المقدمة
الموضوع
مقدار حكم بني أمية :
كان جميع ملك بني أمية إلى أن بويع أبو العباس السفاح ألف شهر كاملة لا تزيد ولا تنقص ،، فقد ملكوا تسعين سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما .. يوضع منها أيام الحسن بن علي وأيام عبد الله بن الزبير فيبقى ثلاثا وثمانين سنة وأربعة اشهر فيكون ذلك ألف شهر سواء .
الانتخابات والبيعة :
جرى خلفاء بني أمية على اختيار أولياء العهد في حياتهم ،، فكلهم كان مختارا من سلفه ماعدا أربعة منهم قد أخذوها بالقوة وهم :
معاوية بن أبي سفيان أول الخلفاء الأمويين .. ومروان بن الحكم .. ويزيد بن الوليد .. ومروان بن محمد.
أما التسعة الخلفاء الباقيين فقد كانوا مختارين من قبل أسلافهم .. وقد كان الاختيار لولاية العهد في الخلافة الأموية تتم باختيار اثنين فالأول يلي العهد والثاني من بعده .. وهذه أغلاطهم التي جربوا سوء نتاجها .. ولم يحصل أن اختار أحدهم واحدا لولاية العهد .. وقد كانوا يأخذون البيعة لولاة عهودهم في حياتهم فإذا مات الخليفة جددت البيعة مرة ثانية تأكيدا للعهد والميثاق.
وأول من يبايع أمراء البيت الأموي ثم يليهم القواد ثم أمراء الأمصار ،، وكانت البيعة على السمع والطاعة والعمل بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وقد شذوا أحيانا عن نص هذه البيعة .
القضاء والحكم:
لم يزل القضاء في عهد الدولة على بسطته التي كان عليها في عهد الخلفاء الراشدين إلا أن تناكر الخصوم أرشدهم إلى تسجيل الأحكام .. فكان أول قضاء يُكتب هو في قضية ميراث سليم بن عنز حين تناكروا ورثته.
كما لم يكن القضاة يتقيدون برأي في أحكامهم إذ لم تدون إذ ذاك أحكام فقهية يقر عليها الخلفاء ويحتمون العمل بمقتضاها فكان الآمر راجعا إلى القضاة أنفسهم أو إلى ما يشيرون به المفتون من كبار المجتهدين في أمصارهم وأحيانا يطلبون من الخلفاء بيان آرائهم في الحوادث المختلفة إذا اشتبه عليهم الأمر فيها .. وبذلك كانت أحكامهم تخالف بعضها بعضا في الأمصار المختلفة لان المجتهدين لم يكونوا على رأي واحد ،، ومع هذا لم تلتفت الدولة إلى التفكير فيما يجمع كلمة المجتهدين على شيء يقضي به قضاتهم وتركوا لكل قاض تمام حريته في الحكم بما يراه .
قيادة الجند :
تمتاز هذه الدولة بأن عصرها كله كان زمن فتح حيث اتسعت حدود المملكة الأموية من الجهات الأربعة .. ومع هذا كان عصرها زمن حروبها داخلية عظام ،، حينا مع الخوارج وحينا مع طلاب الخلافة من بني علي ،، ولم يخل عصر الخلافة الأموية من حروب داخلية إلا عصر الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز .
فهي إذا دولة حربية امتاز فيها أفراد كثيرون بقيادة الجنود واشتهروا بالثبات ومضاء العزيمة وحسن التدبير في الحروب .. ولم تكن همة الدولة الإسلامية قاصرة على تقوية الجيوش البرية بل كان لهم أسطول بحري في البحر الأبيض المتوسط يحمي البلاد الإسلامية .. وكان لهم من غابات لبنان مورد عظيم لصنع مراكبهم فضلا عما كانوا يغنمونه من مراكب الروم .. ولم يكو أمراء البحر في الدولة الأموية يقلون مهارة وإقدام عن أمراء البحر الروميين.
موجز القول أن الدولة الأموية ظهرت بمظهر القوة القاهرة أمام الأمم التي تجاورها .. وكانت السيادة في الجيوش للعنصر العربي لأن الدولة كانت عربية محضة لم ينازعها دخيل ،، فلم يكن بين قوادها أعجميا.
الدواوين في العصر الأموي :
كانت الدواوين لعهد بني أمية ثلاثة دواوين :
(1)ديوان الجند :
وكان بالعربية منذ نشأته لان واضعوه نابغين من العرب ومن كتاب قريش .. وكان هذا الديوان يحصر جند كل إمارة وأعيانهم وكل ما يختص بهم ،، فهو ديوان ( الحربية )
(2)ديوان الخراج :
كان بالعراق باللغة الفارسية ،، وببلاد الشام باللغة الرومية ،، وبمصر بالقبطية.
(3)ديوان الرسائل .
السواس من بني أمية:
ذكر المدائني وغيره أن السواس من بني أمية ثلاثة: معاوية ،، وعبدالملك ،، وهشام الذي ختمت به أبواب السياسة وحسن السيرة , وأن المنصور كان في أكثر أموره وتدابيره وسياسته متبعا لهشام بن عبد الملك في أفعاله لكثرة ما كشفه عن أخبار هشام وسيره.
أسباب سقوط الدولة الأموية :
أولا: ولاية العهد :
كانت ولاية العهد سببا كبيرا في انشقاق البيت الأموي .. وذلك أن بني مروان اعتادوا أن يولوا عهدهم اثنين يلي أحدهما الآخر ، وأول من فعل ذلك هو مروان فانه ولّى عهده عبد الملك ثم عبد العزيز فكاد عبد الملك يبدأ بشق البيت حيث أراد تحويل ولاية عهده إلى ابنه الوليد وعزل أخيه لولا قضاء الله الذي حل بعبد العزيز حيث توفى ولم تبدأ الأزمة ومع هذا فلم يتعلم عبد الملك ولم يستفد من هذه التجربة إنما ولى العهد لابنيه الوليد ومن بعده سليمان وكادت أن تبدأ المشاكل بالعزل والتبديل في ولاية العهد لولا لطف الله حيث توفى الوليد قبل ذلك .. وهكذا جرت العادة بينهم يولي الخليفة اثنين ولا يستفيد ممن قبله حتى نمت الأحقاد والإنتقامات وحصلت التفرقة وانشقاق البيت الأموي .
ثانيا: إحياء العصبية الجاهلية:
الجاهلية التي جاء الإسلام معفيا لأثرها ومشددا في النعي عليها لأنه رأى حياة الأمة العربية لا تستقيم مع هذه العصبيات التي أضعفت قواهم في جاهليتهم .. ومع هذا فقد نبض عرقها في أول الدولة المروانية ،، فموقعة مرج راهط التي تلاها قيام مروان بالأمر كانت بين شعبين متناظرين يعقب ذلك ما حصل في خرسان وأقسامها المتضاربة بين شعوبها .. إضافة إلى شعراء العرب الذين نبغوا في العصر الأموي يدا كبرى في إنماء هذه العصبية .
فلا شيء أضر على الأمم من أن تنقسم طوائف فتنتمي إلى عناصر مختلفة وكل طائفة تتعصب لعنصرها .. فإذا كان مع ذلك الانقسام جهالة فإن الكلمة تحق على الأمة ويقرب منها الفناء ،، فالجهل يجعل روح العصبية موجهة إلى معاكسة المخالفين فتكون الأمة قوى متنافرة لا قبل لها بمن ينازعها بقائها .
لم ينتج من إنماء العصبية الجاهلية في قلب الأمة العربية ذهاب البيت الأموي وحده بل كان من ذلك ضعف الأمة العربية نفسها وتغلب الأعاجم على أمرها حتى كان منهم ما كان في عهد الدولة العباسية.
ثالثا: تحكيم بعض خلفاء بني أمية أهوائهم:
في أمر قوادهم وذوى الأثر الصالح من شجعان دولتهم ,, وهذا سبب متفرع عن السبب الأول والثاني .. فسليمان بن عبد الملك لما ولى بعد أن كان الوليد يريد إخراجه من ولاية العهد عمد إلى من كان هواه مع الوليد فأزلهم وحرم نفسه وأمته من الانتفاع بتجاربهم فقد أهلك علي بن القاسم وقتيبة بن المسلم وهما قائدان عظيمان ولا ذنب لهما إلا انهما من صنائع الحجاج الذي كان هواه مع الوليد ولا يميل إلى سليمان ،، فلما جاء من بعده يزيد بن عبد الملك انتقم من هواه مع سليمان ، فكان بعد هذا شيء كثير فسدت قلوب الناس حتى كانوا ينتظرون من يجمع كلمتهم على الانتقام من بني أمية ويؤازرهم .
فالأمة التي ينتقم خلفها من عمال السلف لأنهم كانوا على وفاق معه ، تفقد صالح الأعوان وتحرم الاستفادة من تجارب العقلاء فلا يكون لها رأي و لا يتضح فيها موقع أقدام ،، فلا تكاد تخرج من مذلة إلا صادفتها أخرى .. يهديها التاريخ عبره فتعتبر ،، وتساق إلى الفناء فتكون عبرة من العبر .
آخر الخلفاء الأمويين :
أيام مروان بن محمد بن مروان ابن الحكم ،، وهو الجعدى :
هو مروان بن محمد ويكنى بأبي عبد الملك ،، بويع بدمشق يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وعشرين ومائة ،، وقيل: " إنما دعا إلى نفسه بمدينة حران من ديار مضر ، وبويع له بها "
وأمه أم ولد يُقال لها ربا ،، وقيل: طرونة ، كانت لمصعب بن الزبير ، فصارت بعد مقتله لمحمد بن مروان ( أبيه ) .
اجتمع أهل الشام على بيعته إلا سليمان بن هشام بن عبد الملك وغيره من بني أمية ،، فكانت أيامه منذ بويع بمدينة دمشق من أرض الشام إلى مقتله خمس سنين وعشرة أيام .. وقيل: خمسة سنين وثلاثة أشهر ، وقيل: خمسة أيام ،، وكان مقتله في أول سنة اثنين وثلاثين ومائة , وقيل: في محرم , وقيل: في صفر ، وقيل: غير ذلك .. وكان مقتله ببوصير قرية من قرى الفيوم بصعيد مصر ،، وقد اختلف في عمره حين القتل ، فمنهم من قال: أنه قتل وهو ابن سبعين سنة ,, ومنهم من قال: ابن تسع وستين ،، وقيل: اثنتين وستين ،، وقيل: ثمان وخمسين.
وبقتله كانت نهاية الدولة الأموي والعصر الأموي .
ما صنع بقبور الأمويين:
قال المسعودي: " وحكى الهيثم بن عدي عن عمر بن هانئ، قال: (( خرجت مع عبد الله بن علي لنبش قبور بني أمية في أيام أبي العباس السفاح ، فانتهينا إلى قبر هشام ، فاستخرجناه صحيحا ما فقدنا منه إلا خورمة أنفه ، فضربه عبد الله بن علي ثمانين سوطا ثم أحرقه ،، واستخرجنا سليمان من أرض دابق فلم نجد منه شيئا إلا صلبه وأضلاعه ورأسه فأحرقناه ،، وفعلنا ذلك بغيرهما من بني أمية"
الخاتمة
وقد تم اتباع قبور بني أمية في جميع البلدان ونبشها وإحراق أو صلب من وجودوا فيها منهم .. حتى أن زيدا مكث مصلوبا خمسين شهرا عريانا فلم ير له أحد عورة سترا من الله له .. إلى أن أمر الوليد بن يزيد بإحراقه بخشبته وذر رماده في الرياح على شاطئ الفرات.