(1)بسطت رابعة الحبل لنا : مدت رابعة حبل المودة والوصال إلينا وعطفت علينا فلذلك قبلنا مودتها ووصلنا حبلها مدة استمرارها في العطف علينا ومواصلتنا .
بسطت : أي مدت ( المضارع يبسط بضم السين ) . الحبل هنا معناها الوصل والمودة والعلاقة الطيبة . ما اتسع أي مدة اتساع ذلك ـ مدة استمرار ذلك في حال وصال متسع ومودة متسعة (ما) هنا يقال لها (ما) المصدرية الظرفية لأنها تدل على المدة والمصدر معًا : ما اتسع أي مدة اتساعه . رابعة اسم المحبوبة أوصف لها بمعنى عاطفة وواصلة أو هي المولودة الرابعة لأمها ، والوجه الأول هو الجيد ، لأن الشاعر قد يستعمل أكثر من اسم واحد للمحبوبة في قصيدته ، وقد يتضمن الاسم معنى مناسبًا للسياق الذي يورده فيه . هي اسمها رابعة وهي أيضًا عاطفة لأنها مدت حبل المودة وبسطته لنا .
(2) حرة : أي أصيلة صافية اللون تجلو فمًا حلو الحديث ، أسنانها المفلجة تبدو فيه كأنها لؤلؤ شتيت منثور مشرق لمّاع مثل شعاع الشمس الساطعة وسط الغيم .
هذا البيت في صفة المرأة الجميلة جيد شديد الحيوية إذ وصف لنا أخلاقها وأصلها بأنها حرة ، ووصف لنا ثغرها بأنه شتيت أي مفلج الأسنان كأنها لؤلؤ براق ، وهذا يدل على تبسمها وحسن حديثها ، وشبهه بالشمس وسط الغيم لأن حوله لون الشفتين واللثات وهو ضارب إلى السمرة .
( 3) صقلتـه أي نظفتـه بقضيب أي
بقطعة من غصن ناضر أي ناعم من شجر الأراك الطيب الرائحة ، استاكت به حتى نصع لون أسنانها أي وضح وصفا . صقل مضارعها يصقل بضم القاف . نصع مفتوحة الصاد في الماضي والمضارع .
(4) أبيض اللون أي هي حرة تجلو ثغرا مفلجا أبيض لون الأسنان لذيذا طعمه لمن يكون له حظ سعيد بتقبيله وحينئذ سيجد ريقه طيبا لا يتغير إذا تغير ريق النساء الأخريات . وذلك أن الريق يتغير بعد النوم ." إذا الريق خدع " أي إذا الريق تغير ونقص وجف . خدع يخدع بفتح الدال في الماضي والمضارع .والعرب تقول : أتيناهم بعدما خدعت العين وهدأت الرِجْل أي في متأخر من الليل بعدما نامت العين وهدأت الحركة .
(5) تمنح المرآة أي تعطي مرآتها وجها جميلا أي حين تنظر في المرآة تعطي هي المرآة عطية حسنة هي وجهها الواضح الجميل الهيئة الصافي اللون البراق المضيء كأنه جانب الشمس حين يرتفع في الصحو أي في سماء انقشع عنها السحابُ ، فالشمس فيها منيرة باهرة – الصحو بصاد مهملة أي غير منقوطة ، مفتوحة بعدها حاء مهملة ساكنة ثم واو . منح بفتح النون مضارعها مثلث النون يمنَح يمنُح يمنِح ، كلها صحيحة وأجودها كسر النون ، ولذلك أجود الوجوه أن تقرأ : تمنِح المرآة الخ ..
(6) صافي اللون ، صفة لقوله وجها واضحا صافي اللون-وطرفا ساجيا : أي تمنح المرآة وجها صافيا في لونه وطرفا كحيلا أي عينا كحيلة أي عليها زينة الكحل أو كأنها بطبيعتها مكحولة من حسنها وجمال منظرها الساحر-
ساجيا : من سجا يسجو أى هَدَأ وسكن .قال تعالى : والضحى والليل إذا سجا " أى هدأ وسكن- والطرف الساجي أي الهادئ الوديع ." ما فيه قمع " أي خال من وجع أو ورم . أي نشأت صحيحة العينين لم يصبها رمد يسبب لها القمع في جوانب جفنها وعينها – القمع وجع وبثور وأورام تصيب جانب العين. كلمة الطرف تدل على البصر والعين ولكنها لا تثنى ولا تجمع، وطُرِفت العين تطرف بكسر الراء في المضارع أي نظرت ، وطُرِفت عينه بالبناء للمجهول أي أصابها شيء . قمعت عينه بكسر الميم تقمع بفتح الميم قمعا بفتح القاف والميم أي أصابها داء القمع الذي تقدم شرحه .
(7) وتمنح المرآة أيضا منظر شعرها الجميل . وقرونا أي خُصلا من الشعر – قرونا مفعول به ، لقوله تمنح الذي تقدم . سابغا أطرافها أي خُصلا من الشعر أطرافها غزيرة كاسية . وقد أدخلت فيها المسك الكثير والطيب الزاكي الرائحة . غللتها أي أدخلت فيه . غَل في المكان يغُل أي دخل وغللتُه أنا في المكان أي أدخلته . غللتها ريحَ مسك أي أدخلت فيها ريح مسك : ذي فنع : أي ذي كثرة . الفنع بفتح الفاء والنون أي الكثرة . فنع فلان يفنع بكسر النون في الماضي وفتح النون في المضارع أي كثر ماله
وفنع مال فلان أي كثر . قال الشاعر
أبو محجن الثقفي :
وقد أجودُ وما مالي بِذِي فَنَعٍ
وأكْتُمُ السّرَّ فيه ضرْبَةُ العنُقِ
وفنعُ المسكِ كثرته وانتشار رائحته . ريحَ مسك – ريح منصوبة مفعول به لغلَّلتها وأنشدها بعض الرواة برفع ريح على معنى تغللتها ريح مسك والرواية الجيدة هي النصب وفاعل غلَّتها المحبوبةُ التي وصفها الشاعر.
تعليق :
هذه الأبيات التي تقدم شرحها من (1) إلى (8) هي الجزء الأول من النسيب أي القسم الخاص بذكرى المحبوبة ووصفها ، والشاعر العربي يُضمِّن النسيب إشارات إلى أغراضه التي يتناولها في القصيدة . المحبوبة هنا عاطفة والشاعر على صلة حسنة معها وسيدوم على ذلك ما دامت هي على ذلك .
وسنبين فيما بعد – إن شاء الله – أن هذه المحبوبة كأنها رمز لقبيلة الشاعر ولنفسه ولانتصاره على خصومه .
تهتم العرب في نسيبها بوصف الثغر لأنه يدل على الابتسام وحسن الحديث ، وبوصف الطرف لأنه يعبر عن العواطف ويدل على الشخصية .
لم تكن نساء العرب حُمْر الألوان أو شُقر الألوان . ولم تصف شعراء العرب في جاهليتها وفي أيام الإسلام الأولي نساءها بتوريد الخدود (*) وإذا قالوا امرأة بيضاء عنْوا بذلك أنها جميلة . وربما وصفوا اللون نفسه فذكروا أن فيه صُفرة كبيض النعام أو كالفضة التي مازجها ذهب أو الروضة التي شعَّت عليها شمس الأصيل أو الأُترجَّة أي البرتقالة الفواحة الطيبة الرائحة .
الفصل الثاني وهو الجزء الثاني من النسيب :
(8) هيج الشوق خيال ـ أي زارني طيف الخيال من المحبوبة وهيج شوقى إلى لقائها . هذا الخيال زارني من عند محبوبتي ذات الحياء والتحشم والوقار امرأة خفرة بفتح الخاء وكسر الفاء أي تستحي وتتحشم. الخَفَر بفتح الخاء والفاء أي الحياء . حبيـب خفِـر
بكسر الفاء أي حبيب حيي فيه قدع : أي فيه وقار وانقباض عن الظهور والجراءة . قدعت فلاناً عني أقدعه وأقدعت فلانا أقدِعه أي رددته عني وفلان يقدَع نفسه عن الدنايا أي يتعفف، وفيه قدع أي فيه عِفة ووقار- ويقدع نفسه عن الأمور التي يهابها . القدع بفتح القاف والدال أي التعفف والتهيب والانقباض بسبب الحياء والعفة .
هيج شوقي خيالٌ زارني من حبيب كثير الحياء والهيبة للمخاطر لوقاره وعفته .
من عادة شعراء العرب إذا وصفت
طيف الخيال وصفته بأنه يركب الأهوال ويتخطاها مع أن المحبوب نفسه شديد الهيبة والحياء .
(9)شاحط : بعيد : شطحت ( بفتح الحاء وكسرها ) الدار أي بعدت تشحَط أي هذا الطيف الذي زار في المنام قد جاء من حبيب بعيد جداً عني. وقد جاز هذا الخيـال مسافـة
الصحراء حتى زارنا في أراحلنا ونحن مسافرون وبيننا وبين دياره غابات كثيرة فيها الشوك والهوام والسباع والأهوال ، مع ذلك هذا الطيف قد جاز ـ أي قطع ـ عصب الغابات أي مجموعات الغابات التي بيننا وبينه ـ طُروقًا أي ليلاً ولم يخفْ ـ لم يرعْ أي لم يرعْه شيء أي لم يخفه شيء . تقول راعه الأمر يروعه أي أخافه يخيفه .
(10)آنسٍ ـ صفة للحبيب الخفِر ولطيفه الزائر، أي مؤانس وملاطف. وهذا الطيف كان كلما اعتادني أي كلما عاودني بزيارته أرقني وحال بيني وبين النوم فامتنع النوم عني .
تقول: عاده كذا واعتاده وعاوده ، كلٌّ معناها واحد ـ يقال تعتادني الحمَّى كل ثلاثة أيام وتعودني وتعاودني . قال الشاعر ذو الرُّمة يذكر محبوبته :
تَعْتَادُنِي زَفَرات من تَذَكُّرها
تَكادُ تَنْفَضُّ منهنَّ الحيازيم
أي زفرات شديدة تؤثِّر في الصـدر
هزتها حتى توشك الضلوع أن تنكسر وتنفصل .
(11)وكذَاكَ الحُبُّ ما أشْجَعَهُ
يَرْكَبُ الْهَوْلَ وَيَعْصِي مَنْ وَزَعْ
هذا البيت من أبيات الحكمة الرائعة .
لما ذكر الشاعر طيف الخيال ونسبه إلى محبوبته الحبيبة الهيوب تَعجب منه كيف استطاع أن يتجاوز الأهوال والغابات ويصل إلى ؟ كيف جسر على تخطي هذه الأهوال مع أن صاحبته امرأة لا تقدر على ملاقاة هذه الأهوال؟
والحق أن الحبيبة التي زاره طيفها لم تزره هي نفسها ، ولا أرسلت طيفها إليه. ولكن الذي صور له صورتها وجعل طيفها يزوره فى المنام هو تفكيره هو نفسه فيها ، وعقله الباطن هو الذي صورها له . وقد بين هذا المعنى لنا من بعد الشاعر أبو تمام حيث قال :
زارَ الخيالُ لها بل أزارَكَهُ
فِكْرٌ إذا نَامَ فكرُ الخَلْقِ لم ينَمِ
أي زارك خيالها لا بـل جعله يزورك
تفكيرك فيها ، وذلك أنك بتفكيرك فيها الدائم لا ينام عقلك حتى حين ينام الناس وتنصرف عنها وعن غيرها أفكارهم .
إذن فعقل الشاعر وفكره هو الذي اقتحم الليل ونسي أهوال الصحراء وعُصب الغاب وتجاوز جميع ذلك إلى الحبيب الحيي الهيوب الشاحط الدار أي البعيد الدار ، وإنما فعل فكره ذلك بجراءة الحب وشجاعته :
وكذَاكَ الحُبٌ ما أشْجَعَهُ
يَرْكَبُ الْهَوْلَ وَيَعْصِي مَنْ وَزَعْ
ويعصى من نهاه . الوازع هو الذي يُنَظّمُ أمْرَ الناس ويمَنَعهم من الفَوْضَى. ولابدَّ للنَّاس من وَزَعةٍ ، أي الناس يحتاجون إلى وَزَعةٍ جمع وازِع ، مثل كَتَبة جمع كاتب وعَمَله جمع عَامِل وقَرَأة جمع قارِيء . وَزَعُ يزع فهو وَازِع وهم وَزَعَةٌ .
في الحديث : من يَزُع السلطانُ أكثر مِمَّن يَزُع القرآن ـ أي يكفّه خوفُ السلطان من ارتكاب الخطأ أكثـر ممن يَكـفُّ القرآن بمواعظـه
وتذكيره .الفعل وَزَع مثل وَضَع ووَزَن مضارعه بفتح الزاي ( يزع مثل يَضَفُ وبكسرها يَزِعُ مثل يَزِنُ ).
كما تجرَّأ هذا الطيف فتخطَّى الأهوال ، كذلك الحبُّ يركبُ الأهوال ويتحداها ويَعْصِي من يريد نَهْيَهُ وكَفَّه عن اندفاعِه في سبيلِ الحبِ .
(12)ثم بعد هذه الحكمةِ تحدَّث الشاعرُ عن تأريقِ الحبِ له حتى سَهِرَ وجعل يراقب النجوم وقال :
فأبِيتُ اللَّيلَ ما أرْقُدُهُ
وبِعَيْنَيَّ إذا نَجُمٌ طَلَعْ
أي أقضِي الليل ساهراً فأرى كلَّ نجم أوانَ طلوعِه .
(13) وإذَا ما قُلْتُ لَيْلٌ قد مَضَى
عَطَفَ الأوٌلُ مِنهُ فَرَجَعْ
والحقيقة أن أول الليل لا يعطف مرة أخرى وينثني راجعًا بعد ذهابه ، ولكنَّ من يسْهَرُ الليل ويأرق ويفكر تمضي الساعات عليه بطيئة فيظن أن الليل قد كر راجعًا وقد زيد طوله.
قال الفرزدق :
يَقُولُونَ طالَ اللّيلُ واللّيلُ لم يَطُلْ
ولكنَّ من يشكُو من الحُبِ يَسْهَرُ
وقال النابغة الذبياني ، وقد تأثر شاعِرُنا سويد بقوله إذْ كان مشهورًا :
كِليني لِهَمّ ياأُمَيْمَةَ(*) نَاصِبِ
وليلٍ أُقاسيه بطِيءِ الْكواكبِ
تَطاوَل حتى قلْتُ ليس بمُنْقضٍ
وليْسَ الذي يَرْعَى النجوَم بآيبِ
توهم أنَّ النجوم بهائم ترعى وهي بطيئة هائمة وقد ذهب راعيها ولن تعود ـ فهذا تمثيل مثله لبطئها ولمراعاته لها .
(14)هذا الليل يسحب نجومه ، يجرها جراً ، وهي من بطئها كأنها حيوانات ظالعة أصابعها وجع أو جرح في الرجل فهي تظلع من أجل ذلك . والنجوم تتبع بعضها بعضا ، والنجوم المتأخرة بطيئة جداً في اتباعها للنجوم المتقدمة . ظلع بضم الظاء وتشديد اللام المفتوحة جمع ظالع ، والجمع على صيغة فُعَّل وفُعَّال مطَّرد في كل
كلمة على وزن فاعل أو فاعلة ، ولكن صيغة فُعَّال مثل كُتَّاب وعُمَّال وقُرَّاء أكثر ما تستعمل للمذكر ، وصيغة فُعَّل تستعمل للمذكر والمؤنث ، وقد تستعمل صيغة فُعَّال أحيانًا للمؤنث ؛ قال القُطَامي يتحدث عن النساء :
أبصارُهنَّ إلى الشُّبَانِ مائلَةٌ
وقد أراهُنَّ عَنِيّ غَيْر صُدَّادِ
أي غير ذوات صُدود .تواليها جمع تالٍ أي النجوم التي تتلو ما أمامها تتبعها بطيئات التَّبع أي بطيئات الاتّباع، تقول تبعت فلانًا أتبعه تبعا واتبَّعتُه اتباعا وأتْبعته أتبعه إتباعًا ـ كلها متقاربات في المعنى .
(15)ويُزَجّيِها على إبْطَائِها
مُغْرَبُ اللَّوْنِ إذَا اللَّوْنُ انْقشَعْ
أي هذه النجوم بطيئات يتبع بعضها بعضا .
ويزجيها أي يسوقها . تقول أزجيت راحلتي وزجيتها أي سقتها برفق مضارعه أزجى يُزجي ومضارع زَجَّى يُزجي.وبضاعة مُزجاة أي قليلة.
يقول الشاعر هذه النجوم البطيئات وراءها سائق يسوقها برفق وبلا إسراع هذا السائق مغرب اللون أي فيه بياض وحمرة يعني الفجر ، حين لون الليل الأسود ينقشع أي يأخذ في الزوال ثم يزول . انقشع الليل أي مضى وذهب .
أصل كلمة المُغرب في وصف الخيل للحصان الذي يكون في وجهه بياض وعند ملتقى أطرافه بجسمه حمرة ـ أي هو غريب في لونه ، والشاعر عني بالمغرب اللون الصبح ، لأن الفجر الكاذب يلوح بحمرته عموديا كذنب منتفـش ، ثم يجـيء الفجـر الصادق، وهو بياض أفقي ثم يجيء الشفق الأحمر وتنكشف الدنيا وينقشع لون الليل بسواده .
(16) راقب الشاعر النجـوم وتـذكر
أشواقه وحبه فقال :
فَدَعَانِي حُبُّ سَلْمَى بَعْدَ مَا
ذهَبَ (3)الْجِدَّةُ مِنِيّ والرَّيَع
سمى محبوبـته " سلمى " بعد أن كان
قد سماها رابعة ، الجدة بكسر الجيم وتشديد الدال المفتوحة أي الشباب الأول ، والريع بفتح الياء بعد الراء المشددة المفتوحة أي ريعان الشباب وشدته وعنفوانه .
بين لنا الشاعر هنا أنه قد تقدمت به السن وأن حبه لرابعة وهي سلمى كان في زمان الشباب ، وحينئذ بسطت مودتها ووصلها له . وهو يتذكر جميع ذلك ولا ينساه ويشتاق إلى زمانه .
(17)ولقد أحبها حبا شديداً كأنه جنون وكأنها خبلته أي أصابت عقله بجنون من حبها .
يجوز أن تقول خبلتني بدون تشديد وخبَّلَتني بالتشديد ، رُوي البيت بالوجهين. تقول خبلُه الحب يخبلُه بضم الباء في المضارع خبلاً وخبله الحب يخبله تخبيلاً .
وروي البيت أيضًا هكذا : خبَّلتنـي ثم
لمّا تُشفني بالحاء المهملة أي صادتني بحبالها أي بشرك حبها . تقول حبلتُ
الصيد أحبُله بضم الباء في المضارع.
شفاه يُشفيه وأشفـاه يشفيه ، ثلاثـي
ورباعي .
يقول الشاعر هذه المحبوبة شغفتني حبًا ، جننتني أو صادتني بحبها ولم تداوني من مرض الحب إلى الآن ففؤادي ذاهب وراءها في كل جهة متفرّق بالشوق إليها في كل أوب أي في كلّ وجه من الدنيا وفي كل مكان ـ " كلَّ أوب " أي في كل مكان. كل منصوبة على الظرفية .
(18)ثم ذكر الشاعر أن من أسباب حبه لها ، ومن الوسائل والحبائل التي اصطادته بها ، حديثها الساحر من فمها الباسم الجميل الذي وصفه من قبلُ فقال :
حُرَّةٌ تَجْلُو شَتيتًا واضحًا
كشُعَاع الشَّمْسِ في الغَيْمِ سَطَعْ
ثم قال :
أبْيَضَ اللَّوْنِ لَذِيذًا طَعْمُهُ
طَيّبَ الرّيقِ إذَا الرّيقُ خَدَعْ
والعرب تزعم أن الوَعِـل أي الثـور الوحشي الأعصم الذي في يديه بياض يكون في أعالي الجبال ، وهو سريع شديد الحذر عسير الصيد ، فالصيادون يحتالون لصيده ، وكذلك أُنثى الوعل ، ويقال لها الأُرْويَّة بضم الهمزة وسكون الراء بعدها واومكسورة بعدها ياء مفتوحة مشددة وتاء التأنيث الجمع أراوى آخرها ألف لينة . قالوا : والأروية والوعل يطربان للصوت الجميل ، فإذا أراد الصيادون صيد الوعل أو أنثاه الأروية نصبوا الأشراك وتغنوا بأصوات جميلة فيجيء الوعل وتجيء الأروية وتستمع وتطرب فيقعان في الشرك .
الرُّقية وجمعها الرقى هي ما يتداوى به الإنسان من السم والسحر . أحيانا تكون شيئًا يشرب أو نحو ذلك وأحيانًا تكون دعاء وكلمات كقراءة الفاتحة مثلا للسعة العقرب .
زعم الشاعر أنه كالوعل البري شراسة وقوة وامتناعًا ، ولكن سلمى دعته بحديثها العذب المؤثر كما تؤثر الرقية في الملسوع والملدوغ والمسحور . حديثها العذب المطرب المؤثر الذي يمكن أن يصطاد الوعـل بـه فينزل لاستماعه من أعلى الجبل.
اليَفع أي المكان المرتفع .
يقول الشاعر إنها أثرت في بحديثها الجميل المطرب الذي ينزل له من يكون صعب المنال مثلي ومثل الوعـل الجبلي فيقع في الشرك .
(19)استمر الشاعر في وصف حديث سلمى العذب فقال إنها تسمع المتحدثين إليها حديثها الحسن ولو طلبوا غيره من غيرها من الناس لم يجدوه . هي وحدها تملك هذا القول الرائع المؤثر الذي تصطاد به القلوب.
الحُدَّاث أي الذين يحدثونها . تقول هو رجل حدث بضم الدال وحدث بكسر الدال أي كثير الحديث وحدث بكسر الحاء وسكون الدال وهم حُدَّاث.
^_^