصيله هنا بالبحث [11]. وفي نهاية الأمر قُبل التعديل الذي قرره الباب العالي, ولكن بصفة مؤقتة ولمدة تقتصر على فترة النزاع الدائر في ذلك الوقت.
ومع ذلك استمرت الامبراطورية العثمانية في استخدام الهلال الأحمر لتمييز خدماتها الطبية والمطالبة في الوقت نفسه بأن تعترف المؤتمرات الدولية التي انعقدت لتعديل اتفاقية جنيف بالهلال الأحمر. وفي ذلك الوقت طالبت بلاد فارس بالاعتراف بشارة الأسد والشمس الأحمرين.
إلا أن المؤتمر الدبلوماسي لعام 1906 أكد تمسكه بالقاعدة العامة لوحدة الشارة المميزة مع السماح للامبراطورية العثمانية وبلاد فارس بإبداء تحفظاتهما بهذا الشأن[12]. ومن جهة أخرى وافق المؤتمر الدبلوماسي لعام 1929 على الاعتراف بشارة الهلال الأحمر التي كانت مستخدمة فعلاً من قبل تركيا ومصر, وشارة الأسد والشمس الأحمرين التي كانت تستخدمها بلاد فارس. إلا أنه حرصاً منه على تجنب تكاثر عدد الشارات الحامية قرر المؤتمر قصر هذا الاستثناء على البلدان الثلاثة والتأكيد بوضوح على عدم الاعتراف مستقبلا بأي شارات جديدة [13].
ونتيجة لذلك صدرت المادة 19 من اتفاقية جنيف المؤرخة 27 يوليو/تموز 1929 والتي تنص على أنه في الوقت الذي تؤكد فيه تمسكها بالقاعدة العامة لوحدة الشارة المميزة فإنها سمحت باستخدام شارة الهلال الأحمر أو شارة الأسد والشمس الأحمرين بواسطة الدول التي كانت تستعملها بالفعل [14].
وفي عام 1949 انعقد المؤتمر الدبلوماسي المكلف بتعديل اتفاقيات جنيف في ضوء الأحداث التي شهدتها الحرب العالمية الثانية. وقد طرحت أمام المؤتمر الاقتراحات الثلاثة التالية:-
– اقتراح من هولندا يدعو إلى اعتماد شارة جديدة موحدة;
– توصية من المؤتمر الدولي السابع عشر للصليب الأحمر الذي انعقد في استكهولم عام 1948 بالعودة إلى استخدام الصليب الأحمر كشارة وحيدة;
– اقتراح مقدم من إسرائيل يطالب بالاعتراف بشارة جديدة هي "درع داود الأحمر" الذي كان مستخدما كعلامة مميزة للخدمات الطبية التابعة للجيش الإسرائيلي.
ودارت مداولات مطولة حول هذه الاقتراحات الثلاثة [15], تم خلالها التخلي عن الاقتراحين الأول والثاني على حين رفض الاقتراح الإسرائيلي بعد سلسلة متعاقبة من عمليات التصويت عليه.
وكانت النتيجة هي صدور المادة 38 من اتفاقية جنيف الأولى المؤرخة 12 أغسطس/آب 1949 والتي تطابق في نصها المادة 19 من اتفاقية 1929.
و من قبيل التقدير لسويسرا تقرر أن يحتفظ بالشعار المبتكر المكون من صليب أحمر على أرضية بيضاء على شكل العلم الاتحادي في وضع مقلوب للألوان , كشارة وعلامة مميزة للخدمات الطبية في القوات المسلحة.
ومع هذا فإنه في حالة البلدان التي تستخدم بالفعل الهلال الأحمر أو الأسد والشمس الأحمرين بدلاً من الصليب الأحمـر يُعترف بشارتيهمـا أيضاً بموجب أحكام هذه الاتفاقيـة[16].
وكانت دولة إسرائيل – التي أعلنت انضمامها إلى اتفاقية 1929 دون إبداء أي تحفظ – قد صدقت على اتفاقيات جنيف الجديدة بعد إبداء التحفظ التالي :-
" مع التحفظ بأن إسرائيل مع احترامها لحصانة الشارات والعلامات المميزة التي تقرها الاتفاقية, سوف تستخدم درع داود الأحمر كشارة وعلامة مميزة للخدمات الطبية لقـواتها المسلحة" [17] .
ولدى انعقاد المؤتمر الدبلوماسي لتأكيد وتطوير القانون الدولي الإنساني (1974-1977) تقدم الوفد الإسرائيلي مرة أخرى بمشروع تعديل بهدف الحصـــول على الاعتراف بدرع داود الأحمر [18]. وعندما أدرك الوفد الإسرائيلي أن اقتراحه لن يحصل على أصوات كافية عند الاقتراع عليه آثر سحب اقتراحه.
كما أعلنت جمهورية إيران الإسلامية في مذكرة مؤرخة في 4 سبتمبر/ أيلول 1980 أنها اعتمدت الهلال الأحمر كشارة مميزة للخدمات الطبية في قواتها المسلحة, وذلك بدلا من الأسد والشمس الأحمرين [19].
و كانت المشاكل الناجمة عن تعدد الشارات داخل حركة الصليب الأحمر مصدر قلق دائم للجنة الدولية التي اقترحت في المؤتمر الدولي الثالث والعشرين للصليب الأحمر خلال انعقاده في بوخارست عام 1977 تكوين مجموعة عمل لدراسة الأمر [20]. ونظرت هذه المجموعة عدداً كبيراً من مختلف الاقتراحات إلا أنها لم تستطع أن تصل إلى اتفاق حول اقتراح محدد. ونتيجة لذلك تقرر حل مجموعة العمل هذه بواسطة المؤتمر الدولي الرابع والعشرين الذي انعقد في مانيلا عام 1981 [21].
و أخيرا اعتمد المؤتمر الدولي الخامس و العشرون للصليب الأحمر خلال لقائه في جنيف عام 1986 النظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر بدلا من النظام الأساسي للصليب الأحمر الدولي الذي كان قد اعتمده سابقا المؤتمر الثالث عشر في لاهاي عام 1928, ثم تم تعديله بعد ذلك بواسطة المؤتمر الثامن عشر خلال انعقاده في تورنتو عام 1952 [22].
ونتيجة لهذه التطورات تم الاعتراف بشارة كل من الصليب الأحمر والهلال الحمر على قدم المساواة كعلامة مميزة للخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة وشارة للجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر. وأكد النظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر هذه المساواة التي تعود لزمن بعيد لوضع الشارتين والاسمين.
وحيث إن استخدام شارة الأسد والشمس الأحمرين كان قد توقف منذ عام 1980 وان المادة 19 من اتفاقية حنيف المؤرخة في 27 يوليو/تموز 1929 والمادة 8 من اتفاقية جنيف المؤرخة 12 أغسطس/آب 1949 قد اعترفتا باستخدام كل من الهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمرين كشارة للدول التي تستعملها في ذلك الوقت ويفترض الآن أن شارة الأسد والشمس الأحمرين قد أصبحت أمرا منسيا حيث إنها لم تكن تستخدم طوال السنوات العشر الماضية.
أما بالنسبة لشارة درع داود الأحمر فإن كثيرا من الآراء ما زالت تشكك في صلاحية التحفظ الذي سجلته إسرائيل بهذا الشأن[23]. وبدون الدخول في مناقشات تحليلية مطولة حول هذه النقطة القانونية الفنية محل النزاع فإننا متمسكون برأينا بأن على خصوم دولة إسرائيل إبداء الاحترام تجاه ما يقدمه الأفراد والأجهزة الطبية الإسرائيلية ومعداتها من خدمات في ميدان المعركة.
وفي كل الأحوال فالحمــاية المخـولة للشارة ليست حمـاية بموجب الاتفاقية, فالشارة مجرد علامة مرئية, كما أن أفراد الخدمات الطبية يحظون بالاحترام الجدير بهم, ليس بسبب أنهم مميزون بواسطة أي شارة ولكن بموجب ما يقدمونه من أعمال الإغاثة الإنسانية.
ومن جهة أخرى ظلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر غير قادرة على الاعتراف بشكل رسمي بجمعية درع داود الأحمر (Magen David Adom) رغم علاقات العمـل الممتازة الوطيدة بينهما طوال أربعين عاما وذلك بسبب أن الجمعية الإسرائيلية لا تلبي شروط الاعتراف بالجمعيات الوطنية الجديدة, التي حددها المؤتمر الدولي السابع عشر للصليب الأحمر في اجتماعه الذي عقد في استكهولم عام 1948, والتي تم التأكيد عليها بعد ذلك في المؤتمر الخامس والعشرين الذي عقد في جنيف عام 1986. و بموجب هذه الشروط تلتزم الجمعية الوطنية التي تطلب الانضمام للحركة بأن تستخدم اسم وشارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر تمشيــا مع اتفاقيات جنيف [24]. ولهذا السبب رفضت رابطة جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الموافقة على انضمام جمعية الإغاثة الإسرائيلية.
كما أن الحل الذي اعتمده المؤتمر الدبلوماسي لعام 1929, وتم تأكيده بواسطة مؤتمر عام 1949 جاء إلى حد ما مجافياً للمنطق, فعلى حين اعترف باستثناءين لمبدأ وحدة الشارة فقد قرر إغلاق باب العضوية أمام مزيد من الاستثناءات في المستقبل. ومع هذا فلا يمكن أن نضمن بشكل مطلق أن ظروفا مشابهة لتلك التي أدت إلى الاعتراف بكل من الهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمرين لن تتكرر مرة أخرى.
إن حل المشكلة لا يخلو من عوائق يجدر بها أن نذكرها هنا:
(أ) يمكن أن يصبح الأمر محل تساؤل قانوني عندما نتناول الموقف الناجم عن المادة 38 من اتفاقية جنيف الأولى, و عما إذا كان متفقا مع مبدأ المساواة الذي ينبغي أن يحكم العلاقات الدولية, فهو يعطي ايحاءً, من أحد أوجهه على الأقل, بأنه يحابي البلدان المسيحية و المسلمة على حساب ديانات أخرى (اليهودية, الهندوسية, البوذية, ….الخ).
وقد كتب الكثير حول وجود أو عدم وجود دلالة دينية لشارتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر . وقد حرصت على تجنب اتخاذ موقف تجاه هذه المسألة. فالدلالة التي تكتسبها الشارة هي في المقام الأول ما يعطيه الناس لها على أنه يتعين علينا أن نذكر أن تجاور الشارتين معا, الصليب الأحمر والهلال الأحمر, يضفي عليهما إيحاءات دينية لم تكن لهما بالضرورة عند بداية اعتمادهما. ولا شك أن ظهور الهلال الأحمر وتجاوره مع الصليب الأحمر أضفى إلى حد ما على هذا الأخير دلالات دينية لم تكن تدور بالتأكيد في أذهان مؤسسي هذه المؤسسة.
إن العودة إلى شارة وحيدة خالية من أي دلالات أو إيحاءات وطنية أو دينية سوف تؤدي إلى إنهاء أي شبهة تحيز أو تمييز.
(ب ) إن وجود الشارتين معا يتناقض مع مبدأ وحدة الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الحمر ويحمل في ثناياه بذور الانقسام. وكان البعض قد أكد برضاء تام عند اعتماد النظام الأساسي الجديد للحركة أن وضع الصليب الأحمر والهلال الأحمر معا على قدم المساواة التامة سوف يدعم وحدة الحركة. ومع هذا فإن قطاعا واسعا من الرأي العام انتابه القلق لأن الحركة لم تعد قادرة على إظهار التضامن من خلال شارة واحدة واسم واحد.
(ج) لا شك أن الوضع الراهن ينال من عالمية الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر نظراً لأن معظم سكان إسرائيل لا يجدون ما يعبر عنهم في أي من الشارتين المستخدمتين حاليا, والمشار إليهما في المادة 38 من الاتفاقية الأولى, ونظراً لأن النظام الأساسي للحركة يطالب كل جمعية وطنية باستخدام واحدة أو أخرى من الشارتين.
(د) ومن شأن هذا الوضع أن يؤدي إلى مزيد من الانقسامات. فالطلب الإسرائيلي ليس موضع الخلاف الوحيد فقد طلب الصليب الأحمر الهندي على سبيل المثال الاعتراف بشارة جديدة في عام 1977.
(ه) إن وجود الشارتين معا على الصعيد الدولي يخلق مصاعب عدة للبلدان التي تضم طوائف دينية مختلفة فمهما كانت الجهود التي تبذلها الجمعية الوطنية لخدمة جميع السكان فسوف تظل مقترنة في الأذهان بالمجموعة الاجتماعية التي توحي بها شارتها, الأمر الذي يمكن أن يعيق قدرتها على النمو. وقد يهدد بتوقف تام لأعمال الإغاثة التي تقوم بها في حالة نشوب نزاع داخلي.
وقد يظن البعض أن الجمعيات الوطنية في الدول التي تعيش فيها طوائف مسلمة ومسيحية, يجب أن تستخدم الشارة المزدوجة التي تضم الصليب الأحمر والهلال الحمر, والتي ما زالت حتى الآن تستخدم من قبل رابطة جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الحل ليس متمشيا مع القانون الساري المفعول, حيث إن الشارة المزدوجة لا تحظى باعتراف دولي, إضافة إلى ذلك فقد تصبح عديمة الجدوى في دول تسكنها أيضا طوائف أخرى[25].
(و) و أخيرا وهذا دون شك هو أخطر الأمور فإن وجود شارتين أو ثلاث – هذا إذا ما وضعنا التحفظ الإسرائيلي في الحسبان – ينال من قيمة الشارات الحمائية, وبخاصة عندما يستخدم كل من الخصوم شارة مختلفة عن الآخر. فبدلا من أن تبدو الشارة المميزة رمزا للحياد سوف ينظر إليها على أنها مرتبطة بطرف أو بآخر من أطراف النزاع.
وفي واقع الأمر و بمعزل عن أحكام الاتفاقيات, تكتسب الشارة قيمتها الحمائية من وحدتها واستخدامها بواسطة الخصم والصديق على السواء, ومن هنا فإن أي انتهاك لوحدة الشارة وعدم إبداء الاحترام نحوها سوف يعرض للخطر أمن الجرحى وجميع من يسعون لمساعدتهم.
وجدير بالذكر أنه لا يمكن تعديل المادة 38 من الاتفاقية الأولى إلا بواسطة مؤتمر دبلوماسي تشارك فيه جميع الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف.
إلا أنه علينا أن نذكر دائما أنه يجب العمل في نطاق الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر من أجل التوصل إلى حل للمشاكل الناجمة عن الوضع الراهن وعلى أن يرفع هذا الحل للدول. ومع هذا فإن الحركة هي الضحية الرئيسية لهذا الموقف الذي يهدد بالخطر وحدتها و عالميتها وجهودها للإغاثة. إننا عندما نتناول المشكلة دون مفاهيم مسبقة, ونلتف حول شارة وحيدة فإن الحركة سوف تقدم نموذجا حيا لمثاليتها كحركة تقوم على التضامن, وتتجاوز كل المعوقات الوطنية و الثقافية والدينية والمذهبية.
الحواشــي:
* تعبر هذه المقالة عن الآراء الشخصية للمؤلف ولا تعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتالي مسئولة عما جاء بها.
1- "وثائق لم تنشر بعد حول تأسيس الصليب الأحمر, سجلات "لجنة الخمسة", جان س. بيكتيه, محرر في المجلة الدولية للصليب الأحمر, الملحق الإنكليزي, المجلد الثاني, العدد 3, مارس/آذار 1949, الصفحات 123-140 والصفحة 127.
2- محضر المؤتمر الدولي المنعقد في جنيف من 26 إلى 29 أكتوبر/تشرين الأول 1863 لدراسة وسائل تدارك القصور في الخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة في الميدان, مطبعة فيك, جنيف, 1863 , الصفحة 16.
3- المرجع نفسه, ص 118.
4- المرجع نفسه, ص 119.
5- المرجع نفسه, ص 120.
6- المرجع نفسه, ص 148 , دليل الصليب الأحمر الدولي, الطبعة الثانية عشرة, اللجنة الدولية للصليب الأحمر – رابطة جمعيات الصليب الأحمر, جنيف 1983, ص 548.
7- محضر………, ص 149, دليل الصليب الأحمر الدولي, ص 548.
8- محضر المؤتمر الدولي المعني بتحييد الخدمات الطبية العسكريـة في الميدان, المنعقـد في جنيف من 8 إلى 22 أغسطس/آب 1864 ( نسخة مخطوطة) الملحق ب, دليل اللجنة الدولية للصليب الأحمر, ص 20.
9- من أجل البحث في أصل شارة الصليب الأحمر, يرجع إلى الأعمال الآتية: موريس دونان, "أصـول الراية وعلامة الذراع في شارة الصليب الأحمر" الصليب الأحمر السويسري, الملحق الثلاثون, العدد 1, يناير/كانون الثاني 1922, الصفحات 2-5, جان بيكتيه, "شارة الصليب الأحمر", المجلة الدولية للصليب الأحمر, الطبعة الإنكليزية, المجلد الثاني, العدد 4, أبريل/ نيسان 1949 الصفحات 143-175, برسيفال فروتيجيه "أصل شارة الصليب الأحمر", المجلة الدولية للصليب الأحمر, العدد 426, يونيو/حزيران 1954, الصفحات 456-467, بيير بواسيه, من سولفرينو إلى تسوشيما: تاريخ اللجنة الدولية للصليب الأحمر, معهد هنري دونان, جنيف 1985, انظر على وجه الخصوص الصفحتين 77 و78.
10- رسالة من الباب العالي إلى المجلس الفيدرالي, 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1876 جاء ذكرها في النشرة الدولية لجمعيات إغاثة جرحى القوات المسلحة, العدد 29, يناير/كانون الثاني 1877, الصفحات 35-37 وبخاصة الصفحة 36.
11- لمزيد من التفاصيل ارجع إلى الرسائل المذكورة في النشرة الدولية لجمعيات إغاثة جرحى القوات المسلحة, العدد 29, يناير/كانون الثاني 1877, الصفحات 35-37, العدد 30, أبريل/نيسان 1877, الصفحات 39-47, العدد 31, يوليو/تموز 1877, الصفحات 83-91, العدد 32, أكتوبر/ تشرين الأول 1877, الصفحات 147-154. وهناك سرد للوقائع جاء أيضا في بحث لي بعنوان: شارة الصليب الأحمر, تاريخ مختصر, اللجنة الدولية للصليب الأحمر, جنيف 1977.
12- سجلات مؤتمر التعديل الذي عقد في جنيف من 11 يونيو/حزيران إلى 6 يوليو/تموز 1906 مطبعة هنري جاريز, جنيف 1906, الصفحات 17, 63, 160-164, 175, 199, 214, 260, 286.
13- سجلات المؤتمر الدبلوماسي الذي انعقد في جنيف في الفترة ما بين الأول والسابع والعشرين من يوليو/ تموز 1929 بدعوة من المجلس الاتحادي السويسري لمراجعة اتفاقية السادس من يوليو/تموز 1906 المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان ولإعداد الاتفاقية المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب, مطبعة جريدة جورنال دي جنيف, جنيف, 1930, الصفحات 19, 247-254, 570, 615, 666.
14- نفس المرجع السابق ذكره ص 666.
15- المحضر الختامي للمؤتمر الدبلوماسي الذي انعقد في جنيف عام 1949, أربعة مجلدات, دائرة السياسة الاتحادية, برن, 1949, المجلد الأول, الصفحات 53, 213, 348, المجلد الثاني-أ, الصفحات 89-92, 150-151, 187-188, 197-198, المجلد الثاني–ب, الصفحات 223-232, 255-262, 393-395, 518-520, 534, المجلد الثالث, الصفحات 40, 167-168, 176-179.
16- المرجع السابق, المجلد الأول, الصفحة 213, دليل الصليب الأحمر الدولي, ص 37.
17- المحضر الختامي للمؤتمـر الدبلوماسي الذي انعقد في جنيف عام 1949, المجلد الأول, ص 348.
18- المحاضر الرسمية للمؤتمر الدبلوماسي الخاص بتأكيد وتطوير القانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحة (جنيف 1974-1977), سبعة عشر مجلداً, دائرة السياسة الاتحادية, برن 1978, المجلد الثالث, ص 14.
19- "اعتماد الهلال الأحمر من قبل جمهورية إيران الإسلامية", المجلة الدولية للصليب الأحمر, العدد 219, نوفمبر/تشرين الثاني – ديسمبر/كانون الأول 1980, الصفحتان 316 و317.
20- المؤتمر الدولي الثالث والعشرون للصليب الأحمر, بوخارست, 15-21 أكتوبر/تشرين الأول 1977, التقرير, الصفحتان 60 و149.
21- المؤتمر الدولي الرابع والعشرون للصليب الأحمر, مانيلا, 7-14 نوفمبر/تشرين الثاني 1981, التقرير, الصفحات 49-58, و171-172, المجلة الدولية للصليب الأحمر, العدد 226 يناير/كانون الثاني – فبراير/شباط 1982, الصفحات 35-39.
22- النظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر (الذي اعتمده المؤتمر الدولي الخامس والعشرون للصليب الأحمر, جنيف, أكتوبر/تشرين الأول 1986), المجلة الدولية للصليب الأحمر, العدد 256, يناير/كانون الثاني – فبراير/شباط 1987, الصفحات 25-44.
23- الرد على صلاحية التحفظ الإسرائيلي بين أمور أخرى بقلم كلود بيلو"التحفظات على اتفاقيات جنيف لعام 1949", المجلة الدولية للصليب الأحمر, العدد 180, مارس/آذار 1976, الصفحات 107-124 والعدد 181, أبريل/نيسان 1976, الصفحات 163-187, دفاع شاتباي روزين عن وجهة النظر الأخرى: "الصليب الأحمر والهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمران ودرع داود الأحمر", كتاب إسرائيل السنوي حول حقوق الإنسان, المجلد الخامس, 1975, الصفحات 9-54.
24- المؤتمر الدولي السابع عشر للصليب الأحمر, استكهولم, 20-30 أغسطس/آب 1948, التقرير, الصفحات 77-78, 89-90, النظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر, المادة 4, الفقرة 5, المجلة الدولية للصليب الأحمر, العدد 256, يناير/كانون الثاني – فبراير/شباط 1987, الصفحتان 31 و32.
25- يعتبر اتحاد جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في الاتحاد السوفيتي حالة خاصة وبموجب دستور الحادي والثلاثين من يناير/كانون الثاني لعام 1924 الذي أسبغ نظاما فيدراليا على جمهوريات الاتحاد السوفيتي الاشتراكية أعيد تنظيم الصليب الأحمر الروسي ليؤكد مبدأ توزيع السلطات والاستقلال لفروعه في مختلف الجمهوريات وتم على المستوى الوطني الاعتراف بالاستقلال الذاتي لهذه الفروع واختيارها شارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر تبعاً لطبيعة المجموعة التي تشكل أغلبية السكان في كل حالة على حدة. وقد شكلت هذه الجمعيات في موسكو هيئة للتنسيق بينها أطلق عليها اسم اتحاد جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في الاتحاد السوفيتي والذي تتضمن مسئولياته أيضا تمثيل هذه الجمعيات دولياً. ولأسباب إدارية يستخدم الاتحاد الشارة المزدوجة من الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وحسب علمنا فإن كل جمعية تستخدم شارتها في أنشطتها الميدانية.