يعتبر التصحر من أبرز المشكلات البيئية التي لها أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية حيث يقع تحت تأثير الخطر المباشر أكثر من 20% من سطح الارض (نحو 30 مليون كم)وتتعرض إنتاجية حوالي 200,00كم سنويا إلى نقطة "صفر الإنتاجية الاقتصادية " ويفقد الانتاج الزراعي ما يقدر بنحو 26بليون دولار في السنة . ويهدد التصحر مستقبل مئات الملايين من سكان المناطق الجافة وشبه الجافه التي تمثل نحو 15% من سكان العالم.
والتصحر ظاهرة بيئية قديمة فهو يحدث منذ آلاف السنين خلال موجات الجفاف التي تنتاب العالم من وقت لاخر ، ولكن لم يكن لها مثل الاثار المأساوية لموجة التصحر التي ضربت إقليم الساحل السوداني الافريقي في الفترة 68 – 1973 مسببة موت كثير من رؤؤس الماشية وأعداد من الأغنام والماعز والإبل .وقد لفت ذلك أنظار العالم إلى ظاهرة التصحر كمشكلة ، ودعت هيئة الامم المتحدة إلى عقد مؤتمر لتصحر في مدينة نيروبي بكينيا عام 1977، وذلك لوضع خطة عمل لمقاومة التصحر.
وتعتبر مشكلة التصحر من القضايا البيئية الرئيسية التي يهتم الجغرافي بدراستها ، أولا لأنها ترتبط بعوامل طبيعية وبشرية وأنظمة بيئية تدخل في نطاق الدراسات الجغرافية. ثانيا لانها ذات انعكاسات خطيرة على الموارد والانتاج وأوضاع السكان الاقتصادية والاجتماعية .
لقد اجتهد كثير من الباحثين في وضع تعريف محدد يجسد معنى التصحر، وعلى ضوء هذه الاجتهادات يمكن القول أن التصحر في معناه العلمي الدقيق والشامل "هو التدهور الكلي أو الجزئي لعناصر الانظمة البيئية ينجم عنه تدني القدرة الانتاجية لاراضيها وتحولها إلى مناطق شبيه بالمناطق الصحراوية بسبب الاستغلال المكثف لمواردها من قبل الانسان وسوء أساليب الادارة التي يطبقها ، هذا بالاضافة الى التأثيرات السلبية للعوامل البيئية الاخرى غير الملائمة وخاصة عوامل المناخ الجفافية . أي أن التصحر هو احداث تغير في الانظمة البيئية ما يؤدي الى خلق ظروف أكثر جفافا أو أكثر صحراوية .
وبمعنى آخر إن التصحر هو عملية تدهور الأنظمة البيئية نتيجة لنشاطات الانسان ، وتمثل عملية التدهور هذه بانخفاض إنتاجية النباتات المرغوبة وتنوع الغطاء النباتي والحيواني وتزايد تدهور التربة وبالتالي تزداد الأخطار التي تهدد الانسان نفسه ، وباختصار التصحر هو تدهور و إفقار النظام البيئي . كما يعرف التصحر بأنه امتداد مكاني للظروف الصحراوية أو شبه الصحراوية إلى مناطق لم تكن ضمن الحدود الطبيعية للصحارى(1).
ويعرف جرينجر التصحر بأنه " التدهور بفعل الانسان في الارض لدرجة فقدانها لخصوبتها ومقدرتها على أن تعطى عائدا اقتصاديا في ظل الزراعة أو الرعى "
ويفرق جرينجر بين الجفاف والتصحر ، فهو يرى أن الجفاف هو نتيجة لنظم الطقس، على حين أن التصحر هو نتيجة لعمل الانسان.
وهو يعزى الاسباب الرئيسية للتصحر في : الرعي الجائر ، الافراط في زراعة الارض، قطع الغابات ، الري غير الكفء.
هذا ، وقد وضع مؤتمر الامم المتحدة عن التصحر الذي عقد في بيروبي عام 1977 تعريفا للتصحر بأنه " تدهور أو تدمير القدرة البيولوجية الكامنة للارض بما يؤدي في النهاية إلى ظروف شبيهة بالصحراء ، واعتبر التصحر حالة تدهور واسعة الانتشار للنظم الايكولوجية تحت ظروف مشتركة من تذبذب المناخ والاستخدام الجائر للارض"(2).
إن مشكلة التصحر مشكلة شديدة التعقيد ، وقد نجمت عن التفاعل المتبادل بين الانظمة البيئية للمناطق الجافة وشبة الجافة، وهي في مجملها أنظمة بيئية حساسة وهشة الاستقرار.
ويعزوا معظم الباحثون أسباب التصحر إلى جملة عوامل بعضها طبيعية ومعظمها بشرية ، وتتداخل هذة العوامل في صنع ظاهرة التصحر في المناطق الجافة وشبة الجافة. ويميل كير من الباحثين والعلماء إلى اعتبار العوامل الطبيعية ، وخاصة الظروف المناخية ، هي السبب الرئيسي في نشوء ظاهرة التصحر ، أما العوامل البشرية فهي أحد العوامل التي تساند التصحر وتدعمه ، إلا أن الواقع يبين أن الانسان هو السبب الاول والرئيسي في عملية التصحر ، أما الظروف المناخيةالجافة فهي ليست أكثر من عامل مساعد ومنشط ، ويتضح أثرها بعد اختلاف التوازن في الانظمة البيئية نتيجة الاستغلال الجائر لمواردها من قبل الانسان وحيواناته وعدم ملائمة أساليب إدارة المناطق الجافة التي يطبقها.
العوامل الطبيعية للتصحر:
1. نقص كميات الامطار
تعتبر الامطار المصدر الاول والاساسي لتواجد المياه وعند نقص كميته تكون الكارثة قد حلت ، حيث ان الكمية القليلة من الامطار تفقد كثيرا من قيمتها الفعلية نتيجة لارتفاع معدلات درجات الحرارة .
2. ارتفاع نسبة التبخر
تقل نسبة التبخر شتاء بسبب انخفاض درجة الحرارة والعكس صحيح حيث تزيد معدلات التبخر بكميات كبيرة عن معدلات التساقط (الامطار) خاصة في الصيف . حيث أن الفرق بين معدلات التبخر المرتفعة ومعدلات الامطار المنخفضة والتي تنعكس على الحياة الزراعية والثروة الحيوانية والنباتية وبعد ذلك على الحياة البشرية . نستنتج من خلال هذا العامل أن معدلات التبخر تزيد بكميات كبيرة عن معدلات التساقط والتي تنعكس على الحياة بصورة سلبية.
3. زحف الكثبان الرملية
ارتفعت نسبة المساحات المتعرضة لزحف الكثبان الرملية بحيث تغطي الكثبان الرملية أكثر من 80% من مساحة دولة الامارات ويقع معظمها في الغرب والجنوب الغربي للدولة وتعتبير امتداد لبحر الرمال (المعروف بالربع الخالي ) . وتعتبر جميع انواع الكثبان الرملية بأشكالها المختلفة متحفا تضاريسيا للكثبان الرملية وتلعب الرياح الدور الاساسي في تشكيل نموذج هذه الكثبان الرملية لتصبح كمظهر من المظاهر التضاريسية.
4. ارتفاع نسبة الملوحة
وهي من العوامل الطبيعية المنتشرة في المناطق الجافة والقاحلة حيث إن المشاكل الناتجة عن ارتفاع نسبة الملوحة بالتربة ترجع أساسا الى ذوبان الاملاح بالتربة عادة مايكون مصدرها إما المياه الجوفية أوالطبقات الارضية الحاملة للاملاح . إن مشاكل الملوحة وكيفية التخفيف منها في التربة تعتبر من الامور المعقدة لارتباطها عادة بارتفاع كمية المياه الجوفية الى أعلى حيث سطح التربة ، فيتبخر الماء وتبقى الاملاح على سطح التربة. نستنتج من ذلك أن ارتفاع نسبة الملوحة بالتربة ترجع أساسا إلى ذوبان الاملاح بالتربة خاصة عند ارتفاع كمية المياه الجوفية على سطح التربة بحيث يتبخر الماء وتبقى الاملاح.
5. انخفاض منسوب المياه الجوفيه
إن انخفاض منسوب المياه من الابار يمكن أن نلمسه بصورة مباشرة بالمنطقة المجاورة للآبار حيث حدث ما يسمى ( بالفجوات العميقة ) والسبب الرئيسي لتكونها هو الاستخدام الجائر لمياه الآبار خاصة ري المزروعات وكنتيجة لزيادة نسبة الري في كثير من المناطق فإن منسوب المياه سوف ينخفض . ونستنتج من السبب الرئيسي لانخفاض منسوب المياة الجوفية هو الاستخدام الجائر لمياه الابار خاصة في ري المزروعات.
العوامل البشرية للتصحر
1. سوء استثمار واستغلال العناصر البيئية الطبيعية
أن حدة التصحر في تزايد مستمر خاصة مع التزايد السكاني الكبير الذي شهده العالم وكذلك ارتفاع المستوى المعيشي والاقتصادي والاجتماعي النسبي وما ترتب عليه من ازدياد في الاستهلاك ، وزيادة الطلب على الموارد البيئية الطبيعية بشكل عام والمنتجات الزراعية بشكل خاص . ذلك أدى بالانسان الى توسيع رقعة استغلاله للعناصر البيئية ولاستغلال مناطق هشه وحساسة وغير مستقرة تمتاز بعدم تحمل النظم البيئية بها لهذا الاستغلال المكثف له عناصرها الطبيعية مما أدى إلى اختلال اتزانها الطبيعي مما كان سببا في تزايد سرعة عمليات التصحر وازدياد حدوثها.
2. الرعي الجائر
معظم المناطق الجافة تمارس نشاط الرعي الجائر وهو استغلال المراعي بشكل عشوائي غير منظم عن طريق زيادة عدد الماشية عن القدرة البيولوجية (الحمولة الرعوية) لتلك المراعي الطبيعية مما أدى إلى ضغط شديد عليها وتدهور واختفاء الغطاء النباتي الذي ساعد بدوره في تدهور خصوبة التربة وسارع في عمليات التصحر.
3. ازالة الغابات
ويعتبر هذا العامل من العوامل السائدة بين الدول العربية والتي تساعد على اتساع عملية التصحر ، وذلك عن طريق قطع الاشجار والشجيرات واختفاء الغطاء النباتي من مساحات كبيرة مما جعل التربة عرضه وخصوصا في المنحدرات ، لعمليات الانجراف والتعرية المائية والريحية.
للتصحر مظاهر كثيرة تعبر عنه بصورة أوبأخرى وأهمها:
1. انجراف طبقة التربة السطحية :
وهو تآكل التربة ونقلها بفعل العوامل المناخية وأهمها الرياح والمياه، وانجراف التربة ظاهرة طبيعية موجودة منذ الازل ، ولكنها ازدادت مع زيادة نشاطات الانسان ونتيجة لمعاملات غير رشيدة كتدمير الغطاء النباتي الطبيعي ، وخاصة في السفوح والمنحدرات ، والرعي الجائر والحراثة في أوقات غير مناسبة .ونتيجة لهذه المعاملات تزايد عملية تعرية التربة وانجراف طبقة التربة السطحية، وهي الاكثر خصوبة وخاصة بالمادة العضوية.
2. زحف الرمال:
وفي هذا يعني حدوث تغيرات وتدهورفي النظام البيئي نتيجة لتخريب الغطاء النباتي ، ويهدد زحف الرمال الاراضي الزراعية والرعوية مما يحيل المنطقة المتأثرة بحركة الرمال إلى حالة من التصحر الشديد. ففي جنوب تونس ، مثلا، أتلفت واحات كاملة وغابت بنخلها وبيوتها تحت آكام الرمال المتحركة. كما تهدد الرمال الطرق والتجمعات البشرية ، هذا إضافة الى ما يترتب على الرياح المحملة بحبيبات الرمال من آثار ضارة بالنباتات وبصحة الانسان والحيوان.
3. تدهور الغطاء النباتي:
• تدهور الغابات: يعتبر تدهور الغطاء النباتي في مناطق الغابات من أكثر أشكال التصحر في المناطق الرطبة وشبة الرطبة وشبه الجافة وتشير معلومات ان مساحات الغابات انخفضت ، ويستدل من الدراسات وبقايا الغابات التي لازالت موجودة في منطقة حوض البحر الابيض المتوسط أن هذه الغابات كانت من أجمل غابات العالم ،أما في الوقت الراهن فلم يبق منها إلا القليل، ويعود تدهور الغابات إلى تتالي الحضارات العريقة في هذه المنطقة وحاجتها إلى الاراضي الزراعية والمراعي.
• تدهور الغطاء النباتي في المراعي: وقد اتخذ أشكالا عدة أهمها انخفاض الانتاجية الرعوية وتدهور أوانقراض الانواع المرغوبة واستبدل بها أنواعا أخرى قليلة القيمة الغذائية أو السامة أو الشوكية ، وفي مناطق كثيرة زال الغطاء النباتي كلية وتحولت المراعي إلى أراض مغطاة بالحصى والرمل .
كما تدهور الغطاء النباتي في كثير من الامكنة كلية مما أدى إلى تخريب التربة وانجرافها بالماء أو الرياح.
4. تملح الترب الزراعية :
وقد يكون تملح الترب الزراعية المروية من أخطر حالات التصحرفي المناطق الجافة وشبة الجافة ، حيث تزداد ملوحة التربة وتنخفض خصوبتها وتتحول تدريجيا الى تربة غير منتجة. وتعود أسباب تملح التربة إلى الاساليب الزراعية الخاطئة حيث تضاف كميات كبيرة من مياه الري تفوق حاجة المحاصيل الزراعية.
كما تعتبر زيادة كمية الاتربة في الهواء كمؤشر أو شكل آخر من أشكال التصحر ، إذ يعني هذا التدهور في النظام البيئي وتعرض التربة إلى عملية تعرية شديدة.
وهكذا تتباين مظاهر التصحر وأشكاله من منطقة إلى اخرى تبعا للاسباب العديدة والمختلفة التي تسهم في خلق هذه المشكلة في المناطق الجافة وشبة الجافة.
تختلف حالة التصحر ودرجة خطورته من منطقة لاخرى تبعا لاختلاف البيئة الطبيعية من ناحية وأسلوب استعمال الانسان لمواردها من ناحية اخرى ، وقد حدد مؤتمر الامم المتحدة عن التصحر (نيروبي1977) أربع درجات للتصحروهي:
1. تصحر أولي أوخفيف: وهي المرحلة التي يبدأ فيها ظهور بوادر تلف أوتدمير بيئي طفيف وموضعي يتمثل في تغيير كمي ونوعي تراجعي لمكونات الغطاء النباتي والتربة بما لايؤثر بشكل واضح في انتاج الانظمة البيئية . وتعتبر هذه المرحلة الشائعة في المناطق الصحراوية ، متمثلة في تراجع طفيف في الغطاء النباتي ، وفي بعض الاراضي الزراعية ، متمثلة في بدء تراكم الاملاح او تغير طفيف في مواصفات بناء التربة.
2. تصحر معتدل: وهي مرحلة معتدلة من التدهور البيئي ، يتمثل في تدهور مقبول في الغطاء النباتي ، وتعرية وانجرافات خفيفة للتربة تنشأ عنها بعض الكثبان الرملية أو الاخاديد، وزيادة ملوحة التربة بما يقلل من الانتاج النباتي . والتصحر المعتدل هو المرحلة الحرجة التي يجب ان يبد أفيها تطبيق أساليب مكافحة التصحر.
3. تصحر شديد: ويتمثل بنقص واضح في نسبة النباتات المرغوبة في الغطاء النباتي حيث تستبدل بها نباتات غير مرغوبة شوكية أو سامة، كما يزداد نشاط انجراف التربة الهوائي والمائي مما يؤدي الى تعرية التربة وتكوين الاخاديد الكبيرة ، كما تزداد ملوحة الاراضي المروية الى درجة ينخفض فيها الانتاج الزراعي الىأكثر من 50% ويصعب معها زراعتها بالاساليب التقليدية ، ويعتبر استصلاح الاراضي في هذه المرحلة عملة ممكنة ولكنها عالية التكاليف.
4. تصحر شديد جدا: وهو المرحلة القصوى للتدهور البيئي حيث تصبح الارض جرداء وتتحول إما الى كثبان رملية أواودية ومناطق صخرية عارية ، أو حدوث درجة عالية من التملح تفقد التربة قدرتها الانتاجية. وتعتبر هذه المرحلة من أخطر حالات التصحر حيث تتحول المنطقة الى صحاري حقيقية ويصبح استصلاحها عملية صعبة وغير اقتصادية.
للتصحر تأثيرات وأضرار يمكن أن تظهر في التربة وفي حياة النبات والحيوان والانسان مثل:
1. انخفاض الانتاجية الزراعية
يؤدي التصحر إلى فقدان التربة لخصوبتها مما يترتب عليه تدهور الانتاجية الزراعية كما ونوعا.
2. انخفاض الانتاجية الحيوانية
يؤدي انخفاض الانتاجية الزراعية وهي البنية الاساسية للمراعي إلى تقليل عدد الاغنام والماشية وتنخفض تبعا لذلك انتاجيتها من اللحوم والحليب.
3. انخفاض القدرة الانتاجية للغابات
تقلص في مساحة الغابات وانخفاض إنتاجيتها.
4. تدهور البيئة البرية
انخفاض أعداد الحيوانات والطيور البرية التي كانت تزخر بها المنطقة البرية وتصبح هذه الحيوانات والطيور مهددة بالانقراض . إن النظم البيئية لا تستطيع اعادة اتزانها البيئي أو على الاقل تحتاج إلى فترة زمنية طويلة وتكلفة اقتصادية عالية ، ذلك إذا ما أحدث الانسان أو الحيوان خللا في تلك النظم البيئية عن طريق الرعي الجائر او استهلاك الموارد البيئية الطبيعية ، فتفقد بذلك النظم البيئية قدرتها الانتاجية . يترتب على ذلك ظهور حالة من حالات التصحر.
يزاك الله خير
تسسلم يمناك
يزاك ربي الف خير اخوي’’
ما قصرت’’
بالتوفيق’’