نص اقناعي حول تجربة في مجال الخدمة الاجتماعية
ماحصلت ….،
دورته في كل مكان لين لقيته : هل تعرف اليتيم؟ نعم، هل تعرف ذاك الإنسان الضعيف الذي فقد ظهيره ونصيره (بعد الله تعالى)، فقد أباه الذي يرعاه بالعطف والحنان، يرعاه بحب خالص من شوائب الأنانية والمصلحة الخاصة، مع استعداد للتضحية والعطاء والفداء، وحرص شديد على إبلاغه مبلغ الرشد والكمال والنضج والقوة.
غير اليتيم يرعاه أبواه، يعيش في كنفهما تظلله روح الجماعة، يفيض عليه والده من حنانهما، ويمنحانه من عطفهما.
أمَّا اليتيم فقد فَقَدَ هذا الراعي، ومال إلى الانزواء والعزلة، ينشد عطف الأبوة، ويرنو إلى من يمسح رأسه ويخفف بؤسه.
إنَّه بوضوح واختصار: يتطلع إلى من يُنسه مرارة اليتم وآلام الحرمان.
وعندما نمضي سويا نستعرض النصوص القرآنية التي تعرَّضت لأحوال اليتامى، نلاحظ ما يلي:
* إكرام الله عزّ وجل لليتامى ونعيه على من لم يكرمهم:
قال تعالى: {كلا بَل لاّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} (الفجر/17).
وقال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (الضحى/ 6ـ11).
إن حَسْبَ اليتامى أن يكون أسوتهم محمد صلى الله عليه وسلم، فتلك ـ وربك ـ هي الإنسانية بجلالتها، وهي الحقوق بأسمى معانيها.
وحسب الأوصياء أن يعلموا أنَّ اليتيم محمد صلى الله عليه وسلم قد رعاه ربه وتولاه، فآواه وهداه.
* عن سهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً (رواه البخاري). قد يرغب محب الخير أن يعرف السر في بلوغ الكافل هذه المنزلة العظيمة، والرتبة الشريفة ليكون قريناً لنبيه صلى الله عليه وسلم في المقام العظيم.
وكذلك كافل اليتيم، يحفظ يتيمه في حال صغره حين لا يعقل ولا يفقه، فيدله ويهديه، ويهذبه ويربيه، فإذا بلغ مبلغ الرجال، كان رجلاً سوياً، محفوظ الحقوق، موفور الكرامة، مع ما يتحمَّل الكافل من تبعات الوصاية والرعاية، وشؤون التربية وحسن العناية، وما يحف بذلك من تقوى ونزاهة وعفاف. قال النيسابوري: قال أهل التحقيق: الحكمة في يتم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف قدر الأيتام فيقوم بأمرهم، وأن يكرم اليتيم المشارك له في الاسم.
نعم، امسح رأسه، اقترب منه، ابتسم له، طيِّب خاطره، أدخل البهجة على روحه الظامئة بكلمة باسمة.
إنَّ العلاقات الإنسانية تحقق كل مجد لها حين تضفي على هذا اليتيم المحروم من حنانها ودفئها.
* عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة" (رواه أحمد وابن ماجه).
* ولنا في الصحابة أسوة فقد كان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ لا يجلس على طعام إلا على مائدته أيتام.
وبعد فنخلص مما سبق إلى:
* أنَّ كافل اليتيم يحوز صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحظى بذلك شرفاً وفخراً.
* كفالة اليتيم صدقة يضاعف لها الأجر إن كانت على الأقرباء (أجر الصدقة وأجر القرابة) كما حدث في حديث زينب امرأة عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ عند البخاري.
* كفالة اليتيم والإنفاق عليه دليل طبع سليم وفطرة نقية.
* كفالة اليتيم والمسح على رأسه وتطييب خاطره يرقق القلب ويزيل عنه القسوة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال: "امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين" (رواه أحمد).
* إن كفالة اليتيم تعود على الكافل بالخير العميم في الدنيا فضلاً عن الآخرة.
* كفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهية، وتسوده روح المحبة والود. إن اليتيم إذا لم يجد من يستعيض به حنان الأب المشفق والراعي الرفيق، فإنه سيخرج نافر الطباع، وسيعيش شارد الفكر، لا يحس برابطة ولا يفيض بمودة. وقد ينظر نظر الخائف الحذر، بل قد ينظر نظر الحاقد المتربص، وقد يتحول في نظراته القاتمة إلى قوة هدامة.
وينبغي التنبه إلى أنَّ مشاعر اليتيم ربما تبلغ من الإفراط في الحساسية أن تقهره الكلمة العابرة التي لا تثير انتباه أي إنسان آخر، ولا تحرك فيه شيئاً؛ لذلك كان على كافل اليتيم أن يكون رقيق الملاحظة جداً لما يهز مشاعر الأيتام بالألم، فلا يأتي منها شيئاً ويوصي أسرته بذلك، وأيضاً ينتبه إلى أنَّ اليتيم قد يقهره منظر عطف الأب أو الأم على ولدهما داخل الأسرة التي يعيش في كفالتها.
* في إكرام اليتم والقيام بأمره إكرام لمن شارك رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة اليتم، وفي هذا دليل على محبته صلى الله عليه وسلم.
* كفالة اليتيم تزكي المال وتطهره وتجعله نعم الصاحب للمسلم.
* كفالة اليتيم من الأخلاق الحميدة التي أقرَّها الإسلام وامتدح أهلها.
* في كفالة اليتيم بركة تحلّ على الكافل وتزيد من رزقه.
* في كفالة اليتيم إنقاذ له ممَّن يريد إفساده ـ كما هو حال المنصِّرين ـ أو استغلاله وظلمه.
* أن مظلة الإسلام تحمي الضعاف، وتحنو على الصغار، وتحفظ حقوقهم، وتنظم علاقاتهم، فلا يستذل ضعيف لضعفه، ولا يعتدى على عاجز لعجزه. ولقد ذلت ـ ولسوف تذل ـ كل أمة تضيع ضعيفها ويتيمها، وتجعل من نفسها مسغبة لا يعيش فيها إلا الوحوش الضارية، أو الثعالب الماكرة.
* إنَّ كافل اليتيم إذا استطاع أن يوصل صوته ورسائله ونصائحه ـ وأهمّ من ذلك كله حبه ـ لذلك الطفل اليتيم.. فلسوف يضمن ذلك عدم الاحتياج إلى تذكيره بين الحين والآخر بفضيلة كفالة الأيتام، إذ سيصبحون جزءاً لا يتجزأ من حياته المادية والمعنوية.
* إنَّ كفالة اليتامى من أخلاق المجتمع المسلم، إذ لا يجوز بحال من الأحوال أن يترك اليتيم هملاً، دون أن يجد من يكفله ويرعى شأنه، فإن لم يجد من يكفله فالمجتمع الإسلامي الذي حوله كلهم آثمون إذا علموا به وأهملوه.
* كان لكفالة اليتيم ما سبق من فضائل؛ لأنَّها تنبئ عن مشاعر الرحمة في قلب من يكفله، والرحمة جوهرة نفيسة في قلوب المؤمنين، ولا تحصل كفالة اليتيم بصدق وأمانة ما لم يكن قلب الكافل مملوءاً بخلق الرحمة، مشحوناً بإيمان يربطه بالله واليوم الآخر.
ومرةً أخرى إن شئتم أن تذرفوا الدمع ساخناً فاذكروا ساعة الاحتضار، ودنو الأجل، وتذكروا حال الصبية الصغار، والذرية الضعاف الذين يتركهم هذا المحتضر وراءه، يخشى عليهم ظروف الحياة، وبلاء الدهر، يتمنى لهم ولياً مرشداً يرعاهم كرعايته، ويربيهم كتربيته، ويعوضهم بره وعطفه..
أستغفرك يا رب من كل ذنب