أريد بحث للغة العربية عن المدارس الشعرية الجديدة والبحث به مقدمة وموضوع وخاتمة و الفهرس و المصادر والتوصيات ولايقل البحث عن 10 صفحات و به التوثيقات وصور بعض الشعراء
وشكراااااااااااااااااا لكم
باعطيك البحوث و المعلومات و انت ضبطهم
________________________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,
الشعر هو لغة العرب,,, اجادوا نظمه,وتفننوا في بحوره ,لايعرف بالضبط من أول من نظم القصيده, الا ان هناك من قال ان الزير سالم(ابو ليلى المهلهل) هو اول من نظم الشعر لذلك سمي بالمهلهل,وقد مر الشعر بمراحل وفترات تعرض فيها للضعف وفي فترات اخرى بقى محافظا على قوته وجزالته.
وقد شهد ادنى مستوى له منذ عصر المماليك مرورا بالعهد العثماني , ثم ما لبث ان بعثت به الروح مع غروب السنوات الاخيره من القرن الثامن عشر , وبدأ فيما بعد بظهور المدارس الشعريه الثلاث التي ما زالت في عصرنا الحالي.
وقد قسم المتخصصون في الادب , الشعر العربي المعاصر لثلاث مدارس شعريه هي :
واسمحوا لي هنا باجتهاد مني باعطاء امثله لكل مدرسة ولكن للشعراء الشعبيين , من حيث (منهج ومجال ) كل مدرسه فقط , وبغض النظر عن الامور الاخرى.وهو اجتهاد شخصي قابل للخطأ والنقد ووجهات النظر الاخرى.
أولا : المدرسة الاتباعية :
وتعرف باسم مدرسة البعث والإحياء الكلاسيكيه.
ومن اهم روادها : البارودي,أحمد شوقي , أحمد محرم , محمد عبدالمطلب , وحافظ ابراهيم , وبشاره الخوري , وشفيق جبري , أحمد السقاف.
مع فروق فردية بين هؤلاء الشعراء تتوقف على ثقافتهم واستعدادهم ومدى حظهم من التجديد.
ومن ملامحها :
1 – تعدد المجالات ( السياسي – الاجتماعي – المجال الادبي الوجداني المتعدد والفردي كالرثاء والمدح )
2 – ظهور المسرحية الشعرية على يد احمد شوقي.
3 – لازال القديم والتقليد يغلبان على افكارها.
4 – نسق الافكار مرتب . وحملت كذلك سمات الاقناع الوجداني.
5 – ظهور شخصية الشعراء مع اختلاف في مدى ذلك بين شاعر وشاعر.
6 – تتميز الصور غالبا في الخيال الجزئي التفسيري الحسي.
7 – تعني في تعبيرها بالجزاله ومتانة السبك , والصحه اللغوية مع شيء من الموسيقى الظاهره المتمثله بالمحسنات دون تكلف.
8 – عدم اكتمال الوحدة العضوية في هذه المدرسة فالبيت لايزال يمثل وحده مستقلة في القصيده.
9 – محافظتها التامة على وحدة الوزن والقافية.
( ومن وجهة نظري ان من يمثل هذه المدرسة – شعبيا – هم محمد الاحمد السديري – خالد الفيصل – ومن النداوية :الكثير يصعب حصرهم هنا )
ثانيا : مدرسة الابتداع " الرومانسية " :
وهي ثمرة اتصال العرب بالعالم الغربي, وظهرت لتكون تعبيرا صادقا عن الذاتيه , والوجدان , والشخصية الفنية المستقله , ورفضها للنهج التقليدي السائد في مدرسة الاحياء الكلاسيكية.
ومن روادها : مطران – ابو القاسم الشابي – ايليا ابي ماضي – عمر ابي ريشه – فهد العسكر.
ومن ملامحها :
1 – الفرار من الواقع , واللجوء للطبيعة ومناجاتها والتفاعل معها واستشراف عالم مثالي.
2 – تمتاز الافكار لدى شعراءها بالاصالة والتجديد والتحليق في عالم الفلسفة والعمق الوجداني.
3 – ظهور ذاتية الشاعر.
4 – يجنحون الى الخيال الى حد بعيد فالشعر عندهم لغة العاطفة والوجدان والخيال المحلق وخيالهم الجزئي فيه ابداع وطرافه.
5 – تمتاز هذه المدرسة بالصور الشعرية الممتده.
6 – التعبير يمتاز بالظلال والايحاء ولفظه حيه نابضه فيها رقه وعذوبه, كما يبدو التساهل اللغوي عند بعض شعراءهم وبخاصة شعراء المهجر.
7 – الوحدة العضوية بارزة في القصيدة , حيث تسود وحدة المقطع لا وحدة البيت ووحدة الجو النفسي للقصيدة متناسقة مع مواقفها.
8 – لا يلتزم كثير من شعراءها بوحدة الوزن والقافية , فقد تتنوع القافية بتنوع المقاطع وقد يلتزمون بنوع التفعيلة دون الالتزام بوحدة عددها.
( ومن وجهة نظري ايضا ان من يمثل هذه المدرسة في (بعض ملامحها ) : ضيدان بن قضعان – على بن حمري – مساعد الرسيدي – نايف صقر – فهد عافت – والكثير من النداوية )
ثالثا : مدرسة الشعر الجديد :
وهي طريقة من التعبير عن نفسية الانسان المعاصر , وقضاياه , ونزوعاته , وطموحه , وآماله , وقد ظهرت لعوامل متعدده منها الرد على المدرسة الابتداعية " الرومانسية" الممعنه في الهروب من الواقع الى الطبيعة والى عوالم مثالية.
ومن روادها :
صلاح عبدالصبور – أحمد عبدالمعطي حجازي – ومحمد الفيتوري.
ومن ملامحها :
1 – الانسان فيها جوهر التجربه , والانسان بمعاناته وحياته اليوميه وقضاياه النفسية والاجتماعية والسياسية.
2 – الجنوح الى الاسطوره , والرمز , والتراث الشعبي , والاشارات التاريخية.
3 – تأثره بروافد مسيحية وصوفية ووثنيه وابتداعية " رومانسية "
4 – تعرية الزيف الاجتماعي والثورة على التخلف.
5 – الوحدة العضوية مكتملة , فالقصيدة بناء شعوري متكامل يبدأ من نقطه بعينها ثم يأخذ بالنمو العضوي حتى يكتمل.
6 – قد يسير على وتيرة واحدة في الوزن والقافية , او على نظام المقطوعات وشعر التفعيلة , او قد لايسير على أي نمط محدد.
7 – ينقسم لقسمين :
أ – شعر واضح : يتحدث فيه الشاعر ببساطه وعفوية ولغة تقترب من لغة التخاطب اليومي.
ب – شعر سريالي"غير واضح " : ويتميز بالغموض , والاغراق بالابهام والرمز والاسطوره ( وهذا يرفع ضغطي 🙂 )
ويستعصي الكثير منه على التحليل والتقويم والنقد بمقاييسنا المألوفه.
(ومن وجهة نظري ايضا ان من يمثل ملامح هذه المدرسة في الشعر الشعبي هم : بدر بن عبدالمحسن – مسفر الدوسري – سعاد الصباح )
انتهى…………….. نقل وبتصرف عن كتاب الادب والنصوص تأليف : د. ابراهيم عبدالرحمن محمد – ابراهيم عابدين – ابو العينين محمد ابو العينين – محمد علي حسين.
ارجو ان اكون وفقت في نقله لكم , وان تعم الفائده للجميع.وارجو ان تتمعن جيدا بملامح هذه المدارس وتعرف الى أي منها تنتمي ان جازت المقارنه.
ودمتم اخوة اعزاء …
اخوكم //// حسن العرجاني
( من كتابنا نشأة الشعر العربي السعودي واتجاهاته الفنية )
الجزء الأول
لم تقف حركة التطور الموسيقية للقصيدة العربية عند حدود التحرر الجزئي من قيود القافية ، بل تخطتها إلى بعد من ذلك ، فقد ظهرت محاولة جديدة وجادة في ميدان التجديد الموسيقى للشعر العربي عرفت " بالشعر الحر " .
وكانت هذه المحاولة أكثر نجاحا من سابقتها كمحاولة الشعر المرسل ، أو نظام المقطوعات ، وقد تجاوزت حدود الإقليمية لتصبح نقلة فنية وحضارية عامة في الشعر العربي ، ولم يمض سنوات قلائل حتى شكل هذا اللون الجديد من الشعر مدرسة شعرية جديدة حطمت كل القيود المفروضة على القصيدة العربية ، وانتقلت بها من حالة الجمود والرتابة إلى حال أكثر حيوية وأرحب انطلاقا .
وبدأ رواده ونقاده ومريدوه يسهمون في إرساء قواعد هذه المدرسة التي عرفت فيما بعد بمدرسة الشعر الحر ، ومدرسة شعراء التفعيلة أو الشعر الحديث ، وفي هذا الإطار يحدثنا أحد الباحثين قائلا " لقد جاءت خمسينيات هذا القرن بالشكل الجديد للقصيدة العربية ، وكانت إرهاصاتها قد بدأت في الأربعينيات ، بل ولا نكون مبالغين ( إذا قلنا ) في الثلاثينيات من أجل التحرك إلى مرحلة جديدة ، مدعاة للبحث عن أشكال جديدة في التعبير ، لتواكب هذا الجديد من الفكر المرن … وقد وجدت مدرسة الشعر الحر الكثير من المريدين ، وترسخت بصورة رائعة في جميع البلدان بدءا ( بالملائكة والسياب والبياني ) في العراق في الأربعينيات ، ثم ما لبثت هذه الدائرة أن اتسعت في الخمسينيات فضمت إليهم شعراء مصريين آخرين مثل صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازي ، وفي لبنان ظهر أحمد سعيد ( أدونيس ) وخليل حاوي ويوسف الخال ، وكذلك فدوى طوقان وسلمى الخضراء الجيوسي في فلسطين ، أما في السودان فقد برز في الأفق نجم كل من محمد الفيتوري وصلاح محمد إبراهيم .
مسميات الشعر الحر وأنماطه :
لقد اتخذ الشعر الحر قبل البدايات الفعلية له في الخمسينيات مسميات وأنماطا مختلفة كانت مدار بحث من قبل النقاد والباحثين ، فقد أطلقوا عليه في إرهاصاته الأولى منذ الثلاثينيات اسم " الشعر المرسل " " والنظم المرسل المنطلق " ranning blank veres و " الشعر الجديد " و " شعر التفعيلة " أما بعد الخمسينيات فقد أطلق عليه مسمى " الشعر الحر " ومن أغرب المسميات التي اقترحها بعض النقاد ما اقترحه الدكتور إحسان عباس بأن يسمي " بالغصن " مستوحيا هذه التسمية من عالم الطبيعة وليس من عالم الفن ، لأن هذا الشعر يحوى في حد ذاته تفاوتا في الطول طبيعيا كما هي الحال في أغصان الشجرة وأن للشجرة دورا هاما في الرموز والطقوس والمواقف الإنسانية والمشابه الفنية .
أما أنماطه فهي أيضا كثيرة وقد حصرها ( س . مورية ) في دراسته لحركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث في خمسة أنماط من النظم أطلق عليها جميعا مصطلح الشعر الحر فيما بين عامي 1926 م ـ 1946 م وها هي بتصرف .
النمط الأول :استخدام البحور المتعددة التي تربط بينها بعض أوجه الشبه في القصيدة الواحدة ، ونادرا ما تنقسم الأبيات في هذا النمط إلى شطرين . ووحدة التفعيلة فيه هي الجملة التي قد تستغرق العدد المعتاد من التفعيلات في البحر الواحد أو قد يضاعف هذا العدد وقد اتبع هذه الطريقة كل من أبى شادي ومحمد فريد أبي حديد .
النمط الثاني : وهو استخدام البحر تاما ومجزوءا دون أن يختلط ببحر آخر في مجموعة واحدة مع استعمال البيت ذي الشطرين ، وقد ظهرت هذه التجربة في مسرحيات شوقي .
النمط الثالث : وهو النمط الذي تختفي فيه القافية وتنقسم فيه الأبيات إلى شطرين كما يوجد شيء من عدم الانتظار في استخدام البحور ، وقد اتبع هذه الطريقة مصطفى عبد اللطيف السحرتى .
النمط الرابع : وهو النمط الذي يختفي فيه القافية أيضا من القصيدة وتختلط فيه التفعيلات من عدة بحور ، وهو أقرب الأنماط إلى الشعر الحر الأمريكي ، وقد استخدمه محمد منير رمزي .
النمط الخامس : ويقوم على استخدام الشاعر لبحر واحد في أبيات غير منتظمة الطول ونظام التفعيلة غير منتظم كذلك ، وقد استخدم هذه الطريقة كل من علي أحمد باكثير وغنام والخشن .
وهذا النمط الأخير من أنماط الشعر الحر التي توصل إليها موريه هو فقط الذي ينطبق عليه مسمى الشعر الحر بمفهومه بعد الخمسينيات ، والذي نشأت أولياته على يد باكثير ـ كما ذكر موريه ـ ومن ثم أصبحت ريادته الفعلية لنازك الملائكة ومن جاء بعدها ، ولتأكيد هذا الرأي نوجز مفهوم الشعر الحر في أوائل الخمسينيات وجوهره ونشأته ودوافعه وأقوال بعض النقاد والباحثين حوله .
مفهوم الشعر الحر :
تقول نازك الملائكة حول تعريف الشعر الحر ( هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ويكون هذا التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه ) .
ثم تتابع نازك قائلة " فأساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم على وحدة التفعيلة والمعنى البسيط الواضح لهذا الحكم أن الحرية في تنويع عدد التفعيلات أو أطوال الأشطر تشترط بدءا أن تكون التفعيلات في الأسطر متشابهة تمام التشابه ، فينظم الشاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المكررة أشطراً تجري على هذا النسق :
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
ويمضي على هذا النسق حرا في اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد غير خارج على القانون العروضي لبحر الرمل جاريا على السنن الشعرية التي أطاعها الشاعر العربي منذ الجاهلية حتى يومنا هذا .
ومن خلال التعريف السابق تؤكد نازك ما توصل إليه موريه في النمط الخامس من أنماط الشعر الحر الذي أشرنا إليه سابقا والذي يعتمد على البحر الواحد في القصيدة مع اختلاف أطوال البيت وعدد التفعيلات ، مع تعديل يسير في تعريف موريه وهو أن تضع كلمة شطر بدلا من كلمة بيت ليستقيم التوافق مع مفهوم الشعر الحر بعد الأربعينيات لأن كلمة بيت تعني التزام نظام الشرطين المتساويين في عدد التفعيلات والروي الواحد ، وهو النظام المتبع في القصيدة التقليدية بشكلها الخليلي ، والشعر الحر الذي يعنيه موريه ليس كذلك .
وقد أشار الدكتور محمد مصطفى هدارة إلى نظام التفعيلة في الشعر الحر وعدم التزامه بموسيقى البحور الخليلية فقال : " إن الشكل الجديد ( أي الشعر الحر ) يقوم على وحدة التفعيلة دون التزام الموسيقى للبحور المعروفة ، كما أن شعراء القصيدة الحرة يرون أن موسيقى الشعر ينبغي أن تكون انعكاسا للحالات الانفعالية عند الشاعر .
ومما سبق تتضح لنا طبيعة الشعر الحر ، فهو شعر يجري وفق القواعد العروضية للقصيدة العربية ، ويلتزم بها ، ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل ، والتحرر من القافية الواحدة في أغلب الأحيان . فالوزن العروضي موجود والتفعيلة ثابتة مع اختلاف في الشكل الخارجي ليس غير ، فإذا أراد الشاعر أن ينسج قصيدة ما على بحر معين وليكن " الرمل " مثلا استوجب عليه أن يلتزم في قصيدته بهذا البحر وتفعيلاته من مطلعها إلى منتهاها وليس له من الحرية سوى عدم التقيد بنظام البيت التقليدي والقافية الموحدة . وإن كان الأمر لا يمنع من ظهور القافية واختفائها من حين لآخر حسب ما تقتضيه النغمة الموسيقية وانتهاء الدفقة الشعورية .
وإنما الشطر هو الأساس الذي تبنى عليه القصيدة ـ وقد رأى بعض النقاد أن نستغني عن تسمية الشطر الشعري بالسطر الشعري ـ وله حرية اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد وذلك حسب الدفق الشعوري عنده أيضا ، فقد يتكون الشطر من تفعيلة واحدة ، وقد يصل في أقصاه إلى ست تفعيلات كبيرة " كمفاعلين ومستفعلن " ، وقد يصل إلى ثمان صغيرة إذا كان البحر الذي استخدمه الشاعر يتكون من ثماني تفعيلات صغيرة كفعولن وفاعلن ، غير أن كثير من النقاد لم يحدد عدد التفعيلات في الشطر الواحد ، وإنما تركت الحرية للشاعر نفسه في تحديدها كما أسلفنا " وفقا لتنوع الدفقات والتموجات الموسيقية التي تموج بها نفسه في حالتها الشعورية المعينة " .
أما من حيث القافية فيحدثنا الدكتور عز الدين إسماعيل قائلا : " فالقافية في الشعر الجديد ـ بباسطة ـ نهاية موسيقية للسطر الشعري هي أنسب نهاية لهذا السطر من الناحية الإيقاعية ومن هنا كانت صعوبة القافية في الشعر الجديد وكانت قيمتها الفنية كذلك … فهي في الشعر الجديد لا يبحث عنها في قائمة الكلمات التي تنتهي نهاية واحدة ، وإنما هي كلمة " ما " من بين كل كلمات اللغة ، يستدعيها السياقان المعنوي والموسيقي للسطر الشعري ، لأنها هي الكلمة الوحيدة التي تضع لذلك السطر نهاية ترتاح النفس للوقوف عندها .
ومع أن الشاعر الذي يكتب قصيدة الشعر الحر ، يمكنه استخدام البحور الخليلية المفردة التفعيلات والمزدوجة منها على حد سواء إلا أن البحور الصافية التفعيلات هي أفضل البحور التي يمكن استخدامها وأيسرها في كتابة الشعر الحر ، لاعتمادها على تفعيلة مفردة غير ممزوجة بأخرى حتى لا يقع الشاعر في مزالق الأخطاء العروضية ، أو يجمع بين أكثر من بحر في القصيدة الواحدة .
والبحور الصافية التفعيلات هي : التي يتألف شطرها من تكرار تفعيلة واحدة ست مرات كالرمل والكامل والهزج والرجز والمتقارب والمتدارك . كما يدخل ضمن تلك البحور مجزوء الوافر " مفاعلتن مفاعلتن " . وهذا ما جعل نازك الملائكة تقرر بان الشعر الحر جاء على قواعد العروض العربي ، ملتزما بها كل الالتزام ، وكل ما فيه من غرابة أنه يجمع الوافي والمجزوء والمشطرور والمنهوك جميعا . ومصداقا لما نقول أن نتناول أي قصيدة من الشعر الحر ، ونعزل ما فيها من مجزوء ومشطور ومنهوك ، فلسوف ننتهي إلى أن نحصل على ثلاث قصائد جارية على الأسلوب العربي دون أية غرابة فيها .
جوهر الشعر الحر :
أما جوهره فهو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية للواقع التي تعيشه الإنسانية المعذبة .
فالقصيدة الشعرية إنما هي تجربة إنسانية مستقلة في حج ذاتها ، ولم يكن الشعر مجرد مجموعة من العواطف ، والمشاعر ، والأخيلة ، والتراكيب اللغوية فحسب ، وغنما هو إلى جانب ذلك طاقة تعبيرية تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة ـ كما أن موضوعاته هي موضوعات الحياة عامة ، تلك الموضوعات التي تعبر عن لقطات عادية تتطور بالحتمية الطبيعية لتصبح كائنا عضويا يقوم بوظيفة حيوية في المجتمع . ومن أهم تلك الموضوعات ما يكشف عما في الواقع من الزيف والضلال ، ومواطن التخلف والجوع والمرض ، ودفع الناس على فعل التغيير إلى الأفضل .
نشأة الشعر الحر ودوافعه ومميزاته :
تقول نازك الملائكة " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 م في العراق ، ومن العراق ، بل من بغداد نفسها ، وزحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله ، وكادت بسبب الذين استجابوا لها ، تجرف أساليب شعرنا الأخرى جميعا ، وكانت أولى قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا " ، تم قصيدة " هل كان حبا " لبدر شاكر السياب من ديوانه أزهار ذابلة ن وكلا القصيدتين نشرتا في عام 1947 م .
عير أن نازك وغي مقدمة كتابها " قضايا الشعر المعاصر " الذي نقلنا منه النص السابق ، تعترف بأن بدايات الشعر الحر كانت قبل عام 1947 م فتقول : " في عام 1962 م صدر كتابي هذا وفيه حكمت بأن الشعر الحر قد طلع من العراق ، ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي ، ولم أكن يوم قررت هذا الحكم أدري أن هناك شعرا حرا قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 م ، سنة نظمي لقصيدة " الكوليرا " ، ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب منذ سنة 1932 م ، وهو أمر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين ، لنني لم أقرأ بعد تلك القصائد من مصادرها ، وإذا بأسماء غير قليلة ترد في هذا المجال منها اسم على أحمد باكثير ، ومحمد فريد أبي حديد ، ومحمود حسن إسماعيل ، وعرار شاعر الأردن، ولويس عوض وسواهم .
وعبثا تحاول نازك بعد أن ايثقنت أن أوليات الشعر الحر لم تكن لها ، وذلك باعترافها الذي دوناه سابقا ـ أن تجعل موطن الشعر الحر هو العراق ـ وإن كان ذلك لا يؤثر لا من قريب ولا من بعيد على نشأة أي عمل أدبي أن يكون من العراق ، أو من مصر ، أو من الحجاز ، أو غيرها من أقطار الوطن العربي ، وإنما الغرض هو تصحيح مسار النشأة وتاريخها ليس غير ـ فتقول نازك " ثم أن الباحث الدكتور أحمد مطلوب قد أورد في كتابه النقد الأدبي الحديث في العراق قصيدة من الشعر الحر عنوانها " بعد موتي " نشرتها جريدة العراق ببغداد سنة 1921 م تحت عنوان النظم المطلق ، وفي تلك السن المبكرة من تاريخ الشعر الحر لك يجرؤ الشاعر على إعلان اسمه ، وغنما وقع ( ب ن ) " ثم تذكر نازك جزءا من القصيدة ، وتعقب قائلة : " والظاهر أن هذا أقدم نص من الشعر الحر " ، وقد أحسنت نازك عندما قالت ( والظاهر أن هذا أقدم نص من الشعر الحر ، لأنها حينئذ لم تجزم بأقدمية النص ، وبالفعل أثبتت الدراسات الأدبية بأن هذا النص لم يكن أقدم نص ، وإنما هناك ما هو أقدم منه إن لم يكن في نفس الحقبة الزمنية . ـ وسوف نتحدث عن ذلك النص الشعري في موضعه عند حديثنا عن الشعر الحر عن الشعراء السعوديين إن شاء الله .
ثم تحاول نازك مرة أخرى نفي تلك البدايات ن فتطرح سؤالا تبرز من خلال إجابته أن تلك البدايات غير موفقة ، أو لم تخضع لشروط ومواصفات معينة سنعرفها فيما بعد ، فتقول : " هل نستطيع أن نحكم بأن حركة الشعر الحر بدأت في العراق سنة 1921 م ، أو أنها في مصر سنة 1923 م .
وبالفعل أن ما توصلت إليه نازك من خلال إجابتها بنفسها على سؤالها المطروح آنفا يؤكد من جانبها نفي الحكم عن بدايات تلك الحركة ، لأنها لم تنطبق عليها الشروط التي رسمتها لفاعلية تلك الأوليات ، ومن هنا احتفظت نازك لنفسها بفضل السبق في ولادة الشعر الحر عام 1947م ، وكأن ما ولد قبل ذلك كان خداجا ، ولم يستوف مدة الحمل التي حددتها السيدة نازك لمثل هذه البدايات الفنية .
أما الشروط التي فرضتها لتطبيقها على تلك الأوليات هي : ( بتصرف )
1 ـ أن يكون ناظم القصيدة واعيا إلى أنه قد استحدث بقصيدته أسلوبا وزنيا جديدا .
2 ـ أن يقدم الشاعر قصيدته تلك أو قصائده مصحوبة بدعوة إلى الشعراء يدعوهم فيها إلى استعمال هذا اللون في جرأة وثقة .
3 ـ أن تستثير دعوته صدى بعيدا لدى النقاد والقراء .
4 ـ أن يستجيب الشعراء للدعوة ، ويبدؤوا فورا باستعمال اللون الجديد .
وبتلك الشروط الآنفة تنفي نازك البدايات الأولى للشعر الحر سواء أكانت في العراق سنة 1921 م أو في مصر سنة 1932 م ، لأنها لم تنطبق على تلك الأعمال الشعرية ، والتي تعتبر الإرهاصات الأولى للشعر الحر . كما أن نازك بهذه الشروط كأنها نصبت نفسها حاميا ومقننا للشعر الحر ، فما تجاوز منه هذه الشروط التي لا تمت لفنيات القصيدة بصلة لا يعد منه .
وإذا كانت هذه الشروط التي وضعتها نازك باختيارها الشخصي لم تنطبق على الأعمال التي أشارت إليها بنفسها ن هل يعني هذا أن نسلم أن بدايات الشعر الحر لك يكن لها وجود قبل عام 1947 م ، وهو التاريخ الذي حددت فيه نازك البداية الفعلية لهذا اللون من الشعر ؟
إن الإجابة على هذا السؤال ـ في رأيي ـ تحتاج إلى وقفة متأنية ، لأن نازك عندما قررت تلك البداية لم تطلع على الأعمال الشعرية الأخرى لشعراء آخرين غير التي اطلعت عليها في الشعر الحر قبل عام 1947 م ، ولها في ذلك عذر ، لأنه حينئذ ليس من اليسير على الإنسان أن يكون على علم كامل بكل ما أنتجه الشعراء ، أو الأدباء في حقبة زمنية ليست بالقصيرة ، وعلى اتساع أقطار العالم العربي ، في فترة كانت وسائل الإعلام والنشر أعجز مما أن تؤدي مهمتها بنجاح ، وإن كان الأمر يتطلب بعدم الجزم في مثل هذه الأحوال ـ بأن الساحة الأدبية خلو تماما من أمثال هذه الأعمال الأدبية ، وهذا ما وقعت فيه نازك عندما ظنت أنه لم يسبقها إلى هذا العمل أحد من الشعراء ، فأصدرت حكمها وأطلقته ، وقررت أن البدايات الفعلية للشعر الحر كانت في العراق ن ومن بغداد بالذات عام 1947 م .
وبعد هذا العرض المفصل لنشأة الشعر الحر ، إن ما نريد الوصول إليه أن السيدة نازك الملائكة قد حكمت وأطلقت الحكم وعممته دون ترو منها ، لأن هناك بدايات غير التي أشارت إليها أيضا ، وإن كانت هذه البدايات لم تحفل باهتمامها ، أو لم تنطبق عليها شروطها ، فإن هذه البدايات ربما تكون ذا شأن في تحديد نشأة الشعر الحر تحديدا فعليا ، ويحسم الموقف ، على الرغم بأننا لا نريد أن نجزم بأنها قد تكون البداية الأولى أيضا فنطلق الحكم ونعممه ، ونقع فيما وقعت فيه نازك ، لن التاريخ ربما يثبت غير ذلك فيما بعد . أما هذه البدايات فسوف نتحدث عنها في موضعها إن شاء الله ، وقد ألمحنا لهذا سابقا .
الجزء الثاني
دوافعه ومميزاته :
لقد أكدت الأبحاث الأدبية والنقدية التي دارت حول مفهوم الشعر وجوهره أن هذا اللون من الشعر لم ينشأ من فراغ ، وتلك قاعدة ثابتة في كل الأشياء التي ينطبق عليها قانون الوجود والعدم تقريبا . فما من عملية خلق أو إيجاد إلا ولها مكونات ودوافع تمهد لوجودها وتبشر بولادتها كما أنه لا بد من وجود المناخ الملائم والبيئة الصحية التي ينمو فيها هذا الكائن أو تلك .
وكذلك الشعر فهو كالكائن الحي ـ إن لم يكن كائناً حياً كغيره من الكائنات الأخرى كما يذكر مؤرخو الأدب والنقاد ـ الكائن الذي يولد صغيراً ثم يشتد ويقوى على عنفوان الصبا والشباب وأخيراً لا يلبث أن يشيخ ويهرم بمرور الزمن وتقادم العهد وإن كان في النهاية لا يموت كغيره من الكائنات الحية وإنما يبقى خالداً ما بقى الدهر إلا ما كان منه لا يستحق البقاء فيتآكل كما تتآكل الأشياء ويبلى ثم ينقرض دون أن يترك أثراً أو يخلف بصمة تدل عليه .
ومن هذا المنظور كان الشعر الحر ـ ولا أريد أن أقول الشعر الحديث أو الجديد لأن الحداثة والجدة شيء نسبي لا تتغير بتغير الزمن وتتقادم بقدمه فما هو جديد اليوم يصبح قديماً غداً وما كان جديداً بالأمس يصبح اليوم قديماً ـ كان وليد دوافع وأسباب تضافرت معاً وهيأت لولادته كغيره من الأنماط الفنية الأخرى التي تولد على أنقاض سابقتها بعد أن شاخت وهرمت وأمست أثراً من آثار الماضي وربما تلازمها وتسير إلى جانبها ما دام لكل منها ملامحه الخاصة وأنصاره ومؤيدوه .
وقد رأى كثير من الباحثين والنقاد أن من أهم العوامل التي ساعدت على نشأة الشعر الحر وهيأت له إنما تعود في جوهرها إلى دوافع اجتماعية وأخرى نفسية بالدرجة الأولى إلى جانب بعض العوامل الأخرى المنبثقة عن سابقتها .
فالدوافع الاجتماعية تتمثل فيما يطرأ على المجتمع من مظاهر التغيير والتبديل لأنماط الحياة ومكوناتها وللبنية الاجتماعية والتكوين الحضاري والأيدلوجي ، والشاعر المبدع كغيره من أفراد المجتمع ـ وإن كان يمثل شريحة مثقفة ـ يتأثر ويؤثر في الوسط الذي يعايشه ، فإذا رأى أن الإطار الاجتماعي ومكوناته أصبح عاجزاً عن مواكبة الركب الحضاري المتقدم في حقبة زمنية ما أحس في داخله رغبة إلى التغيير ، وأن هناك هاجساً داخلياً يوحي إليه بل ويشده إلى خلق نمط جديد ولون مغاير لما سبق ليسد الفراغ الذي نشأ بفعل التصدع القوى في البنية الاجتماعية للأمة ، ولم يكن أمام الشاعر ما يعبر عنه عن هذا التغيير الملح والذي يؤيده إلا بالشعر ، فهو أداته ووسيلته التي يملك زمامها وله حرية التصرف فيها فيصب عليه تمرده وثورته مبدعاً وخالقاً ومبتكراً ومغيراً ومجدداً كيفما تمليه عليه النزعة الداخلية لبواطن النفس تعبيراً عن ذاتية نزعت إلى التغيير والتحرير في البناء الاجتماعي المتصدع ومعطياته ومكوناته الأساسية لما تقتضيه سبل الحضارة وعوامل التطور .
أما الدوافع النفسية فهي انعكاس لما يعانيه الشاعر من واقع مؤلم نتج عن الكبت الروحي والمادي الذي خلقه الاستعمار على عالمنا العربي ، وكانت نتيجته وأد الحريات في نفوس الشعوب وقتل الرغبة في التطلع إلى الحياة الفضلى مما أدى إلى الشعور بالغبن والظلم والاستبداد والضيق الشديد والمعاناة الجامحة من هذا التسلط الذي نمى في النفوس حب الانطلاق والتحرر من عقال الماضي ، وأوجد الرغبة في التحرر على المخلفات البالية ـ فتولد عن الميل بل الجنوح إلى خلق نوع جديد من العطاء الفني تلمس فيه الأمة بأنها بدأت تستعيد نشاطها وحريتها ، وأن سحابة الكبت المخيمة على سمائها قد تبددت وإلى الأبد وأعقبها الغيث الذي سيغسل النفوس من أدرانها ويعيد إليها حيويتها وجدتها ، وما هذا العطاء الفني المتجدد إلا ثمرة من ثمار الثورة والتمرد على الواقع المرير والبوح بالمعاناة التي يحس بها الشاعر ، وترجمة لنوازع نفسية داخلية تميل إلى الرفض وتنزع إلى العطاء المتجدد .
وإلى جانب الدافع الاجتماعي والنفسي ثَمَّ دوافع أخرى لا تق أهمية عن سابقتها بل هي وليدة عنها ، منها " النزعة إلى تأكيد استقلال الفرد التي فرضت على الشعراء الشبان البعد عن النماذج التقليدية في الشعر العربي ، وإبراز ذاتيتهم بصورة قوية مؤكدة " .
كما يؤكد الدكتور محمد النويهي بأن الدافع الحقيقي إلى استخدام هذا اللون من الشعر هو " الرغبة في استخدام التجربة مع الحالة النفسية والعاطفية للشاعر ، وذلك لكي يتآلف الإيقاع والنغم مع المشاعر الذاتية في وحدة موسيقية عضوية واحدة " .
أما مميزات الشعر فلا تقل أهمية عن غيرها من مميزات المدارس الشعرية الأخرى بل ربما كان هذا اللون من الشعر أكثر تحقيقاً لبعض العناصر التي لم تتوفر في الأنماط الشعرية الأخرى كالوحدة العضوية مثلاً ، وفي هذا الإطار يقول أحد الباحثين : " وإذا كان شعراء المدرسة الرومانسية قد نجحوا في تحقيق الوحدة الموضوعية للقصيدة الشعرية ، فإن شعراء مدرسة الشعر الحر قد وفقوا في تحقيق الوحدة العضوية المبنية على التناسق العضوي بين موسيقى اللفظ أو الصورة وحركة الحدث أو الانفعال الذي يتوقف عليه " .
ثم يواصل الباحث حديثه قائلاً : " وإن هذا بدوره يؤدي إلى إبراز مظاهر النمو العضوي للانفعالات والمشاعر ، ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا كان الشكل الجديد للقصيدة العربية أقرب معانقة لروح العصر الذي نعيشه وأكثر استيعاباً لمضامينه الحية ، بالإضافة إلى ما يتميز به من مرونة في موسيقاه حيث تتلون بتلون الانفعال ، وتنمو بنمو الموقف وديمقراطية اللغة حيث تقترب هذه اللغة من الإنسان العادي في الشارع والمصنع والحقل ، وكذلك ربما يرمز إليه من تعدد في التشكيل وترادف في التركيب وموضوعية في الرصد وشمولية في التمثيل والهروب من الذات " .
وقد أشار إلى بعض الميزات السابقة أحد الباحثين أيضاً قال : " وقد تميزت قصيدة الشعر الحر بخصائص أسلوبية متعددة فقد اعتمدت على الوحدة العضوية ، فلم يعد البيت هو الوحدة وإنما صارت القصيدة تشكل كلاماً متماسكاً ، وتزاوج الشكل والمضمون ، فالبحر والقافية والتفعيلة والصياغة وضعت كلها في خدمة الموضوع وصار الشاعر يعتمد على " التفعيلة " وعلى الموسيقى الداخلية المناسبة بين الألفاظ " .
وخلاصة القول إن انطلاقة القصيدة العربية وتحررها من عقالها جعلها أكثر مرونة وحيوية وتجاوباً مع نوعية الموضوع الذي تكتب فيه ، ومنحت الشاعر الفرصة في التعبير عن مشاعره وتجاربه الشعورية بحرية تامة فلا تقيد بأطوال معينة للبيت الشعري ولا كد للذهن بحثاً عن الألفاظ المتوافقة الروى ليجعل القصيدة على نسق واحد وما تتهيأ تلك الأمور للشاعر إلا على حساب الموضوع من جانب وفقدان الوحدة العضوية وعدم الترابط بين مكونات القصيدة من جانب آخر ، ومن هنا نجد ميل الشعراء المحدثين إلى استخدام قصيدة الشعر الحر للتعبير عن مشاعرهم وذلك لما تميزت به من سمات فنية جمعت فيها إلى جانب الوحدة الموضوعية ، والوحدة العضوية والموسيقية أضف إلى تحررها من القيود الشكلية التي تحد من قدرات الشاعر وانطلاقه في التعبير عن خوالج نفسه بحرية وعفوية تامتين .
قصيدة النثر :
ثم ظهر إلى جانب الشعر الحر محاولة أخرى وهي إن كانت أقل شأناً منه من حيث الانتشار إلا أنها خطيرة في حد ذاتها ، لأنها ستقلب مفاهيم الشعر ومعاييره رأساً على عقب ، وتخرجه عن مساره التي رسمه له الشعراء والنقاد ليسلك دروباً وعرة ربما لا يحظى فيها بالنجاح والقبول حتى من عامة الجمهور الذين عرفوا الشعر في أبسط صورة وزناً وقافية على أقل تقديره ، بله المثقفين وعشاق الأدب تلك المحاولة التي استحدثها بعض الشعراء وأعطوها شكلاً جديداً يغاير شكل القصيدة العربية القديمة كما يخالفها في شكلها الجديد المعروف بالشعر الحر ، وقد أسموا هذا اللون من الكلام أو النثر " قصيدة النثر " أو " الشعر المنثور " .
وهذا النمط من أنماط النثر لا يمت إلى الشعر بصلة ولا يشاركه في عنصر من عناصره اللهم وجود العاطفة والخيال والتصوير وتلك سمات مشتركة في أي عمل فني .
وقد تعرض الدكتور شوقي ضيف للحديث عن هذا النوع من الشعر ـ وأسميته شعراً تجاوزاً ـ فقال : " هناك نمطان ( من الشعر ) الأول يعتمد اعتماداً كبيراً على قوة الخيال والعاطفة والتصوير ولا علاقة له بالشعر حيث يخلو من الوزن والقافية ، والنمط الثاني يعتمد على قافية متنوعة دون الالتزام بالأوزان الشعرية المعروفة وإيقاعاتها ويشبه في أدبنا ما يعرف بالنثر المسجوع " .
ومما تجد الإشارة إليه بأن كلا النمطين لا يمتان للشعر بصلة إذ يفتقران إلى أبسط معاييره وهو الوزن الذي لا شك أنه العلاقة الفارقة بين ما هو شعر وما هو نثر إلى جانب المقومات الفنية الأخرى التي لا غنى عنها في قصيدة الشعر .
ويبدو أن أول من كتب هذا اللون من النثر المسجوع وأسماه شعراً الشاعر محمد منير رمزي والذي قال عنه السحرتي : " لقد أتحف موسيقى الشعر الحر أحد شباب جامعة فاروق الأول بشعر صاف رومانتيكي غارق في الرومانتيكية " .
ثم يستعرض له نتفاً من ذلك الشعر ، يقول محمد منير رمزي :
" إن الليل عميق يا معبودتي ، لكن أعماقه ضاقت بآلامي …. أحكي له في دمعة أشجاني وأرسل في آذان الصمت أغنيتي …. لكن أصداءها ترتد في ذلك إلى قلبي فيطويها " .
البعض يقول : إن " الشعر الحر عجز ، وليس قدرة "
هل هذه المقولة حقيقية ؟
وهل هناك تمايز بين الشعر العمودي ، والشعر الحر ، وأيهما أفضل ؟
وأنت كأديب ماذا تفضل ؟
هذه بعض التساؤلات وردتني من قرائي على المنتديات الأخرى تتعلق بموضوع الشعر الحر فأثبتها تحقيقا للفائدة واستكمالا للموضوع .
الجواب : يقول الأستاذ / عباس محمود العقاد حول مفهوم التجديد في الشعر بوجه عام " إذا أوجزنا قلنا إن التجديد هو اجتناب التقليد ،فكل شاعر يعبر عن شعوره ، ويصدق في تعبيره فهو مجدد ، وإن تناول أقدم الأشياء " .
ويضيف قائلا " وإذا كان التجديد هو اجتناب التقليد ، فالتجديد هو اجتناب الاختلاف ، والمختلف هو كل من يجدد ليخالف ، وإن لم يكن هناك موجب للخلاف " ومن المفهومين السابقين لمعنى التجديد عند العقاد يتضح لنا أن التجديد هو الصدق في التعبير أيا كان نوع الموضوع الذي يطرقه الشاعر أو المبدع بوجه عام ، كما أنه يعني عدم التقليد والوقوع في أحضان القديم الموروث ، ومحاكاته والنسج على منواله ، وإنما هو عملية خلق وإبداع ، تستمد من ذات المبدع ، وبواطن نفسه ، سواء أكان ذلك التجديد في إطار الأوزان والموسيقا الشعرية ، أم في اختيار الموضوعات والألفاظ التي لم يطرقها الآخرون .
غير أن التجديد عند العقاد لا يعني أيضا الاختلاف الذي يهدف إلى مخالفة المألوف ، والخروج عن الأطر التي ينبغي الوقوف عندها ن وفي تصوري أن في ذلك دعوة من العقاد إلى عدم التحرر الكلي ، أو التمرد الكامل على شكل القصيدة العربية ، بحيث لا تخرج عن الأشكال التجديدية التي سارت في ركابها منذ العصر العباسي ، وحتى الأربعينيات من القرن العشرين الميلادي ، التي أخذ فيها التجديد للقصيدة العربية منحى جديدا غير الذي عرفه شعراء العربية في عهودهم المختلفة ، والذي عرف فيما بعد بالشعر الحر .
ولم تكن فكرة التجديد والتحرر من قيود القصيدة العربية سواء في أوزانها ، أو قافيتها أمرا جديدا أو مبتكرا عند الشعراء العرب المحدثين ، وإنما الأمر تجاوز ذلك ليعود بنا إلى الوراء قرونا طوالا لنلتقي فيه مع القصيدة الجديدة الشكل في العصر العباسي ، عندما ظهرت موجة التجديد ، والخروج على الشكل التقليدي المألوف للقصيدة العربية في عصورها الخوالي ، وبرز إلى ساحة الشعر بعض الشعراء المجددين ، أمثال بشار بن برد ، ومن تلاه ، ليحطموا جدر الجمود للقصيدة ، ويحاولوا الخروج من أصداف المألوف ، ويبتكروا شكلا حديدا للقافية عرف بالمخمسات الي تتوالى فيه القصيدة في وحدات خماسية الأشطر على أصل الشعر المعروف باسم المسمط . كما تلاه الشعر المزدوج الذي تتوالى في محدات القصيدة ثنائية الأشطر ، بحيث يتحد كل شطرين في قافية موحدة . ثم شاع التجديد في الشعر العربي على أيدي الشعراء الأندلسيين فظهر منه المشطرات بأنواعها ، كالمثلثات والمربعات والمخمسات والمسمطات والموشحات التي طبقت شهرتها الآفاق في ذلك الحين .
وقد تفنن الشعراء المحدثون في عملية التجديد الموسيقي ، وتنوع القوافي ، واهتموا بها اهتماما بالغا ن وأكثر من عني بتطوير الموسيقى الشعرية ، وتفنن في الأوزان والقوافي في العصر الحديث هم شعراء المهجر كجبران ونعيمة وأبي ماضي ، وأبي شبكة وفرحات ، ثم تلاهم مدرسة الديوان ، فمدرسة أبلو ، وما تلاها من المدارس الشعرية المستحدثة الأخرى .
بيد أن هذه المحاولات التجديدية عند الشعراء العرب المجددين لم تتجاوز السطحية المحدودة لتشكيل موسيقا القصيدة ، ولم تتسع لتصل إلى جوهر التغيير الذي شهدته القصيدة العصرية في ثوبها الجديد الذي يتناسب وما كرا على الحياة من مضامين ، وأفكار وتجارب مختلفة ، وما لازمها من أيدلوجيات وانقلابات حضارية فظهر ما عرف بالشعر المرسل الذي قد يكون الفضل في ظهوره للشاعر الدكتور عيد الرحمن شكري ، الذي قال عنه نقولا حنا في مقدمة ديوان شكري كان له الفضل في أن يكون أول من يثور على القافية ، ويرى فيها عائقا على الوحدة العضوية للقصيدة ، فأدخل الشعر المرسل ، وبذلك أسهم في وضع أساس القصيدة العربية الجديدة .
ولم يلبث أن تنادى غير شاعر في أوائل القرن العشرين بالتحرر من القافية التي تقف سدا يحول دون نظم القصائد الطويلة ، فأسرع توفيق البكري فصنع قصيدة بدون قافية أسماها ذات القوافي ، ثم تلاه الزهاوي ، وعبد الرحمن شكري .
أما مفهوم الشعر المرسل فيعني التزام القصيدة ببحر عروضي واحد مع التحرر من عقال الروي أو ما يعرف بالقافية ، غير أن هذا النمط من الشعر لم يكن ذا شأن في تطوير موسيقا القصيدة العربية ، فهو لم يضف جديدا ، بل تشعر فيه برتابة الموسيقا الناجمة عن انفصال البحر العروضي عن موسيقا القافية المختلفة من القصيدة ، وعدم اطراد النغم الموسيقي في أبياتها لشكل وحدة موسيقية واحدة . لذلك لم يكتب له النجاح والانتشار لعزوف الشعراء عنه ، وعم متابعة اللاحق للسابق في هذا اللون من الشعر .
وقد أدى عزوف الشعراء المحدثين عن كتابة الشعر المرسل للبحث عن نوع أخر من أنواع التجديد ، فالتمسوه في نظام المقطوعات الشعرية التي عرفت بالثنائيات ، والثلاثيات والرباعيات والخماسيات ن وقد تكبر المقطوعة وتصغر في القصيدة الواحدة بحسب تنوع الفكرة التي يتطرق إليها الشاعر من خلال الموضوع الرئيس الذي تحويه القصيدة ككل . ويجب أن يكون عدد أبيات المقطوعات في القصيدة الواحدة متساويا ، وأكثر من عني بهذا النوع من الشعر شعراء المهاجر الأمريكية .
ولم تتوقف حركة التطور الموسيقية للقصيدة العربية عند حدود التحرر الجزئي من قيود القافية بل تخطتها إلى أبعد من ذلك ، فظهرت محاولة جديدة وجريئة وجادة في ميدان التجديد الموسيقي للشعر العربي عرفت بالشعر الحر . وكانت هذه المحاولة أكثر نجاحا من سابقاتها ، وتجاوزت حدود الإقليمية لتصبح نقلة فنية وحضارية عامة في الشعر العربي ، ولم يمض سنوات قلائل حتى شكل هذا اللون الجديد من الشعر مدرسة شعرية جديدة حطمت كل القيود المفروضة على القصيدة العربية ن وانتقلت بها من حالة الجمود والرتبة إلى حالة أكثر حيوية ، وأرحب انطلاقا .
ورغم ظهور هذا النوع من الشعر والذي عرف بالشعر الحر ، أو شعر التفعيلة بقت القصيدة العربية التقليدية الشكل ، ولكنها متجددة في أفكارها ومعانيها ، وصورها ، وألفاظها بقيت لها شعراؤها وقراؤها ومحبوها ، بل وحافظت على مكانتها أمام هذا التيار التجديدي ، وأصبح مقياس التمايز بين النوعين هو قدرة الشاعر على التعبير عن معاناته الحقيقية للواقع الذي تعيشه الإنسانية ، وما تحويه القصيدة من الطاقات التعبيرية التي تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة وبشكل القصيدة التي يريد ، وتمنحه القدرة على التعبير بحرية مطلقة ليصل إلى تحقيق الغرض الذي يتحدث عنه .
والشاعر الناجح هو الذي يستطيع التوفيق بين اللونين من الشعر ، فقدراته الكتابية تأهله للتعبير عن ذاته ، وخوالج نفسه ، ونقل تجربته إلى المتلقين بوساطة القصيدة العمودية ، أو قصيدة الشعر الحر ، على الرغم أن نظم القصيدة العمودية قد يكون أكثر سهولة من قصيدة شعر التفعيلة ( الشعر الحر ) ، وقد مارس معظم الشعراء المحدثين كتابة النوعين ، وكثير منهم استطاع أن يوازن بين عدد قصائده التي كتبها على صورة القصيدة العمودية ن وبين قصائده التي كتبها على شكل القصيدة الحرة .
أما فيما يتعلق بي كشاعر فلا أرى أن هناك ما يدفعني لتفضيل نوع على آخر ، وقد بدأت تجربتي مع الشعر مبكرة منذ منتصف الستينات ، ولما أتجاوز السابعة عشرة ، وكتبت منذ تلك البدايات القصيدة التقليدية ، وقصيدة الشعر الحر ، والذي كان يفرض عليّ كتابة القصيدة بالشكل الذي تظهر به هو موضوع القصيدة ونوع المعاناة ، ولست أنا الذي أختار ، أو أحدد مسبقا الشكل الذي أريد ، وإن كنت أحيانا أحاول مسبقا تحديد الشكل ، ولكني غالبا لا أوفق في ذلك .
انتهى بحمد الله
أخوكم الشاعر
الدكتور / مسعد زياد
دكتوراه فلسفة في الأدب الحديث والنقد
مشرف ومطور تربوي
ومحاضر في العلوم اللغوية والتربوية
مدرسة الديوان من المدارس الشعرية الجديدة بعد مدرسة البارودي وشوقي وحافظ ومطران ، تزعمت حركة التجديد في الشعر ، وألحت في الدعوة إليه .
أعلامها الثلاثة ( شكري، والمازني، والعقاد) قاموا بدور كبير في خدمة نهضتنا الشعرية ، وفي نشر حركة التجديد في الشعر العربي الحديث ، وتسمى مدرسة شعراء الديوان نسبة إلى هذا الكتاب النقدي المشهور، الذي ألفه اثنان من هذه المدرسة وهما العقاد والمازني، وأصدره في جزأين ، وبسطا فيه دعوتهما الجديدة ، ونقدا فيه ( حافظا وشوقيا والمنفلوطي) كما نقدا زميلهما الثالث وهو عبد الرحمن شكري.
وقد أحدث هذا الكتاب الصغير ضجة كبيرة في الجو الأدبي والشعري في مصر والعالم العربي ، وكان له تأثيره على شوقي والمنفلوطي، وغير من نظرية عمود الشعر القديمة ، وعلى الرغم من أن عبد الرحمن شكري فارق زميليه وتركهما وحدهما في الميدان إلا إنه يعد رائد هذه المدرسة الأول ، وإمامها الذي اقتدت به، وهؤلاء الثلاثة ثقافتهم انجليزية ووجهتهم هو الأدب الانجليزي.
وقد ذكر العقاد في كتابه ( شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي) أن ثقافة مدرسة شعراء الديوان كانت تتناول كل الثقافات العالمية ، عن طريق الأدب الإنجليزي، وأنها استفادت من النقد الانجليزي فوق استفادتها من الشعر.
وقد كرر العقاد في كتبه ومقالاته في حياته أن مدرسة الديوان هي أول حركة تجديدية في الشعر الحديث، وأنكر فضل مطران على حركات التجديد هذه ، وكانت ثقافة مطران فرنسية، وذكر العقاد كثيراً أن شوقياً وحافظا تأثرا بمدرسة الديوان، وهو في ذلك جد مسرف في المغالاة والإدعاء .
ومن حيث كان مطران يتزعم حركة الدعوة إلى الشعر الموضوعي في الأدب الحديث، كانت مدرسة شعراء الديوان تدعو إلى الجانب الذاتي والغنائي والتأملي ، فشعرها هو شعر الوجدان الذي يعبر عن ذات الشاعر وشخصيته أبلغ التعبير، وأدخل المازني في تعريف الشعر العاطفة والخيال.
وقد حمل العقاد وشكري والمازني لواء الثورة ضد الشعر الكلاسيكي والشعر القديم، وحالوا هدم زعماء الشعر العربي المعاصر ، وكتبوا أعنف الفصول النقدية التي حفظها تاريخنا الأدبي وثائق ذات قيمة كبيرة في تاريخنا الفكري والشعري المعاصر.
من أعلام مدرسة الديوان:
أ)المازني:
كان المازني من رواد الأدب الجديد وأعلامه ، ويقترن أسمه باسمي زميليه: شكري والعقاد، وثلاثتهم يكونون مدرسة جديد تدعى مدرسة شعراء الديوان ، وقد جمعت الزمالة في ( المعلمين العليا) بين المازني وعبد الرحمن شكري، وربطت بينهما بصلات وثيقة، وكتب الثلاثة يبشرون بشعر جديد، مهد للدعوة إليه قبلهم مطران، وآزرهم غي الكفاح من أجله أبو شادي.
وحدثت بين مدرسة شعراء الديوان ومدرسة شوقي وحافظ معارك نقدية ظهر فيها عام 1915 كتاب للمازني في نقد شعر حافظ عنوانه ( شعر حافظ) وأعلن شكري بعد ذلك انفصاله عن زميليه ، وثارت الخصومة بين ثلاثتهم، وأخذ شكري يعيب على المازني انتحاله لبعض الأشعار الانجليزية .
وفي عام 1921أصدر المازني والعقاد كتاب ( الديوان) في جزأين ينقدان شوقيا وحافظا، ونقد المازني فيه المنفلوطي، كما نقد شكري بعد أن مدحه في مقدمة كتاب (شعر حافظ) .
ويؤمن أصحاب مدرسة الديوان بأن الشعر يجب أن يكون تعبيراً عن وجدان الشاعر وحياته الباطنية، وصادر عن نفس الشاعر وطبعه، والشعر عندهم تغلب عليه النزعة الوجدانية ، بينما تغلب عليه عند مطران ومدرسته النزعة الموضوعية. وأساس الحكم بعظمة شاعر عند شعراء الديوان هو ظهور شخصية الشاعر وصدقه في الإحساس والتعبير.
وقد بدأ المازني حياته الأدبية شاعراً، ينظم الشعر يصور فيه أحزانه النفسية وهمومه وآلامه وذكرياته وأحداث الطور الأول من حياته، وقد تأثر بالشعراء العرب ولا سيما العباسيين كابن الرومي.
والمازني الناقد كان واضح الأثر في تطور حركة النقد في أدبنا المعاصر. وتبدو آراؤه النقدية في الديوان بجزئيه، الذي اشترك فيه مع العقاد في الحملة على شوقي وحافظ، وهاجم المنفلوطي وشكري.
ويأخذ المازني على شعراء المدرسة المحافظة تفكك الوحدة الموضوعية في قصائدهم ، وإغراقهم في شعر المناسبات وتقليدهم للقدماء، وهو يدعو إلى رومانسية الموضوع ورمزية التعبير الشعري، وإلى صدق في الإحساس والأداء في كتابه ( الشعر: غاياته ووسائطه) .
ب) شكري:
كان شكري من رواد المدرسة الحديثة في الشعر العربي، وهي المدرسة التي خلفت المدرسة القديمة التي تمثلت في شوقي وحافظ وأضاربهما.
وقد تعارف شكري والمازني في دار المعلمين العليا، ثم تعرف بالعقاد، وعرف به شكري، وجمعت ثلاثتهم روابط الأدب وصلات الشعر، والدعوة إلى المذهب الجديد.
كتب شوقي عام 1916 في الجزء الخامس من ديوانه ينقد المازني ويعيب عله سرقاته الشعرية من الشعر الغربي، وتبادلا النقد على صفحات جريدة النظام، ونقد شكري المازني والعقاد على صفحات عكاظ في مقالات نشرها عام 1919و1920ونقد المازني شكري في كتاب الديوان، الذي ظهر عام 1921وسماه صنم الألاعيب، ورماه بالشعوذة والجنون.
وشكري يتمثل تجديده في ديوانه الذي ظهر الجزء الأول منه (ضوء الفجر) 1909وأعيد طبعه 1914ثم ظهر الجزء الثاني منه (لآلي الأفكار) والثالث ( أناشيد الصبا) والرابع( زهر الربيع) والخامس (خطرات) عام 1916 والسادس (الأفنان) عام 1918والسابع (أزهار الخريف) عام 1919ثم أعيد طبع الديوان في مجلد بعد وفاة شكري وأضيف إلى الأجزاء السبعة جزء ثامن جمع فيه شعره منذ عام 1919 حتى وفاة الشاعر.
ج) العقاد:
عبقري موهوب، وأديب مفكر، وناقد ذكي،وكاتب عصامي وإمام من أئمة الأدب والشعر في العالم العربي، كان شاعراً مجدد يجمع بين قوة العاطفة وعمق الفكرة.
ظهرفي سنة 1913الجزء الثاني من ديوان عبد الرحمن شكري وفيه مقدمة قيمة بقلم الأستاذ العقاد عن الشعر ومزياه، وفي عام 1914 ظهر الجزء الأول من ديوان المازني ، وفيه مقدمة رائعة للعقاد عنوانها( الطبع والتقليد).
وفي سنة 1916كان قد ظهر الجزء الأول من ديوان العقاد الذي أسماه في الطبعات التالية ( يقظة الصباح) وقد امتازت قصائد هذا الديوان بما يسميه العقاد الوحدة العضوية ، فكانت القصيدة تقوم على موضوع واحد تتناوله من شتى نواحيه ، في وحدة مسلسة ، وترابط يكاد يكون منطقياً .
وكان في العقاد حدس الشاعر ورفاهة حسه ودقة ملاحظة للعالم وقدرته على التحليل والتعليل وعمق الفيلسوف ونفاذ نظراته وسعة إحاطته، وكان العقاد يلتزم القصد في حياته ويتحرى الاعتدال فيعيش في كتبه ومطالعاته .
كان العقاد مولعاً بالتجديد والإبداع والابتكار وقد دفعه هذا الولع إلى الإسهام في خلق مدرسة شعرية وكذلك مدرسة شعراء الديوان تعد أساساً للأدب الرومانسي في الأدب العربي.
أهم بواعث هذه المدرسة في نظم الشعر هي ، الحب ، صدق العاطفة، الطبيعة، تحبيب القيم المعنوية ، الاعتزاز بالنفس، تخليد مظاهر البطولة، الخواطر والتأملات.
كان العقاد يتناول الأغراض الشعرية المتنوعة ولكنه كان يبدع في الوصف، وإبراز عواطف الحب الكامنة في نفسه، وإبداع العاطفة التي اقتبسها من تجاربه وثقافته الواسعة.
(1) محمد الحرز
الكتابة الشعرية الجديدة التي تشكلت في المملكة منذ نهاية عقد التسعينات تميزت بكونها تجربة نمت في محيط ثقافي أشبه ما يكون بالجديد على الثقافة المحلية . هذا المحيط هو مجموع الثقافة التي تشكلت من خلال عالم النت الافتراضي , وما أفرزه هذا العالم من شبكة واسعة من العلاقات الإبداعية , ومن تداعيات فكرية وثقافية ونفسية على المبدع نفسه , أثرت بصورة أو بأخرى أولا على شكل الوعي الشعري , وثانيا على النص الشعري نفسه من جهة عدم ارتباطه بآليات النشر والخضوع لمعاييرها السلطوية , وما يتطلبه هذا الخضوع من تنازلات تمس في أغلب الأحيان القناعات الشعرية , مقابل البحث عن مكانة في سياق التجارب الأخرى كما كان عليه الحال عند الشعراء في فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات . لكن هؤلاء الشعراء الذين تمايزوا عن غيرهم بهذا المحيط وجدوا أنفسهم قادرين على إيصال قصائدهم , وبسهولة ويسر , إلى قراء من مختلف أصقاع العالم , منهم المختلف , ومنهم المؤتلف . هذا الوضع الفريد بالتأكيد يعزز الرغبة في الاندفاعة نحو الكتابة الشعرية دون الإمساك بزمام الوعي بخصائص هذه الكتابة الفنية منها والأسلوبية من جهة , ويضفي عليها من جهة أخرى الإحساس بامتلاك ناصية الشعر دون اختبار الذات وموضعها موضع التأمل والقلق والتجربة الحياتية التي يتطلبها مفاتيح الوعي الشعري. صحيح أن جميع الشعراء استفادوا من هذه التقنية لإيصال أصواتهم, لكنهم لم يكونوا بلا ذاكرة شعرية عندما ركبوا هذه الموجة. أي أن تجاربهم قد تشكلت واكتملت , وأصبح كل شاعر منهم يمتلك صوته الخاص الذي اكتسبه من محيط ثقافي مختلف . أما هؤلاء الشعراء الشباب فإن مرجعياتهم الفكرية والحياتية والشعرية لها القابلية على امتصاص كل ما يتعالق في أفقها الإبداعي من جديد وطارئ, خصوصا إذا ما أدركنا أن هذا الجديد والطارئ لا تصل إليه يد الرقيب , ولا تقمعه الذهنية الاستبدادية ذات الحدود الضيقة. وهذه في تصوري إحدى أهم السمات التي يمكن تسميتها بالرافد النفسي الذي يغذي النصوص الشعرية عند هؤلاء الشباب , ويعطيها صفة الاشتراك في طبيعة واحدة , ربما تكون هي من الخصائص الثقافية التي تميز الكتابة الشعرية الجديدة في مشهدنا الثقافي المحلي, وكذلك المشهد العربي أيضا. لكن على الرغم من هذا المناخ المشترك الذي يجعل من الممارسة الإبداعية وكأنها تتدفق من مصب واحد , إلاّ أنها في الكثير من تجاربها – كما سنرى لا حقا- تذهب إلى التشظي بحيث يصعب على المتتبع لها أن يكشف عن مرجعية شعرية واحدة تنطوي تحتها مثل هذه التجارب , عكس ما رأيناه في تجارب بعض شعراء التسعينات التي كان أغلبها يمارس الإنتاج الشعري ضمن حدود مرجعية شعرية تكاد تكون شبه مسيطرة على طبيعة تصوراتهم للشعر ووظيفته في علاقته بالإنسان والحياة وأشياء العالم , ولا يعني هذا الكلام أن التشابه يصل حد التشابه البنيوي أو العضوي , بالتأكيد مثل هذه الحالات لا تنطبق لا من قريب أو بعيد على التجارب الشعرية مهما قيل أنها نمطية أو مستنسخة من غيرها , أو من تجارب أخرى . تعدد المرجعيات هنا لا يعني بالضرورة صراع وعي شعري ضد آخر , ولا حساسية شعرية ضد أخرى , لكنها في مرحلة التجارب الحالية تعني التجريب فقط بسبب الخيارات المتاحة أمام الشاعر وسهولة الوصول إليها بفضل التقنيات الحديثة في التواصل الثقافي , هذه الخيارات ليست سوى المشهد الشعري في الوطن العربي وكذلك العالمي, وما يحملانه من تنوع شديد ومتناقض ومتنافر في فهم الشعر ووظيفته , وبالتالي في ممارسته سواء على مستوى الوعي أو اللغة . إزاء هذه الوضعية لا يمكن للشاعر أن يحسم خياراته بسهولة , وبالتالي ملامح شخصيته الشعرية لا يمكن أن تتكون إلا إذا وصل إلى قناعة تنهض كنواة صلبة في تشكيل رؤيته للشعر ووعيه به , وهذا لا يتأتى في تصوري إلا من خلال تجربة حياتية تضعه أمام ذاته وأمام اللغة والمخيلة على حد سواء . وهذا ما لم يتشكل بعد في التجارب الحالية ليس بسبب عوامل ذاتية ترجع إلى فنية التجارب ذاتها , ولكن بسبب عوامل موضوعية ينتجها السياق الثقافي الذي يؤثر على وعي هؤلاء الشعري . ولسنا هنا بصدد الحديث عن مجمل هذه العوامل. لكن الذي يهمنا في الأمر هو مقدار الاختلافات الثقافية والاجتماعية التي تضع التجارب الشعرية الحالية في سياق متمايز عن التجارب السابقة , لأن الكشف عن مثل هذه الاختلافات تفضي بنا إلى الكشف عن التصورات الأولية التي تضع الوعي الشعري على العتبة . هذا التمايز بالتأكيد هو وثيق الصلة بالتحولات السريعة التي طالت جميع مناشط حياة الفرد والمجتمع في المملكة من جهة , وطالت بنية التفكير ولو جزئيا لجيل من الشعراء لا زال يعيش في قلب هذه التحولات المتلاحقة من جهة أخرى , يضاف إلى ذلك كما قلنا آلية التواصل المتطورة والتي أصبحت جزءا من العمل الثقافي بوجه عام .إن قراءة هذه الاختلافات بتفاصيلها الدقيقة ليست من أهداف هذه الدراسة , ولكننا أردنا أن نبين من خلال سرد ملامحها العامة مدى أهميتها في تشكيل وبلورة سمات معينة للشعرية على حساب سمات أخرى تخضع بدرجة أو بأخرى لشروطها ومؤثراتها من العمق. انطلاقا من هذه القناعة , وكذلك مما سبق قوله, سوف نخوض تجربة الاقتراب من بعض التجارب الشعرية الراهنة التي كان لها إنتاج مطبوع في الساحة , وذلك للوقوف على التجربة من منطلق الكشف عن مكونات الوعي الشعري وتصوراته الراسخة في ذهن المبدع , وأثر هذه المكونات على الرؤيا والممارسة النصية لدى الشاعر. وقبل الدخول إلى فضاء العوالم الشعرية ينبغي علينا أن نجيب على التساؤل التالي : ما المقصود بالوعي الشعري هنا , ولماذا ؟ إن مفهوم الوعي الشعري في الدراسات النقدية الحديثة هو نوع من إدراك العالم ورؤيته. هذا الإدراك أو هذه الرؤيا مشروطة بالطريقة التي يتخذها القول الشعري داخل النص , وما تستدعيه هذه الطريقة من تأسيس علاقات لغوية ذات طبيعة إشارية حدسية بين الكلمات , وما تعتمده كذلك من الصياغة والتركيب والحذف والإضافة والتقديم والتأخير , أي السياق بما هو انتظام الكلمات والجمل داخل النص . يعرف جورج لوكاتش الرؤيا للعالم بأنها " تجربة شخصية عميقة يعيشها الفرد , وهي أرقى تعبير يميز ماهيته الداخلية. كما يراها الشكل الأرقى للوعي "(1) . وإذا كنا نتبنى هذا المفهوم ونعتمده في معالجة النصوص الشعرية, ذلك لأنه يتيح لنا أثناء التحليل التعرف على الخصائص الثقافية بالمعنى الشامل للكلمة ( أي اللغوية والدينية والاجتماعية والفكرية) , وهذا أمر ضروري في تصوري لأنه يتيح لنا موضعة التجربة في سياقها العام الذي نمت فيه . لكنه لا يعني فيما يأتي من مقاربة أننا نقف عند حدود هذا المفهوم فقط , إنه مجرد باب نشرعه على فعل القراءة الذي لا يمكنه أن يكون مرهونا إلا لسلطة القارئ وحسب . وبالتالي نحن نختبر إمكانية القارئ وقدرته في تحليلنا بقدر ما يفضي بنا ذلك للكشف عن الجماليات الفنية التي هي موضع التحليل .
(2)
الشاعر محمد خضر الغامدي أصدر مجموعته الأولى " مؤقتا.. تحت غيمة " عام 2022 والثانية " صندوق أقل من الضياع " عام 2022 , وهو في صدد إصدار مجموعته الثالثة " المشي بنصف سعادة " . تحت ثنائية ( الطبيعة / اللغة ) يصوغ الشاعر موقفه من الوجود . ففي مجموعته الأولى تشكل فكرة الرفض والانعزال والهروب الدعامة الرئيسية في سعي الشاعر لإعادة صياغة وترتيب الطبيعة وفق ما يتطلبه ميلاد شاعر:
لا لا لا لا لا لا/ لا لا لا لا
البلداء الأوائل
لم يقولوها فذابوا في الكتب
اللاءات التي
تحتضنها الرمال
كونت الأشجار والبحار
والشعراء
والقول المبين
هذه الفكرة تلح كثيرا , ولا تخلو منها قصيدة من قصائد الديوان.ربما هذا الهاجس بسبب كون الشاعر تتحدد رؤيته للشعر من منطلق إعادة خلق الذات عن طريق التوحد بالطبيعة لكنها في ذات الوقت لم تفض في نصوصه إلى تكوين وعي شعري وثيق الصلة بالتجربة الشخصية لحياة الشاعر نفسه , بل ظلت هذه الرؤيا في حدود الجمل الشعرية التي تقول : على الذات أن تكون القربان الذي يقدم على مذبح الشعر, وعلى رغم اختلاف الصياغات إلا أن الفكرة هي ذاتها لا تتغير: كنت أحرق طفولتي قبل النوم
لذا فإنني أدركت الغناء مبكرا
وأدركت ما وراء النبع
أو: ولي رغبة في المحيطات
وأني قد لا أعود
وأني منذ أن كنت
في حضن النبات
وأنا حطام شامخ
وهناك أمر آخر يعزز ما نذهب إليه , هو كون البناء التركيبي للجمل الشعرية لم يساعد كثيرا على توسيع نطاق الفكرة ومن ثم دمجها في علاقات إيحائية ودلالية تكون وليدة سياق شعري يخص القصيدة ككل , وليس وليدة جملة شعرية فقط , مثل نص " مكنسة ونصف موج" و" رغوة الذاريات " و " ما تيسر من سيرة الحطب" . وهناك نصوص أقل في انصياعها لهذا البناء كونها اعتمدت على محاولة تكثيف المعنى والإيحاء عن طريق الاقتصاد في الجملة الشعرية للقصيدة , وبالتالي محاولة الاقتراب من أهم سمات القصيدة الجديدة التي سنلاحظها بجلاء في مجموعته الثانية " صندوق أقل من الضياع " . لكنه اقتراب حذر أو هو يتراوح من قصيدة إلى أخرى, ولو أنه في هذه المجموعة حاول أن يكون لصيق التجربة الحياتية , وأكثر وضوحا في هذا الاتجاه من المجموعة السابقة إلا أن ما لم تتخلص منه هو طغيان الجمل التقريرية النثرية والوصفية التي تأتي في بعض النصوص , والتي تحد من تماسك النص شعريا ودلاليا من جهة , وتسقطه من جهة أخرى في أفق ضيق بالنسبة للرؤيا والوعي الشعري لتجربة المجموعة ذاتها : في نص " ما حدث بالضبط " : .. أعني ما نسميه بالمبالاة- مركونة في انتظار نقلة نوعية!!.
أو : حتى محادثتي مع – زكية- الفاتنة
كانت تسير للتفاهم الشاطح عن
العقلانية
أو في نص " فقد" :
يمكنني أن أفعل هذا
كل عام
لأنسى قليلا
( مسألة)
غربة الروح
والانتظار
أو في نص " السكين في النار" : تلك الصراصير الأكثر حداثة, من جيل الحروب الطاحنة.أو : معلقة أخر آمالها بمشهد الخيانات .. الرقصات الشعبية, والطعن في الأعراض.أو نص " الساعة الثانية عشر" : نترك الفلسفة جانبا , ونقبل بعضنا بهمجية. وهناك الكثير من الأمثلة في المجموعة التي يمكن الاستشهاد بها باعتبارها مناطق هشة في نسيج النص. وبالتالي التخلص من الزوائد الدودية التي تطفو على النص هي من أهم المآزق التي ترتبط بشعراء الجيل الحالي. لكن بالمقابل هناك نصوص أخرى تميزت بالتماسك والصلابة والتي تؤدي فيما تؤدي إليه إلى خلق موقف من الحياة انطلاقا من تجربة النص نفسه فقط . في هذا الإطار تأتي نصوص ( زمن , حيرة , مع كل هذا , شيء أظنه حزنا , لهفة مستعجلة , حديث البلكونة , الغرفة 209 , سيرة الولد) . هذه النصوص تتخفف كثيرا من تبعات الإرث الشعري الذي سيطر على أجواء المجموعة الأولى , وبعض من أجواء الثانية . فهي تختبر أحاسيسها الأكثر خصوصية من خلال البوح بالأشياء والعلاقات, وهو اختبار لا يكشف عن قول شعري فيه ملامح الادعاء أو الضجيج بل يكشف عن حالة تأملية في حياتنا اليومية لا يمكن التقاطها إلا عبر مخزونات الرؤيا الشعرية. لكني- في النهاية- أتصور أن تجربة محمد الخضر سوف تكون أكثر رشاقة من السابق لأن تراكم الخبرة الحياتية , ومن ثم تحويلها إلى لغة شعرية تأتي في إطار الوعي بأن الشعر هو إدراك عميق بالحياة من جهة , وباللغة من جهة أخرى , وما بينهما بالتأكيد يقف الشاعر على حافة الهاوية دون أن يقع , ودون أن ينظر إلى جهة دون أخرى , التوازن هو المطلوب , وهذا ما أحسسته في النصوص التي ذكرناها سابقا للشاعر, وإن كنا نرى من جهة أخرى أن البحث عن مناطق شعرية جديدة للقول الشعري في كل تجربة يخوضها الشاعر ,هي من أكبر الرهانات التي ينبغي أن يخوضها الشاعر بكل اقتدار واحترافية .
(3)
الشاعر عبد الله ثابت أصدر مجموعتين شعريتين ورواية. الأولى بعنوان " الهتك " عام 2022 , أما الأخرى بعنوان " النوبات " 2022 , والرواية بعنوان " الإرهابي 20" . المناخ الشعري لمجموعته " الهتك " مرجعيته تعود في جذورها إلى الذاكرة التي هي وثيقة الصلة بالتحولات التي تطال الشاعر روحيا ونفسيا , وهي تضغط عليه؛ كي تظهر تموجات هذه الروح الوثابة المتمردة : لكم الدائرة ..انتقوا لا ثمها , القبتان .. لتختاروا فارسهما , طينتي بانتظاركم .. تقاسموا التفاصيل !. هو لي .. ولتسملوا النبض , هو لي.. واصلبوا جثتي بشوارعكم , هو لي.. وعلموا أطفالكم لعني , هو لي .. ولتركل أعرافكم جمجمتي , هو لي كما الأشياء لله , ليس لكم . وبسبب هذه الوطأة ( الذاكرة/ التحولات ) لا تنهض النصوص في مجملها شعريا , وتنحجب الحياة عنها باعتبار الحياة الصلة الوثيقة بين الشاعر والنص , وعوض ذلك نرى أغلب نصوص المجموعة تتغذى على قيم ومفاهيم موروثة من قبيل : الذنب , المغفرة , الخطيئة , الإحسان , الأوثان .. ألخ لكن الشاعر يراهن هنا من خلال فنية القصيدة على خلخلة دلالات تلك القيم المتجذرة في سياق الثقافة السائدة للشاعر . لكن السؤال هنا هل النصوص أحدثت هذا النوع من الخلخلة ؟ لا يبدو ذلك- إلا فيما ندر من نصوص قليلة – لأسباب ومعوقات من أهمها أولا : الجمل الشعرية في النص الواحد لا تخلق علاقات تعزز من القوة الإيحائية والدلالية للسياق الشعري للنص ذاته كما في النص التالي : والدي.. لا يتفهم خوفي
لم يعطني القرار : أكون .. لا أكون
سيان : مسيء أنا , أو محسن
وليٌ.. كعربيد , فلق.. كعتمة
إذا كل شيء قدر..
ما قيمتى !
ثانيا: تغليب المنطق على المخيلة في خلق علاقات بين الجمل الشعرية كما المثال أعلاه , وهو بالتأكيد يحد من تحليق النص في فضاء الشاعرية. هذه الملاحظة تنسحب على كثير من نصوص المجموعة كما في نص " وثنية/ خوف مقارن" أو" المدينة المتآكلة" أو " موسقة نهائية" . ثالثا : هناك جمل نثرية تتسرب إلى النصوص, وتتموضع داخلها بوعي مسبق, ومسقط عليها شعوريا من الخارج كما في نص " المدينة المتآكلة " نجد المقطع التالي :
مدينتي يعرفها المتاجرون .. الممثلون الرحمة والرياء
أسكنها .. تسكنها قطة تتعلم الاستعراض!
ينام على أوجاعها الراسمون بطولاتهم ..
المختلسون كحل النساء..
المثقلون باليوم النهائي !
أيضا نجد ذلك في نصوص ( عباءة , مزاجية , قمار, صمم, فمان لنواة واحدة, قنينة معتمة ).
كل هذه الأسباب مجتمعة لا تصوغ وعيا شعريا يتخذ منه الشاعر موقفا وجوديا من الحياة , حيث الذهاب إلى القصيدة بمرجعية من الذاكرة فقط بوصفها المحرض على فعل الكتابة هو نوع من قطع الصلة بتفاصيل الحياة التي تضغط على أحساس الشاعر يوميا, ولا يعني كلامنا امتناع العلاقة بين الذاكرة من جهة والخبرة الحياتية بتفاصيلها الصغيرة من جهة أخرى , إن الفنية العالية للتجربة الشعرية هي من صميم ونتاج العلاقة بين الاثنين . لكن ما يهمنا هنا بالدرجة الأولى هو كون النصوص اتسمت بالانفعالية بخلاف ما سوف نراه في المجموعة الأخرى التي تتسم قصائدها بالاتزان والهدوء والتأمل الفلسفي في بعض جوانبها . بينما من جانب آخر يمكن أن نرصد هنا بعض القصائد التي كما قلنا سابقا انفلتت من تأثير الإطار السابق بحيث جاءت أشبه ما تكون على شكل أيقونة تضيء من جميع جوانبها مثل نص " ثوب نبي , سليمانيون , مرافعات , زئبق لا إناء له" . أما مجموعته الأخرى " النوبات " فيمكن تصنيف القصائد فيها إلى ثلاث توجهات تشكل في مجملها خصائص تطور ونضوج القصيدة عن مثيلاتها في المجموعة الأولى . التوجه الأول تنحوا فيه القصائد منحى القصيدة اللقطة أي تأتي فيه القصيدة كتلة واحدة , وبتدفق شعوري لا ينفصل عن شكل وإيقاع القصيدة ذاتها , وهذا المنحى من التوجه بالتأكيد تضع التجربة على طريق كتابة القصيدة النثرية بالمفهوم الغربي وبالخصوص الفرنسي منه :
في هذا الوقت..
جالسا وراء برميل كبير
أنزوي عن العالم هنا..
عن غلطة حلمي!
أو: محاكمة عسكرية :
للإعدام : ملائكة فارون , مقاتلون في الخريف , ذخيرة وأحصنة عرجاء, نساء ورقيات , قهوة عربية, غليون غربي, قفازات وآلات حرب مفقودة , قواميس للغات حية … أطلقوا النيران !.
أو: في مذكرات امرأة:
لن أنتظر أعذارا من نوع ( عنوسة- طلاق- حب فاشل- زواج رديء.. ألخ) حتى أقرر أن أشهق تحت السائق, وأصيح به : افعلها مرة أخرى!.
وهناك نصوص أيضا تدخل في هذا المنحى , لكنها في لحظة معينة لم تحافظ على تماسكها الداخلي , بل رأينا كيف أن الأزمة في هذه النصوص هي قدرتها على ابتكار طريقة شعرية ومتنوعة من نص إلى آخر للدخول إلى فضاء القصيدة , لكنها بالقدر ذاته لا تستطيع إقفال هذا الفضاء بجمل شعرية خاطفة وذات توتر شعري عال من الحساسية والصياغة , وسأكتفي بمثال واحد:
أشعر بالخزي , فانا موظف طيب..
لا أختلس , ولا أبتز,
وأحفظ يوم مرتبي!
أعمل في مبنى ضخم.. فساعتان في تقليب الصحف, وإفطار مع بسطاء يصفونني بالعلماني والضال, وساعتان من الاستماع للأغنيات اللبنانية , وتصفح ذاكرات الشعوب, وتبادل رسائل الجوال.. ساعتان أمضيهما يوميا في الحديث عن ضمير المهنة ,( وسأبقى هكذا حتى يحين التقاعد المبكر.. ثم أطير).
الجملة الأخيرة التي وضعناها بين قوسين هي التي تأبى أن تأزم النص شعريا فتجعله أقرب للنثر منه إلى الشعر. أما التوجه الثاني فتأخذ القصائد فيه منحى التأمل الفلسفي الذي يعتمد فيه على الجمل الشذرية التي تعيدنا إلى نيتشه وإميل سيوران , لكنها لا تتسم بروح القصيدة الحديثة , ولا تشتمل على خصائصها الفنية. يقول: يستوي في الإنسان الجسد , وفي خباياه تختبئ بعوضة ومارد. نكذب ملدوغين .. نكذب عتاة !. يقول أيضا : تصفون أنفسكم بالكبرياء والعناد والغرور.. يالهشاشتكم!, الجوعى يتحدثون دوما عن الموسيقى والكرامة , وأخيرا يأكلون خجلهم أمام رائحة شواء تقطع كلامهم!. أما التوجه الثالث فهو لا يتمايز عن الثاني , وإنما امتداد له , ويمكن تسميته بالسجال الوعظي , وهي محاولة لزج القصائد كما رأينا في المجموعة الأولى في أتون الصراع ضد سلطة امتلاك قيم الإنسان ومفاهيمه في الحياة . يقول : لن أسمح بانتحالي مرة أخرى , وعلى معتوهي الغيب أن يفهموا أن لم يعد بوسعهم طلائي بالخوف.. وأني سأواجههم بالطيش.. إلى آخر النص. وهو بالتأكيد صراع يسلب القصيدة جمالياتها ناهيك عن احتجاب الخبرة الإنسانية كشعور وكموقف وإدراك للحياة من العمق وراء تداعيات تلك الحالة , لذلك لا يمكن البحث عن مفردات الوعي الشعري داخل هذا المنحى من القصائد , لأن إدراك العالم واتخاذ مسافة منه يتطلب عدم تورط القصيدة في الانسياق وراء صدمات شعورية تكون في الغالب نتاج أفكار , وليس نتاج علاقات تكون وثيقة الصلة باللغة الشعرية , إذ ليست هذه العلاقات سوى الهيئة التي تعبر عن حضور الوعي الشعري عند الشاعر , وبدونها في تصوري لا يكون هناك وعي شعري يتأسس من خلال القصيدة على الإطلاق .
(4)
هناك تجارب شعرية تتسم قصائد شعرائها بالغموض , لكنه الغموض الذي هو نتاج الفكرة وتداعياتها ومفارقاتها وعمقها الذي تسبح فيه , وهو غموض يعادل غموض الحياة وتناقضاتها وأسرارها أيضا, وبالتالي هو غموض محبوب في القصيدة , لأنه موحي وشفاف وينم عن وعي كبير في استخدام أساليب تعبيرية في بناء القصيدة , ومن ثم إنقاذها من الضحالة والسطحية والضمور. بالمقابل هناك أيضا غموض تتلبس بعض التجارب الشعرية المحلية , وهو غموض يتصل بتقنيات التوصيل وإنشاء العلاقات بين الجمل الشعرية , وكذلك بطغيان التركيبات اللغوية الذهنية المجردة , ناهيك بالتالي عن الغموض في الفكرة . هذا ما يخرج به قارئ مجموعة " مهلة الفزع " 2022 للشاعر أحمد الواصل, وهي الثالثة من بين إصدارته الشعرية . وما يلفت النظر فيها هو الشهادة التي جاءت على الغلاف الخلفي للباحث المشتغل بالفكر والفلسفة سامي أدهم يقول فيها بأن الشاعر " يحاول أن يؤسس شعرية جديدة تتحدى القديم والبالي رافعة الشعر العربي إلى مستوى إنسانية العالم " . ليس مهما بالنسبة لي هنا مناقشة تأثير الذائقة على الفرد في ميله إلى هذه القصائد أو تلك , لأننا بالتأكيد خاضعون ومتورطون جميعا في هذا التأثير انطلاقا من مفاهيم وتصورات حول الشعر,قد ترسخت وارتبطت في أذهاننا عن طريق الخبرة والثقافة والتربية. لكن ما أود مناقشته هنا هو أن تأسيس شعرية جديدة لا تعتمد على ثقافة الشاعر ووعيه فقط , وإن كان هذا مطلوب في جميع الأحوال , ولا على تبني نبرة الادعاء والتعالي التي تتلبس صوت القصيدة , ولا على استدعاء الموروث والاتكاء عليه , ومحاولة فتح آفاق شعرية من خلاله . إن الرهان على التأسيس يبدأ من القناعة التالية " إن الكلام الشعري هو تجسيد لأشياء عابرة , ولكنها في الوقت ذاته أشياء مطلقة , هل يمكن الجمع بين العابر والمطلق ؟ طبعا لا . لكن هذا ما يقوم به الشعر . في هذا الإطار يستشهد الشاعر صلاح ستيتيه في إحدى لقاءاته بقول لـ " روجيه كايوا " ورد في كتابه " فن الشعر " جاء فيه " لا أزعم بأني أذعت أمورا كان من المستحيل معرفتها , إنما كشفت الحجاب عن العلم الأوسع انتشارا , والذي لا يمكن لأي إنسان إلا أن يعرفه , منذ أن يفتح عينيه للنور , ولا ينساه إلا بالموت , ولكنه عندما يجده في أشعاري يعتقد بأنني أبثه سرا هاما كان يشعر دائما بالتعاسة لجهله به " . لذلك – بالرجوع إلى مجموعة الشاعر- يظل منسوب الوعي باللغة باعتبارها فن ابتكار العلاقات بين الكلمات والجمل , لا رصها وصفها بشكل عشوائي وفوضوي , يحجب شعرية النصوص , ويقذفها في متاهة الاشتغال في مختبرات لغوية مجردة من طاقتها الحدسية التي ترفع المفردة إلى مصاف المخيلة . فنص "- على سبيل المثال- وجع النص " و" رغبة النص " و" نصان منفتحان للاجتهاد" نماذج تعكس بامتياز هشاشة الروابط بين كل كلمة وبين كل جملة بحيث يمكن إزاحة جمل أو كلمات بعينها دون أن يختل التركيب البنائي للقصيدة ككل . ورغم التفاوت في بناء نصوص المجموعة فنيا غير أن نص " عندما روى رعاة الليل- عن نجد " هو أكثر نصوص المجموعة تماسكا وفنية لكونه يحيل إلى موضوعة محددة ( نجد) تتحكم في حركته ومساره .
جزء من دراسة مطولة حول التجارب
الشعرية الجديدة في المملكة
مجلة دارين
http://images.google.ae/images?hl=ar…-8&sa=N&tab=wi
<<< تم تعديل عنوان الموضوع
تنزله