الوقف في اللغة: هو الحبس والمنع، وهو مصدر وقف الثلاثي، يقال وقفت الدار،أي حبستها، ولايقال أوقفتها، لأنها لغة رديئة، ويقال للشيء الموقوف: وقف من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول.
– الوقف في الاصطلاح الشرعي :
تعددت عبارات الفقهاء في تعريفه بناء على اختلاف آرائهم في لزومه، وتأبيده، وملكيته.عرفه الإمام أبو حنيفة بقوله: " هو حبس العين على حكم ملك الواقف، وتسجيل منفعتها على جهة من جهات البر< ، وعبارة الإمام هنا تدل على أنه يرى أن ملكية العين الموقوفة تبقى في يد الواقف. وعرفه بعض المالكية بقوله: هو جعل المالك منفعة مملوكه، ولوكان مملوكا بأجرة، أو جعل غلته كدراهم، لمستحق، بصيغة مدة مايراه المحبس".وعبارة هذا التعريف تفيد أن المالكية يذهبون إلى بقاء ملكية الوقف في يد الواقف كالأحناف. ويضيفون عنصراًً آخر هو أن للواقف أن يحبس ماله مدة زمنية يعينها.ومعنى ذلك أنهم لايوجبون أن يكون الوقف على التأبيد. وعرفه بعض الحنابلة بقوله: هو "تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة".وعرفه بعض الشافعية بقوله :>هو حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، على مصرف مباح<.وإذا نظرنا إلى هذه التعريفات وجدنا أنها متقاربة. بالنظر إلى جوهر حقيقة الوقف، وهي تحبيس العين على وجه من وجوه الخير، ومنع التصرف فيها من قبل المالك، ومن قبل الموقوف عليه معا. وإنما تستفيد الجهة أو الجهات الموقوف عليها من منافعها. وإنما اختلفت تعريفات الفقهاء تبعاً لاختلافهم في بعض الأحكام والتفريعات الجزئية.واختار بعض الفقهاء المحدثين تعريف الوقف بقوله:>هو حبس العين على ملك الله تعالى، والتصدق بمنفعتها على جهة من جهات البر ابتداء أو انتهاء<(3). وإنما ذكرت هذا التعريف لأنه صرح بأن الوقف يكون على ملكية الله تعالى، وأعتقد أن هذا الرأي وجيه، لأنه ينسجم مع حقيقة الملكية في الإسلام، فالمالك الحقيقي للمال في الاسلام، هو الله تعالى، وأما ملكية العباد فهي مجازية، ووقف المال في سبيل الله يعني، أن الواقف يرد ملكيته إلى المالك الحقيقي، ويجعل منافعه في سبيل الله، لايباع ولايوهب ولايورث.
مقدمة الموضوع :
يحظى موضوع الوقف باهتمام متزايد منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وتتوالى الدعوات من المفكرين والمهتمين إلى تنشيط دور الوقف في التنمية الاجتماعية، ليقوم بوظيفته العظيمة التي كان يقوم بها في عهود الحضارة الإسلامية الزاهية. ويأتي هذا الاهتمام الكبير بعد إخفاق دام ثلاثة عقود من الزمن امتازت بتضخم سلطات الدولة الحديثة، وحلولها محل مؤسسات المجتمع المدني في كثير من القطاعات الاجتماعية، كالتعليم والصحة والشؤون الدينية والاجتماعية، وساد الاعتقاد بأن الدولة وحدها قادرة على تحمل أعباء هذه القطاعات العريضة.وإذا كان ضعف الاهتمام بالوقف قد حدث في ظل تلك الظروف والتوجهات الفكرية والسياسية، فإن عودة الاهتمام به تأتي في سياق تحولات مهمة وتوجهات أخرى مخالفة، من جملتها الاتجاه إلى إعادة الاعتبار لمؤسسات المجتمع المدني والمبادرات الخاصة في مجال الخدمات الاجتماعية والمنافع العامة التي تثقل كاهل الميزانيات الرسمية.وفي هذا المناخ الجديد بدأ البحث في الأوساط الثقافية والفكرية عن نظام الوقف، لإبراز الدور العظيم الذي قام به في بناء الحضارة الإسلامية، ولتجديد الاهتمام به، وتطوير آفاق عمله. وفي هذا السياق عقدت في ظرف عقدين من الزمن ندوات، ونظمت مسابقات دولية، وأنجزت دراسات وبحوث أكاديمية، ونشرت مقالات قيمة، تناولت موضوع الوقف من جوانبه المختلفة.وتأتي جهود المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة لتعزز الجهود السابقة والجارية، ولتسهم في تطوير نظام الوقف الإسلامي، ولتستخلص نتائج الجهود والدراسات وتستفيد منها في وضع استراتيجية عامة للتعاون بين البلدان الاسلامية في هذا المجـال الحيـوي المهم.وإن من واجبي أن أشكر المشرفين على هذا البرنامج، وعلى رأسهم معالي المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري لعنايتهم بهذه الصفحة المشرقة من الحضارة الإسلامية، وعلى اختياري للقيام بهذه الدراسة التي أرجو أن تحمل إضافة مفيدة في طريق إحياء دور الوقف وتجديده.وانطلاقاً من الهدف المرسوم لهذه الدراسة ومن الوثائق والمراجع التي أمكن الاطلاع عليها، رسمت خطة البحث وجعلتها في أربعة فصول
الفصل الأول في: >حقيقة الوقف ومشروعيته وحكمته<
الفصل الثاني في: >جهود متلاحقة لإصلاح الوقف وتطوير عمله<
الفصل الثالث في: >أبعاد الوقف الدينية والاجتماعية<
الفصل الرابع في: >تطوير طرق استثمار أموال الوقف<
وقد اعتمدت على مراجع متنوعة، تشمل كتب الفقه، والأبحاث الجامعية، وأعمال الندوات الخاصة بموضوع الوقف وبعض المؤلفات الحديثة الخاصة بالوقف أو بالحضارة الإسلامية، وبعض الرحلات، إلى جانب عدد من المقالات المنشورة ببعض المجلات.أما منهجية البحث، فتقوم على الدراسة التحليلية بالدرجة الأولى، لأن الهدف المرسوم لهذه الدراسة يفرض الأخذ بقواعد المنهج التحليلي، على أنني لم أقتصر على تحليل جهود الدارسين السابقين، لأن المقام يقتضي في بعض المواضع وصفاً موجزاً لتاريخ تطور نظام الوقف، تمهيداً لإظهار ما جاءت به الجهود الحديثة من عناصر وأفكار جديدة.ولا أدعي أنني وفيت الموضوع حقه كاملا، وأرجو الله أن أكون قد وفقت في عملي هذا إلى ما ينفع المسلمين في تطوير مؤسسة الوقف وتجديد دوره الاجتماعي العظيم.
انواع الوقف :
ـ الوقف وإقامة شعائر الاسلام
ـ المسجد وبناء الانسان
ـ الوقف والجهاد في سبيل الله
ـ الوقف والمواسم الدينية
البعد العلمي والثقافي
ـ الوقف على المدارس
ـ الوقف على المكتبات
البعد الصحي والاجتماعي
ـ الوقف والرعاية الصحية
ـ الوقف والرعاية الاجتماعية
أول وقف في الإسلام:
أول وقف في الإسلام هو مسجد قباء الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم حين قدومه إلى المدينة مهاجراً. ثم المسجد النبوي الذي بناه صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد أن استقر به المقام.وأول وقف خيري عرف في الإسلام هو وقف سبع بساتين بالمدينة، كانت لرجل يهودي اسمه مخيريق، أوصى بها إلى النبيصلى الله عليه و سلم ، حين عزم على القتال مع المسلمين في غزوة أحد، قال في وصيته: "إن أصبت ـ أي قتلت، فأموالي لمحمد ـ يضعها حيث أراه الله، فقتل، وحاز النبي صلى الله عليه وسلم تلك البساتين السبعة، فتصدق بها، أي حبسها.ومضى الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ على ما سنه النبي صلى الله عليه و سلم ، وعملوا بماحث عليه من الإكثار من الصدقة والإنفاق مما يحبون، وسجلوا أروع الأمثلة في التطوع بأحب أموالهم إليهم.من تلك الأمثلة وقف عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقيل هو ثاني وقف في الإسلام، ففي الحديث أنه أصاب أرضاً بخيبر، فجاء إلى النبيصلى الله عليه و سلم ، وقال: يا رسول الله: أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس منه، فبم تأمرني؟ فقال: >إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها<. فتصدق بها عمر على ألا تباع ولا توهب ولا تورث، وتكون (أي منافعها وثمارها) في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل، ولاجناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول. ثم تتابعت الأوقاف بعد ذلك في أوجه البر والخير.وفي العصر الأموي حدث تطور كبير في إدارة الأوقاف، فبعد أن كان الواقفون يقومون بأنفسهم على أوقافهم ويشرفون على رعايتها وإدارتها، قامت الدولة الأموية بإنشاء هيئات خاصة للإشراف عليها، وأحدث ديوان مستقل لتسجيلها.وفي عهد العباسيين أصبحت للأوقاف إدارة خاصة مستقلة عن القضاء، يقوم عليها رئيس يسمى >صدر الوقوف< وواكب هذا التطور الإداري جهد علمي مفيد، لضبط أحكام الوقف وطرق التصرف فيه ولحماية أملاكه من الضياع، فخصه الفقهاء بمؤلفات خاصة، وأفردوا له فصولا واسعة في مدونات الفقــه الكبرى. وهذا التطور والتوسع في العناية بالأوقاف أدى إلى قيام الوقف بدور كبير في التنمية الاجتماعية على مر التاريخ الإسلامي.
إن العالم الإسلامي المعاصر يحتاج اليوم، في ظل النظام العالمي الجديد، إلى تعاون أوسع وتآزر أكبر، وإلى تضافر الجهود المتناثرة لمواجهة التحديات الكبرى التي يواجهها، ولموازنة الضغوط الكثيرة التي يتعرض لها.إن كثيراً من المجتمعات الإسلامية تعاني من قلة الإمكانات، وتواجه كثيراً من المشكلات التي تعوق طريقها نحو التنمية والتقدم، وإن كثيراً من الأقليات والجاليات الإسلامية في أنحاء العالم تواجه مشكلات كبيرة في الحفاظ على هويتها وتربية أبنائها وحماية أسرها من الغزو الفكري والثقافي، ومن الأخطار التي تهدد وجودها.كل هذه المشكلات وغيرها تستلزم تضافر جهود الأمة الإسلامية لمعالجتها أو التخفيف منها، وإن مؤسسة الوقف لقادرة على أن تسهم في ذلك إذا نَسَّقت جهودها ونظمتها في شكل مؤسسات إقليمية أو عالمية كبرى تنظم الجهود المتناثرة وتوجهها لمصلحة البلدان الإسلامية أو الجاليات الإسلامية التي تحتاج في مواجهة ظروفها ومشكلاتها إلى مساعدات كبيرة قد لاتنهض بها المؤسسات والجمعيات الخيرية متفرقة.
.
.
.
.
.
.
- الوقـــــــــــــــف.docx (92.1 كيلوبايت, 1686 مشاهدات)
تقرير ممتاز..
جزاكِ الله خيرا
ودي لكي …