سلطان العثماني بايزيد الاول – بحث تقرير للصف الثاني عشر

إنها قصة رجل كان قلبه ممتلئ بالحماسة الشديدة للإسلام وحب الجهاد في سبيل الله وكانت نفسه تفيض إيمانًا بقضية نشر دعوة الإسلام، وكان عقله مشغولاً بحلم فتح القسطنطينية وحياته كلها من بديتها حتى نهايتها من أجل نصرة الإسلام، ولهذه الحماسة الحب الشديد للإسلام فإن قلبه المرهف لم يحتمل رؤية هزيمة جيوش المسلمين وانكسار راية الإسلام فمات همًا وحزنًا على ما أصاب الإسلام والمسلمين .
إنه السلطان العثماني الرابع بايزيد الأول بن السلطان الغازي مراد الأول قاهر الصرب في معركة سهل كوسوفو، تسلم بايزيد الحكم وهويبلغ من العمر ثلاثين سنة وكان مشهورًا بحماسته الشديدة للإسلام وسرعة انقضاضه المفاجئ على العدو حتى لقب باسم يلدرم أي الصاعقة.
بدأ بايزيد نشاطه على منوال أبيه وعلى نفس سياسته في العمل على الجبهتين الداخلية والأناضول والخارجية [أوروبا] فبدأ بالأناضول خاصة أن أحد أمراء الإمارات الأناضولية وهو علاء الدين أمير مقاطعة القرمان قد خلع الطاعة واستغل خروج بايزيد للجهاد في أوروبا واستطاع أن يسترد بعض الأراضي ولكن بايزيد لم يمهله فانقض عليه سريعًا وأخذه أسيرًا وضم إليه إمارات منتشا وأيدين وصاروخان دون قتال وشق طريقه إلى إمارة اسفنديار التي أصبحت ملجأ للفارين من أبناء الأمراء فطلب من أمير اسفنديار تسلمي الأمراء الفارين فأبى فانقض عليه الصاعقة وضم إمارته للعثمانيين وفر أميرها تيمور لنك وأخذه معه باقي أمراء الإمارات الأناضولية، وبذلك اطمأن بايزيد على الجبهة الداخلية.
أما على الجبهة الأوربية فإن بايزيد الصاعقة يعتبر أول من حاصر القسطنطينية من العثمانيين وتحرك منها إلى بلاد الأفلاق [جنوب رومانيا] وأدخلها في ذمة المسلمين وضم نصف بلاد البلغار المتبقي بعد موت ملكها سيسمان وأسلم ابنه فأخذه السلطان وجعله واليًا على صامون وبذلك أصبحت بلغاريا ولاية عثمانية، وعين السلطان بايزيد الأمير اصطفان بن لازار ملك العرب الهالك في موقعة [سهل كوسوفو] ملكًا على الصرب وسمح له بالاستقلال مقابل دفع جزية سنوية ومساعدته هو وجنوده في أي وقت يطلبهم، ولحل هذه الانتصارات الأوربية أفزعت ملوك أوروبا الصليبيين واستغاث ملك المجر بالبابا ونصارى أوروبا وأعلن البابا قيام حرب صليبية على العثمانيين واستجاب له دوق مقاطعة بورغونيا [موناكو الآن] وأمراء النمسا وبافاريا [جنوب ألمانيا] وفرسان القديس يوحنا الذين أخرجوا من عكا ثم إلى قبرص ثم رودس فمالطة وسار الجميع عام 798 هـ وحاصروا مدينة نيكويلي شمال بلغاريا ووصل بايزيد الصاعقة بجيوشه العثمانية ومعه أمير الصرب اصطفان وكثير من النصارى الخاضعين لسلطان العثمانيين والذين قاتلوا إخوانهم في الصليب خوفًا من شدة هيبة السلطان الصاعقة ودارت رحى حرب هائلة من الحروب الشهيرة في أوروبا وانتصر المسلمون على الصليبيين انتصارًا ماهرًا وأسر الكثير من أمراء أوروبا في هذه المعركة منهم دوق [بورغونيا] الذي فدى نفسه بفدية كبيرة وأقسم للسلطان بايزيد ألا يقاتله أبدًا ما دام حيًا فرد عليه بايزيد بقولته الشهيرة [إني أجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين فأنت في حل من الرجوع لمحاربتي إذ لا شيء أحب إليّ من محاربة جميع مسيحي أوروبا والانتصار عليهم] .
عاشت الدولة العثمانية حتى هذا الوقت في حلم جميل لا تريد الاستيقاظ منه حتى فوجئ الجميع بكابوس مفزع حطم كل المجهودات السابقة لتشييد إمبراطورية العثمانيين ألا وهو كابوس التتار وذلك أن الدولة الإيلخانية التتارية في بلاد الشرق وما وراء النهر قد ضعفت جدًا حتى ظهر قائد تتاري جديد هو تيمورلنك سيطر على بلاد تركستان الغربية وضم الدولة الإيلخانية لأملاكه وكانت بغداد يومها ضمن أملاك الإيلخانيين التي أخذها تيمولنك هذا فعصى عليه أمير بغداد واسمه [أحمد بن أويس] وقد فر منه والتجأ إلى السلطان بايزيد فأجاره فأرسل تيمورلنك يطلب من بايزيد تسليمه أحمد بن أويس فرفض بايزيد، وكان أمير مقاطعة اسنفديار الأناضولية وغيره من أبناء أمراء الأناضول قد فروا من قبل وحتموا بتيمورلنك فاستحكمت العداوة بين الطرفين وزين أمراء الأناضول لتيمورلنك غزو العثمانيين والاستيلاء على الأناضول .. ووافق ذلك هوى عند تيمورلنك الدموي الطبع فأعد جيشًا هائلاً يقدر بثمانمائة ألف مقاتل وانطلق إلى الدولة العثمانية ودخل مدينة سيواس وقتل أميرها أرطغول بن بايزيد الصاعقة، وأخذ يتوغل في الدولة العثمانية ، وكان وقتها السلطان بايزيد مشغولاً بجهاد الصليبيين في أوروبا، فعاد على عجل ومعه جزءًا من جيشه يقدر بمائة وخمسين ألفًا واصطدم مع جحافل تيمور في سهل أنقرة سنة 804 هـ واستمرت المعركة من قبل شروق الشمس إلى ما بعد غروبها حتى حدثت الخيانة التي لا يغلب المسلمون إلا بها عندما انضمت من جيش السلطان بايزيد فرق مقاطعات أبدين ومنتشا وكرميان وصاروخان إلى جيش تيمور لوجود أمراءهم في جيش تيمور فأدى ذلك لانهزام بايزيد الصاعقة ولأول مرة في تاريخه يهزم ووقع في الأسر هو وابنه موسى واختفى ابنه مصطفى وفر أبناؤه محمد وسليمان وعيسى وتمزقت الدولة العثمانية وانفصلت عنها إمارات الأناضول مرة أخرى وانتهز الصليبيون ذلك الأمر فأعلن البلغار والصرب والأفلاق استقلالهم عن الدولة العثمانية، وانكمشت الدولة العثمانية جدًا.
كان ما حدث للدولة العثمانية من تمزيق داخليًا وخارجيًا له أشد الوقع والأثر على قلب بايزيد الذي وقع أسيرًا في يد تيمور وحاول بايزيد الهروب ثلاث مرات ولكنه فشل فشلاً ذريعًا مما زاد همه وغمه وقيل أن تيمورلنك حمله في قفص وسار به في البلاد وإن كانت هذه الرواية غير صحيحة ولكن ما أصاب الإسلام وأصاب بايزيد نفسه جعل قلبه الحساس المتحمس لا يحتمل ذلك فمات همًا وغمًا في 6 شعبان سنة 805 هـ، أما ما أشاعه مؤرخو الصليبيين من أنه قد انتحر فلا أساس له من الصحة ولا دليل عليه ولو كان بايزيد يقدم على ذلك ما وقع أصلاً أسيرًا في يد تيمور ولكن الصليبيين يريدون أن يشوهوا تاريخ هذا الرجل الفذ الذي أذلهم وقمعهم والذي عاش من أجل الإسلام ومات خوفًا على ما أصاب الإسلام .