التصنيفات
الارشيف الدراسي

تقرير / بحث / عن العبارات المجمَّدة في اللغة العربية الفصحى

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

إذا كانت اللغة كوسيلة اتّصال بين أبناء البشر تتمتّع بصفات كثيرة تؤمّن فرادتها وتميّزها عن سائر وسائل الاتّصال الحيوانيّة كلغة النحل… ، فإن لحريّة الإنسان في التعبير عن المعاني التي تصوّر عمّا يكنه في نفسه أو تعبّر عن احتياجاته بواسطة اللغة وجهان : مطلق لا محدود يتمثّل في الإبداعيّة اللغويّة ( للتعبير عمّا يدور في خلده ) وهذا ما يعطي الإنسان قدرة لا متناهية على التعبير اللغوي بوجهيه الشفهي والكتابي ، ووجه نسبي محدود يتمثّل في ظاهرتين لغويّتين هما : ظاهرة عدم تطابق النماذج اللغوية المنتجة مع قواعد اللغة ( وذلك في استعمالات لغويّة خاطئة أو خروجها عن المألوف والمتعارف
عليه ) وظاهرة التجمّد اللغوي ( وذلك باستخدامها في لغة معينة دون التفكير فيها فتحملنا هي على السير في استعمالات لغويّة جامدة ) وهذا ما دفع الباحث إلى دراسة مفهوم التجمّد اللغوي وإلى تحديده . مفهوم التجمّد اللغوي : نعني بالتجمّد اللغوي العمليّة اللغويّة الديناميكيّة التي تؤدي إلى تجميد عبارات معيّنة فتفقد حركيتها اللغويّة ولا تعود تظهر إلا بشكل صرفي معيّن وبتركيب نحوي واحد في كل المواقع التي تستعمل فيها للتعبير عن المعاني الكامنة وراءها ، وقد درسه الباحث من خلال النواحي التالية :1 ـ الناحية
الصرفيّة حيث تنتفي كلّ الفروقات الصرفية في العبارات المجمّدة وتتوقف على مميزّات معينة . ففي عبارة " ذهب أدراج الرياح " فقد تجمدت هذه العبارة في صيغة الجمع والمفرد للوحدة اللغويّة أدراج ودَرَج ، وفي صيغة الجمع للوحدة اللغويّة الرياح .
2 ـ الناحية النحويّة حيث تتوقف الإبداعيّة اللغويّة على أنموذج محدّد تتعطّل فيه كلّ أنواع الخيارات اللغويّة المتاحة لمتحدث أو كاتب . ففي قولنا " رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة " لا يخطر على بال أحدنا أن يقول : " رحلة الألف ميل ستبدأ بخطوة " . 3 ـ الناحية المعنويّة حيث ترى في العبارات المجمّدة وضوحا معنويّا ناتجا عن عموميّة المعنى المقصود ، فحين نسمع أحد يقول : " تجاذبوا أطراف الحديث " نفهم أن الحضور تحدثّوا في أمور شتى .يطرح لنا السؤال التالي في محاولة لإفهامنا ظاهرة التجمّد اللغوي : كيف نميّز بين عبارة مجمّدة وأخرى حرة ، وما هي مقاييسنا في ذلك ؟ إن لدراسة العبارات المجمّدة في المواقع التي تستعمل فيها نطرح ثلاثة أنواع من المقاييس التي يجب إعمالها في التفريق بين العبارات المجمّدة والعبارات غير المجمّدة وهي : 1 ـ مقياس الارتباط التركيبي :
وهو تلازم الوحدات اللغويّة المكوّنة للعبارات المجمّدة وارتباطها ببعضها ، فلا افتراق فيما بينها ، ولا إمكانية لإدخال وحدة لغويّة جديدة . فعند استعمال عبارة "يلقى الكلام جزافا " لا يمكننا أن نزيد أو ننقص شيئا من العبارة ، إذاً هي عبارة مرتبطة تركيبيا ولا تحتمل أيّ شكل من أشكال التغيّر الصرفي . 2 ـ مقياس النحو المجمّد : يقوم على انعدام الحريّة
النحويّة للوحدات اللغويّة المكوّنة للعبارات المجمّدة فقولنا " شيئا فشيئا " علاقة تجمّدت.
على هذا الشكل وكتفت بعلاقة نحويّة واحدة تربط بين وحداتها اللغويّة ، ولا تعتبر العبارة مجمّدة إلا بها . 3 ـ مقياس البنية المعنويّة الشفافة : يعني أن للعبارة المجمّدة بنية معنويّة واضحة ومعروفة عند متحدثي لغة معيّنة ، لا يختلف فيها اثنان في تفسيرها . فالبنية المعنويّة للعبارة " على قدم المساواة " لم تعد تعني المعنى المقصود بالوحدة اللغويّة "على" مضافا إلى "قدم" وإلى المعنى المقصود بالوحدة اللغويّة "المساواة" إنّما أصبح
لها بنية معنويّة ، وتعني المفهوم العام للتساوي بالأبعاد التي تنطبق عليه .إن هذه الشفافية المعنويّة التي تبتعد عن المعنى الخاصّ لكلّ وحدة لغويّة تدعونا للنظر إلى العلاقة القائمة بين التركيب النحوي وبين البينية المعنويّة . حيث يميل الباحث إلى الاعتقاد أنّ العلاقة بين التركيب اللغوي والبنية المعنويّة إنّما هي علاقة انفصال تتّجه بطرفيها نحو الاستقلاليّة ، ولعل هذه الميزة هي من أهم المميزات التي تنفرد بها العبارات المجمّدة ( آلية إنتاجها الفصل بين هذين المستويين ) ويؤكد على أن هذه المقاييس تسمح لنا فقط بالتمييز ما بين العبارات المجمّدة والعبارات الحرّة . ولوجود عبارات ليست مجمّدة بكل وحداتها اللغويّة وكذا العبارات الحرّة ليست كاملة الحريّة اللغوية مما أدى به إلى وضعها في أربعة تصنيفات هي :1 ـ تصنيف صرفي ( الانطلاق من درجة جمود العبارة المجمّدة ) لتتميز بنوعين :"العبارات المجمّدة كليّا ( لها شكل صرفي وتركيبي واحد ) مثل :على قدم المساواة … " العبارات المجمّدة جزئيا " (يضاف إليها وحدات لغويّة أخرى ) مثل :
على حدّ قول ندخل عليها الضمير " قوله ".ويرى أنّ البنية المعنويّة في العبارات المجمّدة جزئيا تبقى بنية معنويّة شفّافة وشديدة التشابه بالبنية المعنويّة الملاصقة للشكل الأساسي للعبارة المجمّدة .2 ـ تصنيف نحوي ( الانطلاق من الجملة كمفهوم نحوي وما يسند إليها ) ليسمح لنا بالتمييز بين فئتين من العبارات المجمّدة : فئة العبارات المجمّدة الجمل ( تشكل جملا مكتملة العناصر بفائدة ) ،وفئة العبارات المجمّدة مكوّنات الجمل ( تشكل جملا غير مكتملة العناصر كالتي تشكل مكوّنا أساسيا ( مسند أو مسند إليه ) أو مكوّنا ثانويا كالتوابع وهذا ليس شرطا فالدور النحوي الذي تمثّله هذه الفئة من العبارات المجمّدة ، أساسيا كان
أم ثانويّاً يتوقّف على موقعها من السياق واستعمالها.3 ـ تصنيف قولي ( يعتمد على مفاهيم علم القول ) وهو استعمال اللغة كوسيلة اتّصال في وجهيها الشفهي والمكتوب " عبارات التهذيب ، حوادث الحياة ، المحادثات الهاتفيّة …. " .4 ـ تصنيف معنوي ( تأخذ طابع التمييز في ما بينها بالاستناد إلى نوعيّة المعنى الذي تحمله " حقيقيّا أو مجازيّا " لتعطينا عبارات مجمّدة تحمل معنى عام حقيقي " لا عدّ ولا حصر لها…" أو عبارات مجمّدة تحمل معنى مجازيّا يتخطّى المعنى العام الحقيقي" عاد صفر اليدين "… يؤكد الباحث أخيرا على أن ظاهرة التجمّد اللغوي تقوم على خلق بنية معنويّة جديدة لها خصائص محدّدة .
تحياتي بلا حدود

م/ن

اللعم اعز الاسلام و المسلمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.