التصنيفات
القسم العام

كيف تجعل اجتماع أولياء الأمور ناجحًا؟ -شبكة الامارات

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف تجعل اجتماع أولياء الأمور ناجحًا؟


أصبح بناء النظم التعليمية على مستوى عال من الجودة والنوعية لتتوافق مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي في القرن الحادي والعشرين أولوية عليا لدى معظم الحكومات والأمم مدركة في ذلك حجم التحديات الحالية التي تواجه النظم التعليمية من التأثير السريع والمتباين لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وإضفاء الطابع التسويقي على التعليم كسلعة مما كان له الأثر الكبير المتمثل في التبعات والمعايير التعليمية والتغيرات في احتياجات الطلاب الخاصة بتعليم القراءة والكتابة والحساب والمضمون التعليمي الذي أصبح يشمل المهارات المتصلة بالتواصل والإثراء المعرفي.


يشبه البعض علاقة أولياء الأمور بالهيئة التدريسية، بعلاقة الزواج الذي مر عليه سنوات، فكلاهما يبحث عن أخطاء الآخر، ويتربص به، حتى إذا حانت لحظة الانفجار، أخرج كل ما في داخله من انفعالات سلبية، واتهامات غالبًا ما تقوم على حجج واهية، ورؤية أحادية الجانب، لكن وجود الأطفال، والحرص على مصلحتهم، يمنع الفراق بينهما، ويجبرهما على التعايش مع بعضهما البعض، في حالة من اللاسلم واللاحرب.


ما الحل؟ لقد ورد في الفقرة السابقة، ولكن لم ننتبه إليه من فرط الانفعال، وهو أن أولياء الأمور والمعلم أو المعلمة لهم هدف مشترك وهو (مصلحة التلميذ)، فإذا اتفقنا على أن الأهل في البيت لا هم لهما إلا تحقيق الخير لابنهما أو لابنتهما، وأن المعلم يسعى لتحقيق الخير للتلاميذ الذين هم أمانة عنده، فإن هذا الهدف السامي، يجب أن يبقى نصب العين للجانبين.
هل تعتقد أن هذا كلام إنشاء وبلاغة جوفاء؟ حسنًا، ماذا لو جاءك الأب والأم، ثم بدأ ولي الأمر في اتهامك بأنك لا تعرف كيف تشرح الرياضيات، وأن ابنه أصبح ضعيفًا في هذه المادة، منذ استلامك هذا الصف، وأن علاماته مع المعلم السابق كانت ممتازة، وأنها أصبحت على يديك سيئة للغاية، وأنك تحابي طلابًا آخرين على حساب ابنه، وأنه سيرفع شكوى فيك. وبدلاً من أن تبدأ في الدفاع عن نفسك، وتبحث عن الحجج التي تبرر بها ما حدث لابنه، وتتهم ابنه بالكذب، وتصفه بقلة الأدب لأنه تعدى عليك، يجدك تقول له: «أشعر بأنك غاضب، ولكنني أرحب بهذه الصراحة، فالأفضل أن نتحدث وجهًا لوجه، بدلاً من الغيبة والنميمة، وأتفق معك على ضرورة السعي لتغيير الوضع الحالي، ومادمنا متفقين على الهدف، وهو مصلحة الابن، هيا نبحث عن الآلية المناسبة لتحقيق ذلك، والخطوات التي سنتفق عليها سويًا، من خلال المسؤولية المشتركة من البيت والمدرسة، فأنتم خير من يعرفه ابنكم، والأقدر على مد يد العون للمدرسة».
وإذا اتفقنا على أن هناك ألف سبب لحدوث ثقب في إطار الدراجة، وأن هناك وسيلة واحدة لإصلاح الثقب، فإن الحل السحري للموقف المتأزم مع الأب، هو التركيز على البحث عن الحل، وليس الانغماس في المشكلة، والسعي لامتصاص الانفعال، الذي يمكن النظر إليه من زاوية إيجابية، وهي أن الوالدين مهتمان بمستقبل ابنهما، وأنهما يتابعان أوضاعه الدراسية، وأنهما يشعران بالقلق على مستواه في مادة الرياضيات، وأنهما عاجزان عن التوصل إلى حل بمفردهما لهذه المشكلة، فيبحثان عمن يتحمل المسؤولية عن هذا الوضع، ونظرًا لعدم رغبتهما في الاعتراف بانشغال الأب عن الابن، وعدم متابعة دروسه، وعدم قدرة الأم على التفرغ له، وترك بقية المهام في البيت، وبقية الأبناء، وبناء على حبهما الكبير للطفل، فإن المعلم يصبح كبش الفداء.



إذا استطاع المعلم أن يسمو بنفسه عن النزول إلى مستوى الاتهامات والافتراءات التي تعرض لها، والتزم بمكانته كقدوة ليس للتلاميذ فحسب، بل لأولياء أمورهم، وللمجتمع أجمع، فإنه سيكون قادرًا على أن يرد الإساءة بالإحسان، ويفرض على الطرف الآخر أن يغير أسلوبه، أما البقاء داخل المشكلة، والرد على ما قاله الأب، فإنه يؤدي لا محالة إلى تفاقم الأمر، ولن يسهم في تحقيق أي تقدم.
من المهم أن نعرف أن علاقة أولياء الأمور بالمعلم، لا تبدأ من أول اجتماع أولياء أمور، بل من الاتصال الهاتفي الذي سبقه، أو من أول مرة التقى فيها الجميع في حفل استقبال الطلاب الجدد، أو غير ذلك من المناسبات، التي تترك انطباعًا أوليًا عن المعلم وعن أولياء الأمور لدى الطرف الآخر، ولذلك فإن المعلم لابد أن يعلم أن الأعين مسلطة عليه دومًا، وأنه يظل معلمًا في داخل الصف وخارجه، في داخل المدرسة وفي الطريق، قدره أن يكون قدوة، بشرط أن تكون قدوة حقيقية، وليست مصطنعة لأوقات محددة، وبدون مصداقية.

دوافع الاجتماع

اجتماع أولياء الأمور مع المعلم، يمكن أن يأتي بناء على اتصال هاتفي من الأهل، لطلب اللقاء لبحث قضية متعلقة بالابن أو الابنة، أو يكون الاتصال بهدف الشكوى، فيعرض المعلم أن يجري بحث الأمر في إطار اجتماع في المدرسة، ويقبل الأهل ذلك العرض.

كما يمكن أن تأتي المبادرة للاجتماع من المعلم أو المعلمة، بسبب وجود حاجة لتناول المستوى الدراسي أو سلوك الطالب أو الطالبة مع أولياء الأمور، في إطار التعاون بين البيت والمدرسة.

والاحتمال الثالث هو حدوث أمر خطير، دفع مدير المدرسة لاستدعاء أولياء الأمور، بصورة عاجلة، وأن يطلب من المعلم أو المعلمة، بحث الأمر معهم.

والاحتمال الرابع أن يكون اللقاء في إطار الدعوة العامة للاجتماعات الدورية لأولياء الأمور، التي تقام كل فصل دراسي أو كل عام دراسي، لجميع الطلاب وبحضور أولياء الأمور كلهم.

وبناء على الدافع للاجتماع، وبناء على شخصية الأهل، يأتي بعضهم كزائر يريد التعرف على الهيئة التدريسية، ويعزز العلاقة معهم فحسب، ويأتي آخرون والخوف يتملكهم مما ينتظرهم في الاجتماع، وفريق ثالث يأتي وهو متحفز للهجوم، وفريق رابع يأتي وهو يبحث عمن يأخذ بيده، ويحمل عنه المسؤولية.

ربما تؤدي طيبة قلب المعلمة، وقدرتها على حسن الاستماع والتفاعل مع من أمامها، إلى أن تبكي أم التلميذ أمامها، وتشكو لها ثقل الحمل، بعد غياب الأب، وكثرة الأطفال، ومصاعب الحياة. ربما تأتي ولية أمر وهي تشعر أن المعلمة دون مستواها، وأنها تتفوق عليها في المرتبة الاجتماعية، وأن من حقها أن تتعامل مع هذه المعلمة بتعالٍ، ما دامت المدرسة خاصة، والرسوم المدرسية باهظة. وفي المقابل قد تأتي ولية أمر متواضعة ماديًا، لا تجيد القراءة أو الكتابة، وتعتبر المعلمة، كائنًا راقيًا يفوقها اجتماعيًا وثقافيًا وفكريًا، فتشعر هذه السيدة بالتضاؤل أمام المعلمة، وتتحدث معها من هذا المنطلق.

وكما أشرنا إلى أن الرد على الأب الذي يتطاول على المعلم، لا يكون إلا بالحسنى، فإن المعلمة لا ينبغي لها ألا تقبل هذه المعاملة (المستكينة) من السيدة البسيطة، بل يجب عليها أن تتحدث إليها كإنسانة لا تقل عنها، ولا ينبغي اعتبار أن مهمة المعلمة أصبحت ممارسة العلاج النفسي لأولياء الأمور، بل هي الأخذ بيد هذه السيدة لتتحمل المسؤولية مع المعلمة، وتشارك معها في التوصل إلى الخطوات اللازمة لعلاج مشكلة الطفل، وبالتالي تكون مساندتها لهذه الخطوات أقوى بكثير، طالما أنها شاركت في إقرارها.

ولابد من الإشارة هنا إلى وهم كبير لدى الكثيرين في المجتمع، وهم أولئك الذين يعتقدون أن مشاكل التعليم في الدولة، هي مسألة تقع على عاتق المعلم، وأنه وحده المطالب بحل هذه المعضلة، ولا يدركون أن المدرسة انعكاس للمجتمع ككل، وأن المناخ السائد في الصف، هو أولاً محصلة نظامين منفصلين، نظام البيت والعلاقة بين أفراده، ونظام المدرسة والعلاقة بين أفرادها، وبالتالي تتداخل في العملية التعليمية عناصر كثيرة مثل: علاقة الأب والأم التي تؤثر على الطفل، والوضع الاجتماعي والمالي داخل الأسرة، وكذلك الوسط الذي يعيش فيه، المسكن، والجيران، والأقارب، وفي المقابل فإن النهج التربوي الذي تتبعه المدرسة، والعلاقة بين أعضاء الهيئة التدريسية بعضهم ببعض، ومع إدارة المدرسة، والمبنى والتجهيزات، والشارع الذي تقع فيه المدرسة، والمواصلات التي تنقل التلاميذ من المدرسة وإليها.

وإضافة إلى نظام البيت، ونظام المدرسة، فإن الأوضاع السائدة في الدولة وفي العالم ككل، سواء تعلقت بالأوضاع الاقتصادية أو السياسية أو حتى الكوارث الطبيعية، من فيضانات، أو زلازل، أو اندلاع براكين، كلها تصل إلى الأطفال والشباب، وتؤثر بطريقة أو بأخرى في الأوضاع داخل المدرسة، ولذلك فإنه من المستحيل أن يقدر المعلم وحده على حل تلك المعضلات، ومواجهة تلك التأثيرات أجمعها، ولابد أن يمد له المجتمع بأسره يده، للإسهام في التعامل الإيجابي مع كل تلك المؤثرات، وهو الأمر الذي لا يتم إلا من خلال التواصل، الذي توفر له اجتماعات أولياء الأمور الإطار الأمثل.

التحضير للاجتماع

رغم الحصص الكثيرة، والمناوبة في الفرصة أو الفسحة، والدفاتر التي لا ينتهي تصحيحها، والاختبارات إعدادًا وتصحيحًا ورصدًا، واجتماعات الهيئة التدريسية مع الإدارة، وبرغم كل المهام الموكلة للمعلم، يبقى الوقت اللازم لاجتماعات أولياء الأمور الطارئة، أمرًا لا يقبل التملص منه، لأن الأمر يتعلق بإنسان، وهو الطالب الذي يقوم المعلم بالتدريس له، ولا يمكن أن يبخل المعلم بهذا الوقت، الذي يمكن أن يؤدي إلى إصلاح المسار الدراسي للطالب، وفي المقابل لابد أن يكون عند الأهل نفس الشعور بأهمية هذا الاجتماع، ولذلك يقترح المعلم موعدين فقط، ليقوم الأهل باختيار أحدهما، ويجب أن يشعروا أن المعلم ليس رهينة لمزاجهم، وأنه يضحي بوقته، وعليهم أن يفعلوا الأمر نفسه، ومن المفضل أن يحضر الوالدان، حتى إذا اقتضى الأمر أن يترك الأب علمه، لحضور هذا الاجتماع، ومتابعة أوضاع ابنه أو ابنته، لكي يسهم وجوده في المشاركة في وضع خطة العمل، والمساعدة في تنفيذها.
بعد الاتفاق على الموعد، يقوم المعلم بمراجعة بقية أعضاء هيئة التدريس، الذين يشاركون في تدريس الطالب، ويجمع كل المعلومات اللازمة منهم، عن الأوضاع الدراسية والسلوك، ويقوم بتدوين كل هذا المعلومات، ويبحث ما يفيد منها في التعرف على وضع الطالب بصورة أفضل.
ثم يضع المعلم تصورًا مبدئيًا للجلسة، يتضمن تحديد المشكلة بشكل واضح ودقيق، فمثلاً لا يكفي أن يكون الهدف هو تحسن مستوى الطالب في مادة الرياضيات، بل يجب أن يكون أكثر تحديدًا، وهو أن ترتفع درجاته من مقبول إلى جيد في خلال شهرين، ثم التحسن من جيد إلى جيد جدًا في خلال شهرين آخرين. وتحديد الآلية اللازمة لتحقيق ذلك، مثل زيادة مشاركته في الصف، بدلاً من التحدث مع زملائه، ومتابعة الأهل لعمله الواجبات المنزلية، على أن يقوم المعلم من جانبه بالانتباه لمشاركة التلميذ في الصف، وتحديد نقاط الضعف، وكتابتها في دفتر المتابعة مع الأهل، وعدم الاكتفاء بتصحيح الواجبات، بل بتوضيح الخطأ الذي وقع فيه التلميذ، ومن ثم النقاش مع الأهل بحضور التلميذ حول هذا الاتفاق، لكي يعرف كل طرف مسؤولياته، وعمل تصور لاتفاق بين الأطراف الثلاثة، بحيث يقوم المعلم والوالدان والتلميذ بالتوقيع عليه.
من المهم أن يتم اختيار المكان المناسب للاجتماع، وحبذا لو كانت هناك قاعة في المدرسة مخصصة لهذا الغرض، مما يبرز إدراك الإدارة لأهمية التواصل بين أولياء الأمور والهيئة التدريسية، وإذا كانت هذه القاعة مشغولة باجتماع آخر، فيمكن أن يجري الاجتماع في الصف المدرسي، بشرط أن يكون هناك ركن مريح في الصف، بمقاعد كبيرة تناسب الأهل، وعدم استخدام مقاعد الأطفال لجلوس أولياء الأمور، حيث يؤكد علماء النفس أن الكثيرين يسترجعون ذكرياتهم في الصفوف المدرسية، وتتسبب هذه الذكريات في التشويش على الهدف الذي جاؤوا من أجله، كما يحذرون من أن أولياء الأمور يتصرفون في هذا الموقف مثل التلاميذ، أمام المعلم أو المعلمة، وأخيرًا ينبغي أن لا تكون هناك طاولة بين المعلم وأولياء الأمور، لأنها لا تعتبر فاصلاً مكانيًا فحسب، بل تشكل حاجزًا نفسيًا أيضًا بينهم.
وإذا شعر المعلم بأنه غير مطمئن لاستعداده للاجتماع، فيمكنه أن يطلب من أحد زملائه أن يتدرب معه على ذلك، وأن يلعب المعلم الآخر دور أولياء الأمور، لكي يختبر قدرته على التعامل مع الموقف بالصورة المطلوبة، والانتباه إلى الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها، ولا مانع من أن يجهز ورقة يسجل فيها بعض النقاط المختصرة التي تساعده على الربط بين الأفكار، والالتزام بالتسلسل المنطقي لهذه الأفكار.
وبرغم أهمية التحضير وكافة الترتيبات، فإن الهدف منها أن تخدم الاجتماع، وليس العكس، أي أن الاجتماع يجب ألا يكون في خدمة البرنامج الموضوع له، ولا يجوز أن يعوق هذا البرنامج انسيابية الحديث، والتلقائية في الرد على تساؤلات الأهل، بشرط ألا تتحول الجلسة إلى دردشة، ويضيع الهدف في زحمة الحديث، وينتهي الأمر بتحسن العلاقة بين الأطراف، مقابل عدم تحقيق أي تقدم لصالح التلميذ.

طرح الأسئلة فن
كثيرًا ما يعجز أولياء الأمور عن شرح القضية بصورة واضحة، ولذلك يكون من مهام المعلم أو المعلمة، طرح أسئلة تساعدهم على التفكير في الأمر أولًا، وفي المشاركة بصورة فعالة في النقاش ثانيًا، فعندما تقول الأم إن ابنها يجلس يوميًا ثلاث ساعات لعمل واجبات الرياضيات، ولا ينتهي منها، وأنها تشعر باليأس، وتصرخ فيه، بل تضطر أحيانًا إلى صفعه على وجه، فيبكي ويقول إنه غير قادر على حل الأسئلة، لأنها تفوق قدراته، فتبكي الأم معه، وتحتضنه، ولا تعرف ماذا تفعل.

عندها يمكن أن تسألها المعلمة بالتحديد: ماذا يفعل ابنك طوال ثلاث ساعات؟ أين يجلس للمذاكرة في غرفته أم أمام التلفزيون؟ ما الدور الذي تقوم به الأم قبل أن يبدأ في عمل الواجبات؟ كم هي الفترة التي تجلسها بجواره؟ وما الدور الذي يقوم به الأب؟ كيف يؤثر انشغال الأم معه على بقية أفراد الأسرة؟ أين يكون إخوته أثناء هذه الساعات الثلاث؟ لماذا يعتقد التلميذ أن الأسئلة تفوق قدراته؟

طريقة إلقاء الأسئلة لابد أن تعطي الأم الانطباع بأن المطلوب منها، أن تصف الموقف بالكامل، لا أن ترد بكلمة نعم أو لا فحسب، ويجب أن تتركها المعلمة تتحدث، بحيث تتضح الصورة أمامها أيضًا، لتدرك أن اتهامها للمعلمة نابع من شعورها بالعجز عن مساعدة ابنها، والابن يعرف تمامًا أن بكاءه سيستدر عطف أمه، وأنها ستفعل ما تفعله في كل مرة، تعتذر له، وتقف في صفه، وترى أن الخطأ في المعلمة.

ويجب أن يكون واضحًا أن الأمر لا يتعلق بالتوصل إلى حل فوري للمشكلة، بل الهدف هو وضع القدم على أول الطريق، والشرط الأساسي لنجاح المهمة، هو وضع أهداف قابلة للتحقيق في فترات زمنية قابلة للتنفيذ في أثنائها، والحرص على وجود متابعة لمدى تحقق المرحلة تلو الأخرى، ولذلك لا يكون الاجتماع هو الأول والأخير، بل يكون الأول في حلقة متصلة، حتى تتحقق النتيجة المرجوة، وحتى إذا لم تتحقق بالكامل، فإن ذلك لا يجوز أن يكون مبررًا لليأس، لأن مجرد التحرك في اتجاه الهدف، يسهم في تشجيع التلميذ وأهله على الاستمرار، لأنهم ذاقوا حلاوة النجاح.

وهنا أيضًا تؤدي الأسئلة دورًا هامًا في توضيح الهدف المطلوب، والقدرة على صياغته بصورة مقبولة من الجميع، مثل: ما الذي تريدين تغييره في المستقبل؟ ما عدد الساعات التي يمكن أن تقضيها مع ابنك أسبوعيًا، دون أن يؤثر ذلك على بقية أفراد الأسرة؟ ما هي الخطوات التي تسعين من خلالها لزيادة تركيز ابنك أثناء حل الواجبات المدرسية؟ ما هي الطريقة التي ترين أنها أفضل في حالة الغضب من الصراخ ومن اللجوء للصفع على الوجه؟

أما في الحديث مع التلميذ عن الهدف، فإن هناك أسلوبًا أثبت نجاحه في الكثير من الحالات، وهو تقييم الذات تبعًا لمقياس من صفر إلى عشرة، أي يسأل المعلم التلميذ: إذا اعتبرنا أن صفرًا هي أسوأ درجة، وعشرة أعلى درجة، فكيف تقيم مستواك الحالي في مادة الرياضيات؟ وما المستوى الذي تسعى للوصول إليه خلال الشهرين القادمين؟ ومتى كانت آخر مرة حصلت على مستوى أفضل من الوضع الحالي؟ وإذا كان لك أمنية مستجابة، فما هو المستوى الذي تطمح في الوصول إليه في الرياضيات؟

وهذا الأسلوب متبع في الكثير من المدارس في الغرب، لأنه يساعد التلميذ على تعلم تقييم الذات بصورة صحيحة، من خلال النقاش مع المعلم عن دقة هذا التقييم من عدم دقته، ومن خلال مقارنته بالتقييم الذي يحصل عليه في الشهادات المدرسية.

الحلول والاتفاقات
بعد التوصل إلى أرضية مشتركة من التفاهم والثقة المتبادلة، واستعراض المشكلة، وتحديد الهدف من الاجتماع، تأتي مرحلة البحث عن حلول، بشرط أن يبدي كل الأطراف استعدادهم لبذل الجهد، فإذا لاحظ المعلم أن الوالدين ينتظران منه أن يتولى الأمر وحده، فعليه أن يقترح عليهم أن يسهموا بتحمل 20 في المئة من الجهود، وأن يقوم هو بتحمل 40 في المئة، فيكون المجموع 60 في المئة أي أكثر من النصف، وإذا تحمل الطالب هو الآخر 20 في المئة، أصبح النجاح شبه مضمون، ويكون الأهل أكثر إقبالاً على المساهمة.

يمكن أن يعرب المعلم عن استعداده لكتابة تمارين أخرى، أقل صعوبة من التمارين التي يحصل عليها بقية التلاميذ، وأن يكون التصحيح متضمنًا لشرح تفصيلي للأخطاء التي وقع فيها، وأن يزود الأهل بأسماء كتب ومواقع توفر شرحًا ميسرًا للدروس، ليستعينوا بها في مساعدة ابنهم على مراجعة المادة العلمية، ويدرك التلميذ أنه ملزم للإنصات في الصف، وحل تمارين أكثر من زملائه، وتأدية اختبارات إضافية، لتساعده على تحسين مستواه.

وتكون الاتفاقات ملزمة لكل الأطراف، وتتضمن إجراءات محددة، مثل أن يقوم الأهل بجهد إضافي لمدة أسبوعين، ثم يطلبان من التلميذ العمل بصورة مستقلة لمدة أسبوعين، ولا يتدخلان على الإطلاق، ويتركان الأمر للمعلم، للحكم على النتائج، ويكون هناك اجتماع بعد مرور شهر، لتقييم النتيجة، وبحث الخطوات التالية على ضوء التقدم الذي حدث.

ربما يبدو أن المطلوب من المعلم يفوق طاقته، ولكنه لو تصور أن هذا التلميذ ابنه، لتمنى أن يكون الاهتمام به بهذه الصورة، وأنه إذا لم يفعل شيئًا، بقيت المشكلة، وبدلاً من أن يستغل وقته في مساعدة الطالب على تجاوز المشكلة، سيضيع الوقت منه في معاقبة الطالب وتعنيفه على سوء سلوكه، أو على ضعف مستواه، ويضيع معه وقت بقية التلاميذ.

البعض يشبه المعلم بأنه مثل قائد فريق الكشافة، الذي يضم فريقه رياضيين محترفين، وآخرين انضموا مؤخرًا للفريق، لم يعتادوا بعد المشي طويلاً، ومجموعة ثالثة من الشباب ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين رفضوا الاستسلام لإعاقتهم، والانعزال عن المجتمع، وانضموا لعضوية الفريق. وعلى القائد أن يسير في الصحراء، ويصل إلى البحيرة في الموعد، برغم عدم التجانس بين أفراد الفريق، وبشرط ألا يترك أحدًا منهم، ودون أن يصاب أحدهم بالإحباط، فإما أن يحقق الهدف، من خلال مراعاة أوضاع كل واحد منهم، ومساعدة بعضهم بعضًا، فيفوز الجميع بالنجاح، وإما أن يتضجر البعض من الآخر، ويهتم القائد بمجموعة دون أخرى، فيفشل الجميع.

ويمكن القول إن الصعوبات الناجمة عن الاختلافات بين الطلاب، لا يمكن التغلب عليها، بدون مساعدة أولياء الأمور، والاجتماعات معهم هي السبيل الوحيد، ليحصل المعلم على الدعم اللازم، الذي يحتاجه للارتقاء بمستوى الصف، وللتخلص من المشاكل التي قد تعوق المسيرة التعليمية، لأنه ليس هناك من يتمنى الخير للتلاميذ، مثل أولياء أمورهم، وهم أكثر الناس استعدادًا للإسهام في تحسن الأوضاع، وكل المطلوب من المعلم هو أن يجيد تنسيق الجهود، لتحقق الهدف.

نهاية الاجتماع وما بعده
لابد أن ينتهي الاجتماع مع أولياء الأمور، بتلخيص النتائج، وما تم التوصل إليه من اتفاقات، ثم يأتي تعليق ختامي إيجابي، مثل: (أنا راض للغاية عما قمنا جميعًا به، وما اتفقنا عليه من خطوات، وإنني على يقين من أنها ستؤتي ثمارها قريبًا، بفضل تعاوننا جميعًا، إن شاء الله.) أو (إنني سعيد أننا استطعنا التحاور في إطار من الصراحة، والوضوح وفي مناخ من الاحترام المتبادل، رغم اختلاف وجهات نظرنا).

ويرافق المعلم الوالدين والتلميذ حتى يغادروا المدرسة، ولا يستعجل في الانصراف، فلا يكون الأسبق في إدارة ظهره عند الباب، وكأنه استراح منهم، وسعيد بالتخلص منهم، بل يتحمل اللحظات الأخيرة ببشاشة وسعة صدر، ولا يفسد كل الجهود التي قام بها.
بعد انصرافهم يقوم بإعداد تقرير عن الجلسة، ويكتب نص الاتفاق بينهم، ليرسله إليهم لتوقيعه، ولا يضع منه نسخة في ملف التلميذ، ولا يبلغ زملاءه من المعلمين بمجريات الاجتماع، إلا بعد الحصول على موافقة الوالدين.
ومن المهم أن يقوم المعلم بتقييم الاجتماع، ويقارن الخطة التي وضعها، بما جرى في الاجتماع فعليًا، ليتعرف على الاختلاف ومصدره، حتى يساعده ذلك في الإعداد للاجتماعات التالية، ويكون صادقًا مع نفسه في أي أخطاء وقعت، مثل دخول أحد الزملاء أثناء الاجتماع، وإزعاجهم، لأنه نسي أن يكتب ورقة على الباب من الخارج، يطلب عدم الإزعاج، أو لأن هاتفه الجوال رن أثناء الاجتماع، وتسبب في استياء أولياء الأمور، أو سوء الإضاءة في الغرفة، أو استخدامه لأسلوب الهجوم أو النقد المباشر في أثناء الحديث، أو مقاطعة الوالدين قبل الانتهاء من الكلام، أو التحدث كحكيم الزمان، وبصيغة متعالية، أو السماح لنفسه بتقييم تصرفاتهم، أو تسفيه الرأي الآخر، أو السخرية منه، أو التحذير أو التهديد بالعواقب الوخيمة.

إن نجاح الاجتماع يتطلب التركيز على الحل وليس المشكلة، وحسن التحضير، وسعة الصدر، وحسن الإصغاء، والاهتمام الصادق، والمشاركة الوجدانية للأهل، والقدرة على تلخيص الأفكار من آن لآخر، بحيث لا تتوه الفكرة، والبشاشة في وجوه الآخرين، والقدرة على إدارة دفة الحديث بصورة تخدم الوصول إلى الهدف، من أجل مصلحة الطالب، الذي يجب أن يشعر أنه الشخص الأساسي في هذه الجلسة، التي لم تنعقد إلا من أجله هو، بشرط أن يدرك التلميذ، أنه يتحمل قسطًا من المسؤولية، فالمثل يقول: يمكنك أن تذهب بالحصان إلى نبع المياه، لكن الشرب من واجب الحصان نفسه.

مجلة المعرفة

جٌمُيًل جٌدأ

شٌكُرأ لجٌ

اللُـه يـٌعُطــًيًـكٌمُ الصٌــحًه و العُــآآفًيــٌه

و كُــل عًـآآآم و انـُتـًمٌ بٌخُـيًر

السسلام عليكم..
رائع..بوركت جهودج
تسسلمين ع الطرح

أستغفرك يا رب من كل ذنب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.