السلام عليكم ورحمة الله وربكاته,,
تفضل اخوي طلبك,,^^
تمثل الحملات الصليبية رد فعل أوروبا النصرانية ضد آسيا المسلمة. وقد كانت الحملات هجومية بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم في القرن السابع الميلادي، وبقيت كذلك لأكثر من ألف عام، وكانت نتيجة لأسباب عديدة، بعضها باعثه سياسي، فمن ذلك مثلاً أن البابا أوربان الثاني تلقى سنة 1094م استغاثة من الإمبراطور النيزنطي أليكسس كومانسس فجدّ في استغلال هذه الاستغاثة لتوحيد الكنيسة تحت قيادته، حيث كانت الكنيسة قد انقسمت إلى كنيسة يونانية وأخرى رومانية سنة 1054م.
الحملات الصليبية.. والتفكير والسلوك الصليبي..
ومن المعروف أنه كانت هناك حملات صليبية كثيرة في التاريخ. فالحملات الصليبية الأولى استطاعت أخيراً احتلال القدس وحكمتها لمدة ثمانين سنة. ولكن القدس استعيدت من قبل المسلمين عام 1244م. وبحلول عام 1291م سقطت باقي المدن التي كانت تحت سيطرة الصليبيين في أيدي المماليك المسلمين.
ولكن الفصل الذي أنهى مصير هذه المدن يبدو أنه لم يُنْهِ فصل الحملات الصليبية، في التفكير والفعل الغربيين على الأقل. فلفترة طويلة بعد سقوط هذه المدن بيد المسلمين بقي الغربيون يتصرفون على طريقة الحروب الصليبية في مواجهة العرب والمسلمين عموماً.
وفي الحقيقة فإنه منذ الحملات الصليبية فإن العرب والمسلمين مترادفون في تفكيرهم.
إن السلوك الصليبي الغربي كان واضحاً في عهد الاستكشافات الجغرافية ، وكان هو الدافع الذي قاد إلى تلك الاستكشافات في عهد الاستعمار الغربي التجاري المبكر في آسيا، كما كان واضحاً في الطريقة التي حكم بها الإسبان والبرتغاليون والأوروبيون الآخرون والأمركيون العالم الإسلامي المحتل.
الاستعمار الأوروبي لبلاد المسلمين والروح الصليبية..
بدأ الاستعمار الأوروبي باحتلال جنوب شرقي آسيا المسلمة في القرن السادس عشر الميلادي وانتهى –إذا كان قد انتهى!- بالاستعمار الغربي للشرق الأوسط العربي في هذا القرن، وفي رأي كاتب هذا المقال تم الاحتلال الأوروبي بالروح الصليبية ضد المسلمين الكافرين [أي: غير المؤمنين بالنصرانية]، وظلال هذا النوع لا تزال تتكرر في يومنا هذا في العلاقات والتفكير والسلوك الأوروبي في الأشياء والمشكلات التي تتعلق بالعرب والمسلمين. وحديثاً لا تتم هذه إلا بمعونة مروجي الدعاية الصهيونيين الأوروبيين الذي يستغلون بعنف الضغائن القديمة بين النصرانية والمسلمين.
وسائل انتشار الإسلام قديماً في آسيا..
لقد بدأ الاستعمار الأوروبي في الأنديز المسلمة [وهو الاسم القديم الذي يطلق على مجموعة الهند وجزر جنوب شرقي آسيا]، وحسبما يقول البروفسور هول فإن العرب تاجروا مع مالايا والأنديز قبل زمن طويل من ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، ومع حلول القرن العاشر الميلادي كان التجار العرب المسلمون نشيطين في تجارة الفلفل والقصدير من سومطرة والأنديز؛ ومن خلال الزواج المتبادل فقد نشروا الإسلام بين شعب المالاي. ويخبرنا البروفسور هول بأن سومطرة كانت تحكَم من قبل سلطان مسلم في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي[2]، وقد شهد القرن الرابع عشر الميلادي غزوات للإسلام إلى داخل مالايا عندما وسع ماجاباهيت مسلم –إمبراطور جاوه- سيطرته على شبه الجزيرة، ولكن نفوذ الإسلام في أعماق مالايا اكتمل خلال القرن الخامس عشر الميلادي.
وبحلول ذلك الوقت كان الإسلام قد وصل أيضاً إلى الجزر الفليبينية وتغلغل حتى مانيلا شمالاً. وحسب رأي البروفسور هول فإن المولوكاس (المعروفة بجزر التوابل) أصبحت مسلمة سنة 1498م، وهي السنة التي دار فيها فاسكو دي غاما حول رأس الرجاء الصالح ووصل إلى الهند.
الحملات البرتغالية الإسبانية..
والإشارة إلى هذه هنا للتأكيد على أن البرتغاليين عندما وصلوا إلى مالايا والأنديز، شنوا حرباً جديدة وعنيفة، كالحملات الصليبية ضد الإسلام، كما فعلوا قبل ذلك بعدة سنوات في شبه جزيرة إيبيريا (وهي شبه جزيرة إسبانيا والبرتغال).
إن وصول الإسبان إلى الجزر الفليبينية في القرن السادس عشر جاء بالنتائج نفسها هناك. وخلال القرن السادس عشر وما بعده خاضت كلا القوتين النصرانيتين عدة حروب ضد السلطان ا لمسلم الوطني وبالروح الصليبية نفسها. وفي الحقيقة فإن الإسبان لم يجدوا فرقاً بين العرب المسلمين في إسبانيا والذين سموهم هناك »مور« وبين المسلمين الذين اكتشفوهم في جزر الأنديز، ولهذا السبب فقد سموا هؤلاء المسلمين أيضاً »مور«، وهذه الكلمة تحولت فيما بعد إلى »مورو«. وحتى هذا ا ليوم فإن الأقليات المسلمة التي بقيت على قيد الحياة بصعوبة في الأجزاء الجنوبية من الفيلبين تعرف بهذا الاسم.
ولعله من المناسب أن نذكر هنا أنه على الرغم من أن البرتغاليين والإسبان قد شرعوا في نشر النصرانية بالقوة بين سكان جزر الأنديز فإن الإسلام قد انتشر في الجزر من قبل بطرق سلمية بشكل رئيس.[3]
محاولات اقتصادية واستراتيجية لإضعاف العالم الإسلامي..
ويجب أن نتذكر أيضاً أن محاولة البرتغاليين لاكتشاف الأنديز عن طريق أفريقيا قد تمت أيضاً بروح الحملات الصليبية. فالبرتغال استقلت عن الحكم الإسلامي في القرن الرابع عشر،وبإيحاء من أميرها هنري (الملاح) (1394-1360م) فقد أنشئت مدرسة للملاحة لهدف وحيد هو إيجاد طريق جديد لتوابل الأنديز، وبالتالي كسر احتكار تجارة التوابل من قبل العرب وأهل مدينة فينيس [البندقية في إيطاليا].
وحسب رأي بريستيج فإن الدافع العام لهنري كان متابعة الحملات الصليبية بمحاولة »الالتفاف حول دار الإسلام استراتيجياً وتجارياً، وإقامة اتصالات مع النصارى الأثيوبيين، والإغارة معاً على المسلمين من الجنوب لربح تجارة التوابل والأنديز« [4]. إن المعاهدة الإسرائيلية الأمريكية الأثيوبية التي اقترحت حديثاً للالتفاف على العالم العربي تذكرنا بما ورد أعلاه.
ولقد مات الأمير هنري سنة 1460 دون أن ينجز هدفه، ولكن في النهاية دار أحد أتباعه –وهو بارثولوميو دياز- حول الرأس الجنوبي لأفريقيا سنة 1488م. ثم بعد عدة سنوات وصل فاسكو دي جاما أخيراً إلى الهند وإلى الأنديز سنة 1489م، وهذا الحدث كان قمة النجاح لخميسن عاماً من جهود البرتغاليين، وفي الوقت نفسه كان قمة النكسة لمماليك مصر.
وكانت بداية الركود التجاري والاقتصادي لمسلمي حوض الأبيض المتوسط لأكثر من ثلاثمائة وخمسين سنة، والتي استعيضت جزئياً بعد فتح قناة السويس سنة 1869م.
وفي محاولتهم للحيلولة دون العرب وتجارة التوابل احتل البرتغاليون الجزر العربية: هرمز وسوقطرة عام 1506م مسيطرين بذلك على مداخل الخليج العربي والبحر الأحمر. وفي سنة 1515م احتلوا أيضاً جزيرة البحرين في الخليج العربي. وبين سنتي 1511م و1526م قاموا بحروب صليبية ناجحة ضد سلطان مالاكا المسلم، مسيطرين بذلك على مضيق مالاكا بين سومطرة ومالايا.
وعندما دخلوا تلك المدينة المسلمة المزهرة أحرقوها فأجبر سكانها على النزوح إلى الأدغال الخلفية، ومن هناك نشر البرتغاليون نفوذهم على جزر التوابل المعروفة باسم مولاكاس.
فرض التنصير بالقوة في جنوب شرقي آسيا
إن تجارة البرتغاليين وجهود التنصير في الأنديز لم يكونا ناجحين جداً، وسبب هذا أن المسلمين قلما يغيّروا دينهم، وكذلك بسبب فساد القادة والموظفين البرتغاليين الذين بدأوا بتبذير الثروة الجديدة للتاج البرتغالي[5].
وحملات التنصير الكاثوليكي اعتمدت أيضاً على القوة العسكرية وليس على العقيدة[6]، والقوة العسكرية البرتغالية في الأنديز لم تكن قوية حتى تجبر المسلمين على تغيير دينهم كما فعلت القوة العسكرية ذات القلب المتحجر في الفيلبين. وبالتالي فإن اليسوعيين ربحوا فقط بعض المتحولين عن دينهم في جزيرة إمبوانا الصغيرة في مولاكاس وفي أقصى شمالي جزيرة كاليبيس.
أما الحملات الصليبية الأكثر فعالية فقد حصلت ضد مسلمي جزر الفيلبين: فقد وصل الإسبان إليها سنة 1521 بقيادة ماجلان، ومع ذلك فإنه بسبب شكوى البرتغاليين فقد أهمل الإسبان مكتشفهم الجديد حتى سنة 1565،وفي هذه السنة احتلوا جزيرة سيبو،وبعد بأربعة أعوام احتلت أيضاً جزيرة باناي.
وفي سنة 1570م أرسلت حملة إلى مانيلا حيث احتلت، وأصبحت منذئذ مركز الحملات الصليبية ضد مختلف سلاطين الجزر المسلمين، وبسبب كون تغلغل المسلمين في الشمال حديث العهد فقد أدى هذا إلى سهولة تغيير الدين بالقوة في شمالي جزر الفيلبين بما في ذلك لوزون.
أما في الجنوب فإن حرباً صليبية شاملة تبعت ذلك، (صراع كالصراع من أجل امتلاك جنوب إسبانيا ضد المورو ولذا فقد سمى الإسبان معارضيهم المسلمين الجدد باسم مورو[7])، وقد دام هذا الصراع أكثر من مائة سنة، وعندما انتهى كانت معظم الجزر –عدا جزر مينداناو وسلسلة سولو- قد تحولت إلى النصرانية بالقوة، ومن بقي من مسلمي الجنوب بقي تحت اضطهاد وإهمال دائمين من قبل الإسبان، وهذا الإهمال تابعه حكام الاستعمار الأمريكي للجزر بعد انتزاعها من الإسبان سنة 1898م.
اختلاف القوى الصليبية رحمة بالمسلمين
وفي القرن السابع عشر ورث الهولنديون جزر الأنديز من البرتغاليين، وبحلول عام 1641م كان الهولنديون قد طردوا البرتغاليين والإسبان والإنجليز، وفي تلك السنة احتلوا مدينة مالاكا الاستراتيجية على مضيق مالاكا، وبالتالي أصبح الحكام المسلمون معظم منافسي الهولنديين في تجارة التوابل والتحكم في بحار الأنديز، سواء في آشين في شمالي سومطرة أم في ماكاسار في جنوبي جزيرة سيليبيس، ولكن الهولنديين لما يحاولوا مخلصين تغيير دين مسلمي شرقي الأنديز بالقوة أو بغيرها، فقد قاموا راغبين في استغلال ثروتها فقط.
إن بروز القوة العثمانية في شرقي البحر الأبيض المتوسط بعد القرن الخامس عشر كان له أثر أيضاً في احتفاظ الأوروبيين بعادة التفكير بالطريقة الصليبية حتى هذا اليوم، فالروس تعلقوا بأرض المسلمين في الإمبراطورية العثمانية خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. كذلك فعل البريطانيون والنمساويون والفرنسيون، ولولا المنافسة المهلكة بين هذه القوى النصرانية لذبحوا المسلمين العثمانيين في القرن التاسع عشر، لا لسببن إلا لأنها دولة مسلمة، والغزوات ضد العثمانيين كمسلمين كانت واضحة في تعاطف أوروبا النصرانية الذي جادت به بسخاء على ثورة اليونانيين خلال العشرينات من القرن الماضي.
سبب الغيظ والبغض الصليبي للمسلمين..
ولعل من الأسباب الرئيسة للبغض الدائم والغيظ في عهد الاستعمار النصراني هو حقيقة أن المسلمين في كل مكان كانوا أناساً فخورين بدينهم، فخورين بتاريخهم وحضارتهم، وبالثقافة الإسلامية العالية التي لا يزالون يشعرون أنهم يمثلونها.
ومن وجهة نظر الاستعمار النصراني فإن هذا غرور، ولذا فقد خضع المسلمون تحت الاستعمار الأوروبي –سواء أكانوا أقليلة كما في الهند، أم أكثرية ما في مصر- إلى الجور والظلم.
ممارسات حاقدة..
في الهند –بالإضافة إلى تدفق المسلمين إليها من وسط آسيا والشرق الأوسط- فقد تحول إلى الإسلام عدد ضخم من الطبقة الدنيا من نظام الطوائف الاجتماعية الهندوسي، وسبب هذا هو نظام المساواة في الإسلام. لقد كانوا فقراء قبل أن يتحولوا، وبقوا كذلك فقراء بعد إسلامهم.
ولقد احتفظت تخبة صغيرة من المسلمين بمناصب الجيش والإدارة المدنية والقضاء في ظل حكم المغول المسلمين، بينما قامت الطبقة الوسطى من الهندوس بأعمال التجارة والصناعة والزراعة، ومع مجيء الحكم البريطاني للهند فقد استبدل موظفون بريطانيون بالموظفين المسلمين الذي كانوا في المناصب العالية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل عمد البريطانيون إلى استبدال موظفين هندوس بالموظفين المسلمين في الوظائف الأخرى الثانوية [8]، وقد ازداد اضطهاد المسلمين بعد تمرد الجيش عام 1857م. وحسبما يقول باندي: »… لقد أصبحت الحكومة عدائية للمسلمين بلا تردد بعد سنة 1857م، واضطهدت الطبقة العليا من المسلمين التي حاولت إعادة إمبراطورية المغول« [9].
ولعل البريطانيين لم يحتقروا أحداً من رعايا مستعمراتهم بطريقة منهجية كتلك الطريقة التي اتبعوها في مصر [10]، ويبدو أنه من المنطقي الاعتقاد بأن ذلك قد يكون بسبب أن مصر بقيت كطليعة لضمير وقيادة المسلمين حتى في أحلك فترات تاريخ المسلمين.
إنه معروف جيداً في السياسة البريطانية منذ عهد بالمرستون والعشرينيات من القرن الماضي أن بريطانيا لن تسمح بوجود حكومة قوية في مصر. وهذا غريب لأن قناة السويس لم تشق إلا سنة 1869، وبريطانيا لم يكن لها بعد أي مستعمرات مهمة في العالم العربي، وقد بقيت رؤية بالمرستون حية في التفكير السياسي البريطاني بعد احتلال بريطانيا لمصر والسودان.
فلسطين.. ضحية الحقد الصليبي..
وهذا النوع من التفكير قاد بريطانيا إلى تقديم بلد عربي كامل –هو فلسطين- كقربان على طبق من فضة إلى شعب أجنبي وذلك في وضح النهار في القرن العشرين. وليس هناك شك أن قيام دولة إسرائيل كان بتخطيط بريطانيا لتكون شوكة لمصر –رائدة الدول العربية- وسكّيناً في قلب العالم العربي.
وفي الحقيقة، فإنه ليس هناك في التاريخ الحديث ولا البعيد مثال لبلد آهِل ومتحضر مثل فلسطين قد دنّس علناً من قِبَل العالم النصراني.
إن البريطانيين في كثير من الأجزاء الأخرى لإمبراطوريتهم يحبون أن يذكروا –مع الفخر- بأنهم يحمون الضعيف والبريء ضمن حدود إمبراطوريتهم، ولكن ليس الأمر كذلك في العالم العربي.
فالفلسطينيون الضعفاء كانوا مكتوفي الأيدي والأقدام من قبل القوة البريطانية المحتلة نفسها بينما شاهدوا بأعينهم اغتصاب بلدهم من قبل الصهاينة.
إن الجريمة البريطانية البشعة في فلسطين قد ووفِق عليها من قِبَل واشنطن وغيرها من العواصم النصرانية، وإن قائمة الدول التي صوتت لبدء اغتصاب فلسطين عام 1947م قد وافقت بذلك على حرب صليبية مستمرة ضد العالم العربي.
إن الدول العربية وبعض الدول الإسلامية قد صوّتت وحدها ضد القرار الذي لا يمكن تصديقه. وبعد عام 1948م فإنه بإمكان أي إنسان أن يرى تدفقاً دائماً للحب والعاطفة تجاه إسرائيل في العالم النصراني، بينما أصبح معظم شعب فلسطين الأصلى نصف جياع، نصف عراة، معتلي الصحة في مخيمات اللاجئين.
إن كل الناس في العالم النصراني حتى الباب يؤكدون باستمرار تحرريتهم وحبهم وشعورهم بالإثم وما شابه ذلك تجاه إسرائيل، ولكن قليلاً منهم يتذكر عرب فلسطين.
إن عالمية النصرانية وإنسانيتها وتحررها لا تشمل –بطريقة ما- المسلمين. وكان العالم النصراني يلعب لعبة »بنو الإنسان، والعرب«. يخبرك الأمريكيون أنهم يدعمون إسرائيل لأنهم يشعرون بالتحرر والإثم. والألمان يدفعون إلى إسرائيل تعويضات ضخمة ويرسلون سراً إلى إسرائيل كميات كبيرة من الدبابات والسلاح لأنهم رأوا النور ويشعرون بالإثم. أما بريطانيا فقد أوجدت إسرائيل لأن البريطانيين متحررون ويشعرون بالإثم، ولكن لا يشعر أحد بالإثم تجاه الفلسطينيين العرب!
ولا بد لأحدنا أن يشك أن هذا الحب ليس إنسانية جديدة مكتشفة، ولا تسامحاً تجاه اليهود ولكنه بعض ساكن ومتكرر للمسلمين العرب.
إنها الصليبية القديمة ولكن تحت مظاهر مختلفة، وبالتالي تقوم فرنسا بتسليح إسرائيل حتى الأسنان في الخمسينات والستينات من هذا القرن؛ لأن الفرنسيين يبغضون ويحتقرون عرب الجزائر المغرورين.
»والشعور بالذنب« الألماني منذ الحرب العالمية كان بيّناً في الدبابات والسلاح لإسرائيل لقتل العرب، وهذا يعطي مادة للتفكير.
أما بالمرستون البريطاني فإنه بالتأكيد لم يكن يفكر بطريقة إنجيلية عندما وضع سياسة بريطانيا الرئيسية تجاه مصر في العشرينات من القرن الماضي.
ويحب المؤرخون البريطانيون والأنجلو-ساكسونيون الإشارة إلى أنه عندما دخل الجنرال البريطاني أَلِنْبي القدسَ سنة 1918م وأخذها من المسلمين الأتراك فإن أجداده الصليبيين لو كانوا أحياءً لكانوا فخورين جداً بإنجازه النصراني العظيم، أما مروّجو الدعاية الصهيونيون –بدهائهم المعروف- منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967م وأخذها من المسلمين العرب- يحاولون أن يحيطوا إسرائيل بالهالة الصليبية نفسها.
إسرائيل تلعب الدور النصراني في العقلية الغربية
وفي الحقيقة فإن إسرائيل –بغض النظر عن الدين- قد أخذت على عاتقها بذكاء الدور النصراني في العقلية الغربية وذلك منذ إنشائها عام 1948م. وإسرائيل لم تلعب هذا الدور في شرقي الأبيض المتوسط ضد المسلمين العرب وحدهم ولكنها –مع التعاطف الغربي- تأخذ على عاتقها الدور الصليبي أينما وجِد المسلمون، وذلك بمعارضتهم أو هزيمتهم.
فمثلاً نجد الطيارين والخبراء العسكريين الإسرائيليين في إقليم كاتانجا الانفصالي في جمهورية الكونغو في بداية الستينات من هذا القرن، وذلك لأن المسلمين المصريين كانوا متعاطفين مع حكومة الرئيس لومومبا المركزية.
وقد دعت الحكومة المصرية أرملة لومومبا وأولاده ليعيشوا في القاهرة بعد مقتله الذي كان نهاية مقامه في التاريخ الغربي، على أن تعاطف المسلمين مع لومومبا كان يفوق التصر إذ الحقيقة أن لومومبا نفسه كان نصرانياً وعندما انفصل إقليم بيافرا النصراني عن نيجيريا أرعب العالم النصراني كله بوحشية الحكومة المسلمة المركزية، وقليلون في الولايات المتحدة مثلاً يذكرون كيف أصبح لينكولن أسطورة أمريكية لأنه أصرّ على أن الانفصال كان عملاً سيئاً: حرب أهلية دامية أم لا؟
صليبية مستمرة وازدواجية معايير
وعندما ثارت مجموعة من الأكراد ضد الحكومة العراقية اندفع إلى العراق أفواج من المراسلين النصارى والصهيونيين واكتشفوا الأكراد، وكُتبت كتب عن الثوار الأكراد الشجعان [11]، ولم يسجل واحد من هؤلاء الجهودَ المخلصة للحكومة العراقية للاستجابة لمطالب الأكراد.
وكل الناس سمعوا عن الفقراء النصارى في جنوبي السودان الين يُدّعى أنهم يُقمَعون من قبل الحكومة المسلمة في الخرطوم، ولكن لم يسمع أحد عن القمع الحقيقي للمسلمين الأريتريين في إثيوبيا النصرانية، هذا القمع يُجعَل أكثر فعالية بمشورة الخبراء الإسرائيليين وغيرهم من الخبراء الغربيين.
إن الصومال المسلمة تولد تعاطفاً في العالم النصراني لمشكلاتها مع جيرانها النصارى، ويبدو أنه عندما تحصل أي مشلكة –صغيرة كانت أم كبيرة- في أية دولة مسلمة يحضر مروّجو الدعاية الغربيون حالاً لتكبيرها بشكل غير مناسب مع حجمها.
إن تسامح المسلمين مع اليهود الذي يمثل سجلاً تاريخياً يُكنس تحت سجادة الصحافة والكتابة الغربيتين، ولكن عندما يعلق جاسوسان يهوديان في بغداد يهتز العالم النصراني كله من جذوره للبربرية العراقية، هذا بينما تنسَف قرى عربية كاملة من وجودها بواسطة الإسرائيليين المحتلين لفلسطين، وبينما ترفض إسرائيل بأسلوب سمج السماح للجنة حقوق الإنسان دخول الأراضي العربية المحتلة.
وقليل من الناس في العالم النصراني لديهم أدنى فكرة عن حجم الدمار والصراع الإنساني الذي تم في الجزائر في حربها من أجل الاستقلال، ويبدو أن العالم النصراني عموماً غير مهتم، وعلى أية حال فالضحايا هم من المسلمين فقط.
وبمراقبة هذه الظاهرة فإن كثيراً من الكتّاب العرب يسمونها »ازدواجية المعايير« وغيرهم يسميها »الحملة الجديدة ضد السامية« التي تطورت لتأخذ محل الحملة القديمة ضد اليهودية وضد السامية ولترضي عادة نصرانية متأصلة.
ولكن في تقدير كاتب هذا المقال أنها ليست ظاهرة جديدة أبداً، وإنها جزء وقطعة من الحملات الصليبية القديمة التي بدأها البابا أوربان الثاني في القرن الحادي عشر واستمرت بعزم في أشكال عديدة وفي أراض عديدة حيثما كان هناك مسلمون، إنها الصليبية المستمرة، ونهايتها ليست في المدى المنظور.
مجلة الأمة، العدد 42، جمادى الآخرة 1404هـ
مراجع:
معهد الامارات التعليمي
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]]
[1] البروفسور فايز أبو جابر أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك وهو من أصل أردني ونصراني بالميلاد.
[2] D. G. E. Hall: “A History of South East Asia.”
[3] H. A. R. Gibbs: “Mohammadanism.”
[4] E. Presage: “The Portuguese Pioneers.”
[5] B. Harrison: “South East Asia.”
[6] G. B. Sansom: “Japan.”
[7] H. Thompson: “Land and People.”
[8] B. N. Pandey: “The Break-up of British India.”
[9] Ibid.
[10] H. Hopkins: “Egypt, the Crucible.”
[11] D. A. Schmidt: “Journey Among Brave People.”