انشاء الله يعجبكم
المـــقدمــــــة
قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.
ففي الليل تُسْكَب العَبَرات، وفي الليل يُتَقَرَّب إلى الله بأحسن الطاعات، الليل للمُذنبين وللذين هم لِما عند ربِّهم طامعين، فهو أنيسُ الطائعين، وأمَلُ المُذنبين، وبالليل يتمُّ لقاء المُحبِّين، الليل يَعشقه الراكعون والساجدون والذاكرون، والذين هم لربِّهم مُستغفرون، الليل فيه آيات للذين هم يَسمعون، الليل للذين هم بالخيرات مُسارعون، وهو خلوة التائبين، في الليل أقربُ ما يكون الله من عباده المؤمنين، بهذا نطَقَ سيِّد المُرسلين، وفي الليل يَغفر الله للمُسيئين، ويُعطي المحتاجين والسائلين من خزائن السموَات والأرَضين، ويُجيب المُضطرين، الليل فقط يَعرفه المُتيقِّظون، ويَغفل عنه أصحاب المُجون اللاهون، ولا يَستطيعه إلاَّ عباد الله المُخلصون، هو كَنز المُدَّخرين إلى يوم الدين، وبالليل يُحصَّل الآمانُ للخائفين، في الليل تَجري العيون، ويَتسابق فيه المُتسابقون؛ ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].
قيام اللّيل شريعة ربانية، سنة نبوية، خصلة حميدة سلفية، مدرسة تربوية، دموع وعبرات قلبية، وآهات وزفرات شجية، خلوة برب البرية، روضة ندية، سعادة روحية، قوة جسمانية، تعلق بالجنان العلية
قيام الليل هو مدرسة المُخلصين، كيف لا وهو امر من رب العالمين الى سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الكريم حيث يقول رب العباد تبارك وتعالى ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) المزمل: 1- 4 وهو صفة لعباد الرحمن المؤمنين ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاما )ًالفرقان 64
أصحاب هذا الليل وصفاتهم وأحوالهم، فهي كما قال تعالى في سورة الذاريات، وغيرها من السور والآيات، مُبَيِّنًا سببَ دخولهم الجنات، فقال – عزَّ شأنه -: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 16 – 18].
فنالُوا بذلك جنات وعيونًا، وما كلُّ هذا إلاَّ لأنهم باتُوا لربِّهم سُجَّدًا يتضرَّعون، فالليل هو من سمات الصالحين؛ قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دَأْبُ الصالحين قبلكم، وقُربة إلى ربِّكم، ومكفرة للسيِّئات، ومَنهاةٌ عن الإثم))؛ أخرَجه الحاكم وصححه، ووافَقه الذهبي.
************************************************** *************************
المــــوضــــوع
وقت صلاة قيام الليل وحكمها
يبدأ وقت قيام الليل من بعد صلاة العشاء وحتى قبيل صلاة الفجر فمتى قام العبد للصلاة في هذا الوقت ليصلي غير الفريضة فقد حقق نافلة قيام الليل ,
وهي سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم ( أفضلُ الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاةُ في جوف الليل وأفضلُ الصيام بعد شهر رمضان صيامُ شهر الله المحرم أخرجه مسلم في كتاب : الصيام ، باب : فضل صوم المحرم (1163/202-3). )
عدد ركعاتها وصفتها
فليس فيها حد محدود، فإذا صلـى ثنتين وأوتر بواحدة، أو صلـى تسليمتين وأوتر بالخامسة، أو صلـى ثلاث تسليمات وأوتر بالسابعة، أو صلـى أربع تسليمات، وأوتر بالتاسعة، كل ذلك لا حرج والحمد لله، وأفضل ذلك أن يصلى إحدى عشرة، يسلم من كل ثنتين بالطمأنينة، والقراءة المرتلة، والتدبر، والركود في سجوده كله في سجوده وركوعه، ثم يوتر بواحدة، هذا هو أفضل وإن زاد أو نقص فلا حرج.
وتصلى ركعتين ركعتين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى )
الكيفيات التي تصلى بها صلاة الليل
ثلاثة عشر ركعة, يفتتحها بركعتين, خفيفتين, وهما على الأرجح سنة العشاء البعدية, أو ركعتان مخصوصتان يفتتح بهما صلاة الليل كما تقدم, ثم يصلي ركعتين طويلتين جداً, ثم يصلي ركعتين دونهما, ثم يصلي ركعتين دون اللتين قبلهما, ثم يصلي ركعتين دونهما, ثم يصلي ركعتين دونهما, ثم يوتر بركعة.
ثلاثة عشر ركعة منها ثمانية يُسلم بين كل ركعتين, ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم الا في الخامسة
إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين, ويوتر بواحدة.
إحدى عشرة ركعة يصلي منها أربعاً بتسليمة واحدة, ثم أربعاً كذلك, ثم ثلاثا
هذه هي الكيفيات التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصاً عنه, ويمكن أن يزاد عليها أنواعاً أخرى, وذلك بأن ينقص من كل نوع منها ما شاء من الركعات حتى يقتصر على ركعة واحدةٍ عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم المتقدم:
"فمن شاء فليوتر بخمس, ومن شاء فليوتر بثلاث, ومن شاء فليوتر بواحدة"
فــضل القـــيام
ما فُضِّلت صلاةُ الليل على غيرها من العبادات بعد الفرائض، إلاَّ لشرفها ولشَرف وقْتها، فأقرب ما يكون الله من عباده في الليل؛ قال أبو هريرة – رضي الله عنه -: إنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((يَنزل ربُّنا – تبارَك وتعالى – كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثُلُث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستَجِيب له، مَن يَسألني فأُعطيه، مَن يَستغفرني فأَغفِر له)).
وهي أيضًا وصيَّة سيِّد المُرسلين؛ قال: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دَأْبُ الصالحين قبلكم، وقُربة لكم إلى ربِّكم، ومكْفرة للسيِّئات، ومَنهاةٌ عن الإثم)).
ومن فضائل الليل أيضًا أنه سببٌ في محبَّة الله لعبده؛ فعن أبي الدرداء عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((ثلاثة يحبُّهم الله، ويَضحك إليهم، ويَستبشر بهم))، ذكَر منهم: ((الذي له امرأة حَسناء وفراشٌ حسنٌ، فيقوم من الليل، فيقول الله: يَذَر شَهوته، فيَذكرني ولو شاء رَقَد، والذي إذا كان في سفرٍ وكان معه رَكْبٌ، فسَهِروا ثم هجَعوا، فقام من السَّحر في ضرَّاءَ وسرَّاءَ))؛ السلسلة الصحيحة؛ للألباني (3478).
وفي مسند إمام أهل السُّنة عن ابن مسعود عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((عَجِبَ ربُّنا من رجلٍ ثار عن وِطَائه ولِحافه من بين أهله وحِبِّه إلى صلاته، فيقول ربُّنا – تبارك وتعالى -: يا ملائكتي، انظُروا إلى عبدي ثارَ من فراشه ووِطَائه من بين أهله وحَبِّه إلى الصلاة؛ رغبةً فيما عندي، وشفَقةً مما عندي))؛ حديث حسن في صحيح الترغيب والترهيب؛ للألباني (630).
وقيام الليل من أعظم ما يُكفِّر الذنوب؛ كما قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – لمعاذ بن جبل: ((وقيام العبد في جَوْف الليل، يُكفِّر الخطيئة))، ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16]؛ صحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2866).
فوائد قيام الليل
صلاة الليل – أنَّها من الأمور التي تُعين العبدَ على دينه وتُثَبِّته عليه، فهي التي تُثَبِّت الإيمان في قلوب المؤمنين، وتُعين الدُّعاة على تبليغ هذا الدين؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾المزمل 12.
وصلاةُ الليل هي سببٌ للوقاية من الفِتَن التي لا يَنجو منها إلاَّ عابدٌ؛ فقيام الليل عِصمة المؤمنين، وعندي على هذا القول دليلٌ؛ ففي صحيح البخاري عن أُمِّ سَلَمَة – رضي الله عنها – أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – استَيْقَظ ليلةً، فقال: ((سبحان الله، ماذا أُنْزِل الليلة من الفتنة؟ ماذا أُنْزِل الليلة من الخزائن؟ مَن يُوقِظ صواحبَ الحُجُرات؟)).
وصلاة الليل وسيلة مُعينة على تَثبيت القرآن، فبالقيام يَثبُت حِفْظُه، ومَن غَرِق في نومه، نَسِيَه، قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وإذا قام صاحبُ القرآن، فقرَأه بالليل والنهار، ذكَره، وإن لَم يَقُم به، نَسِيَه)).
قرب الرب من عبده القائم
عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الأخير فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن» رواه الترمذي بسند صحيح. وقربه تبارك وتعالى من عبده الذاكر في جوف الليل هو غاية الأماني، ونهاية الآمال، وقرة العيون، وحياة القلوب، وسعادة العبد كلها.
طرد الغفلة عن القلب
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين» رواه أبو داود بسند صحيح.
شهود لنزول الرحمن
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» متفق عليه.
قيام الليل سبب لمباهاة الملائكة
عن ابن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عجب ربنا تبارك وتعالى من رجلين: من رجل ثار من لحافه وفراشه من بين حبه وأهله إلى صلاته فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي هذا قام من بين فراشه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيها عندي وشفقة مما عندي» رواه أبويعلي بسند حسن.
الفوز بمحبة الله تعالى
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم – وذكر من بينهم – والذي له امرأة حسناء وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيقول: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد» رواه الطبراني بسند حسن.
الوسائل التي تُعين على قيام الليل
· الإخلاص لله تعالى
فهو أهمُّ وسيلة للقيام، وبدونه لن يُوفَّق العبد للقيام، ودليل الإخلاص هو المُواظبة عليه، وهذا الأمر يُحتاج إلى المُجاهدة؛ لهذا لا يَستطيعه إلاَّ عبادُ الله المُخلصون؛ قال تعالى على لسان الشيطان الرجيم:
﴿ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82 – 83].
· التوكُّل عــــلى الله
وعدم الاتِّكال على النفس، فالقيام من توفيق الله تعالى ومن مِنَحه لعباده؛ لهذا لا بدَّ أن يكون التوكُّل عليه وحْده، فمَن توكَّل على الله وُفِّق، ومَن توكَّل على نفسه خُذِل؛ قال ابن القيِّم في كتابه "مدارج السالكين بين منازل إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين": "مَن تفكَّر في التوفيق والخِذلان، وجَد أنه محتاجٌ إلى توفيق ربِّه في كلِّ نفَسٍ وكلِّ لحظة وطرْفة عينٍ، وأن إيمانه وتوحيده بيده تعالى، ولو تخلَّى عنه طَرْفة عينٍ، لثُلَّ عرشُ توحيده، ولخرَّت سماءُ إيمانه على الأرض، فحينئذٍ يَسأل الله توفيقَه مسألةَ المُضطرِّ، ويعوذ بالله من خِذلانه عياذَ المَلهوف، ويُلقي بنفسه بين يديه طريحًا ببابه، مُستسلمًا له، ناكسَ الرأس بين يديه، خاضعًا ذليلاً مُستكينًا، لا يَملِك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا".
إيجاد النيَّة الصادقة
وعَزْم القلب على القيام، ونتيجة هذا العزم والدليل الصادق على صِدق النيَّة هو إعداد العُدة؛ لتثبت صِدْق الإرادة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ﴾ [التوبة: 46] الدعــــــــاء
تعوَّد طَرْقَ الباب، فمَن تعوَّد طرْق الباب، يُوشك أن يُفتَح له، ولا تَيْئَس إن تأخرالجواب؛ قال ابن القيِّم في كتابه "الفوائد": "لا تَسْأَم الوقوف على الباب ولو طُرِدتَ، ولا تَقطع الاعتذار ولو رُدِدْتَ، فإن فُتِح الباب للمَقبولين دونك، فاهْجم هجومَ الكذَّابين، وادْخُل دخول الطفيليَّة، وابْسُط كفَّ ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 88]".
*******************************
المصادر والمراجع
القــــــــــــــــــرآن الكــــــــــــــــريم
صحيح مسلم للامام الحافظ مسلم بن الحجاج النيسابوري
(دار المعرفة)
كتاب البيان في مذهب الامام الشافعي المجلد الثاني
(دار المنهاج)
كتاب قيام رمضان محمد ناصر الالباني
الشبكة المعلوماتية (الانترنت)
موقع طريق الاسلام
موقع صيد الفوائد
********************************************
وفي ميزان حسناتج
في ميزان حسناتك
موفقه إأن شـإأْ الله ,,