وبتنازل الحسناستقر الأمر لمعاوية فأصبح خليفة المسلمين، وقامت دولة بني أمية التي تنتسب إلى أميةبن عبد شمس بن عبد مناف، فحكمت نحو تسعين عاما ( 41 – 132 هـ ) ( 661 – 750م) .
استشهاد علي بن ابي طالب ومبايعةالحسن للخلافة
أوصى أمير المؤمنينعلي بن ابي طالب إلى الحسن وأشهد على وصيته الحسين ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعتهوأهل بيته ثم دفع إليه الكتب والسلاح ثم قال لابنه الحسن: «يا بني أمرني رسول اللهأن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله ودفع إليّ كتبه وسلاحهوآمرني أن أمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين.. ثم أقبل على ابنه الحسنفقال: يا بني أنت وليّ الأمر ووليّ الدم فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولاتأثم».
اجتمع الناس فيمسجد الكوفة ينتظرون تأبين الشهيد علي، فقام الحسن خطيباً: «قد قبض في هذه الليلة رجللم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون بعمل لقد كان يجاهد مع رسول الله (ص) فيسبقه بنفسهولقد كان يوجهه برايته فيكنفه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره فلا يرجع حتى يفتحالله عليه ولقد توفي في الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم والتي توفي فيها يوشع بننون وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهلهثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه قال أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفنيفأنا الحسن بن محمد (ص) أنا ابن البشير النذير أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراجالمنير أنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والذين افترض اللهمودتهم في كتابه إذ يقول: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً}(الشورى: 23) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت» ثم قام عبيد الله بن العباس بحذاء المنبر في المسجد الجامع وقال بصوته المدوي:«معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه يهدي به الله من اتبع الرضوان سبلالسلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم».
وجاء في الكاملفي التاريخ أن أول من بايعه هو قيس بن سعد الأنصاري وقال له: «مدّ يدك على كتاب اللهوسنة نبيه وقتال المحلّين فقال الحسن على كتاب الله وسنة رسوله فإنهما يأتيان على كلشرط فبايعه الناس وكان الحسن يشترط عليهم أنكم مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون منحاربت».
إلى جانب الكوفةبايعت البصرة والمدائن وسائر العراق وبايعه الحجاز واليمن وفارس ولم يتخلف عن البيعةسوى معاوية ومن والاه. وشرع الحسن في تنظيم أمور الدولة واتخذ جملة من الإجراءات أهمها:تعيين الولاة وبادر إلى زيادة أفراد الجيش في عطائهم إدراكا منه لما أصاب هذا الجيشمن جراحات بعد الحروب العديدة التي خاضها في الجمل وصفين والنهروان.
خطبة الحسن فيالكوفة
وأدرك معاوية أنالحسن مصمم على محاربته فسار نحو العراق، وبلغ الحسن سير معاوية وأنه وصل جسر منبجفأمر الناس والعمال بالتهيؤ ونادى مناديه في الكوفة يدعوهم للتجمع في المسجد وخطب فيهمالحسن: «..أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرهاً ثم قال لأهل الجهاد منالمؤمنين: اصبروا إن الله مع الصابرين.. فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبرعلى ما تكرهون. بلغني إن معاوية بلغه أنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك، أُخرجوارحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا».
ولكن الناس سكتواوما تكلم منهم أحد!! فقام أصحاب الإمام عدي بن حاتم وسعد بن عبادة، ومعقل بن قيس الرياحيوزياد بن صعصعة فأنّبوا الناس على سكوتهم وحرضوهم على الخروج، وسار الحسن وخرج الناسمعه إلى أن بلغوا دير عبد الرحمن، فأقام به ثلاثاً حتى تجمّع الناس.
جيش الحسن
في دير عبد الرحمنانقسم جيش الحسن إلى قسمين حيث أرسل الإمام عبيد الله بن العباس ليلقى معاوية في مسكنوقال له: «يابن عم إني باعث إليك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب وقراء المصر، الرجلمنهم يزيد الكتيبة فَسِر بهم وليّن لهم جانبك وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفراتثم تصير إلى مسكن ثم امض حتى تستقبل بهم معاوية فإن أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فإنيعلى أثرك وشيك.. وليكن خبرك عندي كل يوم.. وإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلكفإن فعل فقاتله وان أُصبت فقيس بن سعد على الناس وإن أُصيب قيس بن سعد فسعيد بن قيسعلى الناس».
وسار عبيد اللهحتى أتى مسكن (اسم مكان على نهر دجيل) وسار الحسن حتى نزل ساباط (اسم مكان قرب المدائن).
الحرب النفسية
وهنا انطلق معاويةببث الدعايات والدعايات المضادة بين شقّي جيش الحسن؛ واستطاع أن يستميل عبيد الله بنالعباس بعد أن بث دعاية في العسكر أن الحسن يكاتب معاوية على الصلح فلما تقتلون أنفسكم؟
انطلت الحيلة علىعبيد الله بن العباس الذي أعزاه معاوية بقوله: «إن الحسن راسلني في الصلح وهو مسلمالأمر إليّ فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً وإلا دخلت وأنت تابع ولكن إن أجبتنيالآن أنا أعطيك ألف ألف درهم أُعجّل لك في هذا الوقت نصفها وإذا دخلتُ الكوفة النصفالآخر».
خيانة قائد الجيش
انسلّ عبيد اللهبن العباس إلى جيش معاوية ومعه بضعة آلاف من جيش الحسن وأصبح الناس ينتظروه للصلاةفلم يجدوه فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة ثم خطب فيهم فثبّتهم وذكر عبيد الله فنال منهثم أمرهم بالصبر والنهوض إلى العدو فأجابوه.. وخرج بسر بن أرطأة فصاح يا أهل العراقويحكم هذا أميركم عندنا قد بايع وإمامكم الحسن قد صالح فعلام تقاتلون أنفسكم فقال لهمقيس بن سعد: اختاروا إما أن تقاتلوا بلا إمام أو تبايعوا بيعة ضلال. فقالوا بل نقاتلبلا إمام. وحاول معاوية استمالة قيس بكل وسيلة فكتب إليه قيس: «والله لا تلقاني أبداًإلا بيني وبينك الرمح».
ضعضعة الجيش
ولم تتوقف الدعاياتعلى جيش مسكن فقد معاوية أرسل مبعوثين إلى الحسن حملوا إليه كتب بعض أعيان الكوفة ممنكاتبوا معاوية يطالبونه الأمان ويعدونه تسليم الحسن إليه وكان من مهمة هذا الوفد ترويجدعاية مفادها أن الحسن سيصالح معاوية فاضطرب المعسكر وزاد اضطراباً مع وصول أنباء مسكنفنادى الحسن الصلاة جامعة وخطب في الناس قائلاً:
«أما بعد فو اللهأني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه وأنا أنصح خلقه لخلقه وما أصبحت محتملاًعلى مسلم ضغينة ولا مريد له بسوء ولا غائلة. ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكممما تحبون في الفرقة ألا وإني ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري ولاتردوا علي رأي غفر الله لي ولكم وأرشدني لما فيه محبته ورضاه إن شاء الله»
فنظر الناس بعضهملبعض، وقالوا ما نراه إلا يريد الصلح مع معاوية كفر الرجل! وشدوا على فسطاطه وانتهبوهوأخذوا مصلاه من تحته وهموا بقتله لكن خاصة من أنصار الإمام أحاطوا به، وركب فرسه ولمابلغ مظلم ساباط قام رجل وقال: «يا حسن أشرك أبوك ثم أشركت أنت» وطعنه بالمعول فوقعتفي فخذه. وحُمل الإمام إلى المدائن على سرير وبها سعيد بن مسعود الثقفي واليا عليهامن قبله وقد كان علياً ولاه على المدائن فأمّره الحسن عليها، فأقام عنده يعالج نفسه.
الهدنة والصلح
وازدادت بصيرةالحسن بخذلان القوم وفساد نيات المحكّمة فيه لما أظهروه من السب والتكفير له واستحلالدمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من اصحاب أبيه وكتب إليه معاويةفي الهدنة والصلح وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه..فاشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروط كثيرة وعقد له عقوداً كان في الوفاء بهامصالح شاملة فلم يثق الحسن بامتثاله غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس منترك الحرب وإنفاذ الهدنة
ولما عزم الحسنعلى الصلح قام فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال:
«إنا والله مايثنينا شك في أهل الشام ولا ندم وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامةبالعداوة والصبر بالجزع وكنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم وأصبحتم اليومودنياكم أمام دينكم ألا وقد أصبحتم بين قتيلين قتيل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروانتطلبون ثأره وأما الباقي فخاذل وأما الباكي فثائر ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيهعز ولا نصفة فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبي السيوف وإنأردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى».
فناداه الناس منكل جانب البُفيَة! البُفيَة.. يعني يؤيدون الحياة.
استقرار الحسنبالمدينة
لم يبق الحسن طويلاًفي الكوفة بعد عقد الصلح وغادر نحو المدينة مع الحسين وأهل بيته. وجعل الناس يبكونويسألونه ما حملك على ما فعلت؟ فيقول: «كرهت الدنيا ورأيت أهل الكوفة قوماً لا يثقبهم أحد أبداً إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نية لهمفي خير ولا شر لقد لقي أبي منهم أموراً عظاماً فليت شعري لمن يصلحون بعدي».
وقبل أن يتجاوزموكب الحسن الكوفة كثيراً أرسل إليه معاوية أن ارجع لتقاتل طائفة من الخوارج أعلنواالعصيان والتمرّد في جوارها فأبى أن يرجع وكتب إلى معاوية «لو آثرت أن أقاتل أحداًمن أهل القبلة لبدأت بقتالك قبل أي أحد من الناس»
واستقرّ الحسنبالمدينة ودامت هذه الفترة من سنة (41 هـ) عام الصلح إلى سنة (51 هـ) سنة استشهاده.
وثيقة الصلح
بسم الله الرحمنالرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن عليّ بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان، صالحه علىأن يسلِّم إليه ولاية أمر المسلمين على:
1 ـ أن يعمل فيهمبكتاب الله وسُنّة رسوله وسيرة الخلفاء الصالحين.
2 ـ وليس لمعاويةبن أبي سفيان أن يعهد إلى أحدٍ من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.
3 ـ وعلى أنّ الناسآمنون حيث كانوا من أرض الله في شامّهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم.
4 ـ وعلى أنّ أصحابعليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم. وعلى معاوية بن أبي سفيانبذلك عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله على أحدٍ من خلقه بالوفاء، وبما أعطى الله مننفسه.
5 ـ وعلى أن لايبغي للحسن بن عليّ، ولا لأخيه الحسين، ولا لأحدٍ من أهل بيت رسول الله غائلةً سرّاًولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أُفُقٍ من الآفاق، شهد عليه بذلك، وكفى بالله شهيداً
نقض معاوية للعهد
لما انتهى كتابالحسن إلى معاوية أمسكه، وكان قد أرسل عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيببن عبد شمس إلى الحسن قبل وصول الكتاب ومعهما صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها، وكتب إليه:أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك. فلما أتت الصحيفة إلى الحسناشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده، فلما سلم الحسن الأمر إلىمعاوية طلب أن يعطيه الشروط التي في الصحيفة التي ختم عليها معاوية، فأبى ذلك معاويةوقال له: قد أعطيتك ما كنت تطلب. فلما اصطلحا قام الحسن في أهل العراق فقال: يا أهلالعراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاثٌ: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي.
وكان الذي طلبالحسن من معاوية أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف، وخراج دار ابجردمن فارسن وأن لا يشتم علياً، فلم يجبه إلى الكف عن شتم علي، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع،فأجابه إلى ذلك ثم لم يف له به أيضاً، وأما خراج دار ابجرد فإن أهل البصرة منعوه منهوقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحداً، وكان منعهم بأمر معاوية أيضاً.
نودي في الناسإلى المسجد وخطب معاوية في الجموع قائلاً: «يا أهل الكوفة أترونني قاتلتكم على الصلاةوالزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون؟ ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وأليرقابكم وقد آتاني الله ذلك وانتم كارهون ألا أن كل دم أصيب في هذه الفتنة مطلول وكلشرط شرطته فتحت قدمي هاتين ولا يصلح الناس إلا ثلاث إخراج العطاء عند محله وإقفال الجنودلوقتها وغزو العدو لداره فإن لم تغزوهم غزوكم». وذكر صاحب شرح النهج أن معاوية قالفي خطبته: <<ألا أن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به>>
بعد هذا الصلحاجتمع الناس على معاوية، وتنازل الحسن بن علي لمعاوية.
في ميزان حسناتك
جزاك الله خير
سلمت يــدإأك ,,
والى الامـإأم دإأئمـإأآ ,,,^^