السلام عليكم وررحمة الله وبركاته
بحث ، تقرير ، الاجتهاد
المقدمة :
أرسل الله رسوله صلى الله عليهوسلم برسالة الإسلام الخاتمة ، وكانت رسالته ليست خاصة بأمة دون أمة ولابزمان دون آخر ، بل كانت رسالة عامة للثقلين : الإنس والجن لمن أدركه صلىالله عليه وسلم ولمن جاء بعده حتى تقوم الساعة . قال سبحانه {وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّأَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
ولما كانت هذه الشريعة هي خاتمة رسالات الله للناس جعلها الله خير الشرائعوأرسل بها خير البشر وأزكاهم صلوات الله وسلامه عليه .فكانت شريعة كاملةمكمّلة صالحة لكل زمان ومكان .
بحمد الله وفضله سوف أقوم في بحثي هذا عن الاجتهاد والتقليد بعرض بعض ما جاء فيه من تعريف وأراء وشروط المجتهد وسوف أستعين في هذا البحث ببعض الكتب أيضا للعلماء الأفاضل وما مدى حاجة الأمة إلى الاجتهاد خاصة مع تتطور العصر وبعض الأمور المستحدثة في هذا العصر.
1
الموضوع :
1- الاجتهاد:
الاجتهاد في اللغة : بذل المجهود واستفراغ الوسع في فعل من الأفعال ولا يستعمل إلا فيها فيه مشقة يقال اجتهد في حمل الصخرة ولا يقال اجتهد في حمل العصا أو النواة مثلا، والجهد بالفتح المشقة والطاقة وبالضم فقط ومنه قوله تعالى: (والذين لا يجدون إلا جهدهم).
وفي الاصطلاح: بذل الوسع في النظر في الأدلة للحصول على القطع أو الظن بحكم شرعي.
حكمه والأصل فيه:
حكم الاجتهاد فرض كفاية، والأصل فيه قوله تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما).
وقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران". وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضى رسول الله" حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنه يجتهد حيث لا كتاب ولا سنة.(1)
باب الاجتهاد مفتوح دائما:
لا يجوز خلو الزمان من مجتهد قائم لله بحجته يبين للناس ما نزل إليهم خلافا لمن قال بإغلاق باب الاجتهاد، ويدل للقول الحق قوله فيها:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" فإنه فيها أخبر في هذا الحديث باستمرار وجود القائمين بالحق إلى انتهاء الدنيا.
2
شروط المجتهد :
1- أن يكون عالما بوجود الرب وما يجب له سبحانه من صفات الكمال وما يمتنع عليه من صفات النقص والعيب وأن يكون مصدقا بالرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به المشروع ليكون فيها يسنده من الأقوال والأحكام محققا.
2- أن يكون عالما بنصوص الكتاب والسنة التي لها تعلق بما يجتهد فيه الأحكام وإن لم يكن حافظا لها.
3- أن يكون عالما بمسائل الإجماع والخلاف لئلا يعمل ويفتي بخلاف ما وقع الإجماع عليه.
4- أن يكون عالما بالناسخ لئلا يعمل ويفتي بالمنسوخ.
5- أن يكون عارفا بما يصلح للاحتجاج به من الأحاديث وما لا يصلح.
6- أن يكون عالما بالقدر اللازم لفهم الكلام من اللغة والنحو.
7- أن يكون على علم بأصول الفقه لأن هذا الفن هو الدعامة التي يعتمد عليها الاجتهاد.
أقسام المجتهدين ومنزلة كل قسم:
1- المجتهد المطلق: وهو الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد المتقدمة فيتمسك بالدليل حيث كان، فهذا القسم من المجتهدين هم الذين يسوغ لهم الإفتاء ويسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرض الاجتهاد وهم الذين قال فيهم علي رضي الله عنه: لن تخلو الأرض من قائم لله بحجته.
2- مجتهد المذهب : وهو العالم المتبحر بمذهب من ائتم به المتمكن من تخريج ما لم ينص عليه إمامه على منصوصه، فإذا نزلت به مثلا نازلة ولم يعرف لإمامه فيها نصا أمكنه الاجتهاد فيها على مقتضى المذهب وتخريجها على أصوله.
3
3- مجتهد الفتوى والترجيح: وهو أقل درجة من سابقة لأنه قصر اجتهاد على ما صح عن إمامه ولم يتمكن من تخريج غير المنصوص، وإذا كان لإمامة في مسألة قولان فأكثر اجتهد في ترجيح أحدهما، ففتاوى القسم الأول- كما قال ابن القيم رحمه الله- من جنس توقيعات الملوك وفتاوى القسم الثاني من جنس توقيعات نوابهم وفتاوى القسم الثالث من جنس توقيعات نواب نوابهم. (1)
المصيب واحد من المجتهدين:
الحق في قول واحد من المجتهدين المختلفين ومن عداه مخطئ لكن المخطئ في الفروع التي ليس فيها دليل قطعي معذور غير آثم بل له أجر على اجتهاد، وهذا هو القول الحق خلافا لمن قال إن كل مجتهد مصيب.
وفصل النزاع في هذه المسألة ما ثبت في الحديث المتفق على صحته من أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر، فإن الحديث صريح في أن الحق واحد وأن بعض المجتهدين يوافقه فيقال له مصيب مأجور أجرين على اجتهاده وإصابته، وبعض المجتهدين يخالفه فيقال له مخطئ مأجور مرة واحدة على اجتهاد، واستحقاقه الأجر لا يستلزم كونه مصيبا فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المجتهدين قسمين قسما مصيبا وقسما مخطئا، ولو كان كل منهم مصيبا- كما ذهب إليه من ذهب- لم يكن لهذا التقسيم معنى.
تجزؤ الاجتهاد:
الاجتهاد يقبل التجزؤ والانقسام على الصحيح فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره كمن استفرغ وسعه في علم الفرائض وأدلتها واستنباط من الكتاب والسنة دون غيره من العلوم فيجوز له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه لأنه عرف الحق بدليله وقد بذل جهده في معرفة الصواب، فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع، ولا يجوز له الإفتاء فيما لم يجتهد فيه فإن القاصر في فن كالعامي فيه.
4
(1)*العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، مكتبة الأهلية، عمان،2000م،ص65
اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم:
الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم جائز وواقع ومن أمثلة وقوعه: إذنه صلى الله عليه وسلم للمختلفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم، وأسره لأسرى بدر وأخذ الفداء منهم، وأمره بترك تأبير النخل، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدى"، وإرادته صلى الله عليه وسلم النزول دون ماء بدر حتى قال له الحباب بن المنذر رضي الله عنه: إن كان هذا بوحي فنعم. وإن كان الرأي والمكيدة فأنزل بالناس على الماء لتحول بينه وبين العدو. فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس بوحي إنما هو رأى رأيته"، فرجع إلى قول الحباب رضي الله عنه. (1)
الاجتهاد في زمن النبوة:
منع قوم الاجتهاد في عصر النبوة مطلقا وأجازه قوم مطلقا والراجح التفريق بين من كان غائبا عنه فيه فيجوز له ومن كان حاضرا فلا يجوز له إلا بإذنه ومن أدلة ذلك: قصة معاذ رضي الله عنه وتصويب النبي صلى الله عليه وسلم له، وتفويضه فيها الحكم في بني قريظة إلى سعد بن معاذ رضي الله عنه لما نزلوا على حكمه فحكم بقتل المقاتلة وسبى الذراري، فصوبه النبي صلى الله علي وسلم ، وتقريره صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه لما صلى بأصحابه متيمما ولم يغتسل من الجنابة لشدة البرد أستنادا إلى عموم قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) ومن ذلك أكل الصحابة رضي الله عنهم وهم محرمون من حمار الوحش الذي صاده أبو قتادة رضي الله عنهم فإن أكلهم منه باجتهاد منهم، ومنه تحول أهل قباء في صلاتهم إلى الكعبة إلى غير ذلك من الأدلة.
يتبع في المرفق..منقول