- Presentation1.zip (119.3 كيلوبايت, 59 مشاهدات)
وزارة التربية والتعليم
منطقة الفجيرة التعليمية
مدرسة دبا الثانوية
بحث بعنوان:
الدولة الإسلامية
تقديم: ليلى الصريدي
10-1
المقدمة:
الصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد و على اله وصحبه أجمعين . عرفت منذ صغري تاريخي و مجدي عرفت أن هناك أصول يجب علي معرفتها و حاولت جاهدة أن اعرف ما كنت لا اعرفه . أثارت فضولي دولة . دولة إسلامية فأحببت التعرف على تاريخها . أحببت التعرف على نشأتها على حضارتها و على أسسها. في موضوعي هذا حصلت على ما أريد و أحببت أيضا أن تشاركوني في ما عرفت. الكلمات فد لا تنتهي ولكن أتوقع أن الحبر قد بدا يجف . سأترككم مع موضوعي فأقرؤه وأتمنى أن يعجبكم..
الفصل الأول:
تاريخ الدولة الإسلامية:
الدولة الأموية : تاريخ الدوله الامويه 1
تاريخ الدولة العثمانية: MediaFire – Space for your documents, photos, videos, and music. كتاب الدولة العثمانية للكاتب: يلماز اوزتونا .. ترجمة: عدنان محمود سلمان.. تركيا – استانبول 1988 مؤسسة دبل للتمويل ص 81
حضارة الدولة الإسلامية بحث عن درس الدولة الاسلاميه وحضارتها تقرير
تاريخ الدولة الإسلامية:
تاريخ الدولة الأموية:
تنسب الدولة الأموية إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان سيداً من سادات قريش فى الجاهلية.. وكان بنو أمية من المتأخرين فى دخول الإسلام إذ أسلم أبو سفيان بن حرب عند فتح مكة.
ولكن بعد إسلامهم أبلوا فى خدمة الإسلام بلاءً حسناً وكان لهم دور كبير فى عدد من الأحداث الجسام أذكر منها دورهم البطولى فى حروب الردة، كما ساهم بنو أمية فى نشر الإسلام خارج الجزيرة العربية.
وقد كانت نشأة الدولة الأموية قصة تاريخية مشهورة إذ كان التمهيد لبدايتها فتنة شديدة قامت بين رابع الخلفاء الراشدين سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما حين عارض معاوية خلافة على بن أبى طالب بحجة أن علياً تهاون فى الدفاع عن عثمان بن عفان رضى الله عنه .
وأسفرت هذه الفتنة عن معارك عنيفة بين الجانبين استمرت حتى يوم 17 رمضان سنة 40 هجرية حين قتل أحد الخوارج الخليفة الراشد سيدنا على بن أبى طالب ..
وكان من الممكن أن تستمر هذه المحنة طويلاً لولا أن الحسن بن على الذى بويع بالخلافة بعد أبيه رضى الله عنهما تنازل عنها لمعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما حقناً لدماء المسلمين وتوحيداً لكلمتهم .. وقد كان ذلك فى عام 41 هـ الذى سمى بعام الجماعة.. وهو يعد البدء الحقيقى للدولة الأموية التى بدأت بالتحديد حين أخذت البيعة لمعاوية بن أبى سفيان بالكوفة فى حضور الحسن والحسين رضى الله عنهما يوم 25 ربيع الأول عام 41 هجرياً
منذ ذلك اليوم أخذت شجرة الخلافة الأموية فى النمو والازدهار والتفرع حتى وصل عدد فروعها إلى 14 فرعاً كان أولها:
معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه الذى تولى الخلافة فى 25 ربيع الأول سنة 41هـ (يوليو 661م) وتلاه:
يزيد بن معاوية وقد تولى الخلافة فى رجب سنة 60هـ (ابريل 680م) وتولى الخلافه بعده:
معاوية بن يزيد فى 15 ربيع الأول سنة 64هـ (نوفمبر 683م) ..
وينتمى ثلاثتهم للأسرة السفيانية التى حكمت 24 عاماً بدأت بعام 41هـ وانتهت بعام 64هـ.
وتلتها بعد ذلك الأسرة المروانية التى حكمت 67 عاماً بدأت بعام 64هـ وانتهت بعام 132هـ حين أسدل الستار على الدولة الأموية.
وكان تسلسل الخلفاء فيها كالتالى :
مروان بن الحكم
فى الفترة من 64هـ إلى 65هـ
عبد الملك بن مروان ولى الخلافة فى 27 رمضان 65هـ (مارس 685م)
الوليد بن عبد الملك ولى الخلافة فى 14 شوال 86هـ (أكتوبر 705م)
سليمان بن عبد الملك ولى الخلافة فى 15 جمادى الآخر 96هـ (فبراير 715م)
عمر بن عبد العزيز ولى الخلافة فى 10 صفر 99هـ (سبتمبر 717م)
يزيد بن عبد الملك ولى الخلافة فى 20 رجب 101هـ (فبراير 720م)
هشام بن عبد الملك ولى الخلافة فى 26 شعبان 105هـ (يناير 724م)
الوليد بن يزيد بن عبد الملك ولى الخلافة فى ربيع الثانى 125هـ (فبراير 743م)
يزيد بن الوليد بن عبد الملك ولى الخلافة فى جمادى الآخر 126هـ (ابريل 744م)
إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ولى الخلافة فى ذى الحجة 126هـ (سبتمبر 744م)
مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ولى الخلافة فى صفر 127هـ (نوفمبر 744م)
وهو آخر خلفاء بنى امية.. فقد انتهت الخلافة الأموية بمقتله فى 27 ذى الحجة 132هـ.
وجدير بالذكر أنه قد نبتت شجرة مباركة بجانب تلك الشجرة الكريمة خلال الفترة من ربيع الثانى عام 64هـ (ديسمبر 783م) إلى جمادى الأول عام 73هـ (أكتوبر 692م) حيث حكم عبد الله بن الزبير بن العوام فى الحجاز واليمن والعراق وخراسان ..
ولا ينتمى عبد الله بن الزبير إلى أى من الأسرتين السفيانية أو المروانية لكنه مع ذلك يعد الخليفة الشرعى خلال تلك السنوات التسعة برغم وجود خلافة مروان بن الحكم ثم عبد الملك بن مروان من الأسرة المروانية .
امتد عمر الدولة الأموية قرابة القرن ، وبالتحديد عاشت الدولة الأموية 91 سنة ما بين سنتى 41هـ و132هـ، وامتازت فترة الخلافة الأموية على قصرها – بالمقارنة بالخلافة العباسية – بوجود مجموعة من الحركات الفكرية والثورية كان أهمها
الشيعة:
وهم أقدم الحركات الفكرية ظهوراً.. فقد ظهروا بمذهبهم فى آخر عصر عثمان رضى الله عنه.. وهم أصحاب الرأى القائل بأولوية آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم بالخلافة.. وأحق آل البيت فى نظرهم هو على بن أبى طالب كرم الله وجهه.
ولما جاء العصر الأموى ووقعت مظالم على آل البيت وخاصة العلويين رأى الناس فى على وأولاده شهداء هذه المظالم واستغل دعاة المذهب الشيعى هذا فى الدعاية لمذهبهم.
ومع تطور الفكر الشيعى تفرق الشيعة إلى عدة مذاهب وطوائف بعضها معتدل والبعض الآخر تطرف وغالى حتى وصل إلى درجة تأليه على بن أبى طالب رضى الله عنه.
الخوارج:
تاريخ الدولة العثمانية :
قيام الدولة العثمانية (1)
* الفترة التاريخية التي سبقت قيام الدولة العثمانية حتي تحرير القدس سنة 1187 م :-
منذ إنشاء الدولة الإسلامية الأولي ودخولها مرحلة الجهاد لفتح فارس وصد إعتداءات الروم وفتح بلادهم في الشمال ومستعمراتهم في مصر إنقسم العالم إلي معسكرين هما ( الشرق – الغرب ) وصار هناك عداء متأصلا بينهما بل وتنافس شديد حتي في مجال العلوم ( طب-هندسة – فلسفة ……… ) ولكن طغي علي مظاهر هذا العداء الشق الديني فصنف الشرق علي أنه الشرق المسلم وصنف الغرب علي لأنه الغرب المسيحي وتوالت الحروب الدينية بينهما ومنذ صدر الإسلام كانت كل الحروب تقريبا هي إعتداء من الغرب وإحتلال بعض البلدان يقابله مقاومة من الشرق وتحرير لهذه البلدان وكل جانب كان يري أن هذا واجب ديني مقدس ( طبعا هكذا كان يعلن الغرب عند كل حرب يشنها علي الشرق المسلم حتي أنهم سموا سلسة من الإعتداءات علي الدولة الإسلامية بالحروب الصليبية ) ولكن كان المسلمون يرون أنه بالإضافة إلي الواجب الديني في صد الهجوم وتحرير البلاد من الإحتلال الغربي كانوا يرون أن هذا واجب وطني بقدر ما هو واجب ديني ( لا حظ أنه بعد فترة قام الغرب وأعوانه بتقوية هذا الشعور علي حساب الشعور الديني فيما يعرف بنزاع القومية والوطنيه ) .
كانت الحروب في صدر الإسلام تتم بين الدولة الإسلامية الموحدة حتي قيام الدولة العباسية ومرورا بالقطع بالدولة الأموية وهما الدولتان اللتان عاصرتا أوج التألق العربي والإسلامي وإتساع حدود دولولة الإسلام حتي حدود الصين وأوربا وأفريقية وإزدهر في عهدهما العلم حينما كانت أوربا مازالت تعيش ظلام العصور الوسطي ومحاربة العلوم وقتل العلماء بإعتبارهم رسل للشياطين .
ثم أصابت آفة التفكك والإنقسام الدولة الإسلامية وهاجم الغرب بكل قوتة متحدا الدولة الإسلامية فيما عرف بالحروب الصليبية في عهد الدولة الأيوبية بمصر والشام وأعقب ذلك ظهور دولة المماليك بمصر وفي هذه الأثناء كانت الإرهصات الأولي لقيام الدولة العثمانية حيث إستطاعوا في عام 1453 م فتح القسطنطينية ومهاجمة أوربا بلدا تلو الآخر حتي حاصروا فيينا عام 1683 م وإحتلوا بلجراد عام 1688 م وفي أثناء ذلك إستطاعوا أن يغزوا الشام ومصر ويوحدوا الدولة الإسلامية تحت راية واحدة .
ولكن كيف نشأت الدولة العثمانية ومن هم مؤسسوها وماهي مقومات الدولة التي إرتكنت عليها عند قيامها وماهي مميزاتها وعيوبها ؟
هذه أسئلة سنحاول الإجابة عليها وتقديمها لأعضاء المنتدي من المهتمين بالتاريخ حيث لاحظت عند سؤال الأخ ameerelfantom في أحد مشاركاته أيهما تفضل ( الدولة الأموية أم الدولة العباسية أم الدولة العثمانية ) أن الجميع يدلون بدلوهم عن الدولتين الأموية والعباسية ولا يقتربون من الدولة العثمانية حيث أننا وفي مراحل الدراسة قد اوفينا الدولتين الأوليين حقهما وأغفلنا عن قصد أو غير قصد تقديم المادة العلمية والتاريخية للدولة العثمانية بل وفي ظل عدد من الثورات والتي أشاعت الحس القومي أبرزنا عيوب الدولة العثمانية علي إعتبار أن آخر ملوك مصر كانت ينتمي إلي الدولة العلوية والتي تنتسب بشكل ما إلي الدولة العثمانية .
هذه مقدمة كان لابد منها لكي نبدأ سرد الأحداث عن قيام الدولة العثمانية .
* الدول التي سبقت الدولة العثمانية :-
1- الخلفاء الراشدون ( أبو بكر – عمر – عثمان – علي ) رضي الله عنهم
2- الدولة الأموية وولاتها :-
أ- معوية إبن أبي سفيان ( 661-680م )
ب- يزيد بن معاوية (680-683 م )
جـ- مروان بن الحكم (683-685 م )
د-عبد الملك بن مروان (685- 705 م )
هـ- الوليد بن عبد الملك (705- 715 م )
و- سليمان بن عبد الملك (715- 718 م )
ز- عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه (718- 720 م)
ح- يزيد بن عبد الملك (720- 724 م )
ط-هشام بن عبد الملك ( 724-743 م )
ي-الوليد بن يزيد (743-744 م )
ك- يزيد بن الوليد (744-744 م )
ل- إبراهيم بن الوليد (744-744 م )
م- مروان بن محمد بن مروان بن الحكم (744-750 م )
3- الدولة العباسية :
وظهرت الدعوة لقيام الدولة العباسية في أثناء حكم الدولة الأموية وعلي مراحل شهدت من الضعف والقوة وتراوحت ما بين ذلك حتي تولي خلافة بني أمية ثلاثة خلفاء في سنة واحدة 744 م حيث تولي يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد وهو آخر خلفاء الدولة الأموية شهد خلال الدعوة للدولة العباسية موت الداعي لها وهو محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وتولي مسئولية الدعوة بعهده ولده إبراهيم الإمام والذي قبض عليه مروان وسجنه حتي مات وتولي بعدة شئون الدعوة أخيه أبو العباس والذي أطلق عليه ( السفاح ) وكانت هذه الأحداث ما بين عامي 746- 747 م .
وفي هذه الأثناء ظهر أبو مسلم الخراساني في بلاد خراسان وأعلن الثورة علي الأمويين وحاربهم وفي سنة 749 م بويع أبو العباس (السفاح ) سمي بهذا الإسم لكثرة سفكه للدماء خليفة للمسلمين في الكوفة وحارب فلول الأمويين وبقي بالكوفة حتي وفاته وكذلك فعل الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور حتي إنشاء مدينة بغداد وكان ذلك لأن لأن العباسيين كانوا يرون أن أهل الشام أقرب لدولة بني أمية وإستمرت حرب العباسيين حتي قضوا علي فلول الأمويين ولم ينج منهم سوي من هرب إلي الأندلس مثل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك والذي أقام دولة الأمويين بالأندلس .
إذا تولي الخلافة من العباسيين ( أبو العباس السفاح – أبو جعفر المنصور – محمد المهدي بن جعفر المنصور – موسي الهادي بن محمد المهدي – هارون الرشيد بن محمد المهدي " ويعتبر الخليفة الخامس وهو أعظم خلفاء دولة العباسيين " – الأمين بن هارون – المأمون بن هارون – أبي إسحق محمد المعتصم بالله – الواثق بالله هارون بن المعتصم بالله " في عهده عظم دور الترك ووفدوا إلي بلاد العراق وتولوا الوظائف العليا في البلاد – المتوكل جعفر بن المعتصم " عاشر الخلفاء العباسيين – المنتصر بن المتوكل – أحمد المستعين بالله بن محمد المعتصم – العتز بالله بن المتوكل " ظهرت في عهده الدولة الطولونية حين إستقل أحمد بن طولون بمصر وخلفه فيها خمارويه " – المهتدي بن محمد الواثق " رابع عشر الخلفاء العباسيين –المعتمد علي الله أبا العباس أحمد بن المتوكل " في خلافته إستقل احمد بن طولون بمصر ومنع ذكر إسم الخليفة العباسي وسار إلي الشام وضم العديد من مدمها إلي دولته – أبو العباس أحمد المعتضد بالله بن الموفق بن المتوكل – المكتفي بالله بن المعتضد – أبو الفضل جعفر المقتدر بالله بن المعتضد – القاهر بالله محمد بن المعتضد –الراضي بالله ابا العباس أحمد بن المقتدر " في خلافته ظهرت الدولة الأخشيدية في مصر ستة 944 م "- المتقي بالله إبراهيم بن المقتدر – المستكفي بالله أبا القاسم عبد الله بن المكتفي – المطيع لله بن المقتدر " في عهده قامت الدولة الفاطمية بمصر سنة 968 م " – الطائع لله عبد الكريم أبو بكر بن المطيع لله " الخليفة الخامس والعشرين " – القادر بالله احمد بن الأمير إسحق بن المقتدر- القائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله " وفي عهده ظهرت دولة السلجوقيون وهم من أصل تركي من منطقة تدعي كاشغر غرب الصين " – المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن لبقائم بأمر الله – المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بامر الله " وفي عهدة كانت أول الحروب الصليبية سنة 1096 م إلي 1099 م – المسترشد بالله أبو منصور فضل بن المستظهر بالله – الراشد بالله أبو جعفر المنصور – المقتفي لأمر الله " الخليفة الثاني والثلاثين من خلفاء العباسيين – المسنجد بالله يوسف بن المقتفي – المستضئ بأمر الله أبو محمد الحسن بن المستنجد وفي عهدة أنتهت دولة الفاطميين في مصر وأعاد صلاح الدين الأيوبي الدعوة للخليفة العباسي بمصر وحارب الصليبيين – الناصر لدين الله بن المستضئ وفي عهده حرر صلاح الدين القدس في 12 أكتوبر 1187 م
حضارة الدولة الإسلامية:
مفهوم الحضارة:
الحضارة هي الجهد الذي يُقدَّم لخدمة الإنسان في كل نواحي حياته، أو هي التقدم في المدنية والثقافة معًا، فالثقافة هي التقدم في الأفكار النظرية مثل القانون والسياسة والاجتماع والأخلاق وغيرها، وبالتالى يستطيع الإنسان أن يفكر تفكيرًا سليمًا، أما المدنية فهي التقدم والرقى في العلوم التي تقوم على التجربة والملاحظة مثل الطب والهندسة والزراعة، وغيرها.. وقد سميت بالمدنيَّة؛ لأنها ترتبط بالمدينة، وتحقق استقرار الناس فيها عن طريق امتلاك وسائل هذا الاستقرار، فالمدنية تهدف إلى سيطرة الإنسان على الكون من حوله، وإخضاع ظروف البيئة للإنسان.
ولابد للإنسان من الثقافة والمدنية معًا؛ لكي يستقيم فكر الأفراد وسلوكياتهم، وتتحسن حياتهم، لذلك فإن الدولة التي تهتم بالتقدم المادي على حساب التقدم في مجال القيم والأخلاق، دولة مدنيَّة، وليست متحضرة؛ ومن هنا فإن تقدم الدول الغربية في العصر الحديث يعد مدنية وليس حضارة؛ لأن الغرب اهتم بالتقدم المادي على حساب القيم والمبادئ والأخلاق، أما الإسلام الذي كرَّم الإنسان وأعلى من شأنه، فقد جاء بحضارة سامية، تسهم في تيسير حياة الإنسان.
مفهوم الحضارة الإسلامية:
الحضارة الإسلامية هي ما قدمه الإسلام للمجتمع البشرى من قيم ومبادئ، وقواعد ترفع من شأنه، وتمكنه من التقدم في الجانب المادي وتيسِّر الحياة للإنسان.
أهمية الحضارة الإسلامية:
الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلح صلح المجتمع كله، وأصبح قادرًا على أن يحمل مشعل الحضارة، ويبلغها للعالمين، ومن أجل ذلك جاء الإسلام بتعاليم ومبادئ تُصْلِح هذا الفرد، وتجعل حياته هادئة مستقرة، وأعطاه من المبادئ ما يصلح كيانه وروحه وعقله وجسده.
وبعد إصلاح الفرد يتوجه الإسلام بالخطاب إلى المجتمع الذي يتكون من الأفراد، ويحثهم على الترابط والتعاون والبر والتقوى، وعلى كل خير؛ لتعمير هذه الأرض، واستخراج ما بها من خيرات، وتسخيرها لخدمة الإنسان وسعادته، وقد كان آباؤنا على قدر المسئولية، فحملوا هذه الحضارة، وانطلقوا بها يعلِّمون العالم كله ويوجهونه.
الفصل الثاني
*أسس الدولة الإسلامية في عهد الرسول Baladeyati.com
تأسيس الدولة الإسلامية تأسيس الدولة الإسلامية الاُولى
أسس قيام الدولة** الإسلامية گما وضحتها الهجرة النبوية
عندما ** هاجر الرسول صلي الله عليه وسلم من مكة المكرمة** إلي المدينة المنورة،** انتقلت** الدعوة الاسلامية من الدور المحلي إلي الدور العالمي،** ومن عهد مكي إلي عهد مدني،** ومن ضعف إلي قوة،** لأن بالهجرة تم انتصار الدعوة،** ولم تكن الهجرة هروبا ولا انكسارا،** وإنما كانت انطلاقا وانتصارا،** فبها انتصرت دعوة الاسلام،** وأخذت طريقها في الانتشار وبعدها دخل الناس في دين الله أفواجا**. ولذلك عبر القرآن الكريم عنها بأنها كانت انتصارا،** حيث قال الله سبحانه وتعالي** **»إلا** تنصروه فقد نصره الله اذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا**« سورة التوبة** (04).
وكون الرسول صلي الله عليه وسلم أسس الدولة الإسلامية الجديدة في المدينة المنورة علي الأسس الآتية**:
أولا**: كان الأساس الأول هو توثيق الصلة بالله تعالي،** لأن** أي مجتمع لا يكون متصلا بالله لا يكتب له النصر ولا النجاح،** ولأن الاتصال بالله يعزز أهل الحق وينصرهم نصر عزيز مقتدر وتمثل توثيق الصلة بالله ببناء المسجد النبوي الشريف الذي كان أول عمل قام به رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينة وشارك بنفسه في بناء المسجد النبوي،** ليوضح أهمية المسجد وأهمية رسالة المسجد في أداء الشعائر وتوثيق الصلة بالله سبحانه وعقد مجالس العلم والخير**.
ثانيا**: كان الأساس الثاني يتمثل في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار،** فقد آخي الرسول صلي الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار،** وجعل منهم اخوة متحابين تعاونوا وتحابوا بروح الله فأصبحوا متعاونين علي البر والتقوي،** وكان الأنصار عند حسن ظن النبي بهم،** لدرجة أن هذه المؤاخاة لم يقف أمرها عند حد المؤاخاة فحسب بل أصبحوا بها يتوارثون كما يتوارث الأبناء من آبائهم حتي نزل قول الله تعالي**: **»وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله**« سورة الأنفال** (57).
وكان من ثمرة** هذه المؤاخاة ما تميز به الأنصار من ايثار** غيرهم علي أنفسهم،** حتي ان أحدهم عندما يأتي لرسول الله صلي الله عليه وسلم ضيف ولا يجد في بيوت أمهات المؤمنين شيئا يقول**: من** يضيف ضيف رسول الله صلي الله عليه وسلم،** فيأخذه واحد من الأنصار ولا يجد سوي طعام الصبية،** فتعلل امرأته** أبناءها حتي يناموا** ويوضع الطعام وتقوم لاصلاح السراج فتطفئه حتي لا يري الضيف** أنهما لا يأكلان شيئا ليأكل الضيف وليؤثروا ضيف رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أنفسهما فإذا ما انتهي وأصبح الصباح وذهب الرجل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول** النبي صلي الله عليه وسلم له**: »لقد عجب الله** من صنيعكما بضيفكما أمس**« ونزل قول الله تعالي**: »والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون**« سورة الحشر** (9).
ثالثا**: وكان الأساس الثالث الذي أقام الرسول صلي الله عليه وسلم الدولة الإسلامية عليه هو تلك المعاهدة التي عاهد فيها المسلمين وغيرهم من اليهود والمشركين فشرط لهم وشرط عليهم وهي تعتبر أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان**.
وهذه المعاهدة تفحم بعض الذين يتشدقون بأن في الاسلام عصبية أو أن فيه عنصرية فكانت أسس الهجرة تحمل أوضح الدلائل علي تسامح الاسلام**.
رابعا**: ومن أهم الأسس أيضا العدالة التي نشرها الاسلام منذ أول لحظة والتي أمر الله تعالي بها** »إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي** أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل**« فأمر بالعدل بين الجميع فلم يقل واذا حكمتم بين المسلمين بل قال**: واذا حكمتم بين الناس ليشمل الجميع**.
وفي سبيل تحقيق العدالة بين الجميع نهي الرسول صلي الله عليه وسلم عن ظلم أحد من** غير المسلمين فقال صلي الله عليه وسلم**: »ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس أو كلفه ما لا طاقة له به فأنا حجيجه يوم القيامة**« أي انه يكون خصما لمن يظلم معاهدا أو واحدا من** غير المسلمين**.
تأسيس الدولة الإسلامية
ـ الهجرة إلى يثرب :
لكي تتكامل حركة الرسالة وتتحقق النبوّة أهدافها الربّانية المنشودة لابد أن تسدد وتؤيد بقوى الخير وعناصر تملك اليقين المطلق بالعقيدة وتنذر نفسها لتلك العقيدة وتستعد للتضحية على الدوام مع مؤهلات تصونها من الانحراف.
لقد كان علي بن أبي طالب(عليه السلام) ذلك العنصر الفذّ الذي قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي إنّ قريشاً اجتمعت على المكر بي وقتلي وإنه أوحي إليّ عن ربي أن أهجر دار قومي، فنُم على فراشي والتحف ببردي الحضرمي لتخفي بمبيتك عليهم أثري فما أنت قائل وصانع؟»
فقال علي (عليه السلام): أَوَ تَسلَمنَّ بمبيتي هناك يا نبي الله؟
قال: نعم، فتبسم علي (عليه السلام) ضاحكاً مسروراً وأهوى إلى الأرض ساجداً شاكراً لله تعالى لما أنبأه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سلامته وقال (عليه السلام): إمض لما اُمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي
وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد منتصف الليل من داره تحيط به العناية الإلهية مخترقاً طوق قوات الشرك المحيطة بداره تاركاً علياً في فراشه.
وكم كانت خيبة أعداء الله حين اقتحموا دار النبيّ (صلى الله عليه وآله) صباحاً شاهرين سيوفهم تفوح منها رائحة الموت، ويفيض الحقد من وجوههم يتقدمهم خالد بن الوليد، فوثب علي(عليه السلام) من مضجعه في شجاعة فائقة فارتد القوم على أدبارهم وتملّكتهم دهشة وذهول وهم يرون كيف خيّب الله سعيهم وأنقذ نبيّه(صلى الله عليه وآله).
وتوسّلت قريش بطغيانها بكل حيلة لتردّ هيبتها الضائعة لعلّها تدرك محمداً (صلى الله عليه وآله) فأرسلت العيون، وركبت في طلبه الصعب والذلول حتّى وضعت مئة ناقة جائزة لمن يأتي بمحمد حياً أو ميتاً. وقادهم الدليل الحاذق مقتفياً أثر قدم الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى باب غار ثور ـ حيث كان قد اختبأ فيه النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومعه أبو بكر ـ فانقطع عنه الأثر فقال: ما جاوز محمد ومن معه هذا المكان، إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا في الأرض.
وفي داخل الغار كان أبو بكر قد غلبه خوف كبير وهو يسمع صوت قريش تنادي: اُخرج يا محمد، ويرى أقدامهم تقترب من باب الغار ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «لاتحزن إن الله معنا».
وعادت قريش بخفيّ حنين فهي لم تدرك أن النبي (صلى الله عليه وآله) في الغار إذ رأت العنكبوت قد نسج بيته على باب الغار وعندها بَنت الحمامة عشها وباضت فيه.
وفي المساء التقى علي وهند بن أبي هالة بالنبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن علما بمكانه وقد أدلى النبي (صلى الله عليه وآله) بوصاياه لعلي (عليه السلام) بحفظ ذمته وأداء أمانته ـ إذ كان محمد(صلى الله عليه وآله) مستودع أمانات العرب ـ وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ويلحق به(صلى الله عليه وآله) فقال له مطَمْئِناً: «إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم عليّ، فأدِّ أمانتي على أعين الناس ظاهراً ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما»
وبعد ثلاثة أيام حين عرف النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قد سكن الناس عن طلبه، تحرّك نحو يثرب يغذو السير ولا يعبأ بمشقة مستعيناً بالله واثقاً من نصره.
وحينما وصل منطقة (قباء) تريّث فيها أياماً ينتظر قدوم ابن عمّه علي ابن أبي طالب والفواطم عليه ليدخلوا جميعاً يثرب التي كانت تموج بالفرح والبهجة لقدوم النبي (صلى الله عليه وآله) في حين دخل صاحب النبي ورفيق سفره إلى يثرب تاركاً الرسول(صلى الله عليه وآله) في قباء!
وما إن وصل علي بن أبي طالب(عليه السلام) منهكاً من تعب الطريق ومخاطره ـ حيث كانت قريش قد تعقّبتهم حين علمت بخروجه بالفواطم ـ اعتنقه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبكى رحمةً لما به
وأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بـ (قباء) عدة أيام وكان أوّل عمل قام به هو كسر الأصنام ثم أسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة فأدركته صلاة الظهر في بطن وادي (رانوناء) فكانت أول صلاة جمعة في الإسلام وخرج مسلمو يثرب بزينتهم وسلاحهم يستقبلون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويحيطون بركبه وكلٌ يريد أن يتطلع إليه ويملأ عينيه من هذا الرجل الذي آمن به وأحبه.
وما كان يمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزل أحد من المسلمين إلاّ ويأخذ بزمام ناقته ويعرض عليه المقام عنده وهو يقابلهم بطلاقة الوجه والبشر وتجنباً من إحراج أحد منهم كان (صلى الله عليه وآله) يقول: خلّوا الناقة إنّها مأمورة.
وأخيراً بركت الناقة عند مربد يعود لغلامين يتيمين من بني النجار أمام دار أبي أيوب الأنصاري فأسرعت زوجته فأدخلت رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دارها فنزل عندهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن تمّ بناء المسجد النبوي وبيته (صلى الله عليه وآله)
وقد غيّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) اسم يثرب الى (طيبة) واعتبر هجرته اليها مبدءاً للتأريخ الإسلامي
الخاتمة:
هاقد كتبت ما لدي و ها قد عبرت عن ما قرأت . وتعرفت عن دولة أثارت إعجابي و فضفضت عما في قلبي فحضارتها حضارة عريقة و تاريخها تاريخ عريق . اشجعكم ان تقرؤوا المزيد فقد يثير إعجابكم. و في الاخير لا اقول لكم سوى السلام ختام .
المراجع والمصادر:
تاريخ الدوله الامويه 1
تأسيس الدولة الإسلامية الاُولى
Baladeyati.com
بحث عن درس الدولة الاسلاميه وحضارتها تقرير
: MediaFire – Space for your documents, photos, videos, and music.
كتاب الدولة العثمانية للكاتب: يلماز اوزتونا .. ترجمة: عدنان محمود سلمان.. تركيا – استانبول 1988 مؤسسة دبل للتمويل ص 81
الفهرس:
المقدمة 2
تاريخ الدولة الأموية 4
تاريخ الدولة العثمانية 5
حضارة الدولة الإسلامية 7
تأسيس الدولة الإسلامي 10
أسس الدولة الإسلامية 11
الخاتمة 13
المصادر والمراجع 13
الدرس الثاني .. الدولة الإسلامية زمن الرسول صلى الله عليه وسلم
(نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي)
صفحه 101
نشاط
اِستخرج الفكرة الرئيسية والأفكار الفرعية من نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم
الفكرة الرئيسية:
مولد الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين في الثاني عشر من الربيع الأول فى عام 571
الفكرة الفرعية:
1- مرضعته حليمه السعديه
2- وفاة أمه وهو في سن السادسه
3- كفالة جده عبد المطلب وهو في سن السادسة
4- كفالة عمه أبوطالب وهو في سن الثامنه
صفحه 103
نشاط
اِقرأ خريطة رحلة الشتاء والصيف.ثم أجب عما يأتي:
1.سم أهم المدن التي تمر بهما طريق رحلتي الشتاء والصيف؟
الشتاء :الطائف ونجران وصنعاء
الصيف : يثرب ومدائن صالح وتبوك
2.فسر تسمية الرحلتين بالشتاء والصيف؟
لأنها كانت في فصل الشتاء والصيف
3.اِستشهد بالأيه القرأنية الدالة على هاتين الرحلتين؟
سورة قريش((لإيلاف قريش إلافهم رحلة الشتاء والصيف))
4. أي الطريقين أقصر في الوصول إلى بلاد الشام؟
الطريق الساحلي
نشاط
من خلال إسهامات الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل البعثة:
*اذكر الأخلاق النبيلة التى اتصف بها العرب قبيل الإسلام.وأهلتهم لحمل دعوته الساميه.
الذكاء – الفطنه –الكرم – الشجاعه – الوفاء بالعهد – قوة البدن – الصدق
*كيف أثرت مهمنتا الرعي والتجارة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
علمته الصبر والتواضع وتحمل المسؤولية
صفحه 105
نشاط
تخيل نفسك ممن عانوا من اضطهاد قريش في بداية الدعوة الإسلامية .صف مشاعرك وموقفك من هذا الإضطهاد.
التعب والصبر والثبات على الدين
صفحة 106
نشاط
لماذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة؟
1- تعذيب قريش للمسلمين
2- وجود ملك عادل
نشاط
اِستعن بمعلوماتك السابقه في تحديد عدد الذين أسلموا في بيعتي العقبه الأولى والثانية
بيعة العقبة الأولى:اثنى عشر رجل
بيعة العقبة الثانية :ثلاثة وسبعون رجل وإمراءتان
صفحه 107
مراجعة الدرس
الفهم والإستيعاب
1.بين النتائج التى ترتبت على كل مما يأتي:
أ.بدء دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمرحلة السرية
1- تقويه الإيمان في نفوسهم
2- التعويد على التدريب الروحي وبذل نفس في سبيل الله
ب.هجرة المسلمين إلى الحبشة
الشعور بالعدل والأمان
2.وضح العلاقة الترابطيه بين مكة وبيت المقدس في حادثة الإسراء والمعراج.
هي أماكن مقدسة لدى المسلمين
تم بحمد الله تعالى وانتهى الدرس
ولا تنسوا الدعاء لي ولوالدي بالتوفيق في الدنيا والأخرة
يارب اكون افدك
المقدمة
كان العرب أتباعاً، فأصبحوا أسياداً. وكانوا قبائل متناحرة، فأصبحوا إخواناً ينصر بعضهم بعضاً. كان يحنون رؤوسهم لكسرى وقيصر، ثم أصبحت جيوش كسرى وقيصر تفر من أمامهم. حصل هذا التحول بفعل سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وتأييد الله له. في هذا الموضع سنشير إلى صفات الرسول الكريم القيادية، وكيف تمكن من إجراء هذه التحولات الكبيرة في حياة العرب.`
لابد أننا نجزم ونؤكد على أن رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- هو رجل الدولة الأول: سياسياً وعسكرياً. وفي كل مرة كان في القمة التي لا يرقى إليها أحد وهو الأمي الذي لا يعرف قراءة ولا كتابة مما يدل على أن المسألة هنا ربانية المبدأ والطريق والنهاية.
السياسة جزء من الحياة ،لا يمكن الاستغناء عنها،ولما جاء الإسلام جعل السياسة جزءًا أصيلاً لا يتجزأ ولا ينفصل عن الدين ،فمارس الرسول صلى الله عليه وسلم العمل السياسي منذ الأيام الأولى من الدعوة إلى الإسلام ،كما أنه عقد المعاهدات ،وأبرم الاتفاقات ،أنشأ الصلح ،وساس الأمة بتشريع ودستور لا مثيل له ،ونظم الجيوش التي تدافع عن الأرض والعرض ،وفتح الله على يديه كثيرًا من البلدان ،فقضى بسياسته الحكيمة على مظاهر الفساد والإلحاد ،ووضع بما أوحى الله عليه ،للناس طريقًا مستقيمًا ،يضمن لهم السعادة في الدنيا ،والنجاة في الآخرة.
والمقصود بالسياسة في العرف والاصطلاح الشائع اليوم هو: (قيادة الناس والاهتمام بالأمور العامة، وشؤون الحكم، وعلاقات الدول بعضها ببعض).
المـــوضـــوع
سياسته في بناء الدولة:
أ_دولة عقدية: الدولة المثلى هي الدولة التي لا تقتصرُ أهدافُها على توفير الرفاهية الماديّة لشعبها، بل التي تجعلُ في طليعة أهدافها بناءَ شعبها بناءً فكرياً سليماً، لأنه بالفكر السليم تبنى الحضارات، وترقى العلوم، وتُحلّ جميع المشكلات، وتتقدم الأمم.
والعقيدة هي المنطلق الأساسي لكلّ فكر، فإذا ما سلِمت العقائد، وأتت موافقة لأصول التفكير السليم أمكن بعدها بناءُ الفكر بناءً سليماً، أما إذا فسدت العقائدُ وأتت مناقضة لأصول التفكير السليم، أصبح الفكرُ بعدها مسرحاً للخُرافة، تجد لها فيه موطناً، وإذا سادت الخُرافة _ونعني بها: اعتقاد ما لا يقبَلُه العقل _ تخلَّفت العلومُ وتدنَّت الأمم.
ولذلك عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بناء دولةٍ عقدية، تتبنى عقيدة بنّاءة، وتعمل _بغير إكراه _ على أن يكون شعبها مؤمناً بعقيدتها، وعلى أن تؤمن الشعوبُ في الدول الأخرى بهذه العقيدة، لأن هذه الشعوب رغم وجودها تحت سيطرة دولٍ أخرى _كافرة _ فإن ولاءها سيكون لدولة الرسول التي يحملون عقيدتها، وستنحاز لدولة الرسول إذا ما نشبت الخصومةُ بين دُولهم ودولة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما فعله المستضعفون الذين كانوا يحملون عقيدة التوحيد ويقيمون في مكة تحت حكم المشركين من قريش.
ب_ قيام الدولة على قواعد شعبية مؤمنة: إن أية دولةٍ لا تقوم على قاعدةٍ شعبيةٍ واسعة تؤمن بها، وتُنفذُ بكلّ إخلاصٍ نُظُمها، وتدافع بكل تفانٍ عنها، هي دولة لا تملك مقوّمات وجودها، ولا تسير في الطريق الذي يُحقّقُ لها وجودها، وهي دولة لا تلبث أن تنهار عند أول صدمةٍ وإن بدت لنا من الخارج قويةً متماسكة، وتُعتبر بدايةُ النهاية للدولة انقلابُ شعبها إلى مجموعةٍ من المنافقين للدولة، يظهرون الإيمان بها، ويبطنونَ الكفر بها، أو مجموعةٍ من المقهورين لا يملكونَ في قلوبهم ذرةَ ولاءٍ للدولة.
ولذلك رفض رسول الله أن يقيمَ دولته العقديّة على قواعد شعبية غير مؤمنة بها عندما قدم إليه عتبةُ بن ربيعة، يفاوضه ويعرضُ عليه ما غلب على ظنه أن محمداً يطمح إليه، عرض عليه المال والسيادة والملك، فقال له: "يا محمد إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر _الإسلام _ مالاً، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريدُ به شرفاً سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريدُ به مُلكاً ملَّكناك علينا".
ولذلك راح رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعدُّ القواعد الشعبية المؤمنة قبل إقامة الدولة، حتى إذا ما قامت هذه الدولةُ أخذت هذه القاعدة الشعبيّة المؤمنةُ تدير أجهزة الدولة بكفاءةٍ وإخلاصٍ، وتدافع عنها بفدائيةٍ لا نظير لها.
ج_ مكان إقامة الدولة: لما جعل الرسولُ يبحث عن المكان الذي يقيم فيه الدولة الإسلامية، أخذ يبحث عن مكان ذي مواصفات معيّنة، لا أيّ مكان. ومن هذه المواصفات:
1_ وجود الموارد الطبيعية التي تؤمِّنُ الكفاية الذاتية والرخاء الاقتصادي.
_2 اتصافُ أهلا بالفروسية والنجدةِ، والخبرة بالحرب وتأهلهم لها.
_ 3الموقع الاستراتيجي.
والمكانان اللذان توجهت أنظارُ رسولِ الله إليهما لإقامةِ دولةِ الإسلام فيهما _وهما: الطائف والمدينة المنورة _ تتوفر فيهما هذه الصفات الثلاثة.
سياسته الداخلية:
يمكننا أن نلخّص سياسة الرسول الداخلية بما يلي:
أ_ سيادة الدّولة على أراضيها: لقد أعلن رسولُ الله سيادةَ الدولة الإسلامية على أراضيها يوم أمرَ بلالاً يؤذِّن بما رآه عبدُ الله بن زيد بن ثعلبة في نومهِ من ألفاظ الأذان، وإني مع إقراري وإيماني بأنّ الأذان دعوةٌ للصلاة، إلاّ أني أسمعُ بأذني داخلي صوت عقلي يقول: إن للأذان معنى آخر ومهمة أخرى غير مهمة الدعوة للصلاة، إنه إعلانٌ رسميّ صادر عن مقر الدولة الرسمي _المسجد _ بقيام دولة الله في الأرض، وإعلان سيادتها عليها بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد أن تجاوزت كل العقبات التي وضعها العتاةُ الظلمة في طريقها، وفاق تدبير الله كلّ تدبير، وفاقت قوته كل قوّة.
تأمّل إن شئت أول كلمات الأذان "الله أكبر… الله أكبر" إنها تعني أن الله تعالى أكبر من أولئك الطغاة، وأكبرُ من صانعي العقبات، وهو الغالب على أمره… "أشهد أن لا إله إلاّ الله" أي لا سيادة في دولة الإسلام لغير الله، ولا حكم إلا له (إن الحُكْمُ إلاّ لله)
وأعلن رسول الله هذه السيادة حين منع أن يُتحاكمَ في أرض الإسلام لأي نظام عام غير النظام العام للدولة الإسلامية، وقد نصت المعاهدة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود على هذا، حيث جاء فيها: "… وإنه ما كانَ بينَ أهلِ هذه الصحيفة من حدثٍ أو اشتجار يُخافُ فسادُه فإن مردَّه إلى الله عزّ وجلّ وإلى محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبَرّه".
ب_ جمع ما أمكن من الكفاءات المخلصة في الدولة: تعيشُ الدولة وتنمو وترقى بالكفاءات المخلصة فيها، وكلما كثرت هذه الكفاءات كلما ازدادت الدولة رقيّاً، فإذا فرّت هذه الكفاءاتُ منها أو ندرت لسبب من الأسباب أخذت الدولةُ بالتقهقر والتخلُّف.
ولذلك كان رسولُ الله حريصاً على استقدام كلّ الكفاءات المخلصة لتساهمَ في بناء دولة الإسلام ورُقيّها وازدهارها، فجعل اللهُ تعالى هجرة المؤمنين إلى المدينة المنورة _مقرّ الدولة الإسلامية _ فرضاً بقوله تعالى في سورة النساء/97: (إن الذينَ توفّاهمُ الملائكةُ ظالمي أنفُسُهم، قالوا فيمَ كنتم؟ قالوا: كنّا مستضعفين في الأرض، قالوا: ألم تكنْ أرضُ الله واسعةً فتهاجروا فيها؟! فأولئك مأواهم جهنّمُ وساءت مصيراً(
ج_ امتصاصُ الحقد: رئيسُ الدولة العبقري هو الذي يعرفُ كيف يمتصُّ حقد الحاقدين من شعبه، ويقتلعه من قلوبهم، ويُحلُّ مكانه الحبّ والاحترام، وهذا ما دأب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
انظر إلى تصرفه مع أبي سفيان قائد حرب قريش الذي ملأ الحقدُ قلبه على محمد، لأنه تصوّر أن محمداً سيسلبُهُ الشرف الذي هو فيه. لقد امتصّ رسولُ الله بتصرفه الحكيم هذا الحقدَ من قلبه، وأكّد له أن الإسلام لا يزيد العزيز إلاّ عزاً، وذلك عندما أعلن يوم فتح مكة: أن من دَخَلَ دار أبي سفيان فهو آمن.
وانظر إلى تصرفه مع أهل مكة حين جُمعوا له بعد فتحها، فخطبهم وأعلن عليهم مبادىء المساواة التي جاء بها الإسلام، وأنه لا غالب أكرم من مغلوبٍ لأنه غَلَب… ثم منحهم حريتهم حيث قال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر قُريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظُّمها بالآباء، الناسُ لآدم، وآدمُ من تراب (يا أيُّها الناسُ إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكُمُ شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنَّ أكرمكم عندَ اللهِ أتقاكم).
يا معشر قريش ما ترون أني فاعلٌ بكم؟
قالوا: خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم.
قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء".
وانظر إليه حين جمعَ من تمكنت في قلوبهم أحقادُ الجاهلية ولم يصفُ فيها الإيمان بعدُ في الجعرَّانة وأخذ يُغدق عليهم من الأموال ما انتزعَ آخرَ قطرةٍ من حقدٍ على الدولة الإسلامية في قلوبهم.
د_ تطييب القلوب: قد يضطر رئيسُ الدولة أن يتصرفَ تصرفاً يخرج فيه عن المألوف، أو يخالف به سنن القياس لمصلحة عليا يراها، حتى يُظن أنه منعَ الخيرَ عمن يظن بأن له حقاً في هذا الخير، وفي هذه الحالة لابد له من بيان وجه المصلحة في تصرفه هذا لمن تضرّروا من هذا التصرف، ولابد من تطييب قلوبهم، لأن كسب القلوب هو أثمن ما يحصلُ عليه رئيس الدولة، وقد كان رسولُ الله يفعلُ هذا ويحرص عليه، فإنه عليه الصلاة والسلام ما أن يلاحظ تذمُّراً أو عدم رضىً من شعبه لموقف من المواقف أو تصرف من التصرفات حتى يسرع لبيانه وتطييب قلوب الشعب.
انظر تصرفه يوم دخل سعد بن عبادة _في الجعرانة _ على رسول الله فقال: يا رسول الله إن هذا الحيّ من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك _ يريد أهل مكة_ وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكُ في هذا الحيّ من الأنصار منها شيئاً، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله، ما أنا إلاّ من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة…
فأتاهم رسول الله فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:
"يا معشر الأنصار، ما قالةً بلغتني عنكم، وجدةً وجدتموها عليّ في أنفسكم، ألم آتكم ضُلاّلاً فهداكُم اللهُ، وعالةً فأغناكُم اللهُ، وأعداءً فألّف بين قلوبكم؟.
قالوا: بلى يا رسول الله، واللهُ ورسولُه أمنّ وأفضل.
قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟
قالوا: بماذا نجيبُك يا رسول الله، للهِ ولرسوله المنُّ والفضلُ.
قال: أما والله لو شئتم لقلتم، فلصدقتُم ولصدّقتم: أتيناك مكذّباً فصدَّقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك.
أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم على لعاعة من الدنيا تألّفتُ بها قوماً ليُسلموا، ووكلتُكُم إلى إسلامكم؟ ألا ترضونَ يا معشر الأنصار أن يذهبَ الناسُ بالشاةِ والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم، فوالذي نفسُ محمدٍ بيده لولا الهجرةُ لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك النّاس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحمِ الأنصارَ وأبناءَ الأنصار، وأبناءَ أبناءِ الأنصار".
وسمع الأنصارُ ما قال رسولُ الله، ورسموا -بسرعة البرق _ صورةً ذهنيةً لما قاله رسول الله "قومٌ يُشرون بالإيمان، يقابلُهم قومٌ يشرون بالجمال" و "قوم يصحبهم رسول الله يقابلهم قوم يصحبهم الشاةُ والبعير" وتوقظهم الصورةُ من إغماءةٍ فكرية كانوا فيها، ورسول الله ماثلٌ أمامهم، ويدركون أنهم وقعوا في خطأٍ ما كان لأمثالهم أن يقع فيه، فتنطلق حناجرهم بالبكاء ومآقيهم بالدموع ويصيحون: رضينا برسول الله قسماً وحظّاً.
فهل رأيت سياسياً في الدنيا رقي في سياسته الشعوب المرقى الذي رقاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .
ه_ الاستقرار الداخلي: كلّ دولةٍ لا يتهيأ لها الأمنُ والاستقرارُ الداخلي تبقى في اضطراب دائم يمنعها من بناء ذاتها، ويُضعفها عن الوقوف في وجه عدوّها. ولذلك كان رسول الله صلوات الله عليه حريصاً على هذا الاستقرار الداخلي في دولة الإسلام، وقد توجّه رسولُ الله إلى إيجاد هذا الاستقرار في المدينة المنورة بعد أن وطئتها قدماه، فعقد فيها معاهدةً مع اليهود تضمنُ هذا الاستقرارَ، لأن اليهود يمكن أن يكونوا مصدر إزعاجٍ للدولة، وقد جاء في هذه المعاهدة: "أن اليهود أمةٌ مع المؤمنين، لليهود دينُهم، وللمسلمين دينُهم، مواليهم وأنفسهم، إلاّ من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ _أي: يهلك _ إلاّ نفسه وأهل بيته… الخ".
وكان رسول الله لا يرى حرجاً في تقديم بعض التنازلات السياسية غير العقدية في سبيل إيجاد الاستقرار في الدولة، ونجد هذا في موقفه المتكرر مع رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول.
فقد كان ابن سلول ذا مكانة مرموقةٍ في المدينة المنورة، فقد قدم رسول الله المدينة وإن قومه لينظموا له الخرز ليتوّجوه عليهم عليهم، وكان له فيها أتباع عدا هؤلاء، يضمّون جميع الحاقدين والمتآمرين والسّفلة، فكانوا يأتمرون بأمره، وكانوا كثر، حتى أنه هب في يوم من الأيام لحمايته سبعمائة مسلَّح منهم، ورجع يوم أحد بثلث الناس، فهو إذن ليس بالهيّن، ولذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يهيج ابن سلول، لأن في إهاجته إهاجةً للقلاقل، وعصفاً بالاستقرار الداخلي في الدولة، فقد استجاب عليه الصلاة والسلام لرغبته يوم بني قينقاع، وذلك انه عندما نزل بنو قينقاع على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قام ابنُ سلول إلى النبيّصلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أحسن في مواليّ، واساء الأدب مع رسول الله، وغضب رسول الله حتى رأوا لوجهه ظللاً، واستجاب لمطلبه، فخلى سبيل بني قينقاع، وأجلاهم عن المدينة المنورة.
ولما مكّن الله رسوله عليه الصلاة والسلام من بني النضير، ساندهم ابن سلول وجماعته، فعفا رسول الله عنهم وأجلاهم عن المدينة المنورة إيثاراً للعافية، وحفاظاً على الاستقرار الداخلي في الدولة.
وبعد أن فرغ رسولُ الله من عدوّه في غزوة بني المصطلق تزاحم رجلان أحدهما من الأنصار والآخر من المهاجرين على الماء، فاستغل ذلك ابنُ سلول وأوقد ناراً للفتنة بين المهاجرين والأنصار فقال _وهو جالس في قومه _ أوَفَعَلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا _يريد المهاجرين _ والله ما نحن وجلابيبُ قريشإلا كما قال الأول: سمّن كلبك يأكُلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ… ثم أقبل على من حضره من قومه فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غيرِ داركم.
وأخمد رسول الله نيران هذه الفتنة التي كادت أن تقسم الناس إلى كتلتين متحاربتين، أخمدها بعبقرية نادرة، وذكاءٍ منقطع النظير، حيث أمرَ الناس بالمسير، فمشى بهم يومهم ذلك حتى امسى، وتابع المشي بالليل حتى أصبح، وتابع المشي في اليوم الثاني حتى الضحوة الكبرى، دون أن يمكنهم من الاستراحة، فنسي الناسُ الفتنة، واشتغلوا بأنفسهم، ولم يعد لهم حديث إلاّ التّعب.
قد يقول البعض: إن الحفاظ على الاستقرار الداخلي بهذا الأسلوب ضعفٌ في الدولة، وكان على رسول الله أن يقطع رأس الأفعى، لا أن يملّس جلدها، ولكن سياسة رسول الله مختلفة، ونظرته إلى الأمور أبعد، إنه ينظر إلى أن قطع رأس الأفعى التي لها فراخ يولّد الكرهَ له في فراخها، وهو عليه الصلاة والسلام يريد أن يسوسَ شعب دولته بالحب لا بالسيف، فحيثما أمكن نثر بذور الحب امتنع استعمال السيف، وهذا ما جعل شعب دولة الإسلام متفانياً في الدفاع عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم وعن دولته.
سياسته الاقتصادية:
أ_ استنباط الثروات الطبيعية: الثروة الحقيقة هي الثروة التي تشكل زيادة في الدخل العام للدولة، واستنباطُ المعادن من جوف الأرض، واستنبات الزّرع بأنواعه في الأرض من هذه الثروة الحقيقية، ولذلك تبنّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سياسة التشجيع على الزراعة عندما قال: "ما من مُسلم يغرسُ غرساً أو يزرعُ زرعاً فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلاّ كان له به صدقة".
ولما أراد رسول الله أن يُجلي يهود خيبر عن أرضهم قالوا له: دعنا نكون في هذه الأرض نُصلحُها ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم _ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمانٌ يكفونهم مؤنتها _ فدفعها إليهم، على أنّ لرسول الله الشطر من كل شيء يخرج منها من ثمر أو زرع، ولهم الشطر، وعلى أن يقرهم فيها ما شاء.
فنحن نرى ان رسول الله ما ترك أهل خيبر في أرضهم إلا لحرصه على تنشيط الزراعة واستغلال الأراضي الزراعية أحسن استغلال.
وليس هذا فحسب، بل عمل رسول الله على أن لا يبقي في دولة الإسلام أرضاً ميتة غير مستغلة فقال: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" وقال: "من أحيا أرضاً قد عجزَ صاحبُها عنها وتركها بمهلكة فهي له".
ب_ عدم امتلاك ما تعلق به نفعٌ عام: المعروف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرَّ الملكية الفردية بشروطها المعروفة، ولكنه لم يُبح امتلاك عينٍ تعلقت بها منفعة عامة للمسلمين، كالمساجد والطرقات والمراعي والممالح ونحو ذلك، فقد وفد أبيضُ بن حمّال إلى رسول الله فاستقطعه الملح الذي بمأرب، فقطعه له، فلما أن ولّى قال رجلٌ من المجلس: أتدري ما قطعت له يا رسول الله؟ إنما قطعت له الماءَ العِدَّ، قال: فانتزعه منه، لأن الملحَ مما يتعلق به نفعٌ عام، ولا يستغني عنه أحدٌ وهو من صنع الله لا دخل لحد في صنعه.
وسأل ابيضُ بن حمال رسول الله أني يعطيه شجر الأراكِ في البراري، فأعطاه ما بَعُدَ عن العمارة منه فلا تبلغه الإبلُ السّارحةُ إذا أرسلت في المرعى، لأن القريب منه يتعلق به نفع عام، حيث يحتاجه الناس لتنظيف أسنانهم.
وطلب حُريث بن حسان _وافدُ بني بكر بن وائل _ حين وفد على رسول الله أن يخصص لبني بكر أرضاً لا يدخلها من بني تميم إلا مسافر أو مجاور، فقال رسول الله: اكتب له يا غلام بالدهناء، فقالت لرسول الله امرأة: يا رسول الله، إنه لم يسألك السّوية إذ سألك، إنما هذه الدهناء عندك مُقيّد الجملِ ومرعى الغنم، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك، فقال رسول الله: "أمسك يا غلام، صدقتِ المسكينة، المسلمُ أخو المُسلمِ يسعهما الماءُ والشجر، ويتعاونان على الفتان" أي الشيطان
ج_ التوجيه نحو العمل: نظراً لانتشار الرقيق وكثرته في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان كثير من الأحرار يأنفون من مزاولة المهن اليدويّة، بل كانت تسميتهم العمل اليدوي بالمهنة تعبيراً عن أنَفَتِهم منه.
ولكن رسول الله رأى أنه لا تقومُ دولةٌ ولا يُبنى اقتصادٌ إلا بالعمل اليدوي الذي يمارسه أهل البلاد، وإن الاعتماد في الاقتصاد على أيدٍ غريبة يعرّض الاقتصاد إلى هزات عنيفة ليست في مصلحة الدولة أن تتعرض لها، ولذلك كان رسول الله يوجّه أصحابه المؤمنين نحو العملِ اليدوي ويقول: "من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له".
د_ عدالة الأسعار: وكان رسول الله يعملُ على استقرار الأسعار، ويمنعُ من التلاعب بها عن طريق التغرير بالبائعين وشراء السلع منهم قبل تعرفهم على السّعر الحقيقي لها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي البُيوع، أو عن طريق الاحتكار، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "من احتكرَ طعاماً أربعين يوماً يريدُ به الغلاء فقد برىء من الله وبرءَ اللهُ منه".
ه_ إعادة توزيع الثروة توزيعاً عادلاً: وقد سلكت إعادة التوزيع هذه طرقاً متعددة تهدف كلها إلى إتاحة فرصة الحصول على المال للفقراء، ففي السنوات الأولى من الهجرة كان رسولُ الله يُرسل إلى الغزو من المهاجرين أكثر مما يرسل من الأنصار، لعلهم يحصلون على شيء من الغنائم يُحسنون به وضعهم الاقتصادي، بل كان عليه الصلاة والسلام يبعثُ بُعوثاً كلها من المهاجرين كبعث عبيدة بن الحارث إلى ثنية المرة، وبعث سعد بن أبي وقاص إلى الخرار، وبعث عبد الله بن جحش إلى نخلة، وغزوة العشيرة وغيرها من السرايا والغزوات.
وكانت الزكاة، وزكاة الفطر، وحظ الفقراء من خُمس الفيء، والصدقات، والكفّارات تساهمُ مساهمةً فعّالة في ردمِ الفجوة الاقتصادية بين فئتين من الناس هما: الأغنياء والفقراء، ولم يمض زمنٌ طويلٌ حتى رُدمت هذه الفجوة، وارتفع الفقراء إلى مصاف الأغنياء حتى لم يجدوا في اليمن في زمن عمر بن الخطاب من يَقبلُ الزكاة.
سياسته الخارجية:
أ_ معرفة خصائص ومزايا الشخصيات القيادية عند العدو: كان رسول الله حريصاً على معرفة خصائص ومزايا الشخصيات القيادية عند العدو، وكان هذا يساعدهُ كثيراً في اختيار التصرّف الأمثل تجاه كل شخصية من هذه الشخصيات.
ففي صلح الحديبية قدم على رسول الله موفداً من العدوّ "مُكرِز بن حفص بن الأخيف" فلما رآه رسول الله مقبلاً قال: هذا رجلٌ غادر.
ثم أقبل عليه "الحُليس بن عَلقمة" فلما رآه رسول الله مقبلاً قال: إن هذا من قوم يتألّهون _أي يعظمون الله _ .
ثم أقبل عليه "سهيل بن عمرو" فلما رآه الرسول مقبلاً قال: قد أراد القوم الصُّلح حين بعثوا هذا الرجل…
وإذا عرف خصائص كل شخصية، ساسها بما يناسبها، وبما يدفعُ شرّها عن الدولة، فهذا الحليس لمّا عرف رسول الله بأنه رجل متدين، أمر عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن يبعثوا الهدي في وجهه حتى يراه، ولما رأى الحُليس الهدي _الأنعام المهداة لفقراء الحرم _ يسيلُ عليه من جوانب الوادي في أعناقه قلائدهُ، رجع إلى قريشٍ ولم يصل إلى رسول الله، إعظاماً لما رأى، وأخبرهم بالذي رآه، وأخبرهم بأن عليهم ان يخلُّوا بين محمد وبين الكعبة.
ولما قال له زعماء المشركين: اجلس إنما أنت اعرابي لا علمَ لك، غضب وقال: يا معشر قُريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أيصدُّ عن بيت الله من جاء مُعظّماً له!! والذي نفس الحليس بيده لتُخلُّن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد.
وهكذا استطاع رسول الله بتصرفه الحكيم _حين عرف خصائص الحليس _ أن يشقّ عصا قريش ويوقع الخُلف بينها وبين حلفائها من الأحابيش.
ب_ إقناع العدو بقوة الدولة الإسلامية: إذا استطاعت الدولة أن تُقنع عدوّها بقوتها، بل بأنها أقوى منه، وأوقعت الرعب منها في قلبه، أمكنها أن تحسم كثيراً من المواقف قبل الخوض فيها، ومن هنا كان يقول عليه الصلاة والسلام: "نُصِرْتُ بالرعب" ويعمل جاهداً على إقناع عدوّه بقوته، وقد نجح رسولُ الله في ذلك ايما نجاح، حتى وصلت هذه القناعة إلى دولة الروم، فإنها لما جمعت له الجموع في تبوك، سار إليها رسول الله، وما أن وصل رسولُ الله تبوكاً حتى رأى جموع الروم قد انصرفت عنها، متحاشية الصّدام معه.
وإذا كان الرعب قد دبّ في قلب الروم فما بالك بقلوب قبائل العرب، إن قلوبها ترتعد فرقاً عندما تسمعُ بقدوم جيش المسلمين، فتفر من وجهه إذا وجدت فرصة للفرار، وقد أحصينا من المواقف التي فرّ فيها العدو بمجرد سماعهِ بمقدم جيش المسلمين مايلي:
غزوة السويق _ غزوة بني سُليم وغطفان في قرقرة الكُدر _غزوة غطفان بذي أمر _ غزوة بني سُليم بالفرع من بحران _ سرية زيد بن حارثة إلى القردة من مياه نجد _ غزوة حمراء الأسد _ غزوة بدر الأخيرة _ غزوة دومة الجندل _ غزوة بني لحيان _ غزوة ذي قرد _ سرية عكاشة إلى الغمر _ سرية أبي عبيدة إلى ذي القصة _ سرية زيد بن حارثة إلى الطرف _ سرية علي بن أبي طالب إلى فدك _ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة _ سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يُمن وجبار من أرض غطفان _ سرية عُيينة بن حُصن إلى بني تميم _ سرية علقمة بن محرز إلى الحبشة الذين نزلوا بجدة.
ولولا نجاح رسول الله في إقناع أعدائه بقوة الدولة الإسلامية لما وصل إلى هذه النتائج المرضية، ولما وفّر على جيشه كثيراً من المعارك الحربية التي تكلّف الكثير من المال، ويضحي فيها بكثير من الرجال.
ج_ احتواء العدو: إن سياسة الاحتواء لا يقدر عليها إلا السياسي الماهرُ الذي أعطاه الله من ضبط النفس ومخالفة الهوى الشيء الكثير، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمارسُ سياسة الاحتواء هذه على أدقّ ما يمكن أن تمارس فيه، وتظهر لنا هذه السياسة البارعة كأحسن ما تكون في احتواء رسول الله لقائد تجمُّع المشركين في أوطاس وحنين "مالك بن عوف"، ومالُ "مالِك" وأهله في الغنائم عند رسول الله، فقال رسول الله لوفد هوازن _قوم مالك _ حين وفدوا عليه: ما فعل مالك؟ قالوا: هو بالطائف مع ثقيف، فقال رسول الله: أخبروا مالكاً أنه إن أتاني مُسلماً رددتُ عليه أهله وماله وأعطيته مائةً من الإبل. فأخبر مالكٌ بذلك، فخرج سراً من الطائف، ووفد على رسول الله علناً إسلامه وولاءه.
د_ السلم والحرب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثرُ حلّ مشكلاته مع أعدائه بالطرق السلمية، ويتحاشى الصدام المسلح وإراقة الدماء ما استطاع، وهذا ما شاهدناه منه عليه الصلاة والسلام عندما حلّ المدينة المنورة وفيها من اليهود الحاقدين جماعات غير قليلة، فلم يبدأهم رسول الله بالحرب، بل عقد معهم معاهدةً سياسية جمّدت عدواتهم إلى حين.
ولكن قد يستحيل حل المشكلات بالطرق السلمية، وتكون الحربُ اللغة الوحيدة التي يتعين على الخصوم التكلم بها، وفي هذه الحالة كان ينظر رسول الله: فإن رأى أن بإمكان جيشه بكفاءته الحاضرة انتزاع النصر، لم يتلكّأ رسول الله في خوض الحرب، ولكنه إن رأى أن المعركة خاسرةً، وانه لا أمل فيها بالنصر لجأ عليه الصلاة والسلام إلى كسب المعركة بالدّهاء السياسي لا بحد السلاح، وكثيراً ما يكون الدهاء السياسي لمن رُزِقَه أمضى وأجدى من كل سلاح.
لقد بلغ رسول الله أن تحالفاً عسكرياً قد عُقد بين قريش في جنوب المدينة المنورة ويهود خيبر في شمالها، الغاية منه وضع الدولة الإسلامية بين فكّي الكماشة ثم الإطباق عليها، لإنهاء الوجود الإسلامي في يثرب، لم يكن في مقدور رسول الله أن يكسر هذا الحلف عسكرياً، لذلك لجأ إلى الدّهاء السياسي حين خرج مظهراً أنه يريدُ العمرة، وكان مما قاله عليه الصلاة والسلام: "لا تدعوني قريشٌ إلى خطةٍ يسألونني فيها صلة الرّحم إلا أعطيتهم إياها…" ثم كان صلحُ الحديبية الذي كسرَ فيه الرسول هذا التحالف.
ويوم الأحزاب تحالفت قوى الشر على رسول الله: قريش، وغطفان وبنو قُريظة. ولم يكن آنذاك في مقدور رسول الله أن يواجه هؤلاء مجتمعين، لذلك فكّر رسول الله بكسر هذا التحالف بالدّهاء السياسي، فبعث إلى قائدي غطفان: "عُيينة بن حصن" و "الحارث بن عوف" وعرض عليهما ثلث ثمار المدينة المنورة إن هما تركا قريشاً ورجعا بما معهما من الناس، ولكن هذا الاتفاق لم يلبث أن فَشِل لعدم موافقة زعماء الأنصار عليه، مما جعل رسول الله يفكر بأسلوب سياسي آخر استغلّ فيه مجيء نُعيم بن مسعود الأشجعي معلناً إسلامه _ونعيم ذو خبرة في تخذيل المحاربين _ فاتفق معه على مخطط، وأمره بتنفيذه، فخرج نُعيم حتى أتى بني قريطة _وكان لهم نديماً في الجاهلية _ فقال: يا بني قُريظة، قد عرفُتم ودّي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت، لست عندنا بمتّهم، فقال لهم: إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم، البلدُ بلدُكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون أن تتحوّلوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمدٍ واصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن كان النصرُ أخذوا الغنائم، وإن كانت الهزيمة لحقوا بلادهم وخلُّوا بينكم وبين محمد، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهائن من أشرافهم يكونون بأيديكم حتى يكونوا معهم حتى النهاية.
فقالوا: قد اشرت بالرأي.
ثم خرج من عندهم وأتى قُريشاً فقال لهم: قد عرفتُم ودّي لكم وفراقي محمداً، وإنه قد بلغني أمرٌ، فرأيتُ حقاً علي أن أبلغكموه، نصحاً لكم، فاكتموا عني، فقالوا: نفعل، قال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يُرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضربَ أعناقهم؟ ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم؟
فأرسل إليهم: أن نعم، وأنا أنصحُكم يا معشر قريش انه إن بعث إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً.
ثم خرج من عند قريش وأتى غطفان فقال لها مثل ما قالَ لقريش.
ولما أرسلت قريشٌ لبني قريظة موعد البدء بالقتال، أجابهم زعماءُ لبني قريظة: لن نقاتل معكم حتى تُعطونا رهناً من رجالكم يكونوا بأيدينا ثقةً لنا حتى نناجز محمداً، فإنا نخشى إن ضرستكم الحربُ أو اشتد عليكم القتال أن ترجعوا إلى بلادكم وتتركونا، ومحمد في بلدنا، ولا طاقة لنا بذلك منه. فأبوا أن يُعطوهم، وخذَّل الله بينهم.
ه_ المعاهدات المؤقتة: من شأن كل دولةٍ عقديّة أن تكون معاهداتها كلها مؤقتة وليست بدائمة، لأنها لا تقرُّ بالحاكميّة لغير الله تعالى، ولذلك رأينا رسول الله يلغي بأمر من الله جميع المعاهدات الدائمة بينه وبين المشركين، ويعطي أصحابها مهلةً قدرها أربعة أشهر، وعليهم أن يُعلنوا بعدها ولاءهم للدولة الإسلامية، وإلاّ فإن الدولة تكون في حلٍ من قتالهم، حيث قال تعالى في أول سورة براءة: (براءةٌ من الله ورسولهِ إلى الذينَ عاهدتُم من المشركين* فسيحوا في الأرضِ أربعةَ أشهرٍ، واعلموا أنكُم غيرُ معجزي اللهِ وأن اللهَ مُخزي الكافرين).
و_ التبادل الدبلوماسي: كان رسولُ الله يقرُّ التبادل الدبلوماسي بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى، وقد استقبل عليه الصلاة والسلام كثيراً من الرسل والوفود، وكان عليه الصلاة والسلام يُراعي الأعرافَ المرعية في استقبال الرسل والوفود والحفاظ عليهم وحمايتهم، وقد صح عنه أنه قال لرسولي مُسيلمة: "أما واللهِ لولا أنّ الرسُلَ لا تُقتل لضربتُ أعناقكما".
وأرسل رسلاً وكتباً إلى ملوك الأرض منها كتابه إلى هرقل، وكتابه إلى كسرى، وكتابه إلى النّجاشي، وكتابه إلى المقوقِس في الإسكندرية، وكتابه إلى المنذر بن ساوى، وكتابه إلى جيفر وعبدٍ ابني الجلندي ملكي عُمان، وكتابه إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة، وكتابه إلى الحارث بن شمر الغسان
نتائج السياسة النبوية:
وكلنا يعلم اليوم النتائج الباهرة للسياسة النبوية الإسلامية، فقد استطاع في عشرين عاماً من دعوته صلى الله عليه وسلم أن يتغلب على جميع العقبات التي اعترضت طريقه، وقد تغلب على المشركين الذين أخرجوه، وحاربوه، والمنافقين الذين تآمروا ضده، وأفرغوا وسعهم في تعويق حركته وشل رسالته، واليهود الذين حاربوه بالإشاعات والأكاذيب ثم بدسائسهم، ومؤامراتهم، وسيوفهم. وتغلب أيضاً على القبائل الجاهلية، والأعراب والانتهازيين.
واستطاع أن يحدث انقلاباً لا مثيل له في التاريخ قط في عقيدة أمة فينقلها من الشرك إلى التوحيد، ويخلقها -بفضل الله- خلقاً آخر في الأخلاق والصفات والمسلك، والعقيدة، وأن يقضي على آفات عظيمة كانت تتهددهم، كالفرقة، والخمر والميسر والزنا ومئات الشرور الأخرى.
الخاتمة
"جاء محمد بدعوة جديدة هي دعوة الإسلام، وكان هذا الرسول صلى الله عليه وسلم أوفر الأنبياء والشخصيات الدينية حظاً من النجاح، فقد أنجز في عشرين عاماً في حياته ما عجزت عن إنجازه قرون من جهود المصلحين من اليهود والنصارى رغم الفترة الزمنية التي كانت تساند هؤلاء، ورغم أنه كان أمام الرسول صلى الله عليه وسلم تراث أجيال من الوثنية والخرافة والجهل والبغاء والربا والقمار ومعاقرة الخمر واضطهاد الضعفاء، والحروب الكثيرة بين القبائل العربية بل وأن يهيئ هذه الأمة التي كانت بتلك المثابة لتكون خير أمة أخرجت للناس، وتخرج من هذه الجزيرة لتحطم عروش الطواغيت جميعاً، وتقيم أعظم أمة عرفتها الأرض على مدى ثلاثة عشر قرناً من الزمان بل على مدى الزمان كله إلى قيام الساعة عقيدة ومنهجاً وأخلاقاً وديناً.
ومثل هذا النجاح لا مثيل له في التاريخ قط، ولا شك أن ذلك كان بفضل الله أولاً ثم بالسياسة الحكيمة التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وأعدائه.
ولا شك أن شرح السياسة النبوية أمر يطول. ولكن المهم هنا أن نذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مارس سياسة شرعية كان من نتائجها هذا النجاح العظيم